الاستراتيجيات العامة لـ "بورتر": اختر طريقك نحو النجاح

ماذا تفضِّل عندما تسافر باستخدام الطائرة: أتفضِّل شركة طيرانٍ رخيصة تقدم الخدمات الأساسية فقط أم تفضِّل شركة طيرانٍ غالية الثمن تقدم مستوىً رائعاً من الخدمات وتوفر أعلى معايير الراحة؟ وهل فكرت من قبل في السفر مع شركةٍ صغيرة تركز اهتمامها على عددٍ قليل من المسارات؟ إنَّ الخيار خيارك بكلِّ تأكيد، ولكنَّ الفكرة التي نتحدث عنها هنا هي أنَّك عندما تذهب لتحجز مكاناً لك في رحلة طيران فإنَّ أمامك بعض الخيارات المختلفة للغاية.



ولكن لماذا هذا الاختلاف؟ الجواب هو أنَّ كلّ واحدةٍ من شركات الطيران هذه قد اختارت طريقةً مختلفة لتحقيق ميزةٍ تنافسيةٍ لها في سوقٍ مكتظٍّ بالمنافسين، فقد اختارت الشركات التي تقدّم الخدمات الأساسية توفير التكاليف إلى الحد الأدنى ومن ثمَّ انعكاس عملية التوفير هذه على الزبائن من خلال انخفاض الأسعار. يساعد هذا تلك الشركات على الاستحواذ على السوق، وضمان الحصول قدر الإمكان على العدد الكامل من المسافرين في كل رحلة من رحلاتهم ممَّا يؤدي إلى مزيدٍ من الانخفاض في التكلفة. ومن ناحيةٍ أخرى تُركّز شركات الطيران الفخمة جهودها على جعل الخدمة التي تقدّمها رائعةً قدر الإمكان ومن ثمَّ تكون الأسعار المرتفعة التي يمكن أن يطلبوها نتيجةً لذلك تعويضاً لهم عن التكاليف المرتفعة التي يدفعونها. في حين تحاول الشركات الصغيرة تحقيق أقصى استفادة من معرفتها بتفاصيل مجموعة صغيرة فقط من المسارات لتقديم خدماتٍ أفضل وأرخص من تلك التي يقدمها منافسوها العالميون الأكبر حجماً.

 

اقرأ أيضاً: تحليل القدرات الأساسية: بناء ميّزة تنافسية دائمة

 

تُعَدُّ هذه المناهج الثلاثة أمثلةً عن "الاستراتيجيات العامة" لأنَّها يمكن أن تُطبَّق على المنتجات أو الخدمات في جميع المجالات، وعلى المنظمات من جميع الأحجام. لقد كان "مايكل بورتر" (Michael Porter) هو أوَّل من وضع هذه المناهج في العام 1985 في كتابه الذي حمل عنوان "الميزة التنافسية: بناء أداءٍ متميز والحفاظ عليه" (Competitive Advantage: Creating and Sustaining Superior Performance).

أطلق "بورتر" على هذه الاستراتيجيات العامة الأسماء الآتية: "قيادة التكلفة" (من دون خدمات إضافية)، و"التمايز" (تأسيس منتجات وخدمات فريدةٍ من حيث جاذبيتها)، و"التركيز" (تقديم خدمات متخصصة في أسواق متخصصة). ومن ثمَّ قسَّم استراتيجية التركيز إلى قسمين: "التكلفة والتركيز " و"التمايز والتركيز" كما هو مُبيَّن في الصورة أدناه:

نصيحة:

إنَّ مصطلحاتٍ مثل "التكلفة والتركيز" و"التباين والتركيز" يمكن أن تكون مصطلحاتٍ مُربكةً قليلاً وذلك لأنَّها يمكن أن تُفسَّر من حيث المعنى بأنَّها "التركيز على التكلفة" أو "التركيز على التمايز". تذكَّر أنَّ مصطلح "التكلفة والتركيز" يعني التركيز على خفض التكلفة ضمن سوقٍ محددة، وأنَّ مصطلح "التمايز والتركيز" يعني السعي إلى الوصول إلى التميز الاستراتيجي ضمن سوقٍ محددة.

استراتيجية قيادة "التكلفة":

تُعَدُّ الاستراتيجيات العامة لـ "بورتر" طرائق للحصول على ميزةٍ تنافسية. بعبارةٍ أخرى إنَّها تطوير "الميزة" التي تجعلك تبيع منتجاتك أو خدماتك وتحرم منافسيك من ذلك. ثمَّة طريقتان رئيستان لتحقيق ذلك من خلال استراتيجية قيادة التكلفة:

  • زيادة الربح من خلال خفض التكاليف والبيع بأسعارٍ تساوي متوسط الأسعار في مجال العمل.
  • زيادة الحصة السوقية من خلال البيع بأسعارٍ أقل والحفاظ في الوقت نفسه على ربحٍ منطقي من كل عملية بيع وذلك بسبب تخفيض التكاليف.

نصيحة:

تذكر أنَّ قيادة التكلفة معنية بتخفيض التكلفة بالنسبة إلى المنظمة التي تقدم منتجاتٍ وخدمات، أمَّا التكلفة أو السعر الذي يدفعه الزبون هو قضيةٌ منفصلة.

تتضمن استراتيجية قيادة التكلفة أن تكون أنت بالتحديد المتحكم بالتكلفة في مجال عملك أو سوقك. ولكنَّ كونك ضمن المنتجين الذين ينفقون أقل التكاليف ليس كافياً لأنَّك ستكون عُرضةً للمنافسة من قِبَل منتجين آخرين ممَّن ينفقون أقل التكاليف والذين قد يخفِّضون الأسعار ومن ثمَّ فإنَّ ذلك سيعرقل سعيك نحو زيادة حصتك في السوق. فأنت في حاجةٍ إلى أن تكون واثقاً من أنَّك تحتل المرتبة الأولى قبل أن تختار طريقة قيادة التكلفة. تمتاز الشركات التي تنجح في تحقيق قيادة التكلفة بـ:

  • القدرة على الحصول على رأس المال اللازم للاستثمار في التكنولوجيا التي ستخفض التكاليف.
  • إمكانات لوجستية في غاية الكفاءة.
  • قاعدة منخفضة التكلفة (من العمالة، والمواد، والمرافق)، وطريقةٍ لتخفيض التكاليف بشكلٍ دائم إلى ما دون التكاليف التي يدفعها المنافسون الآخرون.

إنَّ أبرز خطرٍ يترتب على اتباع استراتيجية قيادة التكلفة هو أنَّ مصادر خفض التكلفة تلك ليست حكراً عليك وأنَّ المنافسين الآخرين يمكنهم تقليد الاستراتيجيات التي تتبعها من أجل خفض التكلفة. ولهذا السبب من المهم البحث بشكلٍ دائم عن طرائق لخفض التكلفة.

استراتيجية التمايز:

تتضمن استراتيجية التمايز جعل منتجاتك وخدماتك مختلفةً عن منتجات منافسيك وخدماتهم وأكثر جاذبيةً منها. وتعتمد طريقة قيامك بذلك على الطبيعة المحددة لعملك وعلى طبيعة المنتجات والخدمات نفسها، ولكنَّها تشمل عادةً الميزات، والإمكانات الوظيفية، والمتانة، والدعم، بالإضافة إلى صورة العلامة التجارية أيضاً والتي يشعر العملاء بالتقدير تجاهها جميعاً. وللنجاح في استراتيجية التمايز فإنَّ المنظمات تحتاج إلى:

  • مستوىً جيد من البحث، والتطور، والابتكار.
  • القدرة على تقديم منتجات وخدمات ذات جودة عالية.
  • قدرةً فعالةً على البيع والتسويق بحيث يستوعب السوق الفوائد التي تقدمها العروض المتميزة.

تحتاج المنظمات الكبيرة التي تتَّبع استراتيجية التمايز إلى الحفاظ على يقظتها فيما يتعلق بعمليات تطوير المنتجات الجديدة. وإلَّا فإنَّهم سيكونون عُرضةً للمنافسة على عدة جبهات من قِبَل المنافسين الذين يتبعون استراتيجيات التركيز والتمايز في قطاعات سوقية مختلفة.

 

اقرأ أيضاً: القوى التنافسية الخمس لـ "بورتر": تقويم توازن القوى في مجال العمل

 

استراتيجية التركيز:

تركز الشركات التي تستخدم استراتيجية التركيز اهتمامها على مجموعة محددة من الأسواق المتخصصة وتطور منتجات ذات تكلفة منخفضة ومخصصة تخصيصاً دقيقاً وفريداً من نوعه للسوق من خلال فهم آليات عمل ذاك السوق والاحتياجات الخاصة للزبائن فيه. ولأنَّها تقدم الخدمات إلى الزبائن ضمن الأسواق التي تعمل فيها بجودةٍ لا مثيل لها فإنَّها بذلك تبني ولاءً كبيراً بين زبائنها للعلامة التجارية، وهذا ما يجعل القطاع السوقي الخاص بهم أقل اجتذاباً للمنافسين.

ولكن بالنسبة إلى الاستراتيجيات المُتَّبعَة في الأسواق الكبيرة يبقى من المهم أن تحدد إذا ما كنت ستتبع استراتيجية قيادة التكلفة أم استراتيجية التمايز عندما تختار استراتيجية التركيز بوصفها نهجك الأساسي، فاستراتيجية التركيز لا تُعَدُّ وحدها استراتيجيةً كافية.

ولكن سواءً استخدمت استراتيجية التكلفة والتركيز أو استراتيجية التمايز والتركيز يبقى أساس تحقيق النجاح في استراتيجية التركيز بشكلٍ عام هو أن تتحقق من أنَّك تضيف شيئاً من خلال عملك في تلك السوق المتخصصة فقط. ولا يُعَدُّ الاعتقاد بأنَّ منظمتك أصغر من أن تقدم خدماتها في سوقٍ أوسع سبباً لتركيز الاهتمام ببساطةٍ على قطاعٍ سوقيٍّ واحدٍ فقط (إذا قمت بذلك فإنَّك ستواجه خطر منافسة العروض التي تقدمها الشركات التي تعمل في أسواقٍ واسعة وتمتاز بمصادر أفضل).

إنَّ ذاك "الشيء الإضافي" الذي تقدمه يمكن أن يساهم في خفض التكاليف (ربما من خلال معرفتك بمورِّدين متخصِّصين) أو زيادة التمايز (من خلال الفهم العميق لاحتياجات الزبائن).

نصيحة:

تُطبق الاستراتيجيات العامة في المنظمات غير الربحية أيضاً. فيمكن للمنظمات غير الربحية أن تستخدم استراتيجية قيادة التكلفة لتخفيض تكلفة الحصول على تبرعات وتحقيق المزيد من العائدات، في حين أنَّ المنظمات غير الربحية التي تتبع نهج التمايز ستكون ملزمةً بتحقيق أفضل النتائج حتى وإن كان حجم العمل الذي تقوم به نتيجةً لذلك أصغر.

تُعَدُّ الجمعيات الخيرية المحلية مثالاً رائعاً عن المنظمات التي تستخدم استراتيجيات التركيز للحصول على التبرعات والمساهمة في مجتمعاتها.

اختيار الاستراتيجية العامة المناسبة:

يدعم قرارك في اختيار النهج العام الذي ستتبعه جميع الخيارات الاستراتيجية الأخرى التي ستتخذها، لذا فهو قرارٌ يستحق أن تبذل وقتك لتتخذه بشكلٍ صحيح. ولكنَّك تحتاج فعلاً إلى اتخاذ قرارٍ ما: حيث يحذرك "بورتر" بشكلٍ خاص من "المراهنة" على اتباع أكثر من استراتيجية واحدة. أحد أهم الأسباب التي تجعل من هذه النصيحة نصيحةً حكيمة هو أنَّ الأشياء التي تحتاج إلى القيام بها لإنجاح كل نوع من أنواع الاستراتيجية تناسب أنواعاً مختلفةً من الأشخاص. فاستراتيجية قيادة التكلفة تتطلب تركيز الاهتمام داخل المنظمة على العمليات بشكل مُفصَّل، في حين تتطلب استراتيجية التمايز نهجاً موجهاً نحو الخارج وذي درجة عالية من الإبداع. لذلك عندما تأتي لاختيار واحدة من الاستراتيجيات العامة الثلاث من المهم أن تكون كفاءات منظمتك ونقاط قوتها في الحسبان. استخدم الخطوات الآتية لتساعدك على الاختيار:

الخطوة الأولى:

قم بإجراء لكل واحدة من الاستراتيجيات العامة فيما يخص نقاط قوتك ونقاط ضعفك، والفرص المتاحة لك، والتهديدات التي تواجهك إذا ما قررت تبنِّي هذه الاستراتيجية. عند قيامك بذلك سيتضح لك إذا ما كانت منظمتك غير قادرة على النجاح في بعض الاستراتيجيات العامة.

الخطوة الثانية:

استخدم لفهم طبيعة المجال الذي تعمل فيه.

الخطوة الثالثة:

وازن بين تحاليل "سووت" للخيارات الاستراتيجية القابلة للتطبيق وبين نتائج تحليل القوى الخمس الخاص بك. وعند كل خيارٍ استراتيجي اسأل نفسك كيف يمكنك استخدام هذه الاستراتيجية من أجل:

  • الحد من القوة التي يتمتع بها المورِّد والتعامل معها.
  • الحد من القوة التي يتمتع بها المشتري/الزبون والتعامل معها.
  • كسب المنافسة.
  • تقليل تهديدات الاستبدال أو التخلص منها.
  • تقليل تهديدات دخول منافسين جدد والتخلص منها.

اختر الاستراتيجية العامة التي تمنحك المجموعة الأقوى من الخيارات.

 

اقرأ أيضاً: استخدام مصفوفة "توس": تطوير الخيارات الاستراتيجية

 

النقاط الرئيسة:

وفقاً لاستراتيجيات "بورتر" العامة ثمَّة ثلاثة خيارات استراتيجية متاحة أمام المنظمات للحصول على الميزة التنافسية وهي: قيادة التكلفة، والتمايز، والتركيز. فيمكن للمنظمات التي تتبع استراتيجية قيادة التكلفة أن تستفيد إما بوساطة الحصول على حصة في السوق من خلال تخفيض الأسعار (مع الحفاظ على الربح) وإما بوساطة الحفاظ على متوسط الأسعار ومن ثمَّ زيادة الأرباح وكل هذا يتم تحقيقه من خلال خفض التكاليف إلى مستوىً أدنى من مستوى التكاليف التي يتحملها المنافسون. أما الشركات التي تتبع استراتيجية التمايز فإنَّها تحظى بحصةٍ في السوق من خلال تقديم ميزات فريدة من نوعها تحظى بتقدير زبائنهم. في حين تتضمن استراتيجيات التركيز تحقيق قيادة التكلفة والتمايز ضمن سوقٍ متخصص من خلال طرائق غير متاحة للاعبين يركزون اهتمامهم على مجالاتٍ أوسع.

طبّق هذا في حياتك:

  • اسأل نفسك ما الاستراتيجيات العامة لمنظمتك، وكيف تؤثر هذه الاستراتيجية في الخيارات التي تتخذها في عملك؟
  • إذا كنت في منظمة ملتزمة باتباع استراتيجية إدارة التكلفة فهل سيكون في إمكانك خفض التكاليف من خلال توظيف موظفين أقل تكلفةً ومن ثمَّ تدريبهم أو من خلال الحد من تسرُّب الموظفين؟ هل في إمكانك خفض تكاليف التدريب من خلال وضع خطط لتبادل المهارات والمعرفة بين أعضاء الفرق داخل المنظمة؟ هل في إمكانك خفض النفقات من خلال استخدام التكنولوجيا كمؤتمرات الفيديو عبر الإنترنت؟
  • إذا كانت منظمتك تتبع استراتيجية التمايز فهل سيكون في إمكانك تحسين خدمة الزبائن؟ وهل في إمكانك تعزيز ثقافة التحسُّن المستمر والابتكار ضمن فريقك؟
  • وإذا كنت تعمل في شركة اختارت استراتيجية التركيز فما هي المعرفة أو الخبرة التي في إمكانك استخدامها أو تطويرها لإضافة قيمةٍ إلى زبائنك تكون غير متاحةٍ عند المنافسين الذي يشْغَلون أسواقاً أوسع؟

 

المصدر




مقالات مرتبطة