الاختلافات بين الدافع الداخلي والخارجي

لقد حلَّ صباح يوم الأحد، وبدأت ترنُّ ساعة المنبه، فلمَ تنهض من السرير؟



إنَّ الاحتمالات هي:

  1. عليك أن تنطلق إلى العمل لكي تحصل على الراتب.
  2. عليك أن تبدأ أسبوعاً جديداً تُكرِّس فيه خبرتك، ومهاراتك لإحداث فرق هام بالنسبة إليك.
  3. للسببين السابقين معاً.
  4. قد تكون غير عاملٍ، ولا ينطبق عليك هذا المثال، ولكنَّك تُواصل القراءة للعثور على مثال آخر يناسبك.

بصرف النظر عن إجابتك عن هذا السؤال؛ فإنَّها تبدأ بأيِّ عامل يحفِّزك على القيام بذلك الإجراء المتمثل في النهوض من السرير، فدافعك لفعل أيِّ شيء هو عملية نفسية تعتمد على نوع من الحافز الذي يدفعك لاتخاذ إجراءات للحصول على رغباتك واحتياجاتك.

يوجد نوعان من الدوافع: الدافع الداخلي، والدافع الخارجي.

وفي حين أنَّ كليهما عامل هام في تحقيق النجاح، فقد وجد الخبراء أنَّ هذين النوعين من الدوافع لهما تأثيرات مختلفة في السلوك البشري، والأفعال التي يختارها الناس للمضي قدماً في السعي إلى تحقيق أهدافهم، لكن لكي تفهم كيفية تأثير الدافع الداخلي والخارجي في أفعالك وسلوكاتك، عليك أن تعرف أولاً الفرق بين الاثنين، وكيفية عمل كلٍّ منهما.

سيُلقي هذا المقال نظرةً على ماهية الدافع الداخلي والخارجي، وكيف يمكنك تحديد ما إذا كان إحساسك أو إحساس أيِّ شخص آخر بالحماسة هو شعور داخلي أو أنَّه يأتي من عامل خارجي.

شاهد بالفيديو: أهم 6 نصائح تحفيزية من أشخاص ناجحين للغاية

تعريفات الدافع الداخلي والخارجي:

1. الدوافع الداخلية:

عندما تمتلك دافعاً داخلياً لفعل شيء ما، فإنَّك تشعر بحماسة داخلية لممارسة هذا السلوك؛ لأنَّه ممتع أو مُرضٍ لك إرضاءً طبيعياً؛ إذ يحدث هذا النوع من التحفيز عندما تتصرف من دون أن تتوقع الحصول على مكافأة خارجية بعد ممارسة هذا السلوك؛ إذ تجد ذلك النشاط مُرضياً شخصياً أو تنظر إليه على أنَّه فرصة للتعلُّم، ولإدراك إمكاناتك.

إليك مثالاً يُمكنك على الأرجح أن تتعاطف معه: لا بدَّ أنَّك تشعر بدافع داخلي كبير لزيارة أفضل أصدقائك مرتين على الأقل في الشهر؛ إنَّك لا تذهب لرؤيته متوقعاً أيَّ شيء في المقابل؛ بل تتوقع اكتساب إحساس داخلي بالسعادة، والرضى لوجودك بصحبته فقط، ولا تُحاول الوصول إلى مكانةٍ اجتماعية معينة بعلاقتك به أو كسب المال عن طريق مجالسة أطفاله؛ إنَّك تستمتع بصحبته فقط.

عندما تفعل شيئاً لأنَّه يجلب لك المتعة أو الإحساس بالإنجاز الشخصي أو الشعور بالرضى، فإنَّك تفعل ذلك مُتحفِّزاً بشعور من الدافع الداخلي؛ لذا لا تبحث عن مكافأة أو إشادة؛ وهذا لا يعني أنَّ القيام بالأشياء بدافع داخلي لا يحمل معه بعض الأنواع الفريدة من المكافآت، لكنَّ هذه المكافآت تتعلق بإنتاج المشاعر الإيجابية فقط.

على سبيل المثال: يعطيك التطوع في منظمة هامة بالنسبة إليك إحساساً بالهدف والتقدم، خاصةً إذا كنت قادراً على رؤية النتائج الإيجابية لعملك، وتعلُّم أشياء جديدة من مثل هذه التجارب هو أيضاً مكافأة داخلية إذا كنت تتعلَّم بهدف إشباع إحساسك بالفضول؛ ففي هذه الحالات قد يساعدك التطوع على تعلُّم مهارات جديدة، مثل: العمل الجماعي، والقيادة، والتواصل، وأخلاقيات العمل الإيجابية جنباً إلى جنب مع التعرف إلى الثقافات الأخرى أو الاحتياجات المختلفة في مجتمعك.

خذ وقتاً قصيراً للتفكير في دوافعك للتعلُّم في هذه اللحظة، واسأل نفسك لماذا تقرأ هذا المقال؟ هل أنت مهتم بمعرفة السلوك، والدافع البشري؟ وهل تجد هذه المعلومات رائعةً، وتريد حقاً أن تكتسب المزيد منها؟ إذا كان الأمر كذلك؛ فإنَّك تتصرف بناءً على دافعك الداخلي، أمَّا إذا كان عليك بدلاً من ذلك جمع مقالات عن هذا الموضوع من أجل الحصول على درجة مناسبة في بحثك؛ فإنَّك عندها تتصرف بناءً على شعورك بالدافع الخارجي.

انظر الآن على ما ينطوي عليه الدافع الخارجي.

2. الدوافع الخارجية:

الدافع الخارجي هو الدافع الذي يؤثِّر في السلوكات التي تمارسها مع توقعك بتلقي نوع من المكافأة الخارجية في النهاية، مثل: المال أو التقدير أو الدرجات الجيدة، وينبع هذا النوع من الدوافع من مصادر خارجية على النقيض من الدافع الداخلي الذي ينبع من داخل الفرد.

عندما تكون متحفِّزاً من مصدر خارجي ستستمر في ممارسة سلوك معين، حتى لو لم يكن مُجزياً في حد ذاته، على سبيل المثال: من المحتمل أن يؤدِّي الطاهي مهماتٍ روتينيةً ليست ممتعة للغاية، ومع ذلك ما يزال يشعر بالحافز لإكمالها؛ لأنَّه يتوقع راتباً مقابل القيام بهذه المهمات.

إليك مثال آخر وثيق الصلة: يُمارس معظم الأشخاص رياضة الجري لساعات طويلة كلَّ أسبوع، لكن هل هي هواية ممتعة؟ ليس حقاً، فقد يستمتع بعضهم بالتأكيد بممارسة الرياضة في الصباح، وهذا رائع، لكنَّ أكثرهم يفضلون البقاء في السرير لساعة إضافية، ومع ذلك يريد الجميع المحافظة على لياقتهم البدنية، ومظهرهم الخارجي، وقد تجعل هذه المكافأة بذل مجهود إضافي كلَّ صباح في ممارسة الجري يستحق كلَّ هذا العناء.

إنَّ الحفاظ على لياقتك هو مثال على المكافآت الخارجية التي قد لا تكون ملموسة مثل الراتب، وقد تأخذ بعض المكافآت الخارجية أبعاداً نفسيةً أكبر من ذلك، فأول ما يتبادر إلى الذهن عند التفكير بالمكافآت الملموسة هو بالطبع المال والتقدير، فمن أجل كسب هذه الأشياء يقوم الناس غالباً بأعمال لا يفضلون القيام بها لو كان الخيار بيدهم.

لا يُحبُّ الجميع عملهم لا شك في ذلك، ولكنَّهم ما يزالون يأتون للعمل كلَّ يوم، وعندما يتعلق الأمر بتلقي التقدير بوصفه مكافأةً ملموسةً، يتحمل الرياضيون جلسات تدريبيةً صعبةً ليتمكنوا من التنافس في رياضتهم، وتحقيق الفوز، ولا بُدَّ أنَّهم في كثير من الأحيان يفضِّلون الاسترخاء على الشاطئ بدلاً من ممارسة كلِّ هذا الجهد البدني المتعب.

قد تتضمن بعض الأشكال النفسية للدوافع الخارجية كسب نوع من الموافقة من أشخاص آخرين أو الحصول على الإعجاب الاجتماعي؛ فقد يبذل الموظف جهداً إضافياً في العمل لكسب المديح أو الاهتمام من ربِّ العمل، أو قد يُنظف الطفل غرفته لكي يحظى بثناء والديه، وفي المثالين كليهما ليست المكافأة ماديةً أو ملموسة، لكنَّها ما تزال دافعاً يأتي من مصدر خارجي.

قد يؤثِّر الدافع الخارجي فيك يومياً أكثر مما تدرك، فبصرف النظر عن كونك موظفاً أو لا، فكِّر في بطاقات الولاء التي تتسوق بها في المتاجر للحصول على نقاط أو تلقي خصومات خاصة، أو ربما تستخدم بطاقة ائتمان محددة للحصول على نقاط فندق أو رحلات طيران.

فيما يأتي بعض الأمثلة اليومية الأخرى للدوافع الخارجية:

  • تقديم خدمة لشخص ما على أمل تلقي بعض الشكر أو الثناء في المقابل.
  • التطوع في مكان ما حتى تتمكن من إضافته إلى سيرتك الذاتية.
  • غسل الأطباق لتجنب الشجار مع الآخرين في منزلك.
  • شراء ماركة ملابس معينة حتى تتمكن من إظهار الشعار للآخرين.
  • ملء استطلاع للحصول على الحافز.
  • شراء هاتف جديد لأنَّه الموضة الدارجة.

الآن بعد أن عرفت الفرق بين الدافع الداخلي والخارجي، يُمكنك أن تُلقي نظرة على كيفية استخدام هذه المعلومات لتحسين حياتك، والتأثير فيمن حولك.

كيفية تحديد مصدر الدافع:

لقد ظهر التمييز بين الدافع الداخلي، والدافع الخارجي في سبعينات القرن الماضي بعد أن اقترحت الدراسات التجريبية أنَّ الحصول على مكافآت ملموسة قد يكون مُضراً بدوافع الإنسان الداخلية للمشاركة في سلوك ما؛ يعني ذلك أنَّ الناس يميلون إلى فقدان الاهتمام بالنشاطات التي كانوا يستمتعون بها ذات يوم بعد أن بدؤوا في تلقي منفعة ملموسة مقابل أدائهم لذلك النشاط.

ضع ما يأتي في حسبانك: هل سبق لك أن عرفت شخصاً كان قادراً على تحويل شغفه إلى مهنة، لتجد فقط أنَّ حبَّه الأصلي للعمل قد تلاشى مع مرور الوقت؟ فما كان يوماً نشاطاً اختار القيام به في وقته الخاص، وشروطه الخاصة، قد أصبح نشاطاً إلزامياً، ممَّا أدَّى إلى فقدانه إحساسه بالاستقلالية.

في إحدى حلقات مسلسل فريندز (Friends)، صنعت مونيكا الحلوى لجيرانها في سبيل تقديم شيء لطيف للآخرين الذين يعيشون في المبنى، ومع ذلك سرعان ما تحولت هذه الإيماءة اللطيفة إلى مهمة شاقة؛ لأنَّهم بدؤوا يطالبونها بالحلوى، وانهال الضغط عليها لصنعها بأسرع ما يمكن؛ هذا مثال رائع على السلوك الذي جاء في البداية مُتحفِّزاً بالشعور بالرضى الداخلي، لكن سرعان ما طغى عليه اكتساب المكافأة الخارجية المتمثلة بنيل إعجاب جيرانها.

لا يعني ذلك أنَّ الدافع الخارجي هو أمر سيئ، ولكنَّه بسهولةٍ محدودُ التأثير، وقد دعمت الدراسات ذلك عندما أثبتت أنَّ تأثير عوامل الدافع الداخلي يفوق عادةً أيِّ تأثير آخر قد يُعدُّ رشوة من نوع ما، ممَّا يُشير إلى أنَّك إذا كنت في منصب قيادي، فمن الهام أن تُدرك أنَّ العوامل الداخلية تؤدِّي دوراً أقوى في تحفيز موظفيك بدلاً من تقديم بعض المكافآت المالية.

إنَّ ذلك صحيح، وخاصة إذا كنت تُحاول بناء ثقافة مهنية قائمة على الاحترام، والتقدير، والثقة، والاستقلالية، ففي كثير من الأحيان إنَّ إنشاء بيئة يملك فيها الموظفون فرصاً لتعزيز تطويرهم المهني، والارتقاء بحياتهم المهنية هو أفضل طريقة لتضمن أنَّ الموظفين لن يكتفوا بأداء عمل متواضع؛ بل سوف يتمسكون بالحافز لبذل قصارى جهدهم.

قد تمتلك مصادر التحفيز الداخلية أيضاً تأثيراً أقوى في حياتك الشخصية من العوامل الخارجية، فعندما تفكر في أكثر الأشياء أهمية بالنسبة إليك في الحياة لن يخطر في بالك ممتلكاتك الملموسة؛ بل ستفكر في الذكريات التي كوَّنتها مع عائلتك وأصدقائك.

إنَّ الأموال، والممتلكات عابرة، ولن تظلَّ قيمتها دائماً كما هي؛ لذلك فإنَّ إمكانية الحصول على مكافأة في العمل قد تكون فعالة جداً في دفعك للعمل بجدٍّ إضافي على الأمد القصير، وإنَّ مصدر التحفيز هذا لن يستمر إلى الأبد؛ لأنَّ العوامل المُحفِّزة الخارجية نادراً ما تكون مستدامةً.

إقرأ أيضاً: نظرية الإثارة في الدافع: التعريف والمبادئ وطرق الاستفادة منها

استخدام الدافع لتعزيز نجاحك:

من العناصر الحاسمة للنجاح أن تكون قادراً على معرفة كيفية تحفيز نفسك تحفيزاً فعالاً بدلاً من الاعتماد على فكرة عبقرية أو حظ أو روعتك وحدك لتصبح ناجحاً، عليك أن تعرف ما الذي يمنحك تلك الدفعة الضرورية؟ ليس فقط لبدء المهام، لكن أيضاً لضمان اكتمالها تماماً إذا لم تكن مصادر التحفيز الخارجية، مثل: المال والشهرة هامةً بالنسبة إليك مثل الشعور بالرضى الداخلي عن أفعالك، فيمكنك أن تظل متحمساً دائماً.

عندما تعتمد على القيمة الخارجية فقط لضمان استمرارية إنتاجيتك، فإنَّك تفشل في إثارة أيِّ شعور بالشغف، وكلُّ ما تضمنه هو أنَّ الحد الأدنى من العمل المطلوب للنجاح سينتهي، وذلك بسهولة حتى تظهر المكافأة.

لذا إذا كنت تُقدم للآخرين عاملاً محفزاً خارجياً في محاولة للتأثير فيهم لفعل شيء ما، فعليك التأكُّد من زيادة قيمة المكافأة التي تقدمها باستمرار، وإلا فلن يشعر الناس بالحاجة إلى زيادة إنتاجيتهم؛ هذا هو السبب الذي يجعل الشركات تقدم زيادات لموظفيها، فهي تريد أن يكون لموظفيها سبب وجيه يدفعهم لتقديم جهد أكبر من الحد الأدنى المطلوب منهم.

إقرأ أيضاً: 4 طرق مسلية لتعزيز دوافعك وثقتك

في الختام:

تجعلنا الدوافع الخارجية نشعر بالرضى على الأمد القصير، وخاصة إذا تلقيناها دون توقُّع، ويمكنك استخدام مصادر التحفيز الخارجية للتأثير في الآخرين ليكونوا ناجحين بواسطة كلمات التشجيع، أو تقديم المال، أو منحهم اهتماماً إيجابياً أو تقديراً شخصياً، وغيرها من المزايا التي يمكنك تقديمها إذا كنت في منصب قيادي.

لكنَّ الدافع الخارجي قادر على التأثير في الآخرين، وفي نفسك لزيادة إنتاجيتك فقط، وإن كنت ترى أنَّ المكافأة أكثر قيمة من الجهد الذي يجب عليك بذله للحصول عليها، وإذا تضاءل شغفك بهذه المكافآت سيتضاءل أيضاً مجهودك تجاه العمل الذي تتطلبه؛ لهذا السبب إذا كنت تهدف إلى تقديم مثل هذه المكافأة للآخرين فيجب أن تكون على استعداد لتعديل المكافأة وفقاً لذلك من أجل الاستمرار في تحفيز الأشخاص الذين يجدون أنَّ هذه المكافأة قيِّمة.

إذا كنت في منصب قيادي، وترغب في الحفاظ على تحفيز موظفيك، تأكَّد من منح فريقك الوقت، والموارد اللازمة لتطوير المهارات، واستكشاف المشاريع التي يتحمسون لها من دون جعلهم يقومون بهذه الأشياء بوصفها جزءاً من واجباتهم الوظيفية المعتادة؛ لأنَّ ذلك قد يؤدِّي إلى نتائج مناقضة لما هو متوقَّع.

عندما يتعلق الأمر بعملك الخاص ركِّز جهودك على المكافآت التي تريدها، لكن لا ترهق نفسك بالسعي وراء المكافآت الخارجية، وبدلاً من ذلك تأكَّد من أنَّك تمنح نفسك الوقت الكافي على المستويين الشخصي، والمهني للقيام بأشياء تستمتع حقاً بالقيام بها؛ لتتأكَّد من أنَّك تعيش حالة توازن صحي بين الأشياء التي تفعلها؛ لأنَّك تريد ذلك، وتلك التي تفعلها لأنَّك مضطر إلى ذلك.




مقالات مرتبطة