الأهرامات المصرية وأسرارها

عالمنا مملوء بالكنوز والحضارات، التي شُيدت وبُنيت منذ بدء التكوين، وعلى يد عباقرة عصورهم، منها القلاع ومنها الجسور وأيضاً الكنائس والمعابد وغيرها التي ما تزال آثارها خالدةً إلى يومنا هذا، صامدةً في وجه عوامل الطبيعة وأطماع البشر منذ آلاف السنين لتؤكد عظمة الزمن وعراقته الذي وجدت فيه، وروعة الحضارة التي انحدرت منها، وعبقرية الفكر في مجالات عدة منذ الأزل، لتشيد صروحاً تظهر فيها روعة الباني وقدراته وخياله الخصب، ولتظهر جمال الهندسة على الرَّغم من قلة الإمكانات والمعدات في ذاك الزمن.



آثارٌ وحضاراتٌ عريقةٌ دامت آلاف السنين تاركةً خلف جدرانها ألف حكايةٍ وحكاية، لنغوص في أعماقها ونكتشف أسرارها؛ إذ تُعدُّ الأهرامات المصرية العظيمة من عجائب الدنيا السبعة، والتي تُعدُّ من أهم رموز الحضارة المصرية، التي سيركز مقالنا عليها وعلى عمرها وأشهرها والعصر الذي انحدرت منه وعددها وأسمائها وسبب بنائها في ذلك الزمان.

كم عمر الأهرامات ومَن بناها ولماذا؟

يقال إنَّ الأهرامات بنيت في عهد الأسرة الرابعة، ويعود ذلك إلى عامي 2500/ 2600 ما قبل الميلاد، فقد بناها المصريون القدماء منذ آلاف السنين، ويُظن أنَّ السبب وراء بناء هذه الأهرامات هو دفن ملوك الفراعنة وملكاتها فيها؛ إذ يوجد اختلاف بين طقوس دفن عامة الشعب ودفن الفرعون؛ وذلك بسبب ظنهم بوجود حياة ثانية بعد الموت، فبُنيت هذه الأهرامات للملوك والملكات فقط، وهذه الأهرامات ما تزال صامدةً قويةً إلى يومنا هذا، فقد اعتمدوا في بنائها على الحجارة الضخمة؛ إذ نقلوا هذه الحجارة عن طريق نهر النيل إلى المكان الذي بُنيت عليه من أسوان، فقد وصل نهر النيل سابقاً إلى هذه المنطقة.

اعتمد المصريون على حجر الجير في البناء كما استُخدم حجر البازلت للأرضيات والغرانيت للجدران، ويقال إنَّهم استغرقوا في بناء الهرم الواحد عشرات السنوات؛ إذ كان الاعتماد في بنائها على القوى البشرية فقط، مع استخدام بعض الأدوات لتقطيع هذه الحجارة الضخمة مثل المِعول والإزميل النحاسي والمطارق المصنوعة من الغرانيت؛ وذلك ليسهل نقلها إلى موقع البناء، ونقلوها عن طريق سحبها بوساطة الدعامات.

لقد عُرِف ذلك بسبب العثور على منحوتات تُظهر قيام رجالٍ بسحب الأحجار على دعامات، وقد ابتكروا طريقة في ذلك الزمن وهي بناء مجموعةٍ من السلالم المصنوعة من الطوب لكي يرفعوا هذه الحجارة الضخمة إلى مكانها المخصص، ثم غطوها بالشمع كي يتصلب لتسهل بذلك عليهم عملية رفع هذه الحجارة إلى مكانها المخصص، وهكذا على التوالي حتى الوصول إلى الأعلى.

في بداية الأمر بُنيت هذه الأهرامات بناء متدرجاً، وقد سُمي كل هرم باسم الملك الذي أمر ببنائه، ودُفِن فيه، وقد بدأ بحفرة تحولت فيما بعد إلى حجرة ثم إلى مصطبة إلى أن أخذت شكلها الهرمي الحالي.

قائمة بأسماء الأهرامات المصرية وموقعها:

يصل عدد الأهرامات في مصر من 90 إلى 100 هرم، لقد كان الدفن منذ القديم في مقابر، وقد دُفِنَ الملوك في مكان واحد في مدينة "أبيدوس" في قبور جدرانها من طوب تعلوها مصطبة، إلى أن جاء الملك "زوسر" وأمر "أمنحوتب" مهندسه ببناء هرم له فكان مدرجاً لم يأخذ الشكل الحالي للهرم، ويقع في "سقارة"، ثم جاءت من بعده فكرة لإنشاء هرمين للملك "سنفرو".

كانت المحاولة لبناء الهرم بشكله الكامل إلا أنَّ المحاولة لم تنجح، فقد كان أحدهما مفلطح القاعدة والثاني أصغر من الأول، ويقع في بلدة تسمى "دهشور"، ثم جاء مهندس الملك "خوفو" ويُدعى "هميونو" واستطاع أن ينجز الهرم بشكله المثالي "الهرم الأكبر خوفو"، ثم بعده هرم "خفرع" وهو ابن "خوفو" ليأتي بعده هرم "منقرع" وهو حفيد "خوفو"، وتقع جميعها في صحراء "الجيزة"، وفي فترة المملكة الحديثة نُقل موقع الدفن إلى "وادي الملوك" في "الأقصر".

النصوص الهيروغليفية

أقسام الهرم من الداخل:

إنَّ أغلب هذه الأهرامات بُنيت في غرب الصحراء؛ إذ تغرب الشمس من خلفها، ويعود ذلك إلى ظن المصريين القدماء بأنَّ روح ملكهم الميت تصعد كل يومٍ إلى السماء صباحاً، ثم تعود إلى جسد الملك مع غروب الشمس، كما أنَّ هذه الأهرامات بُنيت بطريقةٍ تجعل الشخص الذي يدخل إليها يتوه بسبب كثرة الممرات والحجرات، لكي لا يتمكن أحد من الوصول إلى حجرة الملك، وإلى الحجرات التي تحوي المجوهرات خوفاً عليها من السرقة، ومن الممكن للسارق أن يموت بسبب عدم قدرته على الخروج منه، وقد تألف كل هرم من حجرة يُدفن فيها الملك وتسمى "حجرة الدفن"، ثم تأتي بعد ذلك حجرات مخصصة لدفن أسرة الملك.

توجد حجرات لدفن الحاشية والخدم أيضاً، ثم تأتي ممرات كثيرة تصل إلى حجرات سرية تُدفن فيها المجوهرات وكل ما كان ثمنه باهظاً؛ إذ إنَّهم دفنوا ممتلكات الملك الثمينة معه وملابسه وطعامه وشرابه؛ لظنِّهم أنَّه سيستخدمها في حياته الآخرة، كما بُنيت معابد عديدة حول الهرم وبُنيت أيضاً بضعة أهرامات صغيرة الحجم، وقد نقش فنانون متخصصون في الرسم على جدران هذه الأهرامات من الداخل؛ إذ نقشوا بعض النصوص والتعاويذ لتحرس المومياء المدفونة في الهرم، وغالباً ما نُقشت النصوص بالهيروغليفية.

إقرأ أيضاً: الجامعات المعترف بها عالمياً في مصر 2023

ما لا تعرفه عن الأهرامات:

  • تُعدُّ الأهرامات الموجودة في الجيزة، وعددها ثلاثة من أكثر الأهرامات شهرةً.
  • اكتُشف نحو 140 هرماً في مصر القديمة، ويُعدُّ هرم "زوسر" الأقدم بينها.
  • تزن الكتلة الواحدة في الهرم الأكبر في الجيزة بين 2 إلى 30 طن؛ إذ يتألف هذا الهرم من 2300000 كتلة حجرية.
  • يرتفع هرم "خوفو" عن سطح الأرض 481 قدماً أما الآن فيبلغ 455 قدماً.
  • لم يستطع العلماء والمؤرخون معرفة عدد العمال الذين شاركوا في بناء هذه الأهرامات، لكن حسب المتوقع أنَّهم احتاجوا إلى عدد كبير جداً لإتمام بناء هذه الأهرامات.
  • بُنيت جميع الأهرامات على الضفة الغربية لنهر النيل.
  • بُني أكثر من هرم في الفترة ذاتها، وبحسب تقدير العلماء فقد احتاج كل هرم إلى ما يزيد عن عشرين عاماً لإتمامه؛ لذلك اختلفت طريقة بناء كل هرم عن الآخر، وكذلك الأدوات التي استُخدمت للبناء.
  • بنيت الأهرامات بطريقة عجيبة؛ إذ تبقى درجة الحرارة ثابتة في داخله بحدود الـ 20 درجة مئوية، مع العلم أنَّها تكون متغيرة في الخارج بحسب المناخ.
  • وجود آثار تدمير على الجزء الشمالي لـِ هرم "منقرع" ناتج عن اتفاق لتدمير الأهرامات بين السلطان الثاني الأيوبي والحاكم الكردي، إلا أنَّ هذا الاتفاق لم يُكتب له النجاح؛ وذلك بسبب مشاقة هذه المهمة.
  • تلمع الأهرامات وتعكس ضوء أشعة الشمس؛ لأنَّها مغلفة بطبقة من حجر الجير الأبيض المصقول.

الأهرامات المصرية

أسرار الأهرامات المصرية:

تُعدُّ الأهرامات المصرية من أعجب المعجزات الهندسية والتاريخية في العالم؛ إذ تشتهر بتصميمها الهرمي الثلاثي الشكل، والذي استغرق بناؤه قروناً من الزمن، ومع مرور آلاف السنين، فإنَّ الأهرامات ما تزال تثير فضول الباحثين والمستكشفين، وتحمل أسراراً عديدة لم يستطع العلماء حتى الآن الكشف عنها بالكامل:

  • من أهم الأسرار المحيطة بالأهرامات المصرية هو عملية بنائها المذهلة، فمع الأدوات المحدودة والتكنولوجيا المتواضعة التي أُتيحت في تلك الحقبة الزمنية، فإنَّ القدماء المصريين قد استطاعوا بناء هذه الهياكل الضخمة بدقة وإتقان؛ إذ تُثير طريقة تحريك الكتل الضخمة من الحجر ورفعها إلى ارتفاعات هائلة أسئلة عن كيفية تنفيذ هذا الإنجاز الهندسي العظيم.
  • من أكبر الأسرار التي تتعلق بتصميم الأهرامات ودقة قياساتها هو أنَّ ارتفاع الهرم الأكبر في الجيزة، الذي يُعرف بأهرام "خوفو"، يبلغ نحو 145 متراً وتُقدر أطوال جوانبه بأكثر من 230 متراً، ومع حجمه الهائل، فإنَّ هذا التصميم يتمتع بدقة مذهلة؛ إذ تُعدُّ قاعدة الهرم مستوية بنسبة تقارب الصفر ومتوازية للأفق، ويبقى السؤال الكبير كيف استطاع المصريون القدماء تحقيق هذا التصميم الهندسي الدقيق دون الأدوات المتقدمة التي نستخدمها اليوم؟
  • تثير الأهرامات أيضاً تساؤلات عن الغرض الحقيقي وراء بنائها، فمع أنَّ الأهرامات معروفة عالمياً بصفتها مقابر للفراعنة، فإنَّ بعض النظريات والأساطير تشير إلى وجود استخدامات أخرى لهذه الهياكل الهرمية العملاقة.
  • يُعدُّ بناء الأهرامات إنجازاً هندسياً مدهشاً بالنظر إلى الأدوات المحدودة والتكنولوجيا المتاحة في ذلك الوقت، والنظرية الأكثر شيوعاً تشير إلى أنَّ الكتل الضخمة من الحجر نُقلت عبر النيل ورُفعت إلى الأهرامات باستخدام مسالك مائية ومنصات خشبية وأجهزة رفع بدائية، ومع ذلك ما تزال النظريات والتساؤلات موجودة عن كيفية تمكُّن المصريين القدماء من نقل ورفع هذه الكتل الضخمة بدقة وفاعلية.
  • تثير الأهرامات أسئلة عديدة عن وجود غرف وممرات سرية غير مكتشفة بعد، على سبيل المثال اكتُشفت مجموعة من الأنفاق والممرات الغامضة تحت سطح الأهرام الأكبر في الجيزة، ويُظن أنَّها قد تحتوي على توابيت وكنوز مدفونة أو ربما تكشف عن معلومات جديدة عن استخدامات الأهرامات وغرضها الحقيقي.
  • توجد نظريات تشير إلى أنَّ الأهرامات صُمِّمت بناءً على معرفة عميقة للفلك والكون، ويُظن أنَّ بعض الأهرامات توجهت نحو النجوم والكواكب توجهاً محدداً، مثل هرم "خوفو" الذي يشير مدخله إلى "كوكبة أوريون"، وربما تمثلت الأهرامات بمنزلة نماذج للكون وتصوِّر العلاقة الهامة بين الإنسان والكون السماوي.
  • تحتوي الأهرامات على نقوش ورموز عديدة لم تُفهم فهماً كاملاً حتى الآن، وقد تحمل هذه الرموز رسائل أو معلومات هامة عن الحضارة المصرية القديمة وتاريخها؛ إذ يواصل العلماء واللغويون العمل على محاولة فك رموز هذه النقوش للكشف عن معانيها الحقيقية.
  • مع أنَّ الأهرامات بُنيت قبل آلاف السنين، فإنَّ بعض الأدلة تشير إلى أنَّ التكنولوجيا المتقدمة قد استُخدمت في بنائها؛ إذ توجد نظريات تشير إلى وجود استخدام للمعدات الميكانيكية والآلات البسيطة وحتى الطاقة المتجددة في بناء الأهرامات، لكن لا توجد أدلة قاطعة حتى الآن لدعم هذه النظريات.
إقرأ أيضاً: مقومات السياحة في الوطن العربي وأشهر الأماكن السياحية فيه

في الختام:

ما تزال الأهرامات إلى يومنا هذا من أهم العجائب ومن أهم الصروح التي يُحاوَل اكتشافها، وما تزال الدراسات وعمليات البحث قائمة لاكتشاف السر وراء كيفية بنائها والدخول في ممراتها ومتاهاتها للوصول إلى كنوزها وإلى كل ما خفي فيها.

إنَّ هذه الأهرامات قد بُنيت بحجم كبير؛ وذلك من أجل حماية محتوياتها من السرقة، وما يدعو للتعجب هو بناء هذه الأهرامات الثلاثة بناء مستقيماً مع نجم القطب، وهذا إن دلَّ على شيء فهو يدل على براعة المصريين القدماء في علم الفلك، كما أنَّ الشمس تدخل إلى حجرة الدفن عمودياً؛ وذلك من خلال رأس الهرم لتسقط على رأس المومياء المدفونة داخله، ومع كل التطور الذي يشهده عصرنا هذا؛ فإنَّنا لا نستطيع أن نبني هرماً مشابهاً لما بناه القدماء.




مقالات مرتبطة