الاحتياجات النفسية للرجل والمرأة، من أجل علاقة زوجية ناجحة

هل يعلم كلٌّ من الرجل والمرأة الاحتياجات النفسية لكلٍّ منهما؟ ماذا لو أنَّ عدم الوعي إلى الاختلاف فيما بينهما، يعدُّ مُسبِّباً أساسياً لخلافاتهما ومشكلاتهما؟ هل سيكولوجيَّة الرَّجل مختلفةٌ عن سيكولوجيَّة المرأة، وهل تُعالَج الأمور بالطرائق نفسها لديهما؟ هل صحيح أنَّ المرأة تفصيليَّة، وأنَّ الرَّجلَ عاشقٌ للصورة الإجماليَّة؟



والسؤال الأهم: كيف نصل إلى حالة التوازن الإيجابي بين الرَّجل والمرأة؟ كيف نصنع من اختلافهما فرصةً لتجديد الحياة، ومُحفِّزاً على التعلُّم واكتساب مهارات تواصلٍ جديدة، وأُفقاً يُضفِي على الحياة مزيداً من الرَّونق والسَّعادة؟

الاحتياجات النفسية لكلِّ من الرجل والمرأة، هذا ما سنناقشه في هذا المقال الشيِّق.

هل الحبُّ شعور؟

يعتقد الكثيرون أنَّ الحبَّ مشاعرٌ وأغانٍ رومنسيةٌ وغيرةٌ مجنونة، والخ؛ غير واعين أنَّ الحبَّ الحقيقي هو "عمل"، أي أن يعمل كلُّ طرفٍ من أجل إنجاح العلاقة، والحقيقة أنَّه كلَّما كان الإنسان مُكتمِلاً بحبِّ اللّه وحبِّ ذاته، استطاع أخذ ما يريده من الطرف الآخر، حيث أنَّ الرزق الوفير والنعم لا تأتي إلَّا بعد تصدير الإنسان لمشاعر الغنى الذاتيَّة. أمَّا تصدير مشاعر الاحتياج والشحِّ النفسي، وتوجيه التعويل الأساسي على الآخر بدلاً من اللّه والذات؛ فلن تُفضِي إلَّا إلى مزيدٍ من الضيق النفسي والألم.

من جهةٍ أخرى، مَن يُحدِّد طريقةً مُعيَّنةً لكي يعيش المشاعر المُعطاة من الطرف الآخر، لن يَسعد في حياته؛ فالكون مليء بالمشاعر، التي يُعبَّر عنها بطرائق لا نهائية، فلماذا إذاً تجميد الذات بطريقةٍ معينةٍ للتعبير عن المشاعر؟ على سبيل المثال: عندما تُنبِّه المرأة زوجها من أجل أمرٍ ما يخصُّها، ثمَّ بعد ذلك يقوم بالأمر بطريقةٍ إيجابية، إلَّا أنَّ ذلك لا يعود بالفرح عليها، بل تقول له: "إنَّ الاهتمام لا يُطلَب، كان عليك فعل الأمر من دون أن أنُبِّهك عليه، لقد فقد الأمر متعته بعد طلبي إيَّاه منك". المرأة هنا جمَّدت نفسها في قالبٍ معيَّنٍ لكي تستطيع أن تحسَّ بالمشاعر، وآلمت نفسها بذلك؛ وعوضاً عن ذلك، كان عليها أن تستشعر موقف زوجها الإيجابي، وتعي أنَّ للمشاعر الكثير من الطرائق، وأنَّ طريقة زوجها تطلَّبت تذكيره بالأمر أولاً.

إقرأ أيضاً: كيف نحيي الحب من جديد؟

ما هي الاحتياجات النفسية للمرأة؟

1. الأمان والحماية:

من أعظم الاحتياجات النفسية لدى المرأة: إحساسها بالأمان والحماية مع شريك حياتها، فعندما تجد المرأة زوجها مُستهتراً وعشوائيَّاً في تصرُّفاته، تصيبها صدمةٌ كبيرة، وتتألَّم بمشاعر سلبية، وتُكسَر أهمُّ قيمةٍ لديها تربطها بالرَّجل، على سبيل المثال: "يُسرِف زوجٌ كثيراً من أمواله على أشياء لا قيمة لها، وينسى تكاليف ولادة زوجته، أو تكاليف دراسة أولاده؛ عندها ستنهار قيمة الأمان لدى زوجته، وستشعر بالخطر والألم".

على المرأة أن تعيَ أنَّ مصدر الأمان الحقيقي لها هو اللّه، وأنَّ زوجها هو سببٌ من الأسباب التي وضعها اللّه في حياتها من أجل حمايتها وحفظها؛ فالمرأة التي تُعلِّق كلَّ أمانها على زوجها، ستبقى في حالة خطرٍ وضيقٍ وعدم راحة.

وبالمقابل، الزَّوج الذي يُشبِع هذه الحاجة لدى المرأة، سيَنعم بمشاعر الامتنان والراحة، وستنتبه زوجته إلى تصرُّفاته الدقيقة وتفسِّرها على أنَّها رسائل أمانٍ وحمايةٍ لها ولأولادها؛ حيث أنَّ كلمته: "أغلقي النافذة من أجل صحتك، فالطقس باردٌ في الخارج" ستعني لها الكثير.

2. الوضوح:

تعشق المرأة لغة الحوار بينها وبين الرَّجل، فهي تتبنَّى ثقافة "الكتاب المفتوح" لكن ليس بشكلها المطلق، فهي تعي أهمية إعطاء الرجل هامشاً كبيراً من الحريَّة والخصوصيًّة، ولكنًّها في الوقت نفسه تطلب منه الوضوح وعدم الغموض.

على سبيل المثال: يجلس الزوج مع زوجته، ويعبِّر لها عن كلِّ شيء، كأن يقول لها صراحةً أنَّ عليها أن تُغيِّر أشياءً من شخصيتها لكي يصبح زواجهما أكثر نجاحاً، وهي تقترح عليه أن يُغيِّر بعضاً من سلوكاته". أمَّا حالة الغموض، فستحوِّل الزوجة إلى مُراقبٍ دائمٍ لزوجها، ومُشكِّكٍ في كلِّ أقواله، أو قد تيأس وتنساه، وتُولِي اهتمامها لأولادها، وهي حالةٌ غير صحيَّة.

تسمح ثقافة المجتمع الذكورية للرجل بالخروج من المنزل والرجوع إليه في أيِّ وقت، في حين يُشدَّد على الأنثى في مواعيد خروجها ورجوعها؛ الأمر الذي يُغضِب الرجل في حال سؤال زوجته له: "متى ستعود اليوم؟ أو أين كنت؟"، فهو لم يعتَدْ على هكذا أسئلة، علماً أنَّها تسأله لأنَّها شخصيَّةٌ تفصيليَّةٌ وتحب الدقة في كلِّ شيء، فبناءً على إجابته ستُرتِّب العديد من المهام. عوضاً عن ذلك، تستطيع سؤاله دون جعله يشعر أنَّ حريته قُيِّدت، على اعتبار أنَّ الرجل يحبُّ الصورة الإجمالية، ولا يحبُّ الأسئلة التفصيليّة؛ كأن تقول له: "متى ستعود اليوم، لأنِّي أريد أن نشاهد فيلماً سوياً"، فهنا سيعلم الرجل أنَّها لا تُحقِّق معه أو تشك فيه، إنَّما تودُّ مشاركته تفاصيل يومها.

3. الاهتمام، والتَّودد والمُشاركة:

تطمح المرأة إلى علاقة صداقةٍ وحميميَّةٍ ضمن علاقتها الزوجية، كأن يشاركها زوجها في تفاصيل يومه، ويأخذ رأيها في الكثير من القضايا، ويهتمَّ لرأيها ويقدِّره، ويشاركها في وقته؛ فلا يهمُّ الساعات الطويلة، بل الإحساس بأنَّه راغبٌ بقضاء وقته معها وسعيدٌ بصحبتها.

4. الاحتواء والتَّفهم:

قد تمرُّ الأنثى بحالةٍ نفسيَّةٍ صعبة، كالفترات الأولى من الحمل أو الولادة، حيث تسيطر المشاعر على المرأة حينها، ويكون تفكيرها العقلاني في حالة اضطراب، ممَّا يجعلها في حالةٍ غير متوازنة؛ وهنا على الزوج أن يكون السند لها، وأن يحتويها ويُهدِّئ من حالتها الشعورية ريثما تعود إلى حالتها الطبيعية.

5. الاحترام والتَّسامح والرضا:

تعشق المرأة الرَّجل الذي يحترمها، ويهتمُّ لرأيها، ويُقدِّرمشاركتها معه، ويحترم كيانها وشخصيتها، ويراها النصف المُكمِّل لشخصيته ووجوده؛ وتحبُّ الرّجل المُسامِح، والراضي عنها وعن سلوكاتها؛ وحتَّى في حال هفواتها وأخطائها، تجده يلجأ إلى المناقشة والحوار حتَّى يصل إلى صيغةٍ تُرضِي الطرفين، ثمَّ ينسى الأخطاء ولا يستخدمها كورقة ضغطٍ ضدَّها عند غضبه.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح مهمة لتنعمي بحياة زوجيّة سعيدة

ما هي الاحتياجات النَّفسية للرَّجل؟

1. الثّقة:

تعدُّ الثقة من أهمِّ الاحتياجات النفسية التي ينتظرها الرجل من المرأة، وأقوى سببٍ لهدم أيِّ علاقةٍ زوجية؛ إذ أنَّ الرجل الذي لا يستشعر ثقة الأنثى به، تصبح المرأة آخر اهتماماته؛ أمَّا في حال شعوره بالثقة، فإنَّه يُقدِّم كلَّ شيءٍ لها من حمايةٍ ومساعدةٍ واحتواءٍ ووضوحٍ وصدق.

إنَّ الثقة تُعطَى، ولا تُبنَى بعد حصول مواقف معيَّنة، فعلى الأنثى أن تُعطِي ثقتها لزوجها؛ لأنَّ دخول الشّك يهدم كلَّ علاقة. فإن كنتِ تطلبين الحماية والرعاية، فأعطي ثقتك لرجلك، وإن أخطأ الرجل، قولي له: "أنا واثقةٌ بك، وأعلم أنَّك أخطأت، لكن أنا واثقةٌ بأنَّك ستتجاوز هذا الخطأ، وستصبح علاقتنا أفضل وأفضل".

فالثِّقة هي احتواء الآخر مع هفواته، والعمل على تجاوز الهفوات معاً بوجود الاحترام والوضوح والصدق.

إقرأ أيضاً: 10 نصائح ذهبية تكسبك ثقة المرأة

2. الحريَّة:

يعشق الرجل الحريَّة؛ لذلك على المرأة أن تعطيه هامش حريَّةٍ كبيراً، أمَّا في حال تقييدها وملاحقتها له وغيرتها الشديدة عليه، فستخسره لا محالة. وعوضاً عن غيرتها من النساء الأخريات، وهي غيرةٌ ضارةٌ ولا تليق نهائياً بامرأةٍ واثقةٍ من نفسها؛ يجب أن تُحوِّل غيرتها إلى غيرةٍ إيجابية، كأن تغار من نجاح زوجها المهني، وتسعى إلى تطوير قدراتها ومهاراتها لتصل إلى ما تستحقُّه من نجاح.

3. الخصوصيَّة والعقلانيَّة:

يحبُّ الرجل الانعزال في حال كونه مضطرباً من أمرٍ ما أو يُعاني من مشكلةٍ ما، على عكس المرأة التي تحبُّ أن تتكلَّم وتعبِّر عن ضيقها. فعلى المرأة احترام ذلك، وجعله يمارس انعزاله كما يريد، فهو يحبُّ الوحدة والتفكير في المشكلة بعقلانيَّةٍ وهدوء، وقد يتَّصل مع أشخاصٍ لهم علاقةٌ بالمشكلة، وهنا على المرأة أن تعي أنَّه يقوم بذلك ليس لأنَّه لا يثق برأيها أو لا يحبُّ مشاركتها، بل لأنَّه يرتاح ويفكر أكثر في الوحدة.

ومن جهةٍ أخرى، يعشق الرجل الخصوصيَّة، فالمنزل بالنسبة إليه مملكته، ولا يرغب أن يُذاع أيُّ تفصيلٍ من تفاصيل المنزل إلى الآخرين، إلَّا بعد مناقشته مع زوجته والاتفاق على إخباره للآخرين.

4. التقدير:

يبحث الرجل عن التقدير في الأنثى، كأن تحترمه وتُعجَب بقيمه وسلوكاته وأفكاره، وأن تُحافظ على احترامه وتقديره حتَّى عند الغضب والخلافات، وألَّا تستعيد أخطاءً ماضيةً له وتُقلِّل من قدره، وألَّا تحكم عليه أحكاماً سلبية، بل تتبنَّى سياسة "فصل الفعل عن الفاعل"، أي تُركِّز على السلوك وليس على شخصه، كأن تستخدم الألفاظ الإيجابية عند وصفها إيَّاه، وتصف تصرُّفه بالسلبي. على سبيل المثال: "أنا أحبك، وواثقةٌ بك، لكنَّ تصرُّفك هنا كان سلبيَّاً، ولقد آذاني كثيراً، وأنا واثقةٌ أنَّك ستتجاوز هذا الخطأ ولن تكرِّره".

الخلاصة:

تنهار العلاقة بين الرَّجل والمرأة في حال تمسُّك كلٍّ منهما بفكرةِ "على الآخر أن يتغيَّر"، غير واعين أنَّ الإنسان الواعي هو ذلك المُبادِر الذي يسأل نفسه السؤال الهام: "ما هي السلوكات التي عليَّ القيام بها لكي أجعل علاقتي مع الشريك ناجحة؟"، مُحرِّضاً عقله على البحث والتَّعمُّق والعصف الذهني، للوصول إلى الحلول المُجدِية.

 

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة