الإدراك الكسائي ودوره في مساعدتنا على إتقان مهارات جديدة

يدخل شاب ذكي إلى غرفة فارغة، ويجد أمامه معطفاً أبيض عليه ملاحظة تخبره بارتداء المعطف والجلوس، وفي الغرفة المجاورة، يفعل شاب آخر الشيء نفسه، وبعد برهة يدخل رجل لا يُبدي أيَّ تعبير على وجهه إلى كل غرفة ويحمل بطاقة، تبدو هكذا:



أزرق

أخضر

أصفر

وردي

أحمر

برتقالي

رمادي

أسود

أرجواني

أسمر

أبيض

بني

يقول الرجل لكل شخص جالس: "سمِّ الألوان وليس الكلمات التي تراها على هذه البطاقة بأسرع ما يمكن".

من هو الشاب الذي سيتفوق في هذا الاختبار الصعب، وأي منهم سيواجه صعوبة فيه؟ إذا كنت تعتقد أنَّه لا توجد طريقة لمعرفة الجواب فأنت على خطأ، فالسر في الملاحظة التي كانت فوق المعطف.

سنشرح في هذا المقال كيف تسببت هذه الملاحظة الصغيرة في تفوُّق شخص على الآخر، وكيف ستؤثر طريقة تفكيرك في الملابس التي ترتديها كل يوم في حياتك.

تجربة معطف المختبر: ما هي أهمية ملابسك؟

القصة أعلاه ليست افتراضية؛ بل كانت تجربة حقيقية أجراها باحثان في جامعة نورث وسترن (Northwestern University)؛ إذ نعلم جميعاً أنَّ الملابس التي ترتديها تغير من الناحية النفسية نظرة الآخرين إليك، لكن ما أراد الباحثون الذين أجروا الاختبار، هاجو آدم (Hajo Adam) وآدم جالينسكي (Adam Galinsky) معرفته هو، "هل يمكن للملابس التي ترتديها أن تغير نظرتك إلى نفسك وسلوكك؟".

لذا جمعوا بعض طلاب الجامعات لاختبار ذلك، وأعطوهم معطف المختبر الأبيض لارتدائه قبل إجراء الاختبار أعلاه، ثم قالوا للطلاب: "سمِّ الألوان وليس الكلمات التي تراها على هذه البطاقة بأسرع ما يمكن".

تفوقت إحدى المجموعات في الاختبار على غيرها؛ إذ كان أداؤها أفضل بنسبة 50% تقريباً، بينما واجهت الأخرى صعوبة في إنجازه، والسبب هو أنَّه قبل الاختبار، أخبر الباحثون أعضاء إحدى المجموعات بأنَّ المعطف يعود إلى طبيب، بينما قالوا للمجموعة الأخرى "هذا معطف رسام"، فقد أثَّر هذا التغيير البسيط في نظرة الطلاب إلى أنفسهم لدرجة أنَّه أدى إلى فشل المجموعة الثانية في الاختبار.

كان الجميع بالطبع يعرفون أنَّهم ليسوا أطباء ولا رسامين، لكن لم يكن ذلك هاماً، ولم يهم أيضاً أنَّهم كانوا يرتدون المعطف نفسه، فقد كان مجرد الاعتقاد بأنَّهم كانوا يرتدون معطف طبيب كافياً ليتحلوا ببعض الصفات التي نجدها عادة في الأطباء، والتي كانت في هذه الحالة، الاهتمام بالتفاصيل والتحليل الدقيق.

الاسم علمي لهذا التأثير، وهو "الإدراك الكسائي" (Enclothed Cognition)، ويعني أنَّ ارتداء ملابس أشخاص محددين سينقل بعض صفاتهم إليك مباشرةً.

شاهد بالفديو: 12 مهارة جديدة لتحسين الذات بسرعة

كيفية الاستفادة من الإدراك الكسائي لإتقان مهارة جديدة:

في دراسة جامعة نورث وسترن (Northwestern University)، وُجد أنَّ ارتداء ملابس مثل الطبيب ينقل في الواقع بعض صفات الطبيب المحترف الحقيقي إلى الأشخاص العاديين؛ لكنَّ الحقيقة هي أنَّنا على الأغلب نمتلك بالفعل تلك الصفات؛ لكنَّ ارتداء الملابس يشجعنا على بذل جهد أكبر على إبرازها.

إذا كان هذا هو الحال، فتوجد صفات أخرى كثيرة يمكنك إبرازها في نفسك بمجرد ارتداء الملابس المناسبة، على سبيل المثال ماذا أعطى الباحثون إحدى المجموعات؟ مجموعة بعض الملابس الفضفاضة وأخرى بدلة مناسبة، ثم طلبوا منهم اختبار مهاراتهم في التزلج على الألواح.

إذا كانت لديك مهارة أو صفة ترغب في تطويرها فإنَّ ارتداء ملابس مثل شخص يتمتع بها بالفعل هو طريقة مثبتة لتعزيزها في نفسك، على سبيل المثال، إذا كنت تريد أن تكون سباكاً أفضل، فاشترِ ملابس عمل وابدأ في النظر إلى الأنابيب، وإذا كنت ترغب في إنشاء شركة تقنية، فالبس مثل شخص يملك بالفعل شركة.

إقرأ أيضاً: كيف تنمّي مهاراتك الشخصية؟ 5 نصائح لتحقيق ذلك

في الختام:

أيَّاً كان ما تريد، ابحث عن شخص يجسده، وارتدِ الملابس الخاصة بمهنته، لن تمنحك الملابس التي ترتديها المهارات والصفات التي تريدها؛ لكنَّها تساعد ذهنك ليكون أكثر انضباطاً على تطويرها.

قد تبدأ في الشعور وكأنَّك تتصنع، لكن بمرور الوقت، ستصبح فعلاً ذلك النوع من الأشخاص، وعندما تغير ملابسك، ستظل تتمتع بتلك المهارات التي اكتسبتها.




مقالات مرتبطة