9 نصائح تساعدك على التغلُّب على الخوف الذي يسببه عدم اليقين

جعلتنا جائحة كورونا وما رافقها من ارتفاع غير مسبوق في معدل الاستقالات غير واثقين ما إذا كان هذا الاضطراب في سوق العمل مجرد حدث مؤقت أو أنَّه أحد العلامات المبكرة لضعف حركة السوق؛ باختصار إنَّ ما يحدث يجعل أيَّ شخص يشعر بالقلق وعدم اليقين بشأن المستقبل.



لكن هذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها البشرية أزمات، فقد حدث فيما سبق كثير من الاضطرابات والمشكلات، وقد استطاع البشر التعامل معها؛ لذلك سنتعلم في هذا المقال الأسباب والنتائج، وسنقدِّم حيلاً ونصائح، كما سنستلهم من نجاحات الماضي لنتعلم كيف نتغلب على الخوف من جراء عدم اليقين.

إليك 9 نصائح للتغلُّب على الخوف الذي يسببه عدم اليقين:

1. تبنَّ معتقداتك بناءً على مركز الضبط الداخلي:

يوجد منظوران يمكن تبنيهما في الحياة؛ الأول داخلي ويُسمى بمركز الضبط الداخلي، والآخر خارجي ويُسمى بمركز الضبط الخارجي.

يشير مصطلح مركز الضبط الخارجي إلى اعتقاد الفرد بأنَّ أحداث حياته تتحكم بها عوامل خارجية، مثل: سلطات الدولة أو المجتمع أو الظروف الاقتصادية أو صانعي القرار.

على النقيض من ذلك، يُشير مصطلح مركز الضبط الداخلي إلى اعتقاد الشخص بأنَّه هو من يسيطر على أحداث حياته، وهو بذلك يتحمل مسؤولية ما يجري في حياته، ويتحكم بمجرياتها.

من المفيد بعد التفريق بين وجهتي النظر هاتين أن نذكِّر أنَّ الأشخاص الذين يستمدون معتقداتهم عن الحياة من مركز الضبط الداخلي، هم أكثر قدرة على التغلب على الخوف من أقرانهم الذين يتبنون اعتقاداتهم وفقاً لمركز الضبط الخارجي.

2. تخلَّ عن محاولة تغيير الأشياء التي لا يمكنك تغييرها:

يُقال في الدعاء: "امنحني القوة يا إلهي لأتقبَّل الأشياء التي لا يمكنني تغييرها، والشجاعة لأغيِّر ما يمكنني تغييره، والحكمة لأفرِّق بين الحالتين"؛ لذلك إذا كنت تريد أن تتعامل مع الخوف من جرَّاء عدم اليقين، فينبغي أن تميِّز بين الأشياء التي يمكنك تغييرها والأشياء التي لا يمكنك تغييرها، وترك ما لا يمكنك تغييره.

إليك بعض الأشياء التي لست مسؤولاً عنها؛ ومن ثَمَّ يجب أن تتوقف عن محاولة تغييرها:

  • آراء الآخرين بشخصيتك.
  • أفعال الآخرين ومسؤولياتهم.
  • الوضع الاقتصادي العام.
  • المناخ.
  • زحمة السير.
  • المستقبل.

3. تخلَّ عن محاولة تغيير الأشياء التي ليس من الضروري أن تغيِّرها:

لا يعني بالضرورة لمجرد أنَّك قادر على التحكُّم بشيء ما أنَّ من واجبك أن تتحكم به، ويمكن توضيح ذلك بفهم أنَّ ثمة أربع مراحل للوعي؛ إذ تكون في المرحلة الأولى شخصاً ليس لديه أيَّة سيطرة على ظروف حياته، ثمَّ تبدأ تدريجياً بالشعور بالمسؤولية، وتدرك أنَّك تستطيع تغيير الأشياء إذا عملت بجد، وتترسخ لديك هذه القناعة.

تبدأ بتحمُّل المسؤولية عن مزيد من جوانب حياتك؛ بل وحياة الآخرين لأنَّك تدرك أنَّ ما من شيء سينُجز ما لم تساهم في ذلك، ولأنَّك رأيت نتائج تحمُّلك المسؤولية؛ فلم تعد ترغب في أن تسمح لأحد بالتحكُّم بمجرى حياتك.

لكن في الواقع ليس من الصواب أن تفعل ذلك دائماً، فلمجرد أنَّك قادر على تغيير شيء ما لا يعني أنَّه ينبغي لك فعل ذلك، وهنا يصبح من الضروري أن تتعلم ما الذي ينبغي التركيز عليه وما الذي ينبغي تجاهله، فليس من الحكمة أن تحاول حمل عدَّة بطيخات بيد واحدة.

شاهد بالفديو: 8 طرق تساعد على تغيير واقعك وتحقيق النجاح

4. استخدم مفارقة ستوكديل:

سُميت مفارقة ستوكديل بهذا الاسم نسبةً إلى جيم ستوكديل (Jim Stockdale) نائب أدميرال أمريكي أُسر في فيتنام (Vietnam) في أثناء الحرب، وقد شاهد كيف فقد بعض زملائه الأمل في أن يُنقذوا من الأسر، وقد شاهد في الأسر نوعين من الناس:

  • أشخاص كانوا مؤمنين بأنَّهم سيُنقَذون في تاريخ معين؛ وبذلك تغافلوا عن وضعهم في معسكر الاعتقال.
  • أشخاص لم يعتقدوا أبداً بأنَّهم سيُنقَذون؛ وبذلك لم يستطيعوا أن يتغافلوا عن الأشياء الفظيعة التي كانت تحصل يومياً في مخيم الاعتقال، وآمنوا بأنَّ البقاء في المعتقل سيكون مصيرهم المؤبَّد.

النوع الأول فقد الأمل في أن يُنقَذ؛ لأنَّ عملية الإنقاذ لم تحدث في الوقت الذي انتظروه،  وعندما حصلت عملية الإنقاذ الفعلية كانوا قد ماتوا؛ لذلك صاغ ستوكديل مفارقة ساعدته على البقاء على قيد الحياة لسنوات في المعسكر حتى أُنقِذَ.

يقول ستوكديل: "يجب أن تحافظ على إيمان لا يتزعزع بأنَّك قادر على تحقيق ما ترغب فيه، وستتمكن من فعل ذلك لكن دون أن تتجاهل معطيات الواقع مهما بلغت من قسوة".

5. خطط للمستقبل، لكن تصرف بمرونة مع المستجدات حتى تتكيف مع الواقع:

عندما تسمع عبارة: "الخطط لا قيمة لها لكن لا غنى أبداً عن التخطيط" من أحد أكثر ضباط الجيش الأمريكي (U.S Army) تكريماً والرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية (USA) دوايت دي آيزنهاور (Dwight D. Eisenhower) فلا بدَّ أنَّها عبارة تعني الكثير.

المعنى أنَّك بحاجة إلى التخطيط للمستقبل، لكن عندما يأتي المستقبل فإنَّ الخطط التي وضعتها تصبح غير نافعة؛ لأنَّك غير قادر أصلاً على التنبؤ بالمستقبل، لكنَّ الخطط التي وضعتها ستجعلك مستعداً استعداداً أفضل للتعامل مع الأوضاع.

يشبه الأمر رغبتك في بدء نشاط تجاري ووضع خطة من أجل تحقيق الربح، تجعلك هذه الخطة تكتسب وضوحاً في الرؤية، وعلى الرَّغم من ذلك فإنَّك ستغير استراتيجيتك، وستعدِّل على المنتج أو الخدمة التي تقدِّمها تبعاً لتغيُّر الظروف التي ستحدث مع مرور الوقت.

الفائدة التي تعود عليك من عملية التخطيط هي تعلُّم مهارات جديدة تساعدك في المستقبل، بصرف النظر عن ماهية هذه المهارات والمعارف، فمثلاً ستتعلم بالتخطيط كيف تفكُّر تفكيراً نقدياً، أو كيف تصنع قراراتك بناءً على ما لديك من بيانات، وستستفيد من هذه المهارات بصرف النظر عمَّا سيكون عليه المستقبل.

إذا كنت تريد التغلُّب على الخوف جرَّاء عدم اليقين، فعليك التخطيط للمستقبل، لكن في الوقت نفسه تأكَّد أنَّ لديك القدرة للتكيف مع الظروف المستجدة.

إقرأ أيضاً: أشياء تساعدك على التخطيط لسنواتك القادمة بنجاح

6. استخدم المنظور القريب والمنظور الواسع لفهم ما يجري من حولك:

يمكن للدودة أن ترى لبضعة أمتار أمامها بينما يستطيع الصقر أن يرى لعشرات الكيلومترات أمامه، ولكلٍّ من هذين المنظورين ميزاته؛ فالنظر إلى الأشياء عن قرب يمكِّنك من رؤية التفاصيل الدقيقة، بينما يمكِّنك المنظور الأوسع من الإحاطة بالصورة إحاطة شاملة.

عليك أن تتعلم استخدام المنظورين كليهما في الحياة، فأنت تحتاج إلى المنظور الواسع لتعرف مسارك في الحياة، وما هي خطتك للسنوات العشر المقبلة في حين أنَّك تستخدم المنظور القريب للتركيز على ما يجب اتخاذه من خطوات في الوقت الحالي والمستقبل القريب، مثل: عاداتك اليومية وأهدافك الأسبوعية.

يمكن أن تشعر بالخوف الناتج عن عدم اليقين؛ لأنَّك فقدت القدرة على استخدام أحد المنظورين.

فمثلاً، إذا كنت قلقاً بشأن التوجهات العامة السائدة من حولك، فهذا يعني أنَّك يجب أن تلجأ إلى المنظور الواسع ورؤية الصورة الشاملة؛ وذلك كي تدرك ما يحصل من تغييرات وكيف ستتكيف معها.

أمَّا إذا كنت تعاني صعوبات في الوصول إلى أهدافك على الأمد القصير، فهذا يعني أنَّك بحاجة إلى استخدام منظورك القريب وتغيير عاداتك وروتينك اليومي؛ إذ يجب أن تقودك عاداتك إلى تحقيق أهدافك وأحلامك وليس العكس.

7. أقدِم على ما تخشاه وتجاوَز الخوف:

إحدى الطرائق للتغلب على الخوف من عدم اليقين هي خوض التجربة التي تخشاها دون تردد، وتجاوُز عتبة الخوف (Go Across the Threshold) هو مصطلح ابتكره جوزيف كامبل (Joseph Campbell) في كتابه "بطل بألف وجه" (A Hero With Thousand Faces)؛ إذ يشير إلى رحلة يتجاوز فيها البطل وفي وقت مبكِّر من القصة العتبة، ويتعيَّن عليه بعدها متابعة تقدُّمه، ولا يمكنه العودة أبداً.

لذلك عندما تشعر بعدم اليقين بشأن شيء ما في المستقبل، فهذا يعني أنَّك ما زلت متردداً بشأن القيام بهذا الشيء، فمثلاً إذا كنت ترغب في المشاركة في ماراثون، فحدِّد الوقت والتاريخ والمكان، وادفع الرسوم، وبهذا تكون قد تجاوزت "العتبة"، وستبدأ تلقائياً بالاستعداد للماراثون.

باختصار حتى تتوقف عن القلق حيال شيء ما، أقدِم عليه فوراً، وستتوقف تلقائياً عن طرح أسئلة من قبيل "ماذا لو؟"، أو "ماذا سيحدث؟"، وعندما تمضي في تنفيذ خيار واحد من بين عدة خيارات، فإنَّ عقلك تلقائياً يعمل على إقناعك بصحته، ولا يعني هذا بطبيعة الحال أنَّ هامش الحرية لديك قد تقلص؛ فالحرية لا ترتبط بسعة الخيارات وتنوعها.

شاهد بالفديو: 12 أمراً يساعدك في التغلب على الخوف
 

8. تجنَّب فهم العالم بوسائل الإعلام:

كان من الممكن قبل مئة عام من الآن أن تحترق قرية على بعد كيلومترات منك دون أن تسمع بذلك حتى، أمَّا اليوم أصبحنا نسمع بكلِّ فيضان وزلزال وحريق يحدث في أنحاء العالم جميعه، على الرَّغم من أنَّ معظم هذه الأحداث ليس لها أيُّ تأثير في حياتك اليومية.

يقول الطبيب السويدي الراحل هونز روسلينج (Hans Rosling): "إذا كنت تريد أن تفهم العالم الذي تعيش فيه، فلا تستخدم وسائل الإعلام"؛ إذ يتشوه منظورنا عن العالم بسبب وسائل الإعلام؛ فلا نسمع ولا نرى إلا أخبار الكوارث، ونتجاهل الأخبار الجيدة غالباً.

خذ مثلاً الانتحار، فقد شاع كثيراً على وسائل الإعلام أنَّ معدَّل الانتحار يتزايد في أنحاء العالم جميعه، لكن انخفض في الواقع معدَّل الانتحار بنسبة 25% في العشرين سنة الماضية، ووفقاً لمؤسسة غاب مايندر (Gapminder Foundation) فإنَّ أقل من 6% من النفايات البلاستيكية ينتهي بها المطاف إلى مياه المحيطات.

إذاً يمكن أنَّ تؤدي وسائل الإعلام إلى شعورك بالخوف وعدم اليقين حيال المستقبل، لكن معظم ما تسمعه وتراه على هذه الوسائل هو مجرد ضوضاء لا أكثر.

إقرأ أيضاً: الآثار الإيجابية لوسائل الإعلام في المجتمع

9. تعاطف وكن لطيفاً مع نفسك عندما تفشل:

تفيد النصائح جميعها التي ذكرناها سابقاً في التغلُّب على الخوف، وعلى الرَّغم من ذلك قد تفشل في التغلُّب على الخوف؛ لذلك من الضروري أن تكون لطيفاً مع نفسك عندما تمرُّ بأوقات تفشل فيها ويصيبك القلق.

تذكَّر دائماً ألا تقسو على نفسك عندما تُخفق؛ ومن ثمَّ تتابع تقدُّمك، يشبه الأمر الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية؛ إذ قد يفوتك التمرين في بعض الأيام، لكنَّ هذا لا يعني أن تتوقف تماماً عن التمرين.

ينبغي ألا تجعل من الإخفاق العرضي حالة دائمة، فستكون أفضل حالاً في المستقبل طالما أنَّك تثابر على المسار نفسه؛ لذلك احرص على أن تتعاطف مع نفسك؛ لأنَّك ستخفق حتماً؛ ولكنَّك ستعود أقوى ممَّا كنت عليه.




مقالات مرتبطة