أثر تقديم الأعذار على الدافع

سوف أتحدث عن قصة شاب يدعى جيمس (James)، كان لدى جيمس البالغ من العمر 11 عاماً، فكرة كبيرة وصعبة التطبيق، وهي الانتهاء من المدرسة الثانوية، لقد عاش في المناطق الريفية التي دمرتها الحرب في أوغندا (Uganda)، وفقد عائلته بأكملها بسبب إصابتهم بمرض مميت عندما كان في السادسة من عمره، وربته جدته التي لم تكن تجني ما يكفي من المال من أجل الرسوم الدراسية الخاصة به.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون تايلر ترفورين (Tyler Tervooren)، ويُحدِّثنا فيه عن أنَّ تقديم الأعذار له تأثير سيئ في الدافع.

لم يكن الحصول على الشهادة الثانوية هو المسار الافتراضي لجيمس، وبالكاد يمكن لومَه لو تخلَّى عن هدفه وشعر بأنَّه أمر مستحيل واستسلم وعمل في الحقول. لكنَّه لم يستسلم بل بدلاً من ذلك ابتكر هو وجدَّته خطة طويلة الأمد لتأمين التمويل لدراسته.

بدأ الأمر بماعز، فقد باعت جدته واحدة من المواعز التي يملكونها، واشترى جيمس من ثمنها أحذية وملابس وتذكرة حافلة إلى العاصمة، وأقام هناك مع عمته، وكان جيمس يتسلل إلى مجمع الرئيس وليطلب منه منحة دراسية، وكان الأمر يتطلب تسلُّق سياج من الأسلاك الشائكة وتجاوز حراس مسلحين، لكنَّه كان يعلم أنَّه بمجرد دخوله، سيُرحَّب به بحرارة ويُمنَح المال مقابل الرسوم الدراسية.

لذا هذا ما قام به فعلاً، ولدهشة الجميع، نجح في هذا الأمر، واليوم، أصبح جيمس في الثلاثينيات من عمره، وقد حصل على درجتي ماجستير، وهو قائد رائع.

إنَّ تقديم الأعذار والاستسلام كان ليكون في غاية السهولة ولا أحد كان ليلومه على ذلك، ولقد كانت العقبات بين جيمس البالغ من العمر 11 عاماً وجيمس الذي أصبح في الثلاثينيات من عمره هائلةً، لكنَّ شيئاً ما بداخله أجبره على تحمل المسؤولية عن حياته والقيام بكل ما يلزم لتحقيق هدفه.

في سن الـ 11، برع جيمس في فهم نفسيته والتزم بحلمه؛ وأنا أرى أنَّ قصته بطولية، فبصرف النظر عن وضعك أو مكانك في الحياة، يوجد رابط بين الأعذار التي تقدمها والنجاح الذي تحققه، فإذا كانت لديك خطط كبيرة، ولكنَّك ترى أيضاً أنَّ لديك عقبات كبيرة سوف تواجهك في المستقبل، ستحتاج إلى تعلُّم أن تكون مثل جيمس.

الأعذار تولِّد المزيد من الفشل:

جميعنا مررنا بخيبات الأمل، في أي شيء كان، سواء في العمل أم في الدراسة أم حتى في العلاقات، وعندما يحدث ذلك، يكون لديك خيارين للطريقة التي ستستجيب بها؛ إما أن تسأل نفسك: "ما الذي كان بإمكاني فعله بشكل مختلف؟"، أو أن تقول لنفسك: "هذا لم يكن خطئي، ولم يكن بوسعي القيام بشيء آخر"، وإذا اخترت الخيار الثاني، فأنت محكوم بالفشل.

وفقاً لدراسة نشرتها مجلة علم النفس (The Journal of Psychology)، يرتبط تقديم أعذار زائفة عن تجنُّب العمل المدرسي ارتباطاً مباشراً بتقدير دراسي أقل؛ فكلما قدمت المزيد من الأعذار، كان أداؤك أسوأ، لكن لم يُجرى بحث كافٍ للتوصل إلى نتيجة محددة إلى السبب في ذلك.

إنَّ العذر هو وسيلة لتبرير الفشل؛ وذلك لأنَّك تلقي اللوم على شيء آخر، فجميعنا قمنا بهذا الأمر في مرحلة ما من حياتنا، ونعلم ما هو السبب الذي يدفعنا إلى القيام بذلك، فهذا الأمر يشعرنا بشعور أفضل، لكن عندما تتخيل الفشل، فإنَّك تشعر أنَّ بعض النتائج في حياتك خارجة عن سيطرتك، وعندما تفقد السيطرة، من الصعب أن تجد الدافع للعمل بجهد أكبر، فلماذا ستهتم بشيء ما إذا لم تكن مسؤولاً عنه؟

عندما تفقد الحافز، يصبح أداؤك أسوأ، ويؤدي إلى الفشل في المستقبل أيضاً، بالطبع، هذا مجرد مسار واحد، ويمكنك أن تأخذ غيره بلا شك.

إقرأ أيضاً: نظرية الدافع وأمثلة عنها

المسؤولية الشخصية تولِّد النجاح:

يوجد بعض الأشخاص المخلصين لكل شيء في حياتهم، والذين لو واجهوا العقبات في الشيء الذي يسعون إلى تحقيقه لا يستسلمون أبداً، بل يستمرون به على الرغم من كل شيء، فالأوقات العصيبة لا تدوم، بل الأشخاص الأقوياء هم من يدومون، فعندما يكون الشخص مشهوراً على سبيل المثال وناجحاً ولا تهمه العقبات التي تواجهه، يحاول الناس انتهاز كل الفرص لمساعدته على المثابرة.

يتناسب هذا الأمر مع ما وجده الباحثون في جامعة ميسوري-كولومبيا (University of Missouri-Columbia) عندما درسوا العلاقة بين الالتزام المستقبلي أي العزم على تحقيق شيء ما، وتقديم الأعذار.

لقد اختبروا الأعذار التي قد يقدمها المشاركون في الدراسة - أو لا يقدمها - في أثناء إكمال المهام وكيف يتناسب ذلك مع عزمهم على التحسين، والأمر الذي لا يثير الدهشة، أنَّ أولئك الذين قدموا القليل من الأعذار كانوا الأكثر التزاماً بتحسين أنفسهم.

لا أحد يمكنه لوم الأشخاص الذين يستسلمون في المواقف العصيبة، فبعض الأشخاص لا يكونون السبب في أيٍّ من المصاعب التي يتحملونها، لكن يوجد أشخاص لا يرون الأمور بهذه الطريقة، وهذا هو السبب في أنَّ الأشخاص الذين يتحملون المسؤولية عن مواقفهم، بصرف النظر عما إذا كانوا يستحقون اللوم عليها أم لا، ينتهي بهم الأمر بصورة أفضل عندما تهدأ الأمور.

إذا كان تقديم الأعذار يجعلك تلقي لوم إخفاقاتك على عوامل خارجية، فإنَّ تحمُّل المسؤولية يؤدي إلى النقيض من ذلك، ويجعلك تتفكر؛ فأنت تنظر إلى كل ما لم يسر على ما يرام وتسأل نفسك: "ما الذي كان بإمكاني فعله بشكل مختلف"، و"ما الذي يمكنني القيام به الآن لإصلاح ما حصل؟".

عندما تطرح هذه الأسئلة على نفسك، تشعر بأنَّك ما تزال مسيطراً على مصيرك، وعندما تسيطر على مصيرك، تصبح محفَّزاً لجعله أفضل ما يمكن، وعندما تكون محفَّزاً، فإنَّك تعمل بشكل أفضل وأكثر ذكاءً وبجد أكبر، ومن ثم تحصل على مرادك.

كيف تتوقف عن تقديم الأعذار؟

جميعنا نريد أن نكون الأفضل في كل ما نفعله، فالالتزامات الحقيقية بالتحسين صعبة جداً، لكنَّ تقديم الأعذار سهل للغاية؛ لذا إذا كنت تريد أن تكون الشخص الذي يتحمل المسؤولية ويحصل على ما يريد، فقد يعود ذلك إلى ما تقوله لنفسك عندما تشعر بالإرهاق أو الفشل، مثل:

  1. إذا كنت في حالة بدنية سيئة، فهل تخبر نفسك أنَّ جيناتك هي السبب؟ وأنَّ عاداتك الغذائية السيئة أقوى من أن تغيرها؟ أم هل تخبر نفسك بأنَّك لم تجد الحل المناسب بعد، لكنَّك ستستمر في البحث والمحاولة؟
  2. إذا كنت تعمل كثيراً ولم يكن لديك وقت للتسلية، فهل تخبر نفسك أنَّ متطلبات الناس كثيرة؟ أم أنَّك لا تعطي الأولوية الكافية لوقتك؟
  3. إذا لم يكن لديك ما يكفي من المال لعيش الحياة التي تريدها، فهل تخبر نفسك أنَّك لا تجني ما يكفي من المال من وظيفتك الحالية؟ أم هل تخبر نفسك بأنَّك لا تعبر عن قيمتك بما يكفي أو أنَّ الوقت قد حان للعثور على عمل أفضل؟

في كل من هذه الحالات، توجد قصتان؛ واحدة يمكنك التحكم بها والأخرى لا يمكنك التحكم بها، وإذا ركزت على القصة التي لا يمكنك التحكم بها، فسوف تتجه نحو الفشل، لكن إذا ركزت على القصة التي يمكنك التحكم بها، فسوف تتجه نحو النجاح.

لذا خذ بعضاً من الوقت لتسأل نفسك عن القصة التي تخبرها لنفسك، وما هي الأعذار التي تقدمها في حياتك، وكيف يمكنك تغيير القصة التي تخبرها لنفسك لزيادة احتمالية تحقيقك للنجاح.

شاهد بالفديو: 8 خطوات للحفاظ على التحفيز الذاتي حتى في الأوقات الصعبة

الخلاصة:

عندما تقدم أعذاراً للشدائد التي تمر بها، فإنَّها تقضي على دافعك وقوتك على التعافي منها؛ لذا تحمَّل مسؤولية الفشل حتى لو لم يكن خطأك، من أجل تحقيق النجاح على الأمد الطويل.

المصدر




مقالات مرتبطة