اترك الأمور تجري على طبيعتها وستحقق النجاح

تنتشر كتب تحقيق الثروة كثيراً في هذه الأيام، فيكفي أن تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي حتَّى تجد أشخاصاً يتحدثون عن الأسلوب الذي اتَّبعوه لتحقيق الثروة بطريقة سريعة لينصحك بعدها بحضور دورة تدريبية يُعَلِّمُك فيها أساليبه في تحقيق الثراء.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوَّن "ديف نيميتز" (Dave Nemetz)، ويتحدَّث فيه عن تحقيق النجاح من خلال المثابرة على العملية وترك الأمور تأخذ مجراها الطبيعي.

نُصدِّق جميعُنا هذه الأكاذيب؛ لأنَّها تناسب رغباتنا، ونظنُّ أنَّ تطبيق هذه النصائح سيغيِّر واقعنا ويجعلنا ننعم بالثراء والترف، لكن لا يجب أن نثقَ بما يُطرَح في وسائل التواصل الاجتماعي لمجرد أنَّه يحاكي رغباتنا بطريقة غير واقعية؛ فالتفكير المنطقي يخبرنا أنَّ مواقع التواصل الاجتماعي تُحَرِّف الواقع بدلاً من أن تقدِّمه كما هو دون تزييف.

ذكَّرني مؤسِّس موقع "نوت بورينغ" أو "ليس مملاً" (Not Boring) "باكي ماكورميك" (Packy McCormick) بذلك في مقابلة أجريتها معه منذ مدة، فكانت أول مرة عرفت فيها باكي من خلال تطبيق "تويتر" (Twitter) في منتصف عام 2020، وبعد ذلك بمدة قصيرة اشتركت في موقعه، وأول شيء قرأته في مدونته كان تفاؤله في ارتفاع أسعار أسهم تطبيق "سناب شات" (Snapchat)، وهذا ما شجعني على تأسيس موقعي الخاص، الذي لاقى نجاحاً جيداً.

في الآونة الأخيرة كان باكي متفائلاً بخصوص مفهوم الإنترنت 3.0 (Web3) وما يتحدث الناس عنه كثيراً في الآونة الأخيرة، مثل الأصول الرقمية غير القابلة للاستبدال (NFTs) والمنظمات الرقمية المستقلة (DOAs).

إنَّ قضاء الوقت في التعلُّم واللهو باستخدام الإنترنت 3.0 له مزايا تفوق احتمالات الخسارة بكثير، ويشبه اللهو عند انطلاق الإنترنت لأول مرة باستثناء أنَّك ستجني المال لمجرد اللعب فقط.

إذاً لا تحتاج إلى أن تكون ناجحاً ومشهوراً في المستقبل حتَّى تجني المال، يكفي فقط أن تختار المجتمع المناسب أو شراء أحد الأصول الرقمية غير القابلة للاستبدال أو دعم البروتوكول المناسب مبكِّراً حتى تحقق أرباحاً مالية وفوائد فكرية.

في مقال نُشِر الأسبوع الفائت تحدَّث باكي بالتفصيل عن نمو موقعه "نوت بورينغ" نمواً مذهلاً بعد إطلاقه في أبريل/نيسان 2020، فقد حصد الموقع سريعاً آلاف الاشتراكات وصُنِّفَ ضمن المواقع الأكثر متابعةً وفقاً لموقع "برودكت هانت" (Product Hunt).

يزيد عدد المشتركين في الموقع عن 42,000 شخصاً، ومع نموه السريع أسس باكي جمعية استثمار وشركة رعاية تجارية مزدهرة، ذلك كله من خلال فريق يعمل كيَدٍّ واحدة مع بعض الدعم الذي تلقاه من زوجته وشقيقه.

كوني أستضيف المحادثات التي يجريها موقع "أودينس بيلدير" (Audience Builder) فإنَّني أحاول أن أجعل المشاركين مركِّزين على التقنيات التي يمكن لمن يرغب في تأسيس موقع أن يطبِّقها على أرض الواقع، وعندما استضفت باكي تحدَّث كثيراً عن الاستراتيجيات التي استخدمها، وكانت إحدى الأفكار التي قدَّمها هي أنَّه لا يوجد إجراء أفضل من ترك الأمور تجري على طبيعتها.

شاهد بالفديو: 7 قواعد ذهبية تمهد طريق النجاح

خلاصة لقصة نجاح باكي:

ذات يوم في رحلة إلى الشاطئ تمنى باكي وشقيقه داني (Danny) أن يتجاوز متابعو موقعه 100 مشارك، وجرَّب بعض الأشياء التي نجح بعضٌ منها وأخفق الباقي، ومن ضمن ما جربه كان نشر رسالته الإخبارية على موقع "ريديت" (Reddit) و"هاكر نيوز" (Hacker News).

لكن باءت محاولاته الأولى بالفشل، ومع ذلك لم يتوقف عن المحاولة؛ بل ضاعف جهوده في إظهار نفسه على حقيقتها، وأهم ما يميزه هو أسلوبه في الكتابة وحماسته في طرح الموضوعات، فينشر باكي بانتظام ما يتجاوز 5,000 كلمة يومياً ومتابعوه على تويتر خير دليل على موهبته.

لكن لم يبدأ باكي بتحقيق نجاحٍ ماليٍّ ملموسٍ إلَّا بعد عام من الجهود التي كانت فيها الأرباح شبه معدومة، وقبل فترة طويلة من إطلاق موقعه "نوت بورينغ" اتَّبع باكي دورة تدريبية في الكتابة من خلال موقع "بيريل دوت كوم" (Perrell.Com) وقد ساعدته على تطوير أسلوبه في الكتابة وعَزَّزت ثقته بقدراته، وقد شعر أنَّه أصبح جاهزاً لتكوين قاعدة من المتابعين، ومن ثمَّ أمضى باكي عاماً كاملاً في كتابة رسائل إخبارية مختلفة، وبعد 12 شهراً من الإنتاج المتواصل استقرَّ عدد المشاركين على 400.

باستخدام أساليب أخرى في الكتابة والتنوَُع في الموضوعات التي تناولها حصل باكي على نتائج مذهلة مقارنةً بالسابق، وعلى الرَّغم من إنتاجه المنتظم إلَّا أنَّه كان قادراً في الوقت نفسه على إجراء التعديل اللازم لمواجهة بطء النمو، وفي النهاية امتلك رؤية متكاملة وانطلق.

يناقش في إحدى رسائله الإخبارية قرار التفرُّغ الكامل للعمل كاتباً في مدونة على الإنترنت، وفيها ما يأتي: "من المفاهيم الشائعة لدينا أنَّه حتَّى تتطور من شخص طموح إلى شخص مبدع فيجب أن تتمتع بمثابرة واستمرارية، فتُعد المثابرة فضيلة أساسية لتحقيق النجاح، لكن من الناحية العملية فإنَّ الحفاظ على ثبات العملية الإنتاجية سيؤدي حتماً إلى نتائج، ولا بدَّ أن تلقى سلعتك رواجاً، لكن لا يُختزَل النجاح بهذه المعطيات فقط".

توجد مقولة لا يُعرَف قائلها، لكن غالباً ما تُنسب إلى الفيزيائي "ألبرت أينشتاين" (Albert Einstein): "الجنون هو فعل الشيء مراراً وتكراراً وتوقُّع نتيجة مختلفة".

كيف يمكن أن تُفهم هذه الفكرة مع تناقضها الظاهري على أنَّها فضيلة المثابرة؟ الحقيقة أنَّ المثابرة أو الاستمرارية لا طائل منهما ما لم تتسم بالقدرة على التكيف؛ فالإنتاج المنتظم يمنحك نتائج إيجابية يجب أن تطورها وسلبية يجب التعلُّم منها، وهنا التطبيق العملي للتكيف.

كان عمل باكي خلال عام كامل لينجز رسالته الإخبارية بعنوان "حسب بريدي الإلكتروني الأخير" تجربة شخصية شاقة كان يحتاج إليها؛ حتَّى يعثر على وجهته في الحياة التي قادته إلى مساره الحالي.

إقرأ أيضاً: القوة المُذهلة للمثابرة

في الختام:

إذاً الدرس الذي يمكن تعلُّمه من تجربة باكي أنَّ الأمور لا ينبغي أن تكون مدروسة بعناية بدءاً من المدخلات وانتهاءً بالنتائج؛ بل يجب أن نجرِّب المجهول أحياناً، ونستمتع بالعملية ونركِّز عليها بدلاً من التركيز فقط على النتيجة؛ إذ تبيَّن أنَّ التركيز المبالغ فيه على النتائج يجعل تحقيقها أصعب؛ لذلك كتبت هذا المقال؛ لأنصح الجميع بترك الأمور تجري على طبيعتها.

المصدر




مقالات مرتبطة