إعادة التدوير: تاريخه وأنواعه وأهميته

هل تساءلت مرة لماذا يتم فرز صناديق القمامة في المرافق العامة إلى قسم خاص بالزجاج وآخر بالورق وآخر بالبلاستيك وآخر بفضلات الطعام؟ وهل استخدمت مرة وعاءً مثقوباً في الأسفل كان يُستخدم في المطبخ وحولته إلى حوض زراعة؟ وهل قمت بقص ملابسك القطنية القديمة وتحويلها إلى فوط للتجفيف أو إلى هيئة أخرى تناسب شخصاً غيرك؟ وهل استخدمت العلب الفارغة وأضفت إليها بعض التحسينات واللمسات الجمالية وحولتها إلى ديكورات للغرفة؟



إذا كنت قد قمت بواحد من هذه النشاطات السابقة، فأنت طبقت مفهوم إعادة التدوير في حياتك اليومية الذي يُعَدُّ من أكثر المفاهيم أهمية في عالم الاقتصاد والتدبير وحماية البيئة والذي سنتحدث عنه باستفاضة في هذا المقال ونتطرق إلى تاريخه وأنواعه وأهميته.

مفهوم إعادة التدوير:

يمكن تعريف مفهوم إعادة التدوير أو المصطلح (Recycling) الذي يقابله في اللغة الإنجليزية بأنَّه عملية جمع المواد المستخدمة وتحويلها إلى مواد خام لإنتاج مواد جديدة منها قابلة للاستهلاك، وهو التقنية التي تعني تحويل المواد غير الصالحة للاستخدام والمصنَّفة في النفايات إلى مواد مصنَّعة من جديد وجاهزة للدخول طور الاستخدام مرة أخرى.

إنَّ إعادة التدوير تعني الاستفادة من الأشياء القديمة لتصبح مرة أخرى صالحة للاستخدام؛ بهدف توفير المواد الخام والحفاظ على البيئة أو تحقيق المكاسب الاقتصادية، مثل إعادة صهر الكراسي البلاستيكية المكسورة لإنتاج أخرى جديدة.

تجدر الإشارة إلى أنَّ المواد الناتجة عن إعادة التدوير غالباً ما تكون أقل متانة من المواد المصنوعة من خامات أصلية، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال أكياس النايلون السوداء التي تتم إعادة تدويرها، فيمكن ملاحظة أنَّ الأكياس المدورة منها أقل متانة وقابلة للتمزق أكثر من الأصلية مع وجود بقع داكنة وأخرى فاتحة في أجزاء منها.

تاريخ إعادة التدوير:

إنَّ تقنية إعادة التدوير أو إعادة الاستخدام هي تقنية شائعة بين الشعوب الإنسانية منذ سنين غابرة، وفي عهد الفيلسوف "أفلاطون" كان البشر يقومون بإعادة تدوير الأدوات الفخارية المكسورة باستخدام الطين وإنتاج فخاريات جديدة صالحة للاستخدام، وإنَّ تقنية إعادة التدوير يقوم بها الإنسان بشكل فطري وعفوي، فكم من مرة حولنا ثيابنا القديمة إلى ملابس لألعابنا، وحولنا أدوات المطبخ البالية الخاصة بأمهاتنا إلى معدات مطبخ نلهو بها في طفولتنا.

إذاً، على الرغم من أصالة مصطلح إعادة التدوير الذي تلمَّسنا آثاره في الحضارات البشرية الغابرة منذ آلاف السنين، ما يزال بعض الناس يظن أنَّ إعادة التدوير مفهوم حديث برز في مرحلة الوعي تجاه الحفاظ على البيئة في سبعينيات القرن العشرين، حين وعى الإنسان إلى ضرورة حماية الأرض من المخلفات الصناعية والبشرية.

في الحقيقة، إنَّ هذا المفهوم أعرق من ذلك، فهو قد ظهر في الثلاثينيات من القرن ذاته، وتحديداً في مرحلة الكساد الاقتصادي الذي اجتاح معظم دول العالم في ذلك الوقت، وقد بدأ هذا المفهوم عن طريق إعادة تصنيع مواد محددة كالمطاط والنايلون والمعادن.

ففي الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص لاقى هذا المفهوم انحساراً في الشعبية؛ نتيجة النمو الاقتصادي والازدهار الذي عرفته تلك المنطقة في ذلك الوقت، لكن مع بدء الاحتفاء بيوم الأرض عام 1970، عاد مصطلح إعادة التدوير إلى الواجهة، وبدأ استخدامه يتزايد باضطراد حتى وقتنا هذا.

لا بد لنا من أن نشير إلى أنَّ عوامل عديدة تؤدي دوراً أساسياً في نجاح عملية إعادة التدوير، ولعلَّ أبرزها القبول العام من قِبل الأفراد لهذا المفهوم، والتعاون مع المعنيين لإنجاحه، كالتزام الأفراد بتصنيف القمامة حسب نوعها في الحاويات، بالإضافة إلى القوانين التي تضبط عملية إعادة التدوير وتحرص على إخراجها بصورة جيدة.

شاهد بالفيديو: 8 حلول للحد من ظاهرة التلوث البيئي

أنواع إعادة التدوير:

يوجد نوعان من أنواع إعادة التدوير، هما إعادة التدوير الداخلية وإعادة التدوير الخارجية، وسنوضح فيما يأتي الفرق بين هذين النوعين:

أولاً: إعادة التدوير الداخلية

هي نوع من أنواع إعادة التدوير يسمى باللغة الإنجليزية (Internal Recycling)، وتعتمد على مبدأ إعادة استخدام المواد الناتجة عن عمليات التصنيع والمتبقية بوصفها مخلفات لهذه العملية، وهذا النوع من أنواع عملية التدوير شائع في الصناعات المعدنية.

على سبيل المثال، إنَّ صناعة الأنابيب النحاسية تكون عبر جمع البقايا النحاسية الناتجة عن عمليات تصنيع أخرى وصهرها من أجل تحويلها إلى منتج جديد الذي هو الأنابيب النحاسية.

ثانياً: إعادة التدوير الخارجية

هي النوع الآخر من أنواع إعادة التدوير أو إعادة التصنيع الذي يرادفه في اللغة الإنجليزية مصطلح (External Recycling)، وهو النوع القائم على مبدأ جمع المواد القديمة والمستهلكة واستخدامها في مجال إنتاج سلعة جديدة.

لعلَّ المثال الأشهر لهذا النوع من أنواع إعادة التدوير هو إنتاج صحف ومجلات جديدة من مواد خام مستهلكة ومتهالكة من الصحف والمجلات القديمة، والتي يمكن استخدامها في إنتاج أنواع من المنتجات الورقية الجديدة، كما أنَّ إعادة تدوير الزجاج المكسور والتالف والاستفادة منه في إنتاج أدوات زجاجية جديدة يندرج أيضاً ضمن عمليات إعادة التدوير الخارجية.

هذا ما يفسر انتشار مراكز إعادة التدوير التي تختص بجمع المواد القابلة لإعادة التصنيع؛ وهذا يعلل أيضاً وجود الحاويات المخصصة لنوع واحد من المواد، كالحاويات المخصصة للورق أو الزجاج أو البلاستيك.

تجدر الإشارة إلى أنَّ ثمة بعض المراكز تشتري من المواطنين المواد القابلة لإعادة التدوير، كما توجد مراكز أخرى متخصصة في تصنيف القمامة لاستخلاص المواد القابلة لإعادة التصنيع.

إقرأ أيضاً: كيف تساعدنا التكنولوجيا على الحد من تغيرات المناخ؟

أنواع إعادة التدوير من وجهة نظر علماء البيئة:

من وجهة نظر علماء البيئة ومتخصصيها، فإنَّ أنواع إعادة التدوير تكون على الشكل الآتي:

أولاً: إعادة تدوير المنتجات

هي من أنواع إعادة التدوير الذي يتم فيه استخدام المنتجات المصنَّعة سابقاً بأشكال متعددة، والذي يُقسم إلى ما يأتي:

1. الصيانة وإعادة الاستخدام:

تعني إعادة استخدام المنتجات الأصلية بعد إجراء بعض التعديلات عليها لتصبح ملائمة للاستخدام في الغرض ذاته، مثل إضافة أكمام من الدانتيل لقميص دون أكمام، أو إلصاق بعض الأصداف على وعاء الزرع البلاستيكي ليصبح ذا قيمة جمالية أعلى.

2. التصنيع وإعادة الاستخدام:

يعني إدخال المنتج في سلسلة من العمليات والإجراءات التصنيعية والتحويلية التي توصل في نهاية المطاف إلى إعادة استخدام المنتج في الغرض ذاته لكن بجودة أقل من الجودة السابقة؛ أي عندما كان مصنوعاً من مواد خام أصلية مثل إعادة تصنيع أكياس النايلون أو الكراسي البلاستيكية.

إقرأ أيضاً: 3 إجراءات يمكن اتخاذها لرفع معايير الاستدامة البيئية في حياتنا

ثانياً: إعادة تدوير المواد

هي النوع الآخر من أنواع إعادة التدوير وفق رأي متخصصي البيئة، وتعني إعادة استخدام المواد الخام مرة ثانية لأهداف مختلفة، وتُقسم أيضاً إلى نوعين:

1. إعادة التصنيع:

تعني استخدام الآلات في تصنيع المواد الخام عبر سلسلة من الإجراءات والخطوات من أجل الحصول على منتجات بجودة عالية، مثل عمليات تكرير النفط التي ينتج عنها العديد من مشتقاته، أو استخراج مشتقات الأجبان والألبان المتعددة من المادة الخام ذاتها وهي الحليب؛ وذلك عن طريق معالجته كل مرة بطريقة مختلفة.

2. معالجة المواد:

تعني استخدام آلات ضخمة لمعالجة المواد الخام واتباع تقنيات مختلفة في عملية إعادة التدوير، مثل رفع درجات الحرارة أو إضافة مواد كيميائية أو تطبيق ضغط عالٍ، لتنتج مواد خام جديدة تُستخدم في الصناعة ذاتها أو بوصفها مادة خام في صناعة جديدة، ولعلَّ استخراج زيت الزيتون من حبات الزيتون يندرج ضمن هذا النمط من إعادة التدوير.

شاهد بالفيديو: 10 طرق سهلة لتكون صديقاً للبيئة

أهمية إعادة التدوير:

توجد الكثير من الفوائد التي تبرز أهمية إعادة التدوير ونذكر منها:

1. الحفاظ على الطبيعة:

إنَّ الحفاظ على الطبيعة هو من أهم الفوائد التي تعكس أهمية إعادة التدوير؛ كون الطبيعة هي المصدر الأساسي للمواد الخام، وعلى سبيل المثال، فإنَّ إعادة تدوير 1 طناً من الورق المستخدم يحمي 13 شجرة من القطع وهي كمية كافية لإنتاج 40 ألف ورقة من مقاس A4.

كما أنَّ عملية إعادة التدوير ذاتها توفر ما يقارب 2.5 برميلاً من الوقود و4 أمتاراً مكعبة من حجم مكب النفايات اللازم للتخلص من طن الورق المستهلك الذي ضربناه مثلاً، إضافة إلى توفير 31.780 لتراً من الماء و4,100 كيلو واط من الكهرباء.

2. تقليل مساحات مكبات النفايات:

هذه الميزة تعكس أهمية إعادة التدوير، فبدل أن تذهب النفايات إلى المكب وتحجز مساحات واسعة فيه، تتم إعادة تدويرها، ومن ثمَّ يتم توفير هذه المساحة.

3. استحداث فرص عمل:

تتبدى أهمية إعادة التدوير في أنَّها تساعد على إنشاء فرص عمل جديدة للأفراد، كما يحدث في كاليفورنيا التي تحقق إيرادات مالية تقارب 10 مليار دولار من إعادة التدوير فضلاً عن تشغيل 85 ألف موظفاً في هذا المجال.

4. تقليل استهلاك الطاقة:

إنَّ إعادة التدوير من شأنها التقليل من استهلاك الطاقة في عمليات الإنتاج الجديدة، وتُعَدُّ مصانع الزجاج خير مثال عن ذلك؛ لأنَّ المصنِّعين إذا ما أرادوا تصنيع الزجاج من مواده الخام يجب عليهم رفع درجات حرارة أفرانهم إلى مستويات عالية، أما في حال تم استخدام إعادة التدوير فسوف يتم ترشيد استهلاك 40% من حجم الطاقة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى إعادة تدوير الألمنيوم فهو يوفر نحو 95% من الطاقة المستخدَمة في الإنتاج من مواد جديدة.

إقرأ أيضاً: أفضل طرق ترشيد استهلاك الطاقة الكهربائية

5. التقليل من تلوث البيئة:

هذا يشرح أهمية إعادة التدوير كونها تقلل من تلوث البيئة من خلال تخفيض انبعاث الغازات الملوثة للبيئة التي تنتج عن عمليات التصنيع لبعض المواد كالغاز والفحم، كما أنَّ إعادة التدوير تقلل من انبعاث غاز الميتان الذي ينتج عن عمليات التحلل للنفايات في المكبات، وغاز الكربون المنبعث من عمليات التصنيع الجديدة الذي يقل انبعاثه في حالة إعادة التدوير.

في الختام:

إنَّ إعادة التدوير تعني استخدام المواد المستهلَكة وغير الصالحة للاستخدام في صناعة منتجات جديدة تدخل طور الاستخدام مرة أخرى، وهي تقنية يعود تاريخها إلى زمن بعيد، وتنقسم إلى أنواع عديدة بحسب المواد الداخلة فيها، كما أنَّ لها فوائد وأهمية كبيرة، فهي مفيدة بيئياً ومُجدية اقتصادياً وتنسحب فوائدها لتطال الكادر البشري، فتنعم عليه بفرص العمل والعائدات المالية المجزية.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة