الاستماع التعاطفي، الذهاب أبعد من الاستماع الفعّال

إنّ الاستماع التعاطفي هو استماعٌ منظّمٌ وتقنيةٌ استجوابيّة، تساعدك على تطوير وتعزيز العلاقات من خلال فهمٍ أقوى لما يجري نقله، فكرياً وعاطفياً. فمن الممكن أن يساعدك هذا على التقدّم بتقنيات الاستماع الفعّال لديك لمستوىً أعلى.



لماذا علينا استخدام الاستماع التعاطفي؟

إن الاستخدام الصادق والفعّال للاستماع التعاطفي يمكن أن يساعدك على كسب ثقة أعضاء الفريق، ومعالجة أسباب المشاكل من جذورها.

كيف تستخدم الاستماع التعاطفي؟

استمع بصبرٍ لما يقوله الشخص الآخر، حتى عندما لا تتّفق معه، من المهمّ إظهار تقبّلك للمتحدّث، وليس بالضرورة الاتّفاق معه، وذلك ببساطةٍ عن طريق الإيماء أو ترديد عباراتٍ مثل: "أنا أفهم"، أو: "أنا أرى".

حاول أن تشعر بالمشاعر التي يعبّر عنها المتحدّث، ولكن لا تفقد حالتك العاطفية كشخصٍ متلقّي. واستخدم أسلوب المرآة، بتكرير أفكار ومشاعر المتحدّث. قم بتشجيع المتكلّم على متابعة رسالته، بينما تُدخل ردوداً مُوجزةً. يمكن أن تشمل الأمثلة على ذلك: "كأنّك تشعر أنّك لا تلعب دوراً قويّاً بما فيه الكفاية في الفريق"، أو: "تشعر أنَّ مواهبك وخبراتك ستكون أفضل في منصبٍ آخر"، أو يمكنك قول: "كما لو أنّك لا تشعر بقيمتك في هذا المشروع". ينبغي قول هذه الأشياء بطرقٍ مُحايدة، حتى لا تؤدّي إلى تحوّل المتحدّث إلى طريقتك في التفكير.

إن المستمع المُتعاطف لا يدفع المتحدّث إلى أن ينساق بالمشاعر أو يصبح دفاعيّاً. وللقيام بذلك، تجنّب طرح الأسئلة المباشرة، والجدال فيما يقال، أو الخوض في الحقائق المثيرة للجدل، حيث يمكنك النظر في الأدلّة في وقتٍ لاحق. أمّا في الوقت الحالي، ركّز تماماً على ما يُقال وكيف يشعر المتحدّث.

عندما يقول المتحدّث شيئاً يتطلًب مُداخلةً إضافيّة، ببساطةٍ كرّر قوله على شكل سؤال. على سبيل المثال، إذا قال المتحدّث: "أنا غير سعيدٍ في وضعي الحالي"، يمكنك معرفة أكثر من خلال السؤال: "أنت تقول أنّك لست سعيداً في وضعك الحالي؟"، فهذا المقدار الضئيل من التشجيع هو كلُّ ما يتطلّبه الأمر لحثّ المتكلّم على التفصيل.

بالإضافة إلى ذلك كن يقظاً لِما لا يُقال. فما يُحجم المتحدّث عن قوله مهمٌّ بمقدار ما يقوله في كثيرٍ من الأحيان. لذلك انتبه إلى لغة جسده، والعلامات غير اللفظية مثل إبقاء رأسه للأسفل، والابتعاد عنك أو تغطية فمه حيث يمكن أن يشير ذلك إلى أنّه يُحجم عن شيءٍ ما، أو يشعر أنّه غير مرتاح.

إذا طلب المتحدّث رأيك، فكن صريحاً. ولكن حاول الامتناع عن تقديم الآراء التي قد تؤثّر على أفكاره أو تمنع المزيد من التواصل.

نصيحة: تحقّق من عواطفك باستمرار ولا تسمح لنفسك أن تتورّط عاطفيّاً. تذكّر: افهم أولّاً، ثم قيّم في وقتٍ لاحق.

أخيراً، ضع في اعتبارك أنّك من خلال كسب ثقة المتحدّث أنت تسمح له بالتواصل بحريّةٍ أكبر. بالقيام بذلك، أنت تضمن أفضل نتائج له، ولنفسك، ولفريقك وللشركة باعتبارها كلّاً واحداً. حين تكسب هذه الثقة، تأكّد من أن لا تخونها.

إقرأ أيضاً: 5 أخطاء نفعلها عند الاستماع للآخرين

مثال على الاستماع التعاطفي:

كمدير، يفتخر سمير بتواجده الدائم من أجل أعضاء فريقه ويحافظ على سياسة الباب المفتوح. فهو يشعر أنّه يعرف كلّ عضوٍ في الفريق تماماً بشكلٍ جيّدٍ ويشارك بانتظامٍ في محادثاتٍ شخصيّةٍ مع كلّ واحدٍ منهم، وهو يعمل جاهداً ليكون على اطّلاعٍ دائمٍ بالأحداث الجارية في حياتهم، سواءً في العمل أو خارجه.

في الآونة الأخيرة، لاحظ أنَّ فاطمة تنسحب من الفريق. حيث بدت خلال الاجتماعات، مُشتّتة ولم تعد توفّر المستوى العالي من الأداء الذي يتوقّعه الفريق منها. كما بدا عليها أنّها لا تبدو بخير. تأخرت في اجتماعات الأمس، وهو شيءٌ لا تقوم به عادةً، وبدت أنّها غير مهتمّةً بالعمل بشكلٍ عام أيضاً.

قام سمير بالاقتراب من فاطمة ليسأل عمّا إذا كان هناك خطبٌ ما. لكّنها أصبحت دفاعيّةً وقالت: "لماذا تسأل؟"، و"أنا بخير".

مرّت أسابيع قليلة وظلّ أداؤها غير مُرضٍ، وظلّ سمير قلقاً بشأنها. فقد كانت سابقاً العمود الفقري لفريقٍ مزدهر.

استخدم سمير تقنيّة الاستماع التعاطفيّ لمعرفة سبب وكشف مصدر أداء فاطمة المتراجع بشكلٍ غير معهود.

تقنيات الاستماع التعاطفي:

قام سمير باستدعاء فاطمة إلى مكتبه وسألها ببساطةٍ كيف يمكنه مساعدتها. هذا يساعد على تخفيف الدفاعيّة ويُظهر أنّه على استعداد لدعمها. ثم استمع إلى ما تقوله فاطمة (وإلى ما لا تقوله أيضاً)، وحرص على تجنّب مقاطعة حديثها. ولم يمضِ وقتٌ طويلٌ قبل أن يكتشف المشكلة، حيث ظهر أنّ فاطمة تمرّ بفترة طلاقٍ وتعتني بوالدها المريض في نفس الوقت.

عمل سمير بانتظامٍ كمرآةٍ لفاطمة أثناء حديثهما. فهو يكرّر النقاط التي قدّمتها، حتى تعلم أنّه يفهمها. ويعيد صياغة تعليقاتها إلى أسئلةٍ أثناء التوقّف المؤقّت في المحادثة ويطلب المزيد من التفاصيل منها.

أولى سمير الانتباه إلى لغة فاطمة الجسدية أيضاً. ومن المثير للاهتمام، أنّ هذه المرأة الواثقة من نفسها سابقاً، أبقت رأسها وعيونها للأسفل طوال المحادثة، فقد بدت مهزومةً بشكلٍ رهيب.

إقرأ أيضاً: تقديم الدعم لصديق أو زميل في العمل يعاني من التوتر

الاستشارة والدعم بعد الاستماع التعاطفي:

بعد السماح لفاطمة بإخراج كلّ ما في صدرها، قدّم سمير الدّعم وليس الأحكام. فعرض سمير تخفيف عبء العمل عن فاطمة مؤقّتاً، وطمئنها بأنّ مسؤولياتها سوف تنتظرها عندما تكون جاهزةً للعودة إلى وضعها الطبيعي. كذلك فقد أعلم سمير أيضاً فاطمة بالدعم والموارد المتاحة لها من خلال قسم الموارد البشرية في الشركة، مثل المشورة والتخطيط المالي، إلخ..

احتفظ سمير بهذه المحادثة لنفسه. وأخبر فاطمة أنَّ ما قالته له سيبقى بينهما. وهو يشجّع فاطمة على الاستمرار في إطلاعه على آخر الأحداث ويسمح لها بوقتٍ للذهاب إلى جلسات الاستشارة التي تخطّط لها من خلال قسم الموارد البشرية في الشركة.

أُحيط سمير عِلماً بألم فاطمة الواضح واستمع بتعاطف. النتيجة: استغرقت فاطمة أكثر من شهرٍ بقليل لتتحسّن وعندما عادت، فقد عادت بحماس، كان عملها أفضل من أيّ وقتٍ مضى، كما كان تركيزها، وولاؤها لسمير، وللفريق، والشركة.

 

المصدر: موقع "مايند تولز".




مقالات مرتبطة