استدر إلى الخلف واحتضن كل المشاعر المؤذية

يخاف معظمنا من شيء ما يتحرك بداخلنا بشكل متكرر، فنحن نشعر بشيء لا نريد أن نشعر به، ثم نقول لأنفسنا: "من الأفضل ألا أشعر بهذا الشيء"، وشيئاً فشيئاً نجد أنَّنا دخلنا في صراع مع شيء ما داخل أنفسنا إذا كان الشعور قوياً بدرجة كافية.



فقد تشعر أنَّ أحدهم يحدق بك وعيناه المستديرتان تتوهجان من خلف الأدغال، فتبدأ بالابتعاد عنه ببطء وترى عينيه تضيقان بشكل مخيف وأطرافه تستعد للحركة، فتستدير وتهرب ولكنَّه يتبعك ويحاول الإمساك بك.

حسناً، ليست كل المشاعر التي يتم تجاهلها تسير على هذا النحو، فكثير من المشاعر إن لم يكن معظمها تختفي بمجرد مرورها، لكن بعد ذلك تبقى بعض المشاعر التي تزعجك ولن تزول، مثل مشاعر الخوف والغضب والاستياء والغيرة.

هل تقلق حيال قلقك؟

هل سبق لك أن لاحظت أنَّه في اللحظة التي تشعر فيها بالقلق تبدأ بالقلق بشأن القلق، وهذا يجعل قلقك مضاعفاً مرتين؟ أو عندما تكون مكتئباً تصاب بالاكتئاب بسبب الاكتئاب؟ أو عندما تكون حزيناً أو خائفاً تصاب بالجنون والاشمئزاز من نفسك لكونك ضعيفاً؟

حسناً، ماذا لو كنت غاضباً أو خائفاً أو قلقاً أو مكتئباً أو شديد الحساسية؟ أنت إنسان في نهاية المطاف ومن ثمَّ فإنَّك عرضة للمشاعر السلبية، ولكنَّ هذا لا يعني أنَّك يجب أن تستسلم وتؤمن بالأشياء أو الأفكار أو المشاعر التي تدور في ذهنك عندما تكون عالقاً في شعور عاطفي أو حالة نفسية.

ماذا تفعل كي لا تقلق حيال قلقك؟

بدلاً من ذلك، فإنَّ الاستدارة نحو الشعور تعني قبوله بهدوء ودون إصدار أيَّة أحكام؛ لأنَّ هذا الشعور هو جزء منك - قد يكون جزءاً كبيراً ومخيفاً ومعقداً - ويجب عليك الاستماع له كما تفعل مع صديقك؛ أي كن منفتحاً وفضولياً عندما تواجه مشاعرك، فدعهم يخرجون من سجونهم واكتشف ما يقومون به في داخلك وماذا يريدون منك، واسأل نفسك ما الذي أشعر به؟ هل هي الغيرة؟ أم هل هو الغضب؟ أم الخوف؟ أم حكم ذاتي جائر؟

في كثير من الأحيان، مجرد الهدوء وقبول الشعور لبضع دقائق فقط يمكن أن يجعلك تهدأ، وعدم الانزعاج من القلق يمكن أن يجعلك أقل قلقاً، وفي أحيانٍ أخرى تحمل المشاعر الكثير من المعلومات الهامة، لهذا السبب هم يبقون في رأسك ويركضون داخله؛ لذا اتجه نحو الوحش واسأله "لماذا أنت هنا؟ وماذا تريد أن تقول لي؟"، حتى أقل المشاعر تفضيلاً بالنسبة إليك والأكثر سلبية، إذا استمعتَ لها بشكل كامل وبعمقٍ كافٍ، فإنَّها تتحول إلى مشاعر إيجابية وحيوية.

المشاعر أم الأفكار؟ البيضة أم الدجاجة؟

عندما لا تشعر بالرضى العاطفي فسيبحث عقلك عن سبب و"قصة" لشرح ذلك، فتأتي "القصة" التي يجمعها عقلك المفكر من كل ما سمعتَه وآمنتَ به أو حتى ما لم تؤمن به، ويمكن أن تأتي القصة من أفكار والديك أو أصدقائك أو وسائل التواصل الاجتماعي أو ربما من ثقافتك الاجتماعية، لكن تذكر أنَّها قد لا تأتي من المكان الأفضل.

مهما كانت القصة التي تخلقها أفكارك - أياً كانت الصورة التي رسمها دماغك - فسوف يستجيب لها جسدك الآن من الناحية الفيزيولوجية كما لو أنَّها صحيحة تماماً، وستجعلك الأفكار المحمَّلة بالخطر والتهديد تشعر بالتهديد، وهذا سيولد المزيد من الأفكار المحملة بمشاعر الخطر والتهديد.

بهذه الطريقة، يتم تضخيم وتشويه المشاعر الداخلية وتصبح لها آثار جسدية، فالوخز والألم والغضب الذي تشعر به في صدرك لأنَّ شخصاً ما لم يرد على رسالتك في غضون 12 ساعة قد يتحول إلى مشاعر وعواطف وأفكار، على سبيل المثال: "إنَّهم لا يحبونني، أنا غير محبوب".

ماذا يحدث عندما يفقد الإنسان وصوله إلى مشاعره الداخلية الأساسية؟

الخوف والصدمة اللحظية من الاصطدام بمكابح سيارتك لأنَّ شخصاً ما قطع الطريق من أمامك تتحول إلى أفكار تصرخ داخل دماغك "كيف يجرؤ هذا على المرور أمامي بهذا الشكل؟ من يظن نفسه؟"، فعندما يفقد الناس الوصول إلى مشاعرهم الداخلية الأساسية أو يتعلمون عدم الثقة بها، يصبح كل ما لديهم في لحظات الضيق أفكاراً تحركها مشاعر مجهولة بالنسبة إليهم، وقد يشبه الأمر أمراض اضطراب المناعة الذاتية في محاولتها الحماسية للدفاع عنك ومنعك من التعرض للأذى، فإنَّها تهاجمك بقوة.

شاهد بالفديو: كيف تسيطر على مشاعر الانفعال الزائد

الدماغ لا يستطيع أن يرتاح:

التفكير هو ما نفعله نحن البشر، ففي أي وقت لا تستمع فيه باهتمام لشخص آخر أو تنخرط تماماً في نشاط ممتع، فإنَّ عقلك يدخل فيما يرقى إلى محادثة معقدة لا نهاية لها مع نفسك، وأنت تفكر في ماضيك وتربطه بمستقبلك، وتفكر في الأشخاص الموجودين في حياتك وما يجب عليك القيام به تجاههم، وما قمت به وما لم تقم به، وتصدر أحكاماً ومقارنات، وتعيد صياغة آرائك ومعتقداتك المتعلقة بالحياة والعالم.

مشاعرك لديها ما تخبرك به:

على الرغم من أنَّ الأمر قد لا يبدو دائماً على هذا النحو، إلا أنَّ مشاعرك تريد مساعدتك فقط؛ إنَّها مثل أحبائك الذين يعرفونك عن كثب ويريدون زيادة فرصك في تحقيق النجاح وتقليل تجارب الفشل أو الأذى، ولا يملكون القصة كاملة، وكثيراً ما يخطئون في تقدير الأمور، لكنَّهم يؤثرون في طريقة تفكيرك واتخاذ قراراتك، لكن عندما تسيء تفسيرهم أو التعامل معهم يمكن أن ينفجروا، خاصةً عندما لا ترد على مكالماتهم معظم الأوقات.

ما هي أنواع المشاعر التي لا ينبغي مواجهتها؟

الرغبة لديها وسيلة للتسلل والسيطرة بمجرد أن تحصل على موطئ قدم، فإذا كنت تشعر بالرغبة في الابتعاد عن شريكك أو انفصلت مؤخراً عن شخص تعرف أنَّه ليس جيداً بالنسبة إليك أو كنت تحارب الإدمان، فليس من الجيد أن تتجه نحو المشاعر المحملة بهذه الرغبات.

احتضنها مثلما تحتضن طفلاً مضطهداً:

ربما تقضي الكثير من الوقت وتبذل الكثير من الجهد لكي تكون عقلانياً لتمنع هذه المشاعر من السيطرة عليك، لكن إذا كان لديك شعور "أو ربما أكثر من شعور" يدفعك إلى الجنون، فدعنا نقترح عليك أن تفعل أمراً مختلفاً بعض الشيء؛ استدر نحو هذه المشاعر وواجهها، وتوقف عن الهروب أو الجدال مع شعور كنت تتمنى لو لم يكن موجوداً في داخلك، وبدلاً من ذلك انظر في عينيه وقل له: "مرحباً"، واقبله واحتضن وجوده، وتقبَّل الأمر كما لو أنَّك قابلتَ طفلاً من أقلية عرقية مضطهدة تاريخياً.

إقرأ أيضاً: السيطرة على المشاعر: خوض بحر العواطف ذي الأمواج المتلاطمة

حارب المشاعر غير المرغوبة بأخرى مرغوبة:

إذا أضفتَ إلى حياتك المزيد من المشاعر الإيجابية، فمن غير المرجح أن تكون لديك مساحة للأحاسيس السلبية.

تتضمن بعض الأمثلة عن التغييرات التي يمكنك إجراؤها في روتينك اليومي ما يأتي:

  1. تطوير عادات غذائية صحية.
  2. ممارسة اليوغا.
  3. التنزه بالخارج.

إذا لاحظت أنَّ لديك أفكاراً أو مشاعر غير مرغوبة تأتيك في الصباح، فقم بتنفيذ هذه النشاطات بمجرد استيقاظك؛ إذ يمكن لتغيير طريقة تفكيرك أن يصنع المعجزات.

شاهد بالفديو: 5 علامات تخبرك أنه يجب أن تغيّر طريقة حياتك حالاً

تحدث عن الأمر ولا تستبعد العلاج:

يشعر الكثير من الناس بالخجل من الاعتراف بأنَّ لديهم أفكاراً أو مشاعر غير مرغوبة ولا يستطيعون التحكم بها أو حتى يشعرون بالذنب حيالها، ويحاولون التعامل مع أفكارهم بأنفسهم وإخفاءها عن الآخرين، ولكنَّ التحدث عن مشاعرك مع شخص تثق به قد يكون مفيداً للغاية ويساعدك على زيادة وعيك فيما يتعلق بما تشعر به وما تعانيه، ويمكِّنك من تطوير وجهة نظرة جديدة تماماً لحياتك.

بالنسبة إلى بعض الأشخاص قد يكون التحدث إلى شخص غريب أسهل من التحدث إلى شخص يعرفونه، ففي هذا السيناريو يمكن أن يكون خياراً جيداً، وهناك العديد من أنواع العلاج المتاحة؛ إذ إنَّ الأفكار والمشاعر غير المرغوبة تحدث لنا جميعاً من وقت إلى آخر، وبقليل من التركيز والالتزام يمكنك التغلب عليها.

إقرأ أيضاً: التحكم فيما بعد الحدث من خلال السيطرة على أفكارنا ومشاعرنا

تحديد الأسباب والمحرضات:

في كثير من الأحيان لا تكون أفكارك عشوائية تماماً، وقد تؤثر تفاعلاتك اليومية فيها؛ لذا يمكن أن يساعدك الاحتفاظ بدفتر يوميات لأفكارك ومشاعرك السلبية أو غير المرغوبة على فهم الأنماط أو الحالات التي تمر بها مع مرور الوقت والعثور على أسبابها أو محرضاتها، فاحتفظ بسجل لمزاجك العام وملاحظات شخصية عن يومك، وعندما تبدأ بملاحظة ظهور أفكار أو مشاعر مماثلة فيما بعد، ارجع إلى تلك الملاحظات واعرف ما إذا كان يمكنك تحديد أي سبب أو محرض.

ربما كانت هذه الأفكار تحدث عندما يكون لديك الكثير من وقت الفراغ، أو ربما كانت تحدث بعد مشاهدة فيلم عنيف أو حزين، فمن خلال تتبع هذه النقاط قد تتمكن من تحديد السبب الجذري وإصلاح المشكلة الأساسية أو تحييد المحرضات.

في الختام:

إذا كان ثمة وحش يلاحقك فتوقف عن الجري واستدر واعرف ما يريده منك، فالنقطة الهامة هي أنَّ كل ما يخيفنا من الداخل هو جزء مما نحن عليه، ومن ثمَّ لن يقتلنا، فمنطقياً لا يمكنه ذلك، لا بل لديه شيءٌ ما يخبرنا أنَّنا بحاجة إلى سماعه.

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة