استراتيجيات تُساعدك في أن تصبح إنساناً لطيفاً

نحن نعيش في عصر الانتقاد والسخرية؛ إذ يُحتفى بالخباثة على أنَّها خفة دم، ويُعدُّ الهجوم العنيف صراحة أو شجاعة، ويدَّعي المدافعون أنَّ اللطف - في هذا الوضع الحالي - هو خصلة ثانوية، والهام هو الحقيقة، فأولئك الذين يرفضون الاستماع للحقائق القاسية يقع عليهم اللوم حقاً، أو ربما الثقة والقوة هي التي تهم أكثر، والأشخاص الذين يمنحون الأولوية للطف ينتهي بهم الأمر بوضع أنفسهم في المرتبة الأخيرة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون سكوت إتش يونغ (Scott H Young)، ويخبرنا فيه عن تجربته مع اللطف من دون أن يكون ضعيفاً.

لكن أنا أعترض؛ فاللطف ليس الفضيلة المستخفُّ بها بشدة فقط؛ بل هو أيضاً فضيلة نحتاجها في عصرنا هذا؛ وذلك لأنَّ اللطف يُكمِّل قول الحقيقة؛ فالحقائق الفجَّة لا تُغير رأي المُصدِّقين ولا المُكذِّبين.

كونك لطيفاً لا يجعلك ضعيفاً؛ بل يمنحك تعاطف الآخرين، ويبني الثقة؛ فقد اكتشف بنجامين فرانكلين (Benjamin Franklin) أحد مؤسسي الولايات المتحدة، عندما كان صبياً صغيراً أنَّه فاز بالجدالات باستخدام الأسئلة الاستقصائية أكثر من الدحض المباشر، وكتب الفيلسوف الصيني لاوتزه (Laozi): "تكمن الحكمة في ردِّ الإساءة بالإحسان".

فضيلة اللطف المُستخَف بها:

غالباً ما يكون الفشل في أن تكون لطيفاً هو في الواقع فشل في المهارات الاجتماعية؛ فأولئك الذين لا يستطيعون فهم كيف أنَّ كلماتهم وأفعالهم لا تخلق التأثير المطلوب في أذهان الآخرين؛ فإنَّهم يتذرَّعون بأنَّ فشلهم هو بسبب حساسية الآخرين.

وأنا نفسي قد فشلت بهذه الطريقة مراتٍ عديدة؛ فقد أدت مزحة في غير مكانها أو تعليق لا يكترث بمشاعر الآخرين أو فشل في الإنصات إلى ظهوري ظهوراً فظَّاً.

يمكن للمرء أن يدرك أنَّ قدراته تمنعه من الوصول دائماً إلى المثالية، ومع استمرار الظنِّ أنَّ الهدف المثالي يستحق تحقيقه؛ فالشخص الذي يسعى إلى أن يكون لطيفاً، وإن لم تنجح جهوده دائماً، سيكون أفضل بكثير على الأمد الطويل من الشخص الذي قرر عدم بذل الجهد.

ومع أخذ كلِّ ذلك في الحسبان، إليك فيما يلي بعض الاستراتيجيات التي يمكنك تطبيقها لمساعدتك في سعيك لتصبح شخصاً لطيفاً:

1. كسب الاحترام باحترام الآخرين:

من أفضل الدروس التي تعلمتها على الإطلاق أنَّ الناس يحترمون أولئك الذين يحترمونهم.

وقد يبدو هذا واضحاً، حتى تدرك أنَّ نسبة كبيرة من الناس في هذا العالم يؤمنون بخلاف ذلك؛ إذ يؤمن كثيراً من الناس بالنموذج الهرمي للاحترام؛ فلا يمكن اكتساب احترام شخص ما إلا باعترافه بمرتبتك الأعلى؛ أي إذا أظهرت احترامك، فأنت تظهر دونيتك.

لكن ببساطة لا يسير العالم بهذه الطريقة؛ إذ يحاول البشر، أولاً وقبل كلِّ شيء تقييم ما إذا كان شخص ما صديقاً أو عدواً في تفاعلاته؛ فالوقاحة لا تُكسب الاحترام؛ بل تُشجع ذلك الشخص في أن يكون عدواً.

لذا ابحث عن شيء تحترمه في الشخص الآخر الذي تتحدث إليه؛ وهذا يبدو صحيحاً إذا كنت تريد لاحقاً الاختلاف معه أو التشكيك في رأيه.

شاهد بالفيديو: 10 طرق بسيطة لنشر السعادة واللطف من حولك

2. مقابلة الوقاحة باللطف:

لقد تلقيت كثيراً من رسائل البريد الإلكتروني، ومعظم الناس إيجابيون في ردودهم، لكن في بعض الأحيان أتعرض لتعليقات لئيمة وفظَّة.

كانت استراتيجيتي في كثير من الأحيان هي الرد على تلك الوقاحة بأدبٍ لا يتزعزع؛ وفي 90٪ من الحالات، يعتذر الشخص فور رؤية ردة غضبه المتسرع.

وعندما فشلت في اتباع هذا النهج -إمَّا عن طريق مناقشة التعليق أو الهجوم المضاد- انخفضت معدلات نجاحي؛ فالشخص الآخر يزداد غضباً، ويصبح من المستحيل عودة الأجواء اللطيفة إلى الحوار.

كم عدد الجدالات العقيمة التي يمكن نزع فتيلها بهذه الاستراتيجية؟ وما مقدار الغضب الذي يمكن أن يوفِّره إذا كان هناك هامش أمان من اللطف قبل الردِّ على الكراهية بالمثل؟

3. ممارسة الإصغاء:

معظم المهارات الاجتماعية تندرج تحت مهارة الإصغاء، وليس التحدث؛ فأولئك الذين لديهم كاريزما يفعلون ذلك بسبب قدرتهم على جعلك تشعر بأنَّك مسموع، وليس مجرد شخص يتحدثون إليه.

فكلُّ شخص لديه قصته الخاصة التي يرويها بنفسه، والإصغاء يعني محاولة فهم القصة التي يرويها هذا الشخص عن نفسه، وإن لم تكن هذه هي القصة التي سترويها عنه.

أسوأ جريمة يمكن أن تسببها لشخص ما هي رفض الإصغاء إلى روايته، وإخباره أنَّ القصة التي يخبرها عن نفسه باطلة، ومن ثمَّ فإنَّ كلَّ ما يشعر به، ويؤمن به هو غلط.

الإصغاء لا يستلزم الموافقة؛ لكن معظم الخلافات لا تنتج عن الفهم العميق للقصة التي يرويها الشخص عن نفسه ثم رفضها؛ بل تنتج عن رفض قصة الشخص حتى قبل أن تتاح لك فرصة الإصغاء إليه.

إقرأ أيضاً: كيف تمارس الإصغاء الفعَّال؟ (دليلك خطوة بخطوة)

4. معرفة جمهورك:

هل سيجد جمهورك الأمر مضحكاً أو مسيئاً؟ قاسياً أو مدروساً بذكاء؟ مفيداً أو يمثل تهديداً؟ يعني اللطف في جزء كبير منه فهم طبيعة جمهورك الذي يستمع إليك.

القيام بهذا سهل مع الأشخاص الذين تعرفهم معرفة جيدة، وهو أيضاً سبب نجاح المزحات القوية، والانتقادات الودية؛ فهي تشير إلى أنَّك تعرف جمهورك جيداً بما يكفي لإرضائه من دون التسبب في الإساءة.

بعض الناس لا يحبُّون هذا؛ فقد كانوا يرغبون في أن تكون اللقاءات أكثر انفتاحاً على حرية التعبير، وأقل تقييداً بما قد يعدُّه بعضهم لطفاً. وأنا متعاطف مع هذا الرأي، ولكنَّني أظنُّ أنَّ الواقع لا يتطابق مع النظرية تطابقاً جيداً؛ فمن الناحية العملية اللقاءات التي يُمنَع المشاركون فيها من التصرف بلطف ليست مكاناً مناسباً لحرية التعبير؛ بل تخلق هوة عميقة من الكراهية والعدوانية، ولكن مع بعض المعايير المشتركة يمكن إجراء النقاش.

في النهاية، أظنُّ أنَّ أفضل شيء لحماية حرية التعبير هو نوع من اللطف، وليس لحماية الناس من الأفكار التي لا يريدون سماعها، ولكن لتجنب جذب النقاش المتحضر إلى شكلٍ من أشكال الوقاحة اللامسؤولة.

5. طلب تقييمات صادقة ممن تثق بهم:

إذا كنت جاداً في أن تكون شخصاً لطيفاً ومحبوباً، اسأل من تثق بهم عن عيوبك؛ فالمعرفة ليست سوى الخطوة الأولى، ولكنَّها خطوة مهمة. وإذا كنت لا تعرف ما عيوبك، عندئذ لا يمكنك تصحيحها. إنَّه لأمر غريب بالنسبة لي أنَّه في عالم يستثمر فيه الناس آلاف الساعات للحصول على عضلات بطن، ودرجات متقدمة، وسيارات فاخرة -حتى يحبُّهم الناس ويحترمونهم- نادراً ما يكترث الناس بالتغذية الراجعة التي تقدم لهم حلاً مباشراً.

6. عدم وجود الرد اللطيف:

ابحث عن أفضل طريقة لقول أشياء لطيفة؛ فالميزة العظيمة للغة البشرية هي أنَّ المحتوى الحرفي لأيَّة رسالة تقريباً يمكن توصيله بلباقة سواء أكان اعتذاراً أم نقداً.

إذا كنت بحاجة إلى إعطاء حقيقة قاسية أو انتقاد أو شيء قد يُنظر إليه على أنَّه هجوم، فمن الأفضل أن تغلَّف هذه الرسالة أولاً برسالة تؤكِّد قيمة علاقتك بالشخص الذي يتلقاها.

ويرى كثير من الناس أنَّ هذه الخطوة غير صادقة أو غير ضرورية في عصرنا هذا؛ إذ أصبح التواصل السريع سائداً. لماذا لا يمكنني تخطي المجاملات، والتواصل تواصلاً أكثر كفاءة؟ في حين أنَّه قد يكون الوضع أسهل إذا كان ذلك ممكناً، إلا أنَّ هذه السياسة ستؤدي في النهاية إلى إلحاق ضرر لا داعي له عن طريق إبعاد أولئك الذين يريدون مساعدتك.

7. إذا قُوبِل لطفك بالإساءة، فكن حازماً، وليس سيئاً:

مصدر القلق الرئيسي لدى الناس بشأن اللطف هو أنَّه سيستغل؛ وهذه في رأيي قضية منفصلة إلى حد ما للخلط بين اللطف، والرضوخ دائماً لرغبات الآخرين؛ إذ يمكنك أن تكون لطيفاً، وترفض ما لا يعجبك في الوقت نفسه.

يحب الناس استخدام هذا الأسلوب لدحض فضيلة اللطف من دون أن يدركوا أنَّ نفس المبدأ يقوض كلَّ شكل من أشكال الخير البشري من المحبة إلى العدالة؛ فإذا كان الطرف الآخر مخادعاً ويتصرف بسوء نية، فيمكنه بالطبع استغلال فضائلك، والحلُّ ليس التخلي عن الفضيلة؛ بل أن تكون حازماً مع الشخص المخادع.

الحزم - إمَّا عن طريق إزالة الشخص المسيء من محيطك، أو عن طريق اختيار التفاعل معه على نطاق ضيق - هو حلٌّ أفضل بكثير من اللجوء للهجوم؛ إذ تسبب الصراعات الحقيقية والمجازية ضرراً لكلا الجانبين، ومن ثمَّ؛ فإنَّ السلام بين الأعداء دائماً ما يكون أفضل من المواجهة المباشرة.

إقرأ أيضاً: ما هو الحزم؟ وما صفات الشخص الحازم؟ كيف تكون حازماً دون وقاحة؟

اللطف في التفاصيل:

في النهاية لا توجد فضيلة لا تتحول إلى رذيلة إن بالغنا في التعبير عنها أو كانت نيتنا سيئة؛ فالإطراء المفرط، وعدم صدق الاستجابات العاطفية والإيجابية الرتيبة، والتملق، كلُّها طرائق يمكن أن يصبح فيها السلوك "اللطيف" عبئاً.

مع ذلك، ينطبق هذا أيضاً على أيَّة فضيلة أخرى: الصدق، أو الاقتصاد بالمال، أو المثابرة، أو الشجاعة، أو التواضع، أو الصدقة، ولا يتطلب الأمر فيلسوفاً للعثور على الحالات التي يمكن فيها تحويل هذه الفضائل إلى رذائل لا يطيقها أحد.

هذه مجرد طريقة أخرى للقول إنَّ الواقع معقد، وغالباً ما تكون أوصاف الفضيلة المكونة من كلمة واحدة غير كافية لتغطية هذا الواقع؛ لكنَّ فشل اللطف في تحقيق الغاية المرجوة في بعض الأحيان، لا ينتقص من حقيقة أنَّ كونك شخصاً لطيفاً عادة ما يكون مفيداً لك وللعالم بأسره.

المصدر




مقالات مرتبطة