الإدمان على الإجهاد

توقَّف لحظة وفكر في الأسئلة الآتية:

  • هل تجد أنَّك دائماً في حالة ضغط في العمل؛ إذ عليك الانتقال من مشكلة إلى أخرى؟
  • هل ترفض الحلول التي تُقدَّم للمشكلات التي تشعر بالإحباط بسببها، دون أن تجربها؟
  • إذا حُلَّت مشكلة واحدة، فهل تحتفي بذلك؟ أم هل تجد على الفور مشكلة أخرى لتحل محلها؟


ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المستشارة "كارلين بوريسينكو" (Karlyn Borysenko) دكتوراه في علم النفس التنظيمي، وتُخبِرُنا فيه عن تجربتها في إدمان الإجهاد.

قد يكون لديك ميل للإجابة عن هذه الأسئلة بـ "لا"، ولكن تمهَّل قليلاً وفكِّر في آخر مرة أحبطك فيها شيء ما في العمل، ومن ثم انظر إلى أفعالك كما ينظر المراقب الخارجي؛ فإذا كنت صادقاً مع نفسك، فقد تغير إجاباتك.

إليك الأمر: أواجه هذا طوال الوقت، مع عملائي من الشركات وعملائي في الكوتشينغ وحتى مع أصدقائي وأحبائي؛ إذ إنَّهم يحبون الشكوى من وظائفهم، ويتحدثون عن كل الأشياء التي تسير بشكل سيِّئ، وعن الأشخاص الذين لا يحبونهم، كما أنَّهم يشككون بالقرارات التي يتخذها رئيسهم.

وعلى الرغم من أنَّ القليل من الشكوى والترويح عن النفس لا يضر، إلَّا أنَّهم يتجاهلون أيضاً أو يقللون من أهمية الحلول المحتملة التي تُقدَّم لهم على طبق من فضة؛ مقتنعين بأنَّ لا شيء سيغير تجربتهم، ويستمرون على هذا المنوال لسنوات متتالية قائلين إنَّهم يرغبون في تحسن الأمور، ولكنَّهم يرفضون الحلول والفرص الممكنة عند تقديمها.

يوجد تفسير واحد فقط يكون منطقياً في هذه الظروف؛ ألا وهو أنَّهم مدمنون على الشعور الذي يمنحه لهم التوتر في العمل، ولو من خلال اللاوعي العميق لديهم.

شاهد بالفديو: 7 استراتيجيات للتعافي من إرهاق العمل

علم الإجهاد في العمل:

يدمن الناس كل أنواع الأشياء المضرة: التدخين، والكحول، والمخدرات، والطعام؛ حتى إنَّ هناك دراسات تُظهر أنَّ النساء اللواتي يعشن علاقة مهينة طويلة الأمد من المرجح أن يقمن علاقات مهينة متكررة.

إنَّ تجربة شيء ما باستمرار على مدار فترة زمنية طويلة تجعلك مدمناً على هذا الشيء؛ وذلك ليس بسبب إعجابك به؛ لأنَّه يصبح "طبيعياً"، وتصبح أيَّة تجربة خارج هذا المستوى الذي اعتدت عليه غير مريحة.

نحن لا نفكر في أنفسنا على أنَّنا مدمنون على عواطف مثل "التوتر"، ولكن فكر في الأمر للحظة؛ عندما تشعر بالتوتر العاطفي "الإحباط والغضب والإرهاق والاحتراق الوظيفي"، فأنت لا تشعر بذلك نفسياً فقط؛ وإنَّما جسدياً أيضاً؛ إذ تشعر بالتوتر وتعاني الصداع وتضغط على أسنانك وقد تبدأ الشعور بألم في الظهر؛ وهذا يعني أنَّك تعاني من رد فعل جسدي لتجربة عاطفية.

الإجهاد ليس هو الشعور الوحيد الذي يترافق مع هذا، ففكِّر في التوتر الذي تشعر به عندما تكون في حالة حب، أو عندما تستطيع رفع أوزان أثقل في صالة الألعاب الرياضية إذا كنت بحالة نفسية جيدة. تذكَّر آخر مرة رأيت فيها كابوساً واستيقظت وأنت تتعرق وتتنفس بشدة كما لو كنت قد ركضت للتو مسافة 5 كيلومترات على الرغم من أنَّك كنت مستلقياً بهدوء في السرير؛ إذ إنَّ كل ما نختبره في أذهاننا يتجلى في الجسد.

يحدث ذلك الشعور عندما تواجه عاطفة معينة، ويتلقى الدماغ إشارات لإرسال مواد كيميائية إلى الجسم حتى تتمكن جسدياً من الشعور بهذه المشاعر؛ لهذا السبب يتفاعل جسمك بالطريقة التي يتفاعل بها دماغك؛ ويخبره عقلك بذلك، وفي حال اعتيادك على هذه المشاعر باستمرار ولفترة طويلة، ستدمن جسدياً تلك المواد الكيميائية وكأنَّك تحصل على العلاج الخاص بك.

ماذا يحدث إذن عندما تزيل التوتر؟ لنفترض أنَّ لديك بضعة أيام بطيئة لطيفة في العمل؛ إذ يمكنك التركيز فيما تريد القيام به، وليس لديك الكثير من التفاعلات مع الآخرين وتسير الأمور بسلاسة؛ إنَّه هادئ، ولكن الآن ليس لدى دماغك سبب لإنتاج تلك المواد الكيميائية المسببة للضغط النفسي الذي أصبحت مدمناً عليه، ثم يبدأ جسمك بالانسحاب الجسدي، وبعد ذلك يبدأ بإرسال إشارات لا شعورية تفيد أنَّه من الأفضل أن تجد شيئاً ما تتوتر بشأنه؛ وهكذا تجد مشكلة - يسهل العثور عليها في العمل عادةً - وتعمل على حلها لمنح جسمك ما ينادي به.

يمكنك حتى افتعال مشكلة لم تكن موجودة من قبل، وقد يبدو هذا جنوناً إذا فكرت في الأمر من منظور منطقي، ولكنَّك في تلك اللحظة لا تتصرف بشكل منطقي فأفعالك هي استجابة لإدمانك للتوتر.

إقرأ أيضاً: ما هو التّوتّر، تعلّم كيف تخلق الهدوء في حياتك

التخلص من إدمان التوتر:

يُعَدُّ الاعتراف بالمشكلة الخطوة الأولى نحو الحل، وعندما تتخلص من إدمانك للتوتر في العمل، ستكون أكثر تركيزاً وإبداعاً وستتمتع براحة بال أكبر، ولكنَّك تحتاج أيضاً إلى القيام بذلك من أجل صحتك، وعندما يستمر الإجهاد لفترة طويلة من الوقت، فسيؤدي في النهاية إلى مرض جسدي.

يمكن أن يواجه جسمك هذا المرض لفترة من الزمن قبل أن يُنهكك، والشيء المخيف حقاً هو أنَّه من الصعب التنبؤ بالمرض الذي يمكن أن يكون؛ فقد يكون احتراقاً وظيفياً وإرهاقاً جسدياً أو صداعاً أو نوبة قلبية؛ وهذا هو أهم سبب يدفعك إلى التعامل مع هذه المشكلة بجدية؛ وذلك ليس فقط لإنتاج عمل أفضل؛ بل للتأكُّد من أنَّك لا تسبب لنفسك مشكلات جسدية طويلة الأمد.

إنَّ التخلص من إدمان الإجهاد في العمل يشبه التخلص من أي إدمان آخر؛ إذ إنَّه صعب، ويجب أن تكون رغبتك في تغيير ظروفك أعظم وأقوى من جاذبية ما تدمن عليه، ولكن إذا كنت ملتزماً بحل المشكلة، فيمكنك تحقيق ذلك.

كن دائماً على دراية بالمكان الذي تركز فيه انتباهك، وفي أي وقت تدرك فيه مشكلة ما أو شيئاً تجده محبطاً؛ ركز بدلاً من ذلك في الحل، وفيما إذا كانت مشكلة قابلة للحل، ثم لا تقلق بشأن ذلك وفقط ابدأ بحلها، وإذا لم تكن مشكلة قابلة للحل، فلن يفيدك القلق.

المصدر




مقالات مرتبطة