أفضل وقت لتقديم التغذية الراجعة هو الآن وليس لاحقاً

نحن ننسى بسرعة، وقد يستغرق الأمر يوماً أو أسبوعاً، ولكنَّه في معظم الأحيان يستغرق بعض الثواني فقط وننسى ما فعلناه وكيف فعلناه، وننسى تقديم تغذية راجعة للآخرين لأنَّنا ننسى ما فعلوه؛ ونتيجة لذلك نفوِّت فرصة هامة للغاية لاكتساب عادات جيدة، وتحديد السلوك المرغوب فيه وتكوين فرق أكثر سعادة عبر تقديم تغذية راجعة سريعة ودقيقة.



سنغوص في هذا المقال في تفاصيل أسباب ذلك، وسنتحدث عن أفضل طريقة ووقت لتقديم التغذية الراجعة.

الذاكرة:

لدينا مستويان من الذاكرة: ذاكرة قصيرة الأمد، وذاكرة طويلة الأمد؛ فالأولى مخصصة للأشياء التي نفكر فيها في اللحظة فقط، بينما تُخزِّن الذاكرة طويلة الأمد الذكريات لاسترجاعها لاحقاً، ونوعا الذاكرة كلاهما معرَّضان للنسيان لكن بطرائق وسرعات مختلفة.

في دراسة من عام 1959، اختبرَ العالِم "بيترسون" (Peterson) مدى سرعة نسيان الشخص لمجموعة كلمات مكونَّة من ثلاثة رموز حفِظها حديثاً؛ إذ طلب من المشاركين حفظها، ثم سألهم ما إذا كانوا يتذكرونها، لكن نسي المشاركون نصف الكلمات في غضون 6 ثوانٍ ونسوها جميعها بعد 18 ثانية.

بالطبع هذه الكلمات المكوَّنة من ثلاثة رموز ليست هامة عملت عليها لساعات عدة أو عرضاً تقديمياً أعددته بعناية، ولكنَّ هذه الدراسات وغيرها توضِّح سرعة نسياننا، ببساطة، تذكَّر آخر مرة نسيتَ فيها ما إذا أغلقتَ أبواب منزلك واضطررت إلى العودة إلى المنزل للتحقُّق من ذلك.

ما نزال لا نعرف الكثير عن الذاكرة طويلة الأمد، لكن من الواضح عموماً أنَّنا نفقد أكبر قسم من المعلومات بعد وقت قصير من تخزينها ثم ننسى كمية أقل مع مرور الوقت؛ ولهذا، نتذكر بعض التفاصيل فقط من الأحداث القديمة، وتفاصيل أكثر قليلاً من الأحدث، لكن قد تضطر إلى التفكير لتذكُّرها، بينما يظن بعض العلماء أنَّنا في الواقع لا ننسى أي شيء، ولكنَّنا لا نعرف كيفية استرداد المعلومات من التخزين.

إقرأ أيضاً: الذاكرة قصيرة الأمد: مدتها وسعتها

تحسين التعلُّم من خلال التغذية الراجعة:

يمكن أن تؤدي أشياء كثيرة إلى التذكر؛ مثل أغنية أو منظر أو رائحة أو طعم أو أي شيء آخر، وفي بعض الأحيان، نتمكن من استرجاع الذكرى حين نتذكر جزءاً منها، كما يحصل حين تتذكر بداية اسم شخص ثم بقية الاسم، وفي معظم الأوقات، تؤدي هذه المفاتيح على الفور إلى استرجاع جزء من الذكرى أو حتى إلى فعل معيَّن، وهذه هي الطريقة التي ندرب بها الحيوانات؛ وذلك عبر تقديم مكافأة لها عند فعلها ما نطلب، وهكذا ندرِّب أنفسنا أيضاً؛ لأنَّ ذاكرتنا تتحسن وتقوى من خلال:

  1. التمرين: على سبيل المثال، عند تعلُّم آلة موسيقية، ستقضي ساعات في التمرين أو عند تعلُّم ركوب الدراجة ستسقط مرات عدة.
  2. الاختبار: ستتذكر المعلومات بشكل أفضل بكثير حين تتعلَّم ثم تجيب عن بعض أسئلة الاختبار مقارنة بأن تتعلَّم شيئاً ما وتحاول تذكُّره ببساطة في غضون يومين.
  3. التعزيز الإيجابي: إنَّ سماع كلمة شكراً بعد فتح الباب لشخص ما سيزيد من فرصة فعلك ذلك مرة أخرى، وقول المدربين الرياضيين: "أحسنت" للاعبين هو بمنزلة دعم للسلوك وتشجيع على ممارسته مراراً وتكراراً، وأفضل وقت لتقديم هذه التغذية الراجعة هو بالضبط بعد فعل اللاعب ما طلبه المدرب على الفور.

شاهد بالفديو: كيف تقدم تغذية راجعة بناءة في مكان العمل؟

تقديم التغذية الراجعة مباشرةً:

يمكنك ضمان فاعلية كل هذه الآليات دائماً؛ وذلك لأنَّنا مبرمجون لحفظ المعلومات بهذه الطريقة؛ لذا إذا حاولتَ بجد بما يكفي، فسوف تتعلم، وإذا مدحت شخصاً ما بما يكفي، فستنجح في النهاية، والسر هنا هو التوقيت، فمن المؤكَّد أنَّه يجب عليك أن تتدرب على الآلة الموسيقية كثيراً وإلا ستنسى ما تعلمته في التدريب السابق، ولكنَّ أفضل وقت لتقديم هذه التغذية الراجعة هو في أسرع وقت ممكن؛ لأنَّ المتلقي سينسى ما فعله، ويجب عليك تقديم التغذية الراجعة كثيراً ليصبح ذلك عادة بالنسبة إليك وإلى المتلقي.

عبارات مثل "أحسنت"، أو "شكراً" هي أحد أكثر التعزيزات الإيجابية المعتادة، ولكنَّ الفائدة مرتبطة أيضاً بالوقت الذي تقدمها به بعد الفعل، فكلَّما كان أبكر كان التأثير أكبر، فتخيَّل أنَّ مدربك يقول لك: "كان أداؤك جيداً في تلك المباراة الشهر الماضي"، مقارنة بإخبارك بذلك بعدها مباشرة، سيكون للخيار الثاني تأثير أكبر بكثير؛ لذلك إذا لاحظتَ أنَّ أحدهم قام بعمل جيد أو مارس سلوكاً تحبه، فعزِّزه بعبارة "شكراً لك" في أسرع وقت ممكن، وفي بعض الأحيان، قد ينسى الشخص الآخر ما فعله في غضون دقائق.

إقرأ أيضاً: هل يجب تقديم التغذية الراجعة وجهاً لوجه أم عبر برامج التواصل؟

أفضل طريقة ووقت لتقديم التغذية الراجعة:

لا شيء أفضل من تقديم التغذية الراجعة وتلقِّيها في اجتماع وجهاً لوجه؛ لذا أَثنِ على الشخص الذي قدَّم للتو عرضاً تقديمياً جيداً حال انتهائه، واعثر عن الشخص الذي صمَّم ميزة رائعة مباشرةً بعد اختبارها لأول مرة وأخبره بذلك، وإذا لم تستطع فعل ذلك لأنَّكم لا تعملون في نفس المبنى، أو لأنَّكم تعيشون في مناطق زمنية أو لديكم جداول زمنية مختلفة، فيمكنك الاتصال أو إرسال رسالة نصية أو الكتابة في محادثة أو ترك رسالة شكر، كل الخيارات جيدة.

تشير الدراسات إلى أنَّ القدرة على توقُّع التعزيز الإيجابي مفيدة أيضاً؛ لذا فإنَّ استخدام نفس الطريقة لتقديمه يعزز التأثير، وقد تفيدك في ذلك بعض التطبيقات التي تسمح بإرسال ملاحظات "الشكر" بأسهل وأسرع طريقة ممكنة، وفي حين أنَّه لا يمكن لها بأي حال من الأحوال التعويض عن التغذية الراجعة المباشرة، إلَّا أنَّها أداة مفيدة لتوجيه الشكر والثناء الذي قد تنساها في اجتماع شهري أو تتذكر قوله بعد وقت طويل، بالإضافة إلى أنَّ معظم العمل في معظم الشركات يتم عبر الإنترنت الآن، فالطريقة الطبيعية أصبحت تقديم التغذية الراجعة عبر الإنترنت أيضاً.

المصدر




مقالات مرتبطة