أساليب التواصل في العمل: ما هي؟ وكيف تتعامل مع كل منها؟

لكلٍّ منَّا طريقته الفريدة في التواصل مع الآخرين، وينطبق هذا على التواصل في حياتنا الشخصية والعمل أيضاً؛ فقد التقينا جميعاً بأشخاص لم نتمكَّن من التآلف معهم كما يجب؛ ولم يقتصر الأمر على عدم انسجامنا معهم، بل واجهنا صعوبةً في فهم وجهات النظر التي يطرحونها، وشعرنا بالإحباط لعدم قدرتنا على التفاهم معهم؛ لكن ومن جهة أخرى، كان الأمر رائعاً حقاً حين انسجمنا مع أشخاص جذبونا إليهم، حيث تدفقت المحادثة بسلاسة، ونشأ شعور فوري بعمق التواصل فيما بيننا.



سنلقي في هذا المقال نظرة على أربعة أساليب مختلفة للتواصل، ونركز على كيفية فهمها والتعامل معها في حياتنا الشخصية والعمل؛ وبمجرد أن تعتاد هذه الأساليب، ستجد أنَّك تتواصل بسلاسة وانفتاح أكبر.

4 أساليب للتواصل:

إنَّه لمن الجدير بالذكر أنَّ عدداً قليلاً منَّا ينتهج أحد أساليب التواصل هذه بحذافيرها؛ حيث يُظهِر كلٌّ منَّا ميلاً أقوى تجاه نمط معين أو اثنين من أساليب التواصل، ويمتلك في الوقت ذاته أساليب أخرى خاصة.

اطلع على هذه الأساليب، وربَّما تكتشف أنَّ لديك صفات تتقاطع مع نمط أو أكثر منها؛ كما قد تستمد بعض الأفكار عن أساليب التواصل الأخرى، مما يزيد إدراكك لطرائق التحدث والتفاعل والتواصل مع الآخرين، ويجعل منك محاوراً فعالاً وذا تأثير أقوى:

1. التواصل العملي:

المحاور العملي هو شخص يحب التعمق في التفاصيل، ويرغب في فهم آلية عمل كل شيء، ويميل إلى أن يكون منهجياً ومدفوعاً بالإجراءات ومهتماً بالتفاصيل، ويحب العمل وفق جداول زمنية وأهداف مرحلية محددة.

فلنفكر في متواصل عملي لديه اهتمام بالتفاصيل، ويعمل كمدير مشروع مثلاً، ويحب رؤية الصورة الكاملة والتفاصيل التي توضح آلية العمل بدقة. يحرص هذا الشخص عادة على فهم المشروع كاملاً قبل الشروع بالعمل عليه، ومن ثم يبدأ؛ ونادراً ما يرتكب أخطاء كبيرة، وذلك لكونه يركز على تفاصيل كثيرة، ممَّا يجعل الناس يفضلون العمل معه؛ فهو يعمل بدقة، وغالباً ما يكتشف الأخطاء قبل حدوثها.

إنَّ التواصل مع شخصٍ ذي نمطِ تواصلٍ عمليٍّ غير مريح؛ ذلك لأنَّه لا يقفز مباشرةً إلى لب الموضوع، بل "يتبحَّر في تفاصيله"؛ فهو يميل إلى اتخاذ طرق طويلة متعرجة ومفرطة في التفاصيل؛ لذلك لا تتفاجأ من رؤية الجمهور يتململ منه.

إقرأ أيضاً: مهارات الاتصال والتواصل

2. التواصل التحليلي:

هناك أوجه تشابه بين المتواصل العملي والمتواصل التحليلي؛ لكن يميل المتواصل التحليلي إلى أن يكون أقل عاطفية، وأكثر حباً للأرقام الصعبة، وأكثر اعتماداً على البيانات.

يتحدث المتواصل التحليلي بطريقة مباشرة، ولا يبلي جيداً في الأمور التي يكتنفها الغموض أو التردد؛ كما أنَّه يجيد اتخاذ القرارات العادلة القائمة على الحقائق دون الاكتراث بالتراكمات العاطفية المرتبطة بهذه القرارات، لدرجة أنَّه قد يظهر جامداً بلا عواطف.

لا يملك المتواصل التحليلي الصبر على الكلمات العاطفية والمشاعر؛ فإذا واجه انخفاضاً في نسبة المبيعات مثلاً، يسعى إلى معرفة النسبة الحقيقية والأسباب الكامنة بدقة.

أهم ما يميز المتواصل التحليلي هو القدرة على النظر في المشكلات منطقياً وتحليلياً؛ أمَّا فيما يخص سلبيات هذا المتواصل، فقد يعتقد الآخرون أحياناً أنَّه منعزل يشبه الرجل الآلي.

3. التواصل الشخصي:

يقدِّر المتواصل الشخصي اللغة العاطفية؛ ويعطي قيمة كبيرة لما يقوله الشخص الآخر، ولما يفكر فيه ويشعر به أيضاً.

إذا كنت مصغياً جيداً وتميل إلى أن تكون دبلوماسياً في الحديث، فهذه علامات على أنَّك متواصل شخصي، ويمكن أن يساعدك هذا الأسلوب في تهدئة النزاعات، بالإضافة إلى كونه يتمحور حول بناء علاقات صحية.

يقدِّر المتواصل الشخصي التواصل حقاً، ويستخدمه كوسيلة لاكتشاف كيف يفكر شخص ما، وما الذي يفكر فيه حقاً؛ ولعلَّ ميزته العظيمة هي أنَّه يميل إلى بناء علاقات شخصية عميقة مع الآخرين، ويمكنه أن يلعب دور صلة الوصل بين الجميع.

أمَّا في ما يخص سلبيات التواصل الشخصي، فيمكن للمتواصل التحليلي النظر إليه على أنَّه "شديد الحساسية" أو "دافئ وغامض".

4. التواصل الحدسي:

يحب المتواصل الحدسي رؤية الصورة الكبيرة، لكنَّه لا يحب التعمق في التفاصيل الكثيرة؛ كما أنَّه يدخل في صلب الموضوع دون التطرق إلى أي مقدمات، ولا ينتظر سماع القصة الكاملة أو معرفة تسلسل الأحداث ليتمكن من التوصل إلى النتيجة النهائية، ويفكر مباشرة في الأمور الجيدة.

هو شخص مباشر لا يحتاج إلى سماع أو قول كلام فارغ ومعلومات إضافية، حيث يذهب إلى النهاية مباشرة، ويعدُّ هذا جانبه الإيجابي؛ لكن له جانب سلبي يتمثل في قلة الصبر؛ فهو يفقد الاهتمام والتركيز بسرعة، وليس من المعجبين بالتفاصيل أو المؤمنين بأنَّ التحرك خطوة بخطوة سيؤدي إلى أي نتيجة.

مرة أخرى: إنَّ المتواصل الحدسي رائع في النظر إلى الصورة الكبيرة، وفي كونه مباشراً في التواصل؛ ولكنَّه قد لا يكون رائعاً جداً في التعمق بتفاصيل التواصل، ويمكن لهذا أن يشكل مشكلة أحياناً.

شاهد بالفيديو: 11 نصيحة تساعدك لتصبح صاحب شخصية محبوبة

كيف تتعامل مع أساليب التواصل المختلفة؟

الآن، وبعد أن تعرفنا على أساليب التواصل الأربعة الأساسية، لننتقل إلى إلقاء نظرة على كيفية العمل مع كل أسلوب منها في العمل.

ستتعلم في هذا الجزء أفضل طريقةٍ للتفاعل والتواصل مع كلّ أسلوب؛ وللتذكير فقط: سيساعدك فهم أساليب التواصل المختلفة على العمل والتواصل بطريقة أفضل في العمل.

كيف تتعامل مع المتواصل العملي؟

إليك بعض المفاتيح والنقاط التي يجب أخذها في عين الاعتبار عند التعامل مع المتواصل العملي:

1. وضِّح الصورة الكاملة:

تذكر أنَّ المتواصل العملي يحب أن يرى التفاصيل المتعلقة بالصورة الكاملة؛ لذلك، سيكون من الجيد أن تظهر له خططاً كاملة للمشاريع التي تتحدث عنها؛ وينطبق هذا أيضاً على التواصل الكتابي، حيث يحب هذا الشخص أن يأخذ الوقت الكافي لمراجعة كامل تفاصيل العملية، ويعتبر أنَّه من الهام فهم دوره ومسؤولياته في المشروع.

2. قدِّم تغذية راجعة:

يحب المتواصل العملي تلقي تغذية راجعة دائماً خلال فترة المشروع، وعادة ما يكون منفتحاً لتلقيها من زملائه ورؤسائه في العمل؛ لذلك قدِّم له مدخلاتك وتقييمك لأدائه.

3. تقبَّل الأسئلة:

يطرح المتواصل العملي الكثير من الأسئلة، ويعتبر أنَّ هذا نابع من الرغبة في فهم النطاق الكامل للمشروع قبل الشروع فيه؛ لذا أعطِه فرصة ليطرح أي أسئلة يحتاج إلى طرحها؛ ذلك لأنَّ نتائجه ستكون أفضل في العمل حين يعمل مع رئيس أو مدير يعطيه الفرصة لطرح الكثير من الأسئلة ويقدِّم له آراء مفيدة وحقيقية.

كيف تتعامل مع المتواصل التحليلي؟

1. حضِّر الأرقام:

يحب المتواصل التحليلي الأرقام والحقائق الثابتة؛ لذلك استعد لتدعيم قصتك بالحقائق والأرقام عندما تتعامل معه؛ إذ تعني البيانات كل شيء بالنسبة إليه، وستتحسن الأحوال كلما أضفت الكثير منها.

2. كن منطقياً:

يعيش المتواصل التحليلي في عالم من المنطق، ولا يبالي كثيراً بالعواطف؛ فهو دائماً ما يعتمد على الأرقام والبيانات، وليس على ما يشعر به حيال اتخاذ قرار ما؛ لذا اسعَ جاهداً إلى تضمين الحقائق والإثباتات في أثناء تواصلك مع هذا الشخص.

3. توقَّف عن الثرثرة:

لا يُعدُّ المتواصل التحليلي متحدثاً رائعاً، ولا يحب القصص التي تثبت وجهة نظر معينة؛ لذلك توجه مباشرة إلى الهدف، حاملاً بياناتك وحقائقك وأرقامك عندما تتعامل مع متواصل تحليلي، ولا تهدر جهدك في أحاديث قصيرة ودردشات فارغة.

كيف تتعامل مع المتواصل الشخصي؟

1. كن منفتحاً:

تذكر أنَّ المتواصل الشخصي يركز على العلاقات قبل أي شيء آخر؛ فهو يحب فهم ما يشعر به الشخص إلى جانب فهم طريقة تفكيره؛ لذا استعد لمشاركة ما تشعر به حيال موضوع ما معه.

ليس من الضروري أن تكون كل الأمور التي تشاركها معه شخصية جداً، ولكنَّ الأمر يتعلق أكثر بكونك تشعر بشعور جيد فيما يتعلق بكيفية سير المشروع؛ وهذا ما يهم بالنسبة إليه.

يمكن لهذا الشخص الاستجابة بطريقة جيدة عندما ينفتح أحدهم للحديث معه فيما يخص كيفية شعوره حيال شيء ما، حيث يطور هذا شعور الثقة فيما بينكما.

2. كن واقعياً:

يستجيب المتواصل الشخصي أفضل للمحادثات وجهاً لوجه، على عكس التواصل عبر البريد الإلكتروني أو الهاتف؛ لذلك تحدث معه شخصياً كلما أمكن ذلك؛ فهو بارع في التعامل مع التجارب الشخصية، ولا يستجيب دائماً بطريقة جيدة للتواصل عبر رسائل البريد الإلكتروني.

3. لا تقلق بشأن البيانات:

لا يستجيب المتواصل الشخصي للبيانات والقياسات والأرقام كما يستجيب للعاطفة والعلاقات؛ فهو لا يهتم بالبيانات، على عكس المتواصل التحليلي والعملي اللذان يحبان البيانات وينجحان من خلالها.

ليس عليك أن تقلق كثيراً بشأن تقديم أرقام مفصلة لدعم وجهة نظرك؛ إذ يستمتع بعض الأشخاص بالبيانات إلى حد ما، ولكنَّهم لا يستطيعون قضاء وقت طويل في تحليل جداولها.

كيف تتعامل مع متواصل حدسي؟

1. كن مقتضباً ولطيفاً:

إنَّه لمن الأفضل أن تكون المحادثات مقتضبة ولطيفة؛ ذلك لأنَّ المتواصل الحدسي يحب فهم الصورة الكبيرة دون الاهتمام بالتفاصيل؛ لذلك ركز المحادثة على الهدف، ولا تقلق بشأن تقديم تفاصيل وتوجيهات كثيرة.

لا تدخل في التفاصيل، لكن لا تتردد في تقديم نظرة عامة عن الخطوات العملية أو الصورة الكبيرة؛ إذ يفقد المتواصل الحدسي الصبر والاهتمام بسرعة.

2. قدِّم عروضاً مرئية:

يحب المتواصل الحدسي رؤية الصورة كاملة، لذلك يعدُّ وجود عرض مرئي أمراً رائعاً عند التعامل معه.

لا تُصدَم إذا أخرج قلماً وورقة وبدأ رسم الفكرة التي تتحدث عنها؛ ذلك لأنَّ رؤيتها وليس مجرد الحديث عنها، يختصر مسافة طويلة في فهمه للأمور.

3. اسمح بطرح الأفكار:

يحب المتواصل الحدسي قدرته على رؤية الصورة الكبيرة وفهمها؛ لذلك إذا كنت مديراً يشرف على عمله، فأفسح له المجال لمشاركة أفكاره معك، ودعه يتحدث عنها، ووفر له متسعاً لمشاركة ما يجول في رأسه حول الصورة الكبيرة المطروحة للمناقشة.

إقرأ أيضاً: 6 عقبات تقف في طريق التفكير الإبداعي

الخلاصة:

لقد تعرفنا على أربعة أساليب تواصل رئيسة يعايشها كثيرون منَّا في العمل، ويمكنك الآن أن تراقب نفسك وتكتشف أسلوب التواصل الذي تتبعه؛ وربَّما قد يُخيَّل إليك أنَّ أسلوبك في التواصل يشبه أحد هذه الأساليب الأربعة مع تداخل عدة سمات من أساليب التواصل الأخرى.

عند العمل مع الآخرين، من الهام أن تأخذ أساليب التواصل هذه في الاعتبار؛ ذلك لأنَّك ستتمكن من التواصل بفاعلية أكبر عندما تفهم أساليب التواصل المختلفة في العمل وتعمل وفقها، بالإضافة إلى أنَّ التواصل الجيد مع الآخرين في العمل سيعود بفوائد كبيرة على حياتك المهنية.

 

المصدر




مقالات مرتبطة