الإدارة التربوية: مفهومها وخصائصها ونظرياتها ووسائلها
كيف سيكون شكل أيَّة منظمة أو شركة دون إدارة؟ الموظفون يحضرون ويذهبون متى يشاؤون، وكل واحد منهم ينجز الكمية التي يختارها من العمل، والتنسيق بين الموظفين هنا سيكون معدوماً، باختصار فإنَّ أي عمل دون إدارة تُنظِّمه وتضبط سيره سيكون مشتِّتاً ولا يفضي إلى نتيجة أو هدف، والأمر ذاته ينطبق على العملية التعليمية والتربوية في المدارس.
هل لنا أن نتخيَّل انعدام وجود إدارة في هذه المنظمات؟ هل نستطيع تصوُّر حجم الفوضى في الصفوف والمناهج وتقدُّم الطلبة؟ كل هذا كان سيحدُث لولا وجود ما يُسمى الإدارة التربوية.
إنَّ الإدارة التربوية هي موضوع حديثنا لهذا اليوم، والذي سوف نستفيض فيه عن كل ما يتعلق بمفهومها ونظرياتها وخصائصها ووسائلها، ونسعد كثيراً بقراءاتكم.
مفهوم الإدارة التربوية:
إنَّ مفهوم الإدارة التربوية هو مفهوم مرادف للإدارة التعليمية أو الإدارة المدرسيَّة، ويمكن تعريفه على أنَّه العمليات الهادفة إلى قيادة أشخاص مرتبطين بالقطاع التربوي وتوجيههم وضبط عملهم وتنسيقه من أجل تحقيق الأهداف المشتركة المحددة.
في تعريف آخر لمفهوم الإدارة التربوية يمكن القول بأنَّها الطريقة التي يتم فيها توجيه التعليم في المجتمعات، بالاستناد إلى الأمور الأيديولوجية والأوضاع الموجودة فيه، ومع الأخذ في الحسبان التوجُّهات التربوية والفكرية السائدة في سبيل تحقيق الأهداف المحددة في خطة المنظمة التربوية.
إذاً فإنَّ الإدارة التربوية هي مجموعة من الآراء والأفكار والاتجاهات والأعمال الإنسانية التي تتضافر من أجل وضع هدف معيَّن والتخطيط ثم السعي إلى الوصول إليه؛ وذلك عبر وضع المخططات الهيكلية والبرامج، والتي يتم على أساسها إنشاء الوظائف الإدارية والأجهزة التي ستتولى مَهمَّة تنفيذ الخطط الموضوعة وإجراء التدريبات والاستعدادات اللازمة للوصول إلى الهدف التربوي المنشود.
لا بدَّ لنا من ذكر تعريف مفهوم الإدارة التربوية الذي وضعه محمد منير مرسي وهو: "كل عمل منسَّق يخدم التربية والتعليم، وتتحقَّق من ورائه الأغراض التربوية والتعليمية تحقيقاً يتماشى مع الأهداف الأساسية للتعليم".
خصائص الإدارة التربوية:
إنَّ خصائص الإدارة التربوية هي مجموعة السمات التي تميزها وتُحدِّد أهدافها، وهذه الخصائص هي:
- الانسجام مع المنظور السياسي والاجتماعي والفلسفي للبلاد والتماشي معه.
- المرونة والسلاسة؛ فتتيح لها هذه الخاصية التكيُّف مع المتغيرات والظروف المتقلبة والمواقف المتبدلة، وتبعدها عن كونها جامدة وصلبة.
- الكفاءة والفاعلية أيضاً تُعَدَّان من خصائص الإدارة التربوية؛ إذ يجب عليها أن تدرك كيفية الاستثمار الأمثل للموارد البشرية والمادية.
- العملية من ناحية المتطلبات النظرية والأصول؛ وذلك من أجل أن تستطيع التكيُّف مع المواقف بشكل فعَّال وعقلاني.
شاهد بالفيديو: 8 طرق تساعد المعلم على أداء مهنته بنجاح
أهداف الإدارة التربوية:
أمَّا عن أهداف الإدارة التربوية فهي مجموعة الغايات التي وُجِدَ مفهوم الإدارة التربوية من أجل تحقيقها، ومن أهم هذه الأهداف:
- تحقيق أهداف التربية أولاً ومن ثم أهداف التعليم.
- استلام مَهمَّة إدارة وتنسيق وتنظيم الأعمال الإدارية والفنيَّة في المدرسة أو المؤسسة التربوية؛ وذلك عبر تنظيم العلاقات بين الموظفين والمعلمين ضمن إطار المؤسسة.
- تبنِّي مَهمَّة بناء شخصية الطالب أو المنتمي إلى المؤسسة التعليمية بشكل متكامل يشمل النواحي العقلية والاجتماعية والعلمية والجسدية والنفسية أيضاً.
- تنظيم عمليات استثمار الطاقات البشرية والمادية بشكل منطقي وعلمي يضمن رفع سوية الكفاءة الإنتاجية.
- الحرص على تطبيق القرارات والأنظمة الصادرة عن الإدارات التعليمية المعنية بجوانب التربية والتعليم.
- الإشراف على تنفيذ المشاريع الخاصة بالمؤسسة في الحاضر والمستقبل بشكل كامل.
- الأخذ في الحسبان مَهمَّة تطوير المؤسسة في المستقبل ووضع الخطط الناظمة لذلك.
- تعزيز التعاون مع البيئة المحيطة؛ وذلك من أجل الاستعانة بها في إيجاد حلول جذرية وفعَّالة للمشكلات التي قد تعترض سَير المؤسسة التعليمية.
- تعزيز العلاقات الاجتماعية بين العناصر المنتمية إلى المؤسسة التعليمية؛ وذلك عبر توفير نشاطات مختلفة تجمع بينهم.
- العمل على إنشاء علاقة صحيَّة وإيجابية بين العناصر المنتمية إلى المؤسسة وبين البيئة الخارجية المحيطة.
نظريات الإدارة التربوية:
إنَّ نظريات الإدارة التربوية هي مجموعة التصورات الفكرية المُعتمَدَة عن الواقع التربوي، وهذه النظريات والتصورات هي:
1. نظرية الإدارة السلطوية:
تُعَدُّ نظرية الإدارة السلطوية إحدى نظريات الإدارة التربوية، وتُعرَف نظرية الإدارة السلطوية أيضاً باسم النظرية X في الإدارة، والتي وضعها العالِم دوغلاس مكجريجور المتخصص في مجال الإدارة، وتعتمد نظرية الإدارة السلطوية كما يتَّضح من اسمها على التسلُّط في الإدارة؛ أي جعل عملية اتِّخاذ القرار من صلاحيات جانب واحد يقوم بفرض آرائه على الجوانب الأخرى، دون أن تكترث بحق بقية الجوانب من أفراد المؤسسة التربوية في التفاعل وإبداء الرأي.
تتمحور نظرية الإدارة السلطوية حول نقاط معينة؛ منها أنَّ كل فرد من أفراد المؤسسة التعليمية يسعى إلى تجنُّب القيام بعمله أو إلى القيام بالعمل بشكل ناقص، فهي تفترض أنَّ المعلمين مثلاً يتقاعسون عن أداء واجبهم التدريسي للمواد التعليمية بشكل جيد، ويعمدون إلى تضييع الحصص الدراسية على الطلبة.
بناءً على ما سبق، فإنَّ الإدارة السلطوية تَمنَح لنفسها السلطة المطلقة في مواجهة هذه التصرفات عبر اتِّخاذ إجراءات صارمة بحق أي شيء من شأنه أن يعرقل تحقيق الأهداف الموضوعة لإنجاح المؤسسة التربوية.
2. نظرية الإدارة التشاركية:
هي أيضاً من وضع العالِم الأمريكي دوغلاس مكجريجور، وسمَّاها النظرية Y أو نظرية الإدارة التشاركية التي تُصنَّف هي الأخرى ضمن نظريات الإدارة التربوية، وتعتمد النظرية التشاركية في الإدارة التربوية على اشتراك أفراد المؤسسة التعليمية في إدارتها؛ فتصنع القرارات بعد إجراء مشاورات بين جميع الأفراد، وتكون بذلك نظرية معاكسة للنظرية X المعتمدة على التسلط.
ترتكز نظرية الإدارة التشاركية على عدد من المحاور أهمها تحقيق التعاون بين الأفراد داخل المؤسسة، وقبول كل فرد من أفراد المؤسسة التعليمية الدور الجزئي الخاص به الذي يصب في تحقيق الأهداف التربوية والتعليمية المطلوبة؛ وعلى سبيل المثال فإنَّها تعتقد بكفاءة المعلِّم وإخلاصه في عملية تدريس الطلاب، إضافة إلى تفانيه في الإجابة عن جميع تساؤلاتهم.
3. نظرية النظم الإدارية:
هي من نظريات الإدارة التربوية التي تركِّز في مدخلات الإدارة التربوية ومخرجاتها، وتهتم هذه النظرية بالعناصر المتفاعلة مع بعضها بعضاً ضمن المؤسسة التربوية والأفراد المرتبطين بها بشكل مباشر أو غير مباشر، وتتبع هذه النظرية أسلوب الأقسام؛ والذي يهدف إلى توزيع الأعمال الخاصة بالمؤسسة التربوية على أقسامها الإدارية المنظمة؛ وذلك من أجل أن تتكامل هذه الأعمال وتُحقِّق بذلك هدف المؤسسة التعليمية وكافة المهام التربوية المرتبطة به وفي الوقت المناسب، مع الأخذ في الحسبان موضوع دقَّة العمل.
شاهد بالفيديو: ما هي مبادئ الإدارة؟
وسائل الإدارة التربوية:
إنَّ وسائل الإدارة التربوية هي مجموعة الأساليب والطرائق التي تتيح تطبيق نظريات الإدارة، ومن أهم وسائل الإدارة التربوية:
1. الوسائل الإدارية:
تُعَدُّ الوسائل الإدارية من وسائل الإدارة التربوية؛ وتشمل السياسة المدرسية المتَّبعة في التنظيم والمناهج والإمكانات المادية الخاصة بالمؤسسة التعليمية، فالسياسة المدرسيَّة تعتمد على آلية قبول الطلبة في المدرسة والشروط الواجب على الطالب تحقيقها ليتم قبوله؛ مثل تحقيق معدل معيَّن في مراحل دراسية سابقة أو اجتياز اختبار القبول بمعدل معيَّن.
أمَّا المناهج فيُقصَد بها المناهج الاختيارية والإجبارية؛ إذ تُوجَدُ بعض المدارس التي تجعل بعض موادها اختيارية تضاف إلى المواد الإجبارية التي يُلزَم الجميع بها، وتشمل الوسائل الإدارية طرائق تنظيم المناهج وتوزيع الطلبة في الفصول ووضع الخطط الدرسية المجدولة زمنياً وآليات سبر الالتزام بها وتقييم الطلاب.
2. الوسائل التعليمية:
هي من ضمن وسائل الإدارة التربوية وتشمل جميع الأدوات التي تهدف إلى ملاءَمة التعليم والأسلوب الذي يُقدِّم به المعلِّم المادة التعليمية مع الجوانب الشخصية للتلاميذ الموجودين في الحجرة الصفيَّة، ومن الوسائل التعليمية نذكر التعليم الفردي وتنويع العمل في الفصول الدراسية.
3. الوسائل المادية:
الإمكانات المادية أو الوسائل المادية التي تُعَدُّ من وسائل الإدارة التربوية يُقصَد بها العوامل التي تخدم الفروقات الفردية بين الطلاب، والمواد الواجب تأمينها للمعلمين لتساعدهم على شرح الدروس وإيصال المعلومات للطلبة، والتي تكون أعدادها متناسبة مع عدد طلاب الفصل وقابلة للاستعارة من قِبَل أعضاء هيئة التدريس الآخرين.
من الضروري أن تشمل الوسائل الماديَّة معدَّات تقنية تساعد على إيصال المحتوى التعليمي إلى الطلاب، كما أنَّه من الضروري تخصيص حجرات خاصة للطلاب ضعاف المستوى تحتوي على معدات خاصة.
إقرأ أيضاً: فلسفة التربية: تعريفها وأهدافها واتجاهاتها
تأهيل الإدارة التربوية:
إنَّ تأهيل الإدارة التربوية هو مجموعة الطرائق التي من شأنها تصحيح مسار الإدارة التربوية، ويكون ذلك عبر تأمين المساعدة اللازمة لكافة العاملين في المؤسسات التربوية، وإخضاعهم إلى الدورات التدريبية والمحاضرات والندوات وغير ذلك من الأساليب التي تساهم في صقل خبراتهم ومهاراتهم التربوية، وفي أثناء تأهيل الإدارة التربوية يتم الاعتماد على النقاط الآتية:
- التركيز في تطوير كل من المتعلمين والمعلمين على حدٍّ سواء.
- الحرص على توفير بيئة ملائِمة للحوار والنقاش.
- البحث في عوامل انقطاع الطلاب عن الدراسة ومعالجتها.
- منح المؤسسات التربوية الأدوات والإمكانات اللازمة لها من أجل النجاح وتحقيق الأهداف المرجوَّة.
في الختام:
إنَّ الإدارة التربوية تعني تنظيم جميع المعطيات المتعلقة بالعملية التربوية والتعليمية؛ من تنظيم للمعلمين والمتعلمين والمناهج ونظام الدوام وآليات القبول وكل ما هو متعلق بتحقيق أهداف العملية التربوية والتعليمية، ومن أجل تحقيق هذه الأهداف تستعين الإدارة التربوية بالعديد من الوسائل التي تضمن سيرها على الطريق المفضي إلى الهدف، كما تتنوَّع النظريات التي تستند إليها الإدارة التربوية، وتختلف النتائج والمخرجات باختلاف النظرية التي تعتمدها كل إدارة.