أشبع قلب ابنتك المراهقة بالحنان

عند العاشرة مساءً يعمُّ الهدوء وتُغلق الأبواب، و حالةٌ من السكون تسيطر في أرجاء ذلك المنزل الصغير، ولا يُسمع سوى نحيب الأم جراء سلسلةٍ من التحقيقات الموجهة إليها من ذلك الزوج المغترب عن بيته طوال اليوم، ليأتي في ساعاتٍ متأخرةٍ من الليل، يُعاتب، ويصطنع تلك المشكلات، ليُشبع في نفسهِ غريزة الاستبداد والطغيان البشري، متناسياً واجباته كربٍ لأسرة وأبٍ لأطفالٍ صغار ينتظرون قدومه بلهفة ليحتضنهم بأحلامهم البريئة.


امّ محرومة، مهانة من أبٍ عاجزٍ معوق بإنسانيته، أدمنت الذل والإهانة إلى أن أصبحت راكعةً ناكرةً لذاتها ولأطفالها في سبيل العيش تحت ظل رجل، وكما قيل لها في المثل: "ظلُّ رجل ولا ظلّ حيطة" إلى أن آمنت، واعتقدت، وفقدت..

حضن أسري غائب:

تلك كانت عباراتُ فتاةٍ حائرةٍ تبحث عن حضنٍ أسريٍ ليجمع شتات أحلامها ولهفتها، ويُروَّض مشاعرها الجياشة لإشباع حاجاتٍ أساسيةٍ نفسية لم تكن تدرك حقيقتها، وكل ما أدركت حقيقته هو أنها فتاة مراهقة تحتاج من يسمعها، ويحاورها، ويشاركها أحلامها الوردية، ويأخذ بيديها إذا تعثرت، ويساندها إذا احتارت في أمور حياتها..
من لك يا صغيرتي ! من لها يا آباء و يا أمهات ؟! أللصراع اجتمعتم ! أم للجفاء نذرتم ! أم لتدمير حياةٍ لم تبتدئ عند أطفالٍ لم يعرفوا معنى الحياةِ بعد ؟!

فجوة.. مَنْ يسدُّها؟!

يشتكون عناداً حاداً وعصبية !! يتذمرون جفاءً ومادية!! يخشون انحرافاً وانجرافاً للهاوية، واغترابا عن الدين والهوية!! وماهي إلا طفلة في جسدِ امرأةٍ شرقيةٍ ، مازالت تحلم بقبلةٍ في خديها كما كانت صغيرةٍ ندية، فغفل عنها والداها، ورحلت تبحث عن مسكنٍ آخر في حضنٍ آخر يلمُ شتات عاطفةِ بريئة لا يشبعها إلا حنانُ أب أو أم، ولكنهما قد تخليا..! صديقات سوءٍ يتربصن بها وذقن من الحرمانِ ما ذاقت، فإلى أين المصيرُ بهن؟!

فضائيات، وإنترنت، مجلات، وأغان، برامج متنوعة هابطة، ووسائل تواصل متطورة.. يا ترى هل سألت نفسك أيها الأب، وهل سألتِ نفسكِ أيتها الأم أيُّ وسيلةٍ. وأيُّ طريقةٍ هي الأنسب لابنتكما كي تعالج دمار صنعكما ؟! وأيّ علاجً يأتي بدمارٍ أكبر ! ؟
من يسدُّ تلك الفجوة من الفراغ العاطفي المتسعة يوما بعد يوم باتساع تلك الفجوة بين الأب والأم ؟!
متى يدرك كل من يقدم على الزواج بأن هناك مسؤوليات تنتظره أكبر من تلك التي يلهثون وراءها من إشباع ظاهري مادي ؟! متى يدرك كل مُرَبِّ أهمية حصوله على رخصة  التربية التي يتولى بها إتمام رسالةٍ أسريةٍ سامية يحاسب عليها أمام الله عز وجل!؟

رخصة تربية!!

يركضون وراء الحصول على رخصة قيادة السيارات، ورخصة قيادة الأعمال، ولم يفكروا يوما بأن يأخذوا رخصة قيادة لذواتهم لتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقهم، و الحصول على  تلك الرخصة لنيل سعادة الدنيا والآخرة بتربية الأبناء تربيةٍ صالحة، وتحمل المسؤولية الكاملة عنها.. إنها: "رخصة التربية ".

أبناؤنا يعيشون في زمنٍ صعب تكثر فيه الفتن والمغريات الدنيوية، ويكثر فيه اللبس بين الصواب والخطأ، بين الحق والباطل، فمن لأبنائنا سوانا بعد الله عز وجل!

تساؤلات مُرَّة:

أيعقل أن يعامل المربي ابنه أو ابنته بندية تامة بحجة عنادٍ طبيعي يُعد من المظاهر النفسية الطبيعية لهذه المرحلة! من الذي يجب أن يُحاسب هنا؟ الأب أو الأم، الغافلات عن التربية، أم المراهق الذي يريد من يأخذ بيده ليدرك ما الذي بدأ يتغير في نفسيته؟! أيعقل أن يُسمع الابن أو تلك البنت ذلك السيل من الشتائم لمخالفة أوامر فُرضت لا يجدان لها أي تبرير سوى أن يُمنعا من حقهما في أن يحصلا على حوار مقنع من والديهما ! أيعقل أن يُهان المراهق، وينتقص من قدره أمام الأخرين أو أمام إخوته، ولا يُشكر على أفعاله الإيجابية أو يُحفَّز ؟! فمن أين يكتسب تقدير الذات المتزن ونطالبه بأن يكون راشداً متزنا ؟! أيعقل أن يظل البيت في صراع دائم بين الأبوين أمام الأبناء ؟! فكيف لهم أن يشعروا بالأمان ؟ وكيف بهم اكتساب لغة الحب والتفاهم والحوار وهم لا يجدون لها تجسيدا فيمن احتسبوهم قدوتهم الأولى!

أرجو منك عزيزي القارئ أن تكمل هذه التساؤلات لتصل إلى ترجمة حقيقية لفهم كيفية التعامل مع أبنائك المراهقين أو أن تلتحق بكرس علمي يكسبك مهارات التعامل مع الأبناء..

وصدق الله القائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم (6)

لاتتردد:

قالت: أخذني والدي في حضنه، وقال لي: إني أحبك يا ابنتي، ولم أُحب في دنياي كحبي لك،، ابتسمتْ له، وقالت: شكرا أبي، وفي صدرها حريق ونار ملتهب يقول: لماذا تأخرت يا أبي ؟ لماذا تأخرت، وجعلت غيرك يُسمعُها لي، سمعتها حراماً من نذلٍ حقيرٍ استباح فراغ عاطفتي لبث سمومه بين حناياها..


ابقَ بقربي يا أبي.. أحتاجك.. لا ترحل مرةً أخرى، وتتركني لذئاب البشر.