أهمية الوعي الذاتي في ترتيب حياتك

صحيح أنَّ الحياة تطوَّرت بسرعة كبيرة وأصبحت سهلة في كثير من أوجهها، لكن لا يمكن لنا أن ننكر مقدار الفجوة الداخلية الآخذة بالاتساع بين ما هو جديد وما هو قائم لدينا، وكل هذا ينعكس على حياتنا.



فبات معظمنا لا يفهم ذاته؛ وهذا ينعكس فوضى في الحواس وفوضى في الأفعال وابتعاد عن الأهداف، وكل هذه الفوضى التي نعيشها مردُّها عدم فهم ذواتنا بشكل صحيح وفعَّال.

إنَّ أكثر المشكلات التي تعترض طريقنا من جراء عدم فهم ذواتنا تكمن في مجموعة من النقاط الآتية:

  1. فوضى المشاعر وتقلُّبها.
  2. ضياع الأهداف وتشتت الرؤية البعيدة لما نريده في حياتنا.
  3. مشاعر القلق والتوتر التي ترافق حياتنا من جراء عدم فهم ذواتنا.
  4. سوء العلاقات مع أقرب الناس إلينا ومع الآخرين.

ما هو المقصود بالوعي الذاتي؟

إنَّ الحل الوحيد للخروج من هذه الأزمة وترتيب حياتنا اليومية يكمن في أن نطَّلع على ذواتنا وكأنَّها كتاب مفتوح نريد أن نفهمه بوضوح تام، وهذا ما نقصد به بالوعي الذاتي؛ أي على كل مرء منا أن يبدأ بوعي ذاته، وقد يبدو مصطلح الوعي الذاتي مصطلحاً غريباً، فهل يوجد إنسان لا يعرف ذاته؟

في حقيقة الأمر إنَّ الوعي الذاتي لا يعني على الإطلاق أنَّك تعرف ذاتك بأنَّك تفضِّل اللون الأبيض على اللون الأسود، أو أنَّك تفضِّل العمل ليلاً على العمل نهاراً؛ بل إنَّ مصطلح الوعي الذاتي يمثِّل بعداً أعمق بكثير من تلك التفاصيل الصغيرة التي ندركها من خلال حياتنا اليومية؛ إنَّ وعي الإنسان بذاته أشبه ما يكون برحلة تبدأ من خارجك لتغوص بك باتجاه مكنوناتك الداخلية للتعرُّف إلى جوهرك الحقيقي كإنسان.

يردُ في كتاب الذكاء العاطفي 2.0 في توضيح المقصود من مفهوم الوعي الذاتي: "إنَّ تفاعلاتك الشعورية التلقائية تجاه أي شيء تقع قبل حتى أن تُتاح لك أيَّة فرصة لتستجيب، ونظراً لأنَّ المشاعر جزء لا يتجزأ من المعادلة، فإنَّ إدارة ذاتك وعلاقاتك يُقصد بها أن تُدرك النطاق الكامل لمشاعرك أولاً سواء كانت إيجابية أم سلبية".

إنَّ السؤال الذي يمكن أن يخطر في بال كل فرد منا هو كيف يمكن للمرء أن يضع نفسه على طريق البداية لوعي ذاته من أجل ترتيب الحياة؟

إنَّ بداية طريق فهم المرء لذاته تكمن في أن يخصص قدراً من وقته اليومي لمراجعة مشاعره والتوقُّف عندها من أجل فهمها، فالمشاعر التي تُترَك دون مراجعة، تطفو على السطح لتقود الإنسان بدلاً من أن يقودها؛ الأمر الذي ينعكس فوضى على يوميات حياته ليتفاقم الضرر يوماً بعد يوم.

من الهام جداً لفهم المرء ذاته واكتساب وعيٍ ذاتي أن يتحلى بالشجاعة والصدق لمواجهة نفسه، وقد تكون هذه المواجهة مزعجة في بعض الأحيان إلَّا أنَّها ضرورية جداً، فدون الصدق والشجاعة لا يمكن للمرء أن يحقق تواصلاً فعَّالاً مع ذاته.

شاهد بالفديو: 6 قواعد أساسية لتعزيز الذكاء العاطفي

وصفة النجاح:

كل ما سبق ذكره هو عبارة عن كلام نثري لا قيمة له إن لم يمتلك كل فرد منا آلية فهم ذاته ليكتسب وعياً ذاتياً يعكسه على أرض الواقع ليحصدَ نتائج فعلية وواقعية يرى أثرها في حياته اليومية، وهذا ممكن من خلال اتِّباع مجموعة من الخطوات العلاجية التي تساعد المرء على وعي ذاته بشكل فعَّال ينعكس إيجاباً على ترتيب حياته اليومية وهذه الخطوات هي:

1. الابتعاد عن فرز المشاعر:

إنَّ الإنسان بطبعه يميل إلى أن يفرز مشاعره ويقسمها إلى مشاعر جيدة ومشاعر سيئة، وتشير الدراسات إلى أنَّ الجهاز العصبي للإنسان يُصدِّق تلك المشاعر، ويعمل على تأكيدها على أنَّها حقيقة قائمة لا يساورها الشك، فعندما يعتري المرء شعور بالذنب، فإنَّه تلقائياً يصنِّف شعور الذنب بأنَّه شعور سلبي وسيِّئ، ولا يريد أن يعيشه، وبسبب تأكيدات الجملة العصبية؛ فإنَّ الإنسان قد يبذل جهداً من أجل التخلص منه، وبالمقابل فإنَّه يطلق العنان للمشاعر الإيجابية ويعيش تلك المشاعر بكل تفاصيلها، وهنا تكمن المشكلة؛ إذ إنَّ هذا التصنيف والفرز للمشاعر يعوق المرء عن فهم واقع تلك المشاعر وأسباب ظهورها، وهل هي حقيقية أم وهميَّة.

إقرأ أيضاً: ما بين التَقبُّل وتحييد المشاعر: كيف نتحكم بمشاعرنا؟

2. ملاحظة أثر المشاعر في النفس وفي الآخرين:

على سبيل المثال، عندما يلقي أحد منا حجراً ما في بركة ماء، سنلاحظ سريعاً تشكُّل مجموعة من التموجات الدائرية الناتجة عن سقوط ذاك الحجر في بركة الماء، ولو تأمَّلنا قليلاً لوجدنا أنَّ مشاعرنا تشبه إلى حدٍّ كبير تلك الموجات الدائرية، فالانفعال الذي يصدر عنَّا سواء كان إيجابياً أم سلبياً يشبه ذلك الحجر، وإنَّ رد فعلك ورد فعل الآخرين تجاه مشاعرك يشبهان تلك الدوائر المُتشكِّلة؛ ولذلك من الهام جداً لكل مرء أن يعرف تماماً أثر مشاعره وانفعالاته في نفسه وفي الآخرين؛ إذ إنَّ إدراكه لمشاعره بشكل دقيق يساعده على ترتيب يوميات حياته بدقة.

المشكلة التي يعاني منها غالب الناس هي الاعتقاد السائد بأنَّ أثر المشاعر أمر زائل، إلَّا أنَّ الحقيقة هي على النقيض من ذلك تماماً؛ لذا فيتعيَّن على الإنسان أن يقف بعضاً من الوقت ليتدبَّر في سلوكاته حتى يتمكن من استيعاب أثر مشاعره في نفسه وفي الآخرين، وكلَّما ازداد فهم الإنسان لأثر مشاعره، امتلك حرية الاختيار للأثر الذي يريد أن يتركه في نفسه وفي الآخرين.

3. تدوين المشاعر:

لنكُن صادقين عندما نقول إنَّ إحدى أهم عقبات تحقيق الوعي الذاتي تكمن في طبيعة الإنسان التي تتجنَّب المشاعر المزعجة، والتي يساعد إدراكها بشكل فعَّال على إدراك الجوهر الحقيقي للذات، فتجنُّب المشاعر المزعجة لا يُعَدُّ سوى حلاً مؤقتاً لا يمكن الاعتماد عليه في إدارة المرء لذاته.

لذا فيتعيَّن على المرء أن يتحلى بالموضوعية عند النظر إلى مشاعره، وهذه الموضوعية يمكن للمرء أن يحققها من خلال تدوين مشاعره كلها مهما كانت سلبية أم إيجابية، وإنَّ هذه الطريقة تساعد المرء بشكل فعَّال على رؤية نفسه بشكل واضح، وعلى تذكُّر تفضيلاته التي تُنمِّي وعيه الذاتي، والتي تساعده على ترتيب حياته بناءً على تلك التفضيلات.

إقرأ أيضاً: 6 استراتيجيات تجعل التدوين مفيداً في بناء العلاقات؟

4. سؤال النفس دوماً عن أسباب ما تقوم به من أفعال:

إنَّ طريقة فهم الإنسان لذاته واكتساب أعلى درجات الوعي الذاتي هي أمور يجب أن تكون مقرونة بطرح أسئلة دائمة عن أسباب المشاعر التي تظهر عنده، وما هي الأسباب التي تدفعه إلى القيام بسلوكٍ معيَّن، وإنَّ هذه الأسئلة تُعَدُّ بمنزلة المفتاح الذي يلج من خلاله الإنسانُ بوابةَ المشاعر، وإنَّ أجمل ما في هذه الطريقة هو تمكين المرء من الانتباه إلى مشاعره؛ إذ كلَّما ازدادت معرفة الإنسان بمسببات أفعاله، أصبح أكثر استعداداً للتحكُّم بمشاعره وإدارتها، وإنَّ تحكُّم المرء بعواطفه ومشاعره ينعكس تلقائياً على ترتيب يوميات حياته.

في الختام، خذ قرارك الآن:

جميعنا ندرك أنَّ الحياة تمضي بسرعة؛ إذ إنَّنا جميعاً مضطرون إلى التعامل مع يومياتها المعقدة بكل ما فيها من إيجابيات وسلبيات، وإنَّ مهمة الإنسان الأساسية تكمن في الحفاظ على التوازن النفسي الذي يمكِّنه من ترتيب أولويات حياته، وإنَّ جوهر الحفاظ على هذا التوازن يكمن في تحقيق الوعي الذاتي من خلال التواصل مع الذات، وتدوين المشاعر، وطرح الأسئلة الذاتية عن أسباب السلوكات الصادرة؛ أي بعبارة أخرى يمكن تلخيص مفهوم الوعي الذاتي بأنَّه عبارة عن رحلة استكشافية لمعرفة مكنونات الإنسان الداخلية بموضوعية وشجاعة وصدق؛ وذلك للحصول على الصورة الكاملة والواضحة عن الذات للوصول إلى أعلى درجات الوعي الذاتي التي لا يصل إليها سوى الناجحون في حياتهم.




مقالات مرتبطة