إذا قالت لك ابنتك بأنها تحب ، فكيف تتصرفين ؟

هذا السؤال طرح علي عدة مرات  من طرف أمهات واجهن هذا الموقف مع بناتهن ( أو أبنائهن) فهناك من كن مهيئات ( وبصراحة عددهن قليل جدا ) وهناك من كانت لهن ردود فعل متوترة ، والأخطر من ذلك أن هناك من يعتقدن أن مثل هذه المشاعر محرمة في سن" مبكرة" كالمراهقة والنتيجة مواجهات وصدامات مع بناتهن لا تجد لها مخرجا طيبا.

فكيف يا ترى نتعامل مع هذا الحدث بشكل صحي؟

 

 



 أولا لنتأكد من شيء : أن أي فتاة  لن تبوح بحبها ، ولا بأسرار أخرى إن لم يكن بينك وبينها علاقة ودية قوية متينة مبنية على الصراحة وإمكانية الفضفضة ومبنية على الدعائم و المفاهيم التالية:

1- تقبل الأخطاء واستثمارها لأن كل إنسان معرض للخطأ وخاصة ذلك الذي لم يمر بتجارب كافية يتعلم منها كالطفل والمراهق.

 2- روح الانفتاح والتقبل والتحلي بمهارات الإنصات .

3- من الأفضل  الإلمام ببعض الأمور الأساسية: حاجات الطفل والمراهق ومراحل تكوينهما.

 

ثانيا إذا اتجهت إليك لتبوح لك بأسرارها وتتكلم عما يخالجها  فذلك يعني  أنها لجأت لك لثقتك ولمكانتك  عندها ، وأيضا لأنها تلتمس دعما أو نصحا أو توجيها منك، فعليك أن تعتبري هذا السلوك فرصة لتوجيه ابنتك وتعليمها .

ردة الفعل الأولية:

أول تصرف منك اتجاه هذا الحدث هو أن تتسمي بالهدوء وتنصتي لها ،لا تقومي إلا بذلك في أول الأمر واعلمي أن سلوكك هذا لا يعني أنك موافقة على كل ما ستقوله ،الهدوء والإنصات  يفرزان في البنت مشاعر التقدير والتقبل والتفهم لما يجري في داخلها ،كثير من أولياء الأمور يقلقون بهذا الحدث ويفرزون سلوكيات عنيفة ومتسلطة وكابحة  اتجاه أبنائهم وبناتهم وتكون النتيجة أن هؤلاء يتمردون  ويسقطون في ما لا تحمد عقباه، فيفقدون بالتالي زمام الأمور.

في نفس السياق ،وجب التأكيد على نقطة أخرى محورية  وهو الوعي  " بالتناقض الخطير الذي تمارسه الكثير من الأمهات ( والمجتمع بطريقة غير مباشرة) في مجال التربية الجنسية للفتاة العربية والذي يجعل الفتاة تعيش في صراع بين ما أودع فيها ربنا عز وجل من استعدادات فطرية  للزواج وبين ما تلقته من تربية جنسية أغلب أبعادها سلبي ،فغالبا ما تعطى صورة  سلبية للرجل في تربية الفتاة ، على أنها واجب الخوف منه، كما تربى على القمع وعلى مفاهيم مغلوطة اتجاه جسدها  وتشويه صورته ، والنتيجة عدد من النساء في حياتهن الزوجية يصبن بفتور جنسي  نتيجة لعدم الانسجام بين ما تلقته في تربيتها وبين ما يستدعي الزواج من تجاوب جسدي وعاطفي.

 

أما مضمون إجابتك فلها شقين:

الشق الأول : أن تدركي أنت أولا ، وتوضحي لابنتك ثانيا  هذا الأمر : مشاعر الإعجاب والانجذاب والحب اتجاه الطرف الآخر هو شيء فطري وطبيعي في البشر ، وطبيعي في هذه المرحلة من العمر نظرا للتغيرات الفسيولوجية والنفسية  التي تؤهل الفرد للزواج ، وعلينا أن نتقبلها بل نطمئن لذلك والعكس هو المقلق.

 

الشق الثاني وهو في غاية الأهمية  : " بما أن كل حب بين فتى وفتاة لا يكتمل إلا بتاج الزواج ، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام : "ما رأيت للمتحابين مثل النكاح" ،وبما أن التغيرات الحالية  في البنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لمجتمعاتنا العربية الإسلامية  لا تيسر الزواج المبكر فلا علينا إلا أن نوجه شبابنا إلى ما نسميه بتدبير المشاعر .

 

تدبير المشاعر يتم عبر طرح أسئلة لمساعدة الفتاة للحصول على رؤية أوضح لمشاعرها ومآل هذه المشاعر:

" أنت تحبينه وماذا بعد ؟

الحب يتوج بالزواج فهل ترين إمكانية الزواج الآن؟

ما نظرتك للزواج ؟ وهل أنت مستعدة لهذه المسؤولية؟

راقبي مشاعرك ولاحظي إن كانت تعيقك على القيام بأمور دراستك ونشاطاتك الأخرى .

راقبي مشاعرك ولاحظي إن كانت تدفعك لسلوكيات لا نفع فيها ولا جدوى في الظرف الحالي. ( الهدف من هذا السؤال الوعي بأن ليس كل ما يلذ لنا وما نهواه هو في صالحنا وخير لنا )

تحديد الأولويات في هذا السن و التأكيد عليها.

 

بهذه الخطوات ستكونين :

- قد شاركت ابنتك الحل .

- ستزرعين فيها روح الاستشارة والحوار معك  في  مشاكلها وبالتالي مصاحبتك.

- ستخلقين فيها هدوءا وتتجنبين التمرد والتحدي الذي عادة ما يتصرف به المراهقون وقت الصراع والمواجهة مع الآباء .

- ستزرعين فيها روح الأمل والتفاؤل للمستقبل عموما والزواج خصوصا .

- ستتعلم معك ميزة الصبر و"ثقافة الانتظار " إلى الوقت المناسب.

- ستعملين على تغذية الثقة بالنفس لابنتك.

- ستحصنينها ضد تجربة أخرى .

 

حلول  واقية ومحصنة :

 -  تنمية الوازع الديني: وكمثل نأخذ سورة النور : تعليمها في هذا السن وشرح معانيها وأبعادها التربوية الأخلاقية الراقية : تربية روحية واجتماعية وجنسية...

- انتقاء القصص : قصص واقعية لفتيات  لم ينجحن في تدبير مشاعرهن وقيادة ذواتهن ( لأسباب عديدة ومختلفة بعضها تتحمل هي المسؤولية فيها والبعض الآخر يتحمله المحيط ولكن في نهاية المطاف هي التي أدت الثمن الأكبر).

- الاستفادة من كثير من النماذج الغربية التي تنادي حاليا بتحديد العلاقة بين الذكر والأنثى ، ومنهم كثر في الولايات المتحدة وخاصة الإناث، اللاتي  أصبحت البعض منهن  ترفضن الحرية المطلقة في العلاقة بينهن وبين الشباب نظرا لما يلحقهن من ضرر في هذه العلاقة التي تبيح كل شيء.

- الإلمام ولو بأبسط الأمور  بالبنية النفسية للذكر والأنثى خاصة في هذا السن ، والاختلافات الفسيولوجية والنفسية بينهما.

- التأكيد على مفهوم النضج عبر التقدم في السن فزواج السادسة عشر ليس هو زواج العشرين أو الثلاثين..، توضيح وتصحيح  المعتقدات الخاطئة عن الزواج التي تعشش في  نفوس شبابنا والتي  أفرزتها وغذتها وسائل الإعلام بالإضافة إلى غياب الآباء.

- تغذية الصورة الإيجابية في العلاقة بين الرجل والمرأة ، والمفاهيم التي تحيطها كمفهوم الاحترام و المسؤولية والولاية : " المؤمنون والمؤمنات أولياء بعضهم بعضا"  ، إلى غير ذلك من المفاهيم التي تساعد شبابنا على إنجاح العلاقة الزوجية والأسرية والاجتماعية مستقبلا.

 

العمل إذن على تثقيف أبنائنا وبناتنا في هذا المجال أضحى أمرا ملحا في ظل التحديات التي تواجهها الأمة بمختلف أوجهها ، فترك  الشباب في حالة الغموض بل أكثر من ذلك  في حالة الجهل بالمفاهيم الراقية الشريفة التي تحدد العلاقة  بين الذكر والأنثى على المستوى العام والخاص، والتي استبدلت بمفاهيم دخيلة علينا ، يكونون معرضين للوقوع في ممارسات لا أخلاقية وفي انحرافات  بالإمكان تفاديها في ظل تربية سليمة .