إدارة التغيير: مفهومها ومراحلها وأنواعها

انطلاقاً من القول الشائع: "إنَّ الحقيقة الوحيدة التي لا تقبل التغيير هي حقيقة عدم وجود أي شيء غير قابل للتغيير في هذا العالم"، فكل شيء موجود على وجه الكرة الأرضية يتغير ويتبدل، وإنَّ التغيير مبدأ العيش في هذا الكون؛ لذلك لا يستطيع الإنسان أن يبعد نفسه عن هذا التغيير، فإذا لم يُقبِل بنفسه نحو إدارة التغيير فسيأتي اليوم الذي يدير فيه التغيير الإنسان، كما يجب التفكير بطريقة تختلف عن الطريقة التي يفكر فيها الآخرون، فلا نستطيع التعاطي مع الأمور والقضايا بنفس الطريقة بشكل دائم، فكما يقول "ألبرت أينشتاين": "لا يمكن حل المشكلات المزمنة بنفس العقلية التي أوجدتها".



اليوم، تقف المؤسسات أمام تحدٍّ كبير يتمثل في كيفية المحافظة على بقائها واستمرارها ومن ثم نموها في ظل تعقد المعارف التكنولوجية والثقافية؛ إذ ازدادت حدة المنافسة بين تلك المؤسسات والمنظمات سواء على المستوى المحلي أم على المستوى العالمي، وأصبح التغيير مطلباً ضرورياً وحتمياً وليس كمالياً، فتهميش التغيير وعدم الاكتراث به يعني في الحقيقة البدء بالتلاشي.

لا يُقصد بالتغيير العمل المفاجئ غير المدروس الذي يتم بين عشية وضحاها؛ بل هو عملية مخططة ومدروسة بدقة لفترة محددة من الزمن تتسم بالطول نسبياً، ويُركَّز فيها على السياسات أو الثقافة التنظيمية أو الهيكل التنظيمي أو ظروف العمل أو الإجراءات أو تكنولوجيا الأداء وغير ذلك من الأشياء التي تُعَدُّ هامة لبقاء المنظمة ونموها وتطويرها المستمر والتكيف مع البيئة المحيطة.

أولاً: مفهوم إدارة التغيير

يعبِّر التغيير عن التبديل في حال الأشياء ونقلها من وضعها الحالي إلى وضع مستقبلي أفضل وأكثر تلاؤماً مع البيئة المحيطة، وبالنسبة إلى المنظمة فإنَّ التغيير هو نشاط طويل الأمد يسهم في دفع المنظمة لتحديث نفسها، وثمة مجموعة كبيرة من التعاريف التي تناولت التغيير نذكر منها:

1. "موسى اللوزي" في منشوره "التنمية الإدارية":

إدخال تحسين أو تطوير على المنظمة بحيث تكون مختلفة عن وضعها الحالي وبحيث تتمكن من تحقيق أهدافها بشكل أفضل.

شاهد بالفيديو: 4 تغييرات بسيطة تعزّز الإنتاجية في أماكن العمل

2. "غسان اللامي" في منشوره "إدارة التكنولوجيا: مفاهيم ومداخل تقنيات تطبيقات عملية":

التغيير هو تبني فكرة أو سلوك جديد من قِبل المنظمة؛ إذ يؤكد التغيير التنظيمي على إعادة هيكلة الموارد والإمكانات لزيادة القدرات وإنشاء قيمة وتحسين العوائد والنتائج لأصحاب المصالح في المنظمة.

منه يمكن القول إنَّ التغيير هو عبارة عن عملية مدروسة ومخططة تقوم على إدخال تعديلات في البيئة الخارجية أو الداخلية للمنظمة، ويمكن أن يطال التعديل أي عنصر من عناصر المنظمة أو حتى جميع عناصرها.

أما إدارة التغيير، فقد اختلف الباحثون في وضع تعريف موحد لها؛ وذلك بسبب اختلاف المدارس الفكرية التي ينتمون إليها، ومن التعاريف التي تناولتها:

3. "أمل مصطفى عصفور":

الإدارة التي تستهدف إحداث تغيير جذري وشامل لكل جوانب القصور أو ما يمكن أن يشكل نقاط ضعف للمنظمة حالياً أو مستقبلياً، وحينما تضع المؤسسة رؤيتها المستقبلية فلا بد أن يشكل الواقع الحالي بكل جوانب القوة والضعف فيه إحدى الجوانب التي يجب تغييرها لتحقيق الرؤية المستقبلية.

4. "محمد عطيات":

عملية تحويل المؤسسة من خلال تطبيق منهج شمولي عملي متدرج من الواقع الحالي إلى الواقع المراد الوصول إليه، من خلال تطوير الأعمال والسلوك وباتباع أساليب عملية لتعزيز التغيير المراد إحداثه.

5. "صبحي جبر العتيبي" في منشوره "تطور الفكر والنشاطات الإدارية":

هي ذلك النهج الإداري الذي يعنى برصد مؤشرات التغيير في بيئة منظمة الأعمال، وفرز تلك المؤشرات التي لها علاقة بنشاط المنظمة ضمن أولويات إدارتها؛ وذلك بهدف تكيف وتأقلم تلك الإدارة في ممارستها لوظائف العملية الإدارية مع المتغيرات المتوقعة لتحسين أدائها وسلوكها.

6. "رعد الصرن" في كتاب "صناعة التنمية الإدارية في القرن الواحد والعشرين":

تحرُّك الإدارة لمواجهة الأوضاع الجديدة وإعادة ترتيب الأمور بحيث تستفيد من عوامل التغيير الإيجابي، وتجنب أو تقليل عوامل التغيير السلبي؛ أي إنَّها تعبِّر عن كيفية استخدام أفضل الطرائق فاعليةً لإحداث التغيير لخدمة الأهداف المنشودة.

إذاً إدارة التغيير تعني التدخل المخطط في بعض أو كل جوانب المنظمة بهدف زيادة فاعليتها وبما يكفل قدرتها على الاستجابة الفعالة للظروف البيئية الداخلية من نقاط القوة والضعف وللظروف الخارجية من فرص وتهديدات، ويتوقف نجاح إدارة التغيير على كيفية توزيع المهام بين الإدارة العليا والإدارة التنفيذية؛ أي العاملون في المنظمة وكفاءتها، فإدارة التغيير أسلوب عمل في المنظمات يشير إلى أفضل الطرائق اقتصاداً وفاعلية في إحداث التغيير.

ثانياً: أنواع إدارة التغيير

توجد مجموعة متنوعة من التقسيمات لأنواع إدارة التغيير، فثمة مَن قسمها من حيث الشمولية إلى "التغيير الجزئي والتغيير الشامل"، ومَن قسمها حسب مصدر القوة الدافعة للتغيير إلى "التغيير الداخلي والتغيير الخارجي"، وتوجد أيضاً أنواع التغيير حسب مستوى التغيير "مستوى المنظمة، مستوى أسلوب العمل، مستوى العلاقات الشخصية، مستوى التغيير بين الموظف والوظيفة"، ويوجد التغيير حسب التخطيط الذي يمكن تقسيمه إلى أربعة أنواع هي:

1. التغيير الاستراتيجي:

يرتبط التغيير الاستراتيجي بعنصري فلسفة المنظمة الرئيسة "الرؤية والأهداف"، إضافة إلى قيم العاملين في المنظمة، فهو يعنى بالقضايا الأساسية الرئيسة طويلة الأمد؛ إذ يصوغ السياسات العامة الشاملة، ويتطلب نجاح هذا النوع تحليل عوامل البيئة الداخلية والخارجية للمنظمة.

2. التغيير الوظيفي:

يسمى بالتغيير الفني أيضاً، ويشير هذا النوع إلى التغيير المرتبط بالوسائل والتقنيات التي تؤثر في طريقة سير الأعمال داخل المنظمة، ومن ثمَّ تؤثر في الأفراد وأدائهم، ومن الضروري أن يكون قادة المنظمة على دراية تامة بالوسائل الفنية التي تغيِّر أداء الأفراد وتدفعه إلى التحسن.

3. التغيير التطويري:

هو شكل بسيط من أشكال التغيير، وينطوي على تحسين للوضع القديم القائم، فهو لا يسعى إلى إحداث تغيير جذري أو كبير داخل المنظمة؛ بل يسعى إلى تحسين عمليات التشغيل أو محاولة التكيف مع ظروف المنظمة المحيطة، ويتوقف نجاح هذا النوع على قدرة قادة المنظمة على تحفيز العاملين وإقناعهم بضرورة التعاون لإحداث التحسين المطلوب.

4. التغيير التحويلي:

هو أعقد أنواع التغيير وأكثرها صعوبة بخلاف التغيير التطويري؛ إذ يشمل إعادة الهيكلة في المنظمة أو تقديم منتج أو خدمة جديدة كلياً أو توظيف تقنيات جديدة تتطلب تغييراً كلياً في طريقة عمل الأفراد.

شاهد بالفيديو: 11 نصيحة لتغيير قواعد اللعبة لأصحاب الأعمال الصغيرة

ثالثاً: مراحل إدارة التغيير

تتألف إدارة التغيير من خمس مراحل أساسية، وهي كالآتي:

المرحلة الأولى: مرحلة تشخيص مشكلات المنظمة

يجب على قادة المنظمة في هذه المرحلة القيام بدراسة شاملة استكشافية تشخيصية؛ وذلك لرصد نقاط ضعف المؤسسة، وتحديد المشكلات التي تعاني منها بالضبط والتي يمكن أن تتعلق بأساليب العمل أو بالتقنيات المستخدمة أو طرائق العمل أو سلوكات الأفراد وغير ذلك.

المرحلة الثانية: تحديد أسباب التغيير والحاجة إليه

يقوم قادة المنظمة في هذه المرحلة بتحديد الأسباب التي تدعو إلى التغيير من خلال رصد مؤشرات معينة، مثل تزايد حدة المنافسة مع المنظمات الأخرى وتقديمها لمنتجات أو خدمات ذات إقبال واسع، أو وجود صراع محدد ضمن المنظمة سواء بين الوحدات التنظيمية أم بين الأفراد داخلها فيما يتعلق بطرائق العمل، أو وجود انخفاض في أداء العاملين، أو خسارة مادية واضحة.

المرحلة الثالثة: تخطيط التغيير

يتم في المرحلة الثالثة وضع خطط التغيير واتجاهاته وتحديد السبل التي سوف تُتَّبع لتحقيقه؛ فيجب تحديد خطة واضحة ومكتوبة وواقعية وقابلة للتحقيق والتطبيق ومحددة بزمن معين وضمن التكاليف والإمكانات المتاحة، إضافة إلى ضرورة أن تكون قابلة للقياس والمتابعة، ويتم ضمن هذه المرحلة أيضاً اختيار الاستراتيجية والطريقة ومكان التغيير بدقة.

إقرأ أيضاً: مفاهيم حول إدارة التغيير، ولماذا يحتاجها القادة

المرحلة الرابعة: تنظيم خطة التغيير ورصد معوقات تنفيذها

يتم في هذه المرحلة تحديد موارد المنظمة التي سوف توظَّف في تنفيذ خطة التغيير سواء المادية منها أم البشرية وكذلك التكنولوجية، كما يتم تحديد زمن البدء وزمن الانتهاء من تنفيذ الخطة، ويعمل القادة في هذه المرحلة على معوقات التغيير وأسباب مقاومته الفردية والتنظيمية التي تعوق وتقف حائلاً أمام تحقيق التغيير أهدافه، كما يتم تحديد أساليب وطرائق علاج هذه المعوقات وكيفية التعامل معها.

المرحلة الخامسة: تنفيذ الخطة ومتابعة تقويمها

تركز مرحلة تنفيذ الخطة على إحداث التغيير المرغوب في مكامن المشكلة التي تم تحديدها في المرحلة الأولى؛ إذ تتم متابعة خطوات التنفيذ والتأكد من تحقيقها للأهداف التي تم وضعها بشكل سابق ضمن الجدول الزمني.

إقرأ أيضاً: ما مواصفات وكفاءات قادة التغيير؟

في الختام:

تهدف عملية إدارة التغيير إلى إحداث تغييرات إيجابية في أداء المنظمة عموماً بما يكفل تحقيقها مكانة ومركزاً تنافسياً قوياً، فالتغيير أمر حتمي وضروري، كما أنَّه عملية متجددة باستمرار، فالتغيير ليس استثناءً؛ بل هو قاعدة الحياة الطبيعية لا سيما بالنظر إلى عالم اليوم المتغير بسرعة في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والسلوكية والتكنولوجية وغيرها.

تمثل المنظمة جزءاً من المجتمع الذي يتأثر بهذه التغييرات وتؤثر به، والتغيير لا يجب أن يحدث لمجرد أن نصنع تغييراً ونُحدث أي فرق لا على التعيين؛ بل يجب أن يكون مدروساً ومخططاً وممنهج بحيث يتم بعد قراءة متفحصة للماضي والحاضر والنظر إلى المؤشرات المستقبلية والتصرف على أساسها.

يمكن للتغيير أن يطال أي جزء من المنظمة سواء أكان من المدخلات أم العمليات أم المخرجات، كما يمكن أن يشمل التخطيط الاستراتيجي والسياسات العامة المتبعة، فهي أسلوب ممنهج تنتهجه إدارة المنظمة والعاملون فيها لإحداث تغييرات تصل بها إلى الوضع المنشود؛ لذا يجب تضافر الجهود في عملية التغيير، فإن حققت أهدافها فهي فرصة ذهبية لتحقيق المكاسب والنجاح والتقدم بالنسبة إلى المنظمة والعاملين فيها كذلك.

المصادر:

  • عوني فتحي خليل عبيد، واقع إدارة التغيير وأثرها على أداء العاملين في وزارة الصحة الفلسطينية، كلية التجارة، الجامعة الاسلامية، غزة، 2009
  • سعاد بن علي و فاطمة بلحاج جيلالي، أثر إدارة التغيير في تحسين الأداء المؤسسي، كلية العلوم الاقتصادية والتجارية، جامعة الجيلالي بونعامة بخميس مليانة، 2019.



مقالات مرتبطة