الاستراتيجية التسويقية التي ستغير قواعد اللعبة للشركات الناشئة

إذا نظرنا إلى أي رصيفٍ، أو صفٍّ دراسيٍّ، أو مطعمٍ، أو غرفة انتظار فسنرى كيف أضحت التكنولوجيا تسود مجتمعاتنا، حيث يَذكُر أكثر من نصف المستهلكين أنَّهم "متصلون بشكلٍ دائم" بشبكة الإنترنت وفقاً لاستطلاعٍ أجراه مركز "بيو ريسيرش" (Pew Research Center). ولكنَّ التكنولوجيا لا يمكن أن تفوق بأهميتها أبداً الحوارات والتفاعلات الواقعية بين البشر، أليس كذلك؟



إنَّ تلك الحوارات والتفاعلات الواقعية في طريقها إلى الزوال بعد بضع سنوات وفقاً لـ "داريل بلامر"نائب رئيس شركة "جارتنر" (Gartner)، إذ يعتقد "بلامر" أنَّه بحلول العام 2020 ستُهيْمِن تقنيات الذكاء الاصطناعي على كلٍّ من مجتمعاتنا وشركاتنا وستسيطر على التفاعلات التي تجري في إطار خدمة المستهلكين وعلى الحوارات التي تدور عند التعرف على العملاء المحتملين. ولأنَّ الروبوتات ستكون مُدرَّبةً على إيصال رسائل موجَّهة، وامتلاك شخصية، واستخدام مصطلحات دقيقة عالية التخصص في حواراتها سيجد الناس متعةً كبيرة في التفاعل معها، ولن يمضي وقتٌ طويلٌ قبل أن تكون حواراتنا التي نجريها مع الروبوتات أكثر من تلك التي نجريها مع أزواجنا أو زوجاتنا.

يعود الفضل في التوصل إلى حلولٍ مبتكرةٍ كهذه في جزءٍ منه إلى المستهلكين الذين أصبحت المعلومات تحيط بهم من كل جانب، وفي جزئه الآخر إلى الشعبية المتنامية لما يُعرَف بـ "التسويق الفردي"، إذ بدلاً من تضييع الوقت على "التسويق واسع النطاق" الذي يخفق في جذب اهتمام الجمهور المُستهدف أو الحفاظ عليه يدعو "التسويق الفردي" المسوِّقين إلى تصميم رسائل موجَّهة إلى شخصيات وجماهير معينة وجعل الخبرة التي تمتلكها العلامة التجارية في التعامل مع المستخدمين في نهاية المطاف محصورةً في فئات محددة من الشخصيات للحصول على عملاء محتملين ذوي جدوى بالنسبة إلى الشركة.

ويمكن لـ "التسويق المخصص" إذا ما اقترن مع تقنياتٍ معينةٍ أن يشكل ثورةً حقيقيةً في عالم الشركات، لا سيما بالنسبة إلى الشركات الناشئة التي تعاني شُحِّ الموارد وإلى رواد الأعمال الذين يتطلَّعون إلى قلب الموازين لصالحهم بشكلٍ سريع.

تسخير "التسويق المُخصّص" لصالح الشركات الناشئة:

إنَّ مفتاح نجاح "التسويق المُخصّص" في دفع الجمهور المُستهدَف إلى التفاعل بقوة وزيادة كفاءة فريق العمل هو نهج "التسويق المخصص" الذي يتّسم بأنَّه موجَّه ويركِّز الاهتمام على العميل المُحتمَل. حيث سيقدم لك كلُّ نجاحٍ تحققه مع عميلٍ مُستهدَف أفكاراً، ومهاراتٍ، وأدواتٍ جديدة ستساعدك على توسيع جهودك التسويقية في أثناء نمو شركتك الناشئة.

بيد أنَّ السر الحقيقي الذي يقف وراء نجاح "التسويق المخصص" هو الاستفادة من التقنيات المناسبة لجعل شركتك مميزةً من الشركات الأخريات، إذ لن تساعدك أفضل التقنيات الناشئة على توجيه جهودك وجعلها أكثر بساطةً فحسب بل على مراقبة معدلات التفاعل التي تحظى بها وزيادتها وتوفير الوقت والمال على المدى البعيد.

من المعروف أنَّ بعض التقنيات مرتبطة بالفعل بـ "التسويق المخصص" حيث يمكن للبصمات الرقمية (digital footprints) على سبيل المثال أن تساعد على تحديد العقبات التي يواجهها جمهورك بشكلٍ خاص، ويمكن لحلول ما يُعرَف بالتنبؤ الذكي (predictive intelligence) أن تساعدك على التنبؤ باحتياجات الجمهور المستهدف بحيث تتمكّن من تحديد توقيت إرسال الرسائل التسويقية بدقة. وعلاوةً على ذلك يمكن لقدرة بعض الأجهزة الرقمية على الرد على الرسائل التي تستقبلها من عدة أجهزة متشابهة كلَّاً على حدة (وهي التقنية المعروفة باسم الـ (addressability)) ولتقنية البيع الآلية أن تمكٍّناك من توجيه رسائلك إلى أولئك الذين يتمتعون بصفاتٍ معينة كالذين يحملون مسمىً وظيفياً معيناً.

ولكن من المهم كذلك أن تستفيد من التقنيات والأنظمة الآلية الأقل انتشاراً حتى تصل إلى مجموعةٍ من التقنيات تناسب جمهور شركتك، واختصاصها، واحتياجاتها، وميزانيتها.


اقرأ أيضاً:
أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في التسويق


ومع الانتهاء من اختيار التقنيات المناسبة التي ستستخدمها تكون الخطوة القادمة هي إدراج تلك التقنيات في خطة عملك، فإليك بعض النصائح للتحول إلى "التسويق المخصص":

1- لا تحصر نفسك في مهارةٍ واحدة:

يُعَدّ موقع أمازون منذ العام 2013 أفضل من يُقدِّم المنتجات المُقترَحة، حيث يمكن إرجاع الفضل في كون صفحاته الرئيسة مصَمَّمة لتتناسب واختيارات كل مستخدم بشكلٍ فائق الدقة في جزءٍ منه إلى توجيه الجمهور المُستهدَف نحو تجاهل سيل رسائل البريد الإلكتروني العشوائية والإعلانات التي تظهر على صفحات الإنترنت والتي لا تخاطبهم بشكلٍ مباشر. ولهذا السبب يركز "التسويق المخصص" على جذب اهتمامهم من خلال الرسائل الشخصية والعلامات التجارية المتخصصة.

لا يوجد حدود في الواقع للإبداع الذي يمكنك تسخيره في تخصيص رسالة العلامة التجارية أو تجربة المستخدم، ولكنَّك سترى بشكلٍ عام أنَّك كلما بذلت مزيداً من الجهد في تخصيص عمليات التواصل حصلت في مقابل ذلك على مزيدٍ من التفاعل وهو ما يُعَدُّ أبرز الفوائد التي يقدمها "التسويق المخصص" وفقاً لـ 83% من المسوِّقين الذين استطلعت "ديماند بيز" (Demandbase) آراءهم.

يمكن أن تبدأ "التسويق المُخصّص" من خلال إنشاء صفحات هبوط مخصصة لعملاء معينين على موقع شركتك وتستهدف من خلالها جمهوراً بعينه فتضع في هذه الصفحات صوراً، ونصوصاً، وعروضاً خاصة تتناسب والخيارات التي يفضلها الجمهور، واهتماماته، واحتياجاته. ومن ثمَّ راقب الصفحات التي يتردد إليها المستخدمون في الموقع وأكثر الميزات التي يتفاعلون معها وأجرِ تعديلاتٍ تتوافق مع النتائج التي تتوصّل إليها.


اقرأ أيضاً:
أشهر خرافتين حول التسويق عبر البريد الإلكتروني


2- تعرّف على الذكاء الاجتماعي:

ما يُميّز "التسويق المخصص" – وما سيُميّز علامتك التجارية على الأرجح – عن غيره من مناهج التسويق هو الكيفية التي ستتمكن من خلالها من جعل كل عميلٍ يشعر بأنَّه مَحطُّ الأنظار، وبأنَّ صوته مسموع، وبأنَّك تفهمه، وبأنَّه يحظى بالتقدير، إذ يُعَدُّ هذا أساسياً للحفاظ على رضا العملاء. ويذكر أحد استطلاعات الرأي أنَّ 84% من المسوِّلوقين يقون إِنَّ "التسويق المخصص" يُدِرّ عليهم أعلى عائدٍ على الاستثمار موازنةً بما تُدرُّه أيَّة استراتيجيةٍ أخرى أو برنامجٍ آخر ممَّا يُظهر أنَّ نهج "التسويق المخصص" الذي يُعَدُّ الزبون العامل المحرِّك له هو مفتاح نجاح المسوقين في الحفاظ على علاقات العمل وتطويرها.

فكيف تتعرّف على جميع التفاصيل المهمة المتعلقة بعملائك بحيث تتمكن من صياغة رسائل تؤثر فيهم تأثيراً حقيقياً؟ وكيف تبقى مطَّلعاً على جميع التغيرات والتحديات التي يواجهونها مع مرور الوقت؟ يُعَدّ الاشتراك في إحدى المنصات التي تُقدّم خدمة المعلومات العامة كـ "جوجل أليرتس" (Google Alerts) نقطة انطلاقٍ رائعة، حيث تتيح لك مثل هذه المنصات البحث باستخدام مقاييس خاصة، ومراقبة أنشطة الشركة، وتلقي التنبيهات كلما حدث تغيُّرٌ ما.

وإذا أردت أن تعرف مزيداً من الاختلافات، والاهتمامات، والتحديات مع مزيدٍ من التفاصيل الدقيقة راقب نشاط العميل المستهدف على وسائل التواصل الاجتماعي مثل لينكد إن وتويتر إذ ستساعدك هذه المعلومات المتنوعة على التنبؤ باحتياجات عملائك المتغيرة باستمرار، وإعادة صياغة رسائلك التسويقية، وإعلاء قيمة شركتك في عيونهم.

3- فكّر في ما هو أبعد من المبيعات:

نعلم جميعاً أنَّ بناء العلاقات يمكن أن يكون مفيداً في العمل، ولكن حينما تعمل على نطاقٍ ضيق يَكُنِ البحث عن ارتباطات تجارية دائماً والاستفادة منها أساساً مهماً لبناء علاقات دائمة. فما يدفع العملاء المستهدفين إلى تفضيل شركتك على الشركات المنافسة هو شعورهم بأنَّهم يسيرون معك في الاتجاه نفسه وأنَّك بذلك قريبٌ منهم.

ومن المهم أن تتذكر على الرغم من ذلك أنَّ بناء علاقات الشركة ليس الهدف منه الحصول على المبيعات فقط، إذ إنَّ بناء العلاقات ليس حكراً على فريق المبيعات، فبقية الفرق يمكنها أن تبني علاقاتٍ ثمينةً تدفع شركتك قُدُماً نحو الأمام كذلك. وقد وجدت إحدى الدراسات في الواقع أنَّ العائدات تنمو في الشركات حينما تتضافر جهود فرق الإنتاج، والتسويق، والمبيعات فيها بنسبة 25% وتزداد الأرباح بنسبة 56%.


اقرأ أيضاً:
6 طرائق لكسب ثقة الزبون في عصر انعدام الثقة


إنَّ أفضل طريقةٍ لاكتشاف علاقات العمل الثمينة التي قد تكون في متناول فريقك هي من خلال خاصية الـ (TeamLink) الموجودة في موقع "لينكد إن"، حيث تستطيع من خلال المعلومات التي تقدمها لك هذه الخاصية بناء العلاقات، وتبادل الآراء مع العملاء المحتملين، والبدء ببناء الزخم الذي سيؤدي إلى البدء بالبيع.

إنَّ التكنولوجيا تغزو حياتنا الاجتماعية والتجارية بشكلٍ أكبر في كل يوم، ولكنَّ هذا لا يعني أنَّه يجب عليك أن تتبنى جميع أشكال التكنولوجيا الجديدة لكي تجذب الانتباه إلى علامتك التجارية فقط، بل ركِّز اهتمامك بدلاً من ذلك على حلول التسويق المخصص وتقنياته فهو الطريق المضمون لبناء علاقاتٍ مفيدة، وزيادة كفاءة التسويق، والتزام الميزانية الموضوعة، ووضع شركتك على طريق النجاح.

 

المصدر




مقالات مرتبطة