استخدام التأمل في التحكم بالتفكير السلبي

كثيراً ما تسوء الأحوال بسبب ردود الفعل السلبية التي يبديها الإنسان في أثناء تعامله مع المشكلات القائمة، فعلى فرض أنَّك تعمل على مشروع ضخم منذ مدة طويلة، وقد أجريت كافة الأبحاث، وأحطت بجميع التفاصيل والمعطيات، حتى بات العمل يؤثِّر في حياتك الشخصية ويستنزف وقتك وجهدك، ثم يذكر مديرك بشكل عابر تفصيلاً عن المشروع كنت غافلاً عنه ولم تأخذه بالحسبان في عملك السابق؛ إنَّه تفصيل يغير كل ما عملت عليه في السابق، وربما يلغيه، وكان يجب أن تطلع عليه منذ البداية قبل أن تباشر العمل.



عليك أن تبدأ من نقطة الصفر من جديد، بسبب صعوبة تعديل ما قمت بإنجازه مسبقاً ليصبح متوافقاً مع المعلومة الجديدة التي أُخبِرت بها للتو، وعندها ستدرك بأنَّ عملك وجهودك ضاعت سدىً، وعلى الأرجح أن تستشيط غضباً بوصفه رد فعل طبيعياً على الأنباء السيئة التي أُخبِرت بها للتو، وقد تصرخ وترمي الأوراق والملفات في أنحاء المكتب، وربما تنتقد مديرك في العمل لو كان بإمكانك، وأنت تعي عواقب مثل هذه الأفعال التي يمكن أن تتسبب بخسارتك لوظيفتك، وتتجاوز مشكلة إعادة العمل على المشروع المكتمل تقريباً.

أحياناً يمكن للاعتذار أن يصلح رد الفعل السلبي للإنسان في موقف معين وتعود الأمور إلى سابق عهدها، لكن ثمة حالات لا يمكن لأي اعتذار أن يسوِّيها، وستشعر في بعض المواقف بأنَّك تود أن تفجر غضبك وتفصح عن كل السلبية الكامنة داخلك دفعة واحدة، وقد تشعر للوهلة الأولى بعد تنفيس غضبك بانزياح عبء كبير عن كاهلك، ولكنَّك قمت في الواقع بتعقيد المسألة وزدت الأمور سوءاً.

تكمن المشكلة في تعذُّر إصلاح عواقب فعلتك في بعض الحالات، فتخيل مثلاً أن تطلب من مديرك أن يعيدك إلى العمل بعد أن أهنته وتجرأت على قول كلام مجحف بحقه؛ لذا يمكنك أن تتجنب زيادة تعقيد المواقف العصيبة عبر التحكم بسلبيتك وتطبيق ممارسات ضبط النفس، ويمكن لممارسة التأمل أن تساعدك على التغلب على الإجهاد النفسي أيضاً.

يساعدك تطبيق ممارسات ضبط النفس على التحكم بعواطفك السلبية واستعادة السيطرة على حياتك، وسيتسنى لك بهذه الطريقة أن تستجيب استجابة إيجابية، وتعمل على إيجاد الحلول المناسبة، بدل أن تسمح للمشاعر السلبية بالتحكم في سير حياتك، وإحداث الفوضى، وتعقيد الأزمات، وعندها ستضطر إلى العمل بجد على إصلاح الفوضى التي خلفتها وراءك جراء ردود فعلك السلبية غير المدروسة.

يصبح تطبيق هذه الطريقة أمراً طبيعياً وتلقائياً بالنسبة إليك عبر الممارسة، وستكون قادراً على استخدامها لمواجهة التحديات اليومية وتحقيق النجاح.

4 فوائد للتأمل:

إليك بعض فوائد التأمل:

1. ضبط النفس:

هو قدرة الفرد على تأجيل ردود فعله حتى تهدأ أعصابه، ويفهم الوضع بوضوح، فعندما يستجيب الفرد لموقف مزعج معين لحظة حدوثه، فإنَّ أفعاله ستعكس مشاعره الآنية، ولن تعبِّر عمَّا يقصده أو يريده بالفعل، ولكنَّه سيدرك مدى فداحة تصرفه بعد أن يهدأ ويستوضح الأمور، ويكون بمقدوره تمييز الخطأ من الصواب بكل سهولة، وعندها سيقضي وقتاً طويلاً في تقديم الاعتذارات وتصويب الأخطاء التي اقترفها.

يحدث خلاف ذلك تماماً في حالة ضبط النفس؛ إذ يقتضي هذا الأسلوب تحكيم العقل لحظة حدوث الموقف المزعج، بدل أن تنتظر استيضاح الأمور في وقت لاحق كما في الحالة السابقة، وبهذه الطريقة، لن تضطر إلى تصويب الأفعال السلبية لأنَّك تستجيب في حالة الهدوء والاتزان ورباطة الجأش، ويعد هذا وقتاً مثالياً لاتخاذ القرارات.

إنَّها نظرية بسيطة جداً، ولكنَّ تطبيقها يصبح صعباً عندما يعجز الفرد عن استعادة هدوئه وتركيزه؛ إذ تساهم تمرينات التأمل في مساعدة الفرد على استعادة هدوئه ورباطة جأشه، حتى يتسنى له أن يطبق طريقة ضبط النفس بكل سهولة.

شاهد بالفيديو: 6 فوائد ضبط النفس

2. التأمل:

ممارسة التأمل بسيطة جداً، وفعالة في المواقف العصيبة؛ وذلك لأنَّها تساعد الإنسان على إدارة عواطفه؛ إذ يمكن ممارسة التأمل عبر الجلوس، أو الاستلقاء بشكل منعزل وتصفية الذهن، ومن الطبيعي أن يخلد الإنسان للنوم في أثناء ممارسة التأمل؛ وذلك بسبب حالة الاسترخاء التي يُحدِثها التمرين في الجسد والعقل، لذلك يُفضِّل بعض الممارسين وضعيات الجلوس، كما تتضح تفاصيل المسألة عندما يكون الذهن صافياً، ويتسنى للإنسان وقتها أن ينظر إلى الأمور بطريقة مختلفة، ويفهمها على حقيقتها.

يتسنى للإنسان أن يستخدم التأمل في حياته اليومية عندما يتقن ممارساته؛ إذ يمكنك أن تمارس التأمل حالما تتعرض للإجهاد النفسي لكي تهدِّئ من روعك وتستعيد اتزانك، فلا داعي لأن تغمض عينيك وتلتزم بوضعيات التأمل؛ بل يمكنك الاكتفاء بتمرينات التنفس العميق، فهي تضمن صفاء الفكر والاستجابة للإجهاد النفسي دون المبالغة في ردود الفعل، وسرعان ما سيصبح بمقدورك التحكم في عواطفك بكل سهولة، والتخلص من مشكلة ردود الفعل السلبية المباشرة، واستنباط حلول فعالة دون بذل أي مجهود يُذكَر.

إقرأ أيضاً: 9 نصائح تساعد على التأمل للمنشغلين بالتفكير الزائد

3. التحكم:

تتوضح فوائد ممارسة التأمل توضيحاً تدريجياً مع الممارسة، ومن هذا المنطلق، عليك أن تحرص على التأمل بشكل يومي ولو لبضع دقائق، فقد يساعدك إتقان التأمل على التحكم بمشاعرك، وتحديد الممارسات والأساليب التي تجلب لك السكينة والهدوء.

يمكنك أن تتأمل لبضع دقائق كلما شعرت بالإرهاق أو بالإجهاد النفسي، لكي تستعيد هدوءك ورباطة جأشك، فيجب أن تحرص على التأمل قبل الخلود للنوم ليلاً، أو في الصباح قبل أن تبدأ نهارك حتى تتمكن من تحكيم عقلك واتخاذ قرارات منطقية خلال اليوم.

يجب أن تحرص على القيام بجلسة تأمل يومية مهما كنت منشغلاً؛ وذلك لأنَّ فوائد التأمل تتناسب طرداً مع مقدار الممارسة، وعندما تشهد النتائج بنفسك، ستود أن تلتزم وتمارس أكثر.

إقرأ أيضاً: ما بين التَقبُّل وتحييد المشاعر: كيف نتحكم بمشاعرنا؟

4. التخلص من الإجهاد النفسي:

ينفق بعض الأفراد مبالغ طائلة في جلسات التحكم بالغضب وإدارته، وهذه الحقيقة وحدها كفيلة بإلحاق أذى نفسي شديد، فأنت غير مضطر إلى اللجوء إلى هذه الوسيلة ما دمتَ قادراً على ممارسة التأمل، فهو طريقة فعالة وغير مكلفة وتضمن تحقيق النتائج المرجوة، فلن تعاني بعد الآن من نوبات الغضب؛ بل ستكون قادراً على ابتكار حلول فعالة والمضي قدماً في حياتك.

في الختام:

دعك من تعقيد المسائل والمواقف، حتى لا تزيد من حدة المشكلة وتُحدِث مزيداً من الفوضى، وتضطر عندها إلى تصويب أخطائك وإصلاح الوضع، وعليك بدلاً من ذلك أن تنتظر حتى تهدأ وتتوضح الأمور، وتتخذ قراراً حكيماً وتمضي في تنفيذه.

إنَّ قدرتك على التحكم بعواطفك وردود فعلك، ستساعدك على التعامل مع الموقف بحكمة والوصول إلى الحل والنتائج المثلى التي تناسب مصلحتك الشخصية، ولن تكون تحت رحمة الظروف بعد الآن؛ بل إنَّك ستبلغ مرادك، فأنت تمتلك القدرة اللازمة لتحسين الأحوال وتيسير الأمور بسلاسة أكبر بمعونة التأمل.




مقالات مرتبطة