أهمية الغفران الذاتي

نحن نسمع قصصاً كثيرة عن أهمية الغفران لمن أساء إلينا، والغفران لأنفسنا لا يقلُّ أهمية عن هذا الأمر على الإطلاق، فعندما نؤذي الآخرين نشعر بالأسف، ونقدم اعتذارنا على أمل التعويض لهم، ومع ذلك غالباً ما نلوم أنفسنا بسبب الأغلاط التي نقترفها، ونطور أفكاراً سلبية عن أنفسنا، وتأتي ضمن هذه التجارب مشاعر الخزي والذنب، وعلى الرَّغم من أنَّها مشاعر متشابهة يمكن أن يُستخدم أحدها مرادفاً للآخر؛ إلا أنَّها مختلفة قليلاً.



الخزي والذنب:

يمكن أن تكون مشاعر الخزي والذنب متشابهة للغاية؛ ففي الحالتين نشعر بالسوء حيال أنفسنا، ويمكن فهم الشعور بالذنب على أنَّه الشعور بخيبة الأمل في النفس بسبب انتهاك قيمة داخلية هامة أو قواعد السلوك، ويمكن أن يكون الشعور بالذنب صحياً؛ إذ يمكن أن يؤدي إلى تغيير إيجابي في السلوك.

أمَّا بالنسبة إلى الخزي، فهو أيضاً الشعور بخيبة الأمل في النفس، لكن لا تُنتهك أيَّة قيمة فيه؛ فعندما نشعر بالذنب نشعر بالسوء حيال شيء فعلناه أو أهملناه، أمَّا عندما نشعر بالخزي نشعر بالسوء حيال أنفسنا، وعلينا أن نتعلم عندما نشعر بالذنب أنَّه لا بأس في ارتكاب الأغلاط، أمَّا عندما نشعر بالخزي علينا أن نتعلم أنَّه لا بأس بما نحن عليه.

إنَّ الخزي هو أمر غير صحي؛ لأنَّه يؤدي إلى تدني احترام الذات - الشعور بعدم الجدارة - وهو سلوك يعزِّز الصورة السلبية عن الذات، ويمكن أن يؤدي الخزي إلى النقد الذاتي، واللوم الذاتي، والإهمال الذاتي، والسلوكات المدمرة للذات، وسلوك التخريب الذاتي، والاعتقاد بأنَّك لا تستحق الأشياء الجيدة، وكذلك الشعور بالغضب.

الغفران الذاتي:

يمكن للغفران الذاتي أن يساعدنا على الحدِّ من الشعور بالخزي على وجه التحديد؛ إذ يؤدي الغفران الذاتي إلى الاستقرار العاطفي وراحة البال، وكلَّما تعافيت من الخزي، زادت قدرتك على رؤية نفسك رؤية واضحة من الجانب الجيد والجانب السيئ أيضاً، وستكون قادراً على إدراك كيفية إيذاء نفسك والآخرين والاعتراف بهما.

إنَّ التعاطف هو ترياق الخزي؛ إذ يعمل على تحييد الخزي، وإزالة السموم الناتجة عنه، والغفران الذاتي هو جانب هام من جوانب التعاطف الذاتي؛ إنَّه يهدئ جسدنا وعقلنا وروحنا من الألم الناجم عن الشعور بالخزي، كما أنَّه يسهل عملية التعافي منه.

شاهد بالفيديو: 12 شيئاً عليك أن تفعله لتحقق النجاح والسعادة

كيف يمكنني ممارسة الغفران الذاتي؟

1. فهم الذات:

إنَّ فهم التجارب والصدمات النفسية والضغوطات التي مررت بها طوال حياتك وصولاً إلى تطوير أنماط التفكير السلبية، يمكن أن يؤدي إلى الغفران لنفسك على الطرائق التي آذيت بها نفسك أو الآخرين، ويمكن أن يساعدك فهم الأسباب الكامنة وراء الطرائق التي تتعامل بها أو وراء معتقداتك على التوقف عن لوم نفسك على الخيارات التي ربما تكون قد اتخذتها أو التي لم تتخذها قط.

تُظهر الأبحاث أنَّ الآثار طويلة الأمد للصدمات النفسية تكون أكثر وضوحاً وبروزاً عندما يشعر الناس بالتوتر، أو في المواقف الجديدة التي لا يتعرضون لها عادةً، أو في المواقف التي تذكرهم بظروف الصدمة النفسية التي تعرضوا لها؛ ومن ثَمَّ قد تثير بعض المواقف ردود فعل - في بعض الأحيان - نتمنى لو أنَّها لم تكن موجودة على الإطلاق، ومع ذلك، فإنَّ فهم نفسك بواسطة مهارات التأقلم الصحية والعلاج والدعم، يمكن أن يحسِّن قدرتك تحسيناً كبيراً على التسامح والمُضي قُدماً.

2. الإنسانية المشتركة والتعاطف مع النفس:

ذكرت كريستين نيف (Kristin Neff) الرائدة في مجال التعاطف الذاتي في حديثها عن التعاطف الذاتي، أنَّ تقدير التجربة الإنسانية المشتركة - أو ما تطلق عليه، "الإنسانية المشتركة" - عبارة عن عنصر أساسي ثانٍ للتعاطف الذاتي في كتابها الذي يحمل اسم التعاطف مع الذات (Self-Compassion)، ذكرت أنَّ "التعاطف مع الذات يدعم حقيقة أنَّ جميع البشر عرضة للغلط، وأنَّ الخيارات المغلوطة ومشاعر الندم هي أمر لا مفر منه".

جميعنا قد ارتكبنا أغلاطاً، ومعرفة هذا الأمر ومعرفة أنَّك لست وحيداً، يمكن أن تساعدك على التعاطف مع نفسك والمغفرة لها، وإنَّ الشعور بالتعاطف مع نفسك لا يعفيك من تحمل مسؤولية أفعالك، ولكنَّه قد يحررك من الحديث الذاتي السلبي الذي يمنعك من الغفران لنفسك، ويتيح لك التجاوب مع الموقف بوضوح.

عندما تتحقق من أغلاطك يتضح لك أنَّك لم تختر ارتكابها بوعي، وحتى في الحالات النادرة التي اتخذت فيها قراراً واعياً كان الدافع وراء أفعالك ناتج عن تجارب أخرى؛ فتشكلت لديك بعض الأنماط المعينة؛ بسبب الخزي الذي شعرت به، والظروف الخارجية، والضغوطات الإضافية؛ إذ يمكن أن تكون هذه الظروف الخارجية؛ إمَّا عوامل وراثية، أو تجارب عائلية، أو ظروف حياتية.

كما كتبت كريستين في كتابها "التعاطف مع الذات": "عندما نبدأ في إدراك أنَّنا نحن عبارة عن نتاج عوامل لا حصر لها، لسنا بحاجة إلى أخذ إخفاقاتنا الشخصية على محمل شخصي، ويمكن أن نكون أقلَّ حكماً على أنفسنا، وعلى الآخرين عندما نعترف بالشبكة المعقدة من الأسباب والظروف التي نندمج بها جميعاً؛ لذا إنَّ الفهم العميق للترابط يتيح لنا التعاطف مع حقيقة أنَّنا نبذل قصارى جهدنا في الحياة التي منحت لنا".

إقرأ أيضاً: 3 طرق لتحقيق النجاح عن طريق تعزيز التعاطف مع الذات

3. كسب الغفران لنفسك:

إذا وجدت أنَّك تجد صعوبةً في الغفران الذاتي، فكن صريحاً وفضولياً مع نفسك؛ فاسأل نفسك: "لماذا لا أريد أن أغفر لنفسي؟"، إذا كانت إجابتك: "أنا لا أستحق ذلك"، فالخزي هو الذي يتكلم عنك، وإذا كنت ما تزال تشعر بأنَّك لا تستحق المغفرة، فربما تعتقد أنَّك يجب أن تكسبها".

إقرأ أيضاً: ما هي حقيقة الغفران؟

في الختام:

كيف تكسب المغفرة؟ كن صريحاً بشأن الأمر الذي تشعر بأنَّك بحاجة إلى أن يُغفر لك عليه، وكن صريحاً مع نفسك بشأن الأمر الذي قمت به، والذي تشعر بأنَّه قد يسمح لك بتغيير بعض المعتقدات السلبية وأن تتعاطف مع نفسك أكثر وتغفر لنفسك.

المصدر




مقالات مرتبطة