اتيكيت الاعتذار

تجادَل صديقان خلال رحلتهما في الصحراء، فضرب أحدهما الآخر على وجهه. تألَّم الرجل الذي ضُرِبَ على وجهه، ولكنَّه ودون أن ينطق بكلمةٍ واحدةٍ، كتبَ على الرمال: "اليوم، ضربني أعزُّ أصدقائي على وجهي".



استمرَّ الصديقان في مشيهما إلى أن وجدا واحة، فقرَّرا الاستحمام فيها. وفي أثناء ذلك، علقت قدم الرجل الذي ضُرِبَ على وجهه في الرمال المتحركة، وبدأ يغرق؛ ولكنَّ صديقه أمسكه، وأنقذه من الموت. وبعد أن نجا الصديق من الموت، كتب على صخرة: "اليوم، أنقذ أعزُّ أصدقائي حياتي".

تعجَّب الذي اعتدى بالضَّرب على صديقه ثمَّ أنقده من الموت، وسأل قائلاً: "لماذا عندما ضربتك في المرة الأولى كتبت على الرمال، والآن عندما أنقذتك كتبت على الصخر؟" فأجابه صديقه: "عندما يؤذينا أحد، علينا أن نكتب ما فعله على الرمال، حيث يمكن لرياح التسامح أن تمحوها؛ ولكن عندما يصنع أحدٌّ معنا معروفاً، فعلينا أن نكتب ما فَعَلَ على الصخر، حيث لا يمحوه أيُّ نوعٍ كان من الرياح".

كم هو جميلٌ أن يتذكَّر الإنسان المعروف وأن يُسامِح؛ فالإسلامُ دينُ تسامحٍ ورحمة.

تقودنا هذه القصة إلى موضوعنا اليوم، فقد تشعر بتأنيب الضمير لأنَّك جرحت مشاعر أحدهم، أو لأنَّك أخطأت في حقه وظلمته؛ فهل قسوت على قريبٍ لك، سواءً أكان زوجتك أم أحد أفراد أسرتك أم أختك أم أخاك أم أحد زملائك، أم مسؤولك في  العمل؟ أم أنَّك أحرجتَ كمديرٍ أحد موظفيك أمام زملائه دون قصد؟ هل جرحت إنساناً تحبُّه وتخاف أن تخسره؟

لا بدَّ هنا من الاعتذار إذاً، لكن كيف تعتذر؟ وكيف تبدي له ندمك على ما فعلت؟ وماذا لو كان كلاكما مخطئاً؟ حينها، من يجب أن يبادر بالاعتذار؟

لا نقصد بالاعتذار هنا ذاك الذي يعرفه الجميع، ويؤدُّونه غالباً؛ ولكن ما نقصده أنَّ هناك إتيكيتٌ للاعتذار، تماماً مثلما هناك إتيكيتٌ للتعامل مع كبار الشخصيات في الاحتفالات الرسمية وغيرها.

يعتقد كثيرون أنَّ الاعتذار نقطة ضعفٍ لا يجب إظهارها أمام الآخرين، كونها دليلُ انكسار الشخص وهزيمته، ومن هذا المنطلق نجد أنَّ أكثر وأشدَّ المكابرين الرافضين للاعتذار هم الذين يصنِّفون أنفسهم بـ: "الطبقة المثالية التي لا تخطئ أبداً"، وفي حال صدرَ منهم خطأٌ ما، فإنَّهم يُعِدُّونه زلةً غير مقصودةٍ لا تستوجب الاعتذار أبداً، وخاصةً إذا كان من أخطؤوا في حقِّه أقلَّ منهم مستوىً من منظورهم الشخصيِّ، وهو ما يعدُّ تكبُّراً، والتكبُّر صفةٌ من صفات الشيطان.

الاعتذار ليس دليل ضعفٍ أو فشل، وليس صفةً سيئةً نخجل منها كما يعتقد بعض الناس، إنَّما هي شيمةٌ من شيم الكبار، وخلقٌ من أخلاق الأقوياء، وعلامةٌ من علامات الثقة بالنفس التي لا يتصف بها إلَّا قليلٌ من الناس الذين يمتلكونَ القدرة على مواجهة الآخرين بكلِّ قوةٍ وشجاعةٍ وأدب، وستحمل الحياة دون اعتذارٍ معانٍ ندية، وتخلق جواً من التوتر والقلق بين الناس؛ إذ ينفي الاعتذار عن صاحبه صفة التعالي والكِبَر، ويمنحه المصداقية والثقة بقلوب الآخرين، كما يُزيل الاعتذارُ الأحقاد، ويقضي على الحسد، ويدفع عن صاحبه سوء ظنِّ الآخرين به، والارتياب من تصرُّفاته.

إقرأ أيضاً: كيفيّة الاعتذار، طلب العفو بلباقة

وعلى الرغم من معرفتنا كلَّ  هذه الصفات الرائعة التي يحملها مقدِّم الاعتذار، فلماذا لا نعتذر؟ إنَّ ثقافة الاعتذار في المجتمع الشرقي تكاد تكونُ محدودةً جداً بدرجةٍ ما، فالرجل الذي يعتذر نقول عنه مخطئ؛ لذا لا يُقدِّر الشخص الذي يجري الاعتذار منه قيمة هذا الاعتذار، بل نجده يتعالى عليه.

على سبيل المثال: في محيط الأسرة، نجد أنَّ الزوج لا يعتذر لزوجته لأسباب عديدة، منها: أنَّها ستُصوِّر نفسها قويةً وحازمة، إلى درجة أن تتعالى عليه وتنفعل إذا ما اعتذر هو منها، وتتقصد افتعال المشاكل ليعتذر منها في كلِّ مرة.

يجب أن يكون الاعتذار نابعاً من قلبٍ صادق؛ لذا، اختر الوقت المناسب للطرف الآخر، واعترف بخطئك، ولا تبرر؛ لأنَّ التبرير يزيد من الإحساس بالألم لدى الطرف الذي أخطأت في حقه، وكن دقيقاً وعفوياً وموجِزاً في اختيارك للكلمات، وخاطب كلَّ شخصٍ على قدر عقليَّته ومستوى تفكيره وثقافته.

ركِّز معي:

الاعتذار سمةٌ يتميَّز بها الأقوياء والإيجابيون فقط من الناس؛ وقد كان الأنبياء، وهم أعظم البشر، يعتذرون.




مقالات مرتبطة