أيُّهما أكثر فائدة: تجنُّب النزاعات أم مواجهتها؟

يقول الفيلسوف الصيني "سون تزو" (Sun Tzu) في كتابه "فن الحرب" (The Art Of War): "إن علمت قدراتك وقدرات خصمك، فما عليك أن تخشى من نتائج مئة معركة، وإن عرفت قدراتك وجهلت قدرات خصمك، فمقابل كل انتصار ستعاني من هزيمة، أما إذا جهلت نفسك وجهلت قدرات عدوك، فسوف تواجه هزيمة في كل معركة".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّنة "إرين فالكونر" (Erin Falconer)، وتروي لنا فيه تجربتها مع مواجهة النزاعات في الحياة.

شخصياً لا أبحث عن النزاعات ولا أستمتع بها؛ لكنَّني لم أعد خائفة منها بعد الآن فهي يمكن أن تكون مفيدة ولمصلحة الإنسان، فمثلاً التقيت اليوم عن طريق الصدفة برجل بدا شديد العدائية ومن الصعب التعامل معه ودون قصد نشب خلاف بيننا.

منذ وقت طويل وأنا أفعل كل ما بوسعي لأتجنَّب الصراعات؛ لأنَّني كرهتها متأثرةً بطفولتي، فقد شعرت بالخوف والرعب والضعف وعدم القدرة على حماية نفسي.

أوحى مظهري بالثقة بالنفس؛ لكنَّني في الحقيقة كنت ضعيفةً وغير قادرة على حماية نفسي؛ لذلك تجنَّبت أي خلاف حتى لو كنت على حق، فقد أديت دائماً دور الضحية التي تسعى إلى رضى الآخرين.

يجب عدم التهرب من بعض النزاعات أو الأشخاص، فهم بمنزلة اختبار لقوتنا وقدرتنا على التحمل وهذا شيء طبيعي في الحياة لا يمكن تفاديه؛ فالنزاعات بذاتها ليست شيئاً خاطئاً أو سيئاً، لكن إذا تجنَّبتها بدافع الخوف فإنَّها حتماً ستتصاعد وتزداد.

لدى كل منا آراء وتوقعات مختلفة وبسبب هذا الاختلاف ينشأ الخلاف بين الناس، وأحياناً يكون نزع شرارة الخلاف والابتعاد منذ البداية هو الخيار الأفضل.

في بعض الأوقات ودون معرفة السبب تجد نفسك داخل نزاع متصاعد أو في معركة تكون فيها مجبراً على المواجهة، وهنا الحل الوحيد أن تتحلَّى بالشجاعة والثقة لمواجهة الموقف؛ إذ يجب أن تدافع عن نفسك ومبادئك وإلا لن يكون لها قيمة وهنا تكمن حرية الإنسان واختياره في الدفاع عن كرامته وحقوقه كما يدفع عن جسده الأذى.

إن لم تحترم نفسك، فلن يحترمك أحد:

بعض الكلمات لها دور كبير في الأذى النفسي والعاطفي؛ لذلك يجب أن نعامل أنفسنا كما نحب أن يعاملنا الآخرون، فإذا لم تدافع عن نفسك سوف تتعرض لكثير من الأذية والتحكم من الآخرين، إضافة إلى الضرر النفسي الكبير بسبب شعورك بخذلان نفسك، فالمواجهة شرٌّ لا مفر منه.

إنَّ الفوز في أي معركة يتطلب تدريبات من أجل اختبار المهارات وأساليب المواجهة وقوة التحمُّل وقياس الشجاعة والإيمان بالذات؛ فالشخص الواثق بنفسه يتجنَّبه المتنمِّرون والمسيؤون؛ لأنَّه قوي ومن الصعب مواجهته، وإنَّ دفاع الإنسان عن نفسه هو دفاع عن حقه في الحياة واستقلاليته وتميُّزه ولا يعني أبداً السيطرة على الآخرين والتحكم بهم.

تعلَّمت منذ سنوات عدة فن القتال وهو فن يعتمد على تعلُّم الدفاع عن النفس وصد أذى الآخرين عند التعرُّض للهجوم وليس للبحث عن النزاعات أو الاعتداء على الآخرين، ويزيد إتقان الدفاع عن النفس ثقة الشخص بنفسه؛ لأنَّه يزيد القدرة على التحمُّل ومواجهة أي هجوم جسدي أو لفظي أو حتى عاطفي، ولا داعي للخوف من أي مواجهة أو نزاع، فهي بمنزلة اختبار لقوة الإنسان الداخلية وقدرته على التحمل ومعرفته بحقيقته والأشياء المناسبة له.

يخوض الإنسان خلال حياته مواجهات عديدة منها القصيرة والتي تستمر طويلاً وبعضها يكون متوقعاً أو مفاجئاً، ومن خلالها تتَّضح مهارات الإنسان وقدراته الجيدة في التواصل أو التي تحتاج إلى تطوير وتدريب.

إقرأ أيضاً: 5 مهارات أساسية يحتاجها كل مدير لحل النزاعات

الأهم هو طريقة إدارة المواجهات والتعامل معها:

اضطررت اليوم إلى الدخول في نزاع مع شخص عدائي، وفي الحالة الطبيعية دائماً ما أختار تجنُّب أي نزاع؛ لكنَّ الظروف لم تسمح لي بالانسحاب؛ لذلك وجدت نفسي في نزاع معه قبل أن أدرك ما الذي يحصل، سيطر عليَّ شعور غريب وكأنَّني راقبت ما يخرج منِّي من كلمات؛ لكنَّني كنت فخورةً بالطريقة التي تعاملت بها مع الموقف وكنت ممتنةً لهذه الفرصة التي أتاحت لي استخدام قدراتي اللغوية والجسدية والذهنية بثقة ودون تفكير كثير. 

انتهى الخلاف في النهاية دون نتيجة واضحة أو انتصار طرف على الآخر كما جرت العادة، فالنتيجة في هذه الحالة ليست هامة؛ وإنَّما الدروس المكتسبة من هذا الخلاف، فكل طرف دافع عن وجهة نظره وفق استطاعته وخرج من التجربة أكثر قوة.

حاول شخص ما في أثناء النزاع التدخل لتصعيد الأمور؛ لكنَّني سارعت إلى إيقافه عند حدِّه وأوضحت له أنَّ مشاركته غير مُرحَب بها فاضطر إلى الانسحاب، وعدنا كطرفين يحاولان حسم الأمور المتصاعدة وتقبُّل الاختلافات فيما بينهما، ولهذا كان هذا الخلاف فرصة مميزة ومفيدة.

شاهد بالفيديو: إدارة الخلافات والغضب

عندما تنشأ الخلافات بين الأخوة يميل الأهل للتدخُّل بسرعة دون إعطائهم الفرصة للتفكير وإيجاد الحلول بأنفسهم، فهذه النزاعات بين الأخوة هي فرصة رائعة للتعلُّم وتطوير مهارات التعامل مع الأزمات وإدارتها وحلِّها.

شعرت من ناحية أخرى هذه المرة بالرضى والسلام بخلاف المرات الماضية حين شعرت بالذنب والخجل بسبب خوفي من المواجهة وعدم قدرتي على الرد بطريقة حكيمة.

أما بعد هذه التجربة فأشعر بأنَّني أصبحت أكثر قوة وعزيمة وشجاعة، لهذا أنا مُمتنة للخلاف الذي نشب بيني وبين ذلك الشخص؛ لأنَّه جعلني أدرك أنَّني أقوى ممَّا أظن وأكثر قدرة على التحمُّل.

إقرأ أيضاً: 13 من مشكلات الحياة الشائعة، وكيفية حلها

في الختام:

يمكن أن يكون كل تحدي أو مشكلة تواجه الإنسان سبيلاً لزيادة ثقته بنفسه وتحقيق أهدافه التي تجلب له السعادة.




مقالات مرتبطة