7 طرائق يستنزف بها القلق طاقتك

عندما تفكِّر في القلق، قد يتبادر إلى ذهنك سيناريوهات عدة، ومنها عدم القدرة على النوم، أو الرهبة من الأحداث المستقبلية المحتملة، أو نوبات الذعر، وحتى لو لم تُشخَّص باضطراب القلق، فمن المحتمل أنَّك قد عانيت من أعراض القلق في مرحلة معيَّنة من حياتك، وفي هذه المواقف، قد تشعر بشعور مزعج في معدتك، أو تسارع في ضربات قلبك، أو بالتعرق المفرط، أو ضيق الصدر، أو بعض التوتر في فكِّك أو رقبتك أو كتفيك، أو قد تتبادر إلى ذهنك أفكار مقلقة في أثناء الاستعداد لحدوث أسوأ سيناريو ممكن، لكن هل يجعلك القلق متعباً جسدياً أيضاً؟



قد يُصيبك الإرهاق بعد الشعور بهذه الأعراض؛ إذ تختلف درجته بدءاً من الشعور وكأنَّك قد ركضت في ماراثون وأنَّك تحتاج إلى النوم لمدة يومين، إلى الشعور ببعض التعب والحاجة إلى الحصول على قيلولة سريعة للتعافي منه.

فيما يأتي 7 طرائق يستنزف بها القلق طاقتك وكيفية استعادتها:

1. زيادة هرمون التوتر:

قد يُتعبك القلق من خلال زيادة هرمونات التوتر في جسدك، فاستجابة "الكر أو الفر" هي صلة رئيسة بين القلق والتعب؛ إذ تتكوَّن هذه العملية من ثلاث مراحل: التنبيه، والمقاومة، والإرهاق، فيدفع القلق أجهزة الجسم إلى حالة تأهُّب قصوى، وهذا رد فعل طبيعي لا إرادي يتطوَّر في دماغ الإنسان من أجل البقاء على قيد الحياة.

عندما عاش البشر سابقاً تحت تهديد هجوم الحيوانات المفترسة، كان من المنطقي أن تتأهَّب أجسادهم في وجه الخطر دون كثير من التفكير، ومع أنَّ هذه الأخطار قد أصبحت نادرة في العصر الحديث، لكن تستمر أدمغتنا في الاستجابة بنفس الطريقة التي استجابت بها منذ آلاف السنين.

يمكن للهرمونات والمواد الكيميائية التي تملأ أجسادنا لحمايتنا أن تؤثر وتتأثر بعديد من أجهزة الجسم، وهذا التفاعل بحدِّ ذاته يساهم في زيادة الإرهاق؛ إذ يُعد "الأدرينالين" (Adrenaline)، و"الكورتيزول" (Cortisol) من أبرز الهرمونات التي يجب التطرُّق إليها في هذه الحالة.

يُفرَز الأدرينالين، ممَّا يؤدي إلى شد العضلات، وزيادة معدَّل ضربات القلب، وضغط الدم استعداداً للهرب، ثمَّ يُطلَق هرمون الكورتيزول عند الاستجابة للتوتر، وهذا يعزِّز استخدام الدماغ لـ "لجلوكوز" (Glucose)، فهذا هو أحد مصادر الطاقة الرئيسة لدينا، لذلك لا عجب في أنَّه يساهم في التعب.

يمكنك تنظيم المستويات الأساسية لهرمونات التوتر هذه عن طريق ممارسة اليوجا أو التنفس والتأمل أو ممارسة التمارين الهوائية بانتظام، فعندما تتقن اتباع هذه العادات الروتينية في الأوقات التي تشعر فيها بالهدوء فمن الأسهل الاعتماد عليها للتخلص من التوتر.

شاهد بالفيديو: 6 طرق لمواجهة مشاعر التوتر التي لا مبرر لها

2. ارتفاع مستويات السكر في الدم:

إنَّ التعب هو أحد أكثر أعراض ارتفاع السكر في الدم شيوعاً، والذي اتَّضح أنَّه مُرتبط بالقلق لدى مرضى السكري؛ إذ يقول معظم الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع السكر في الدم إنَّهم يشعرون بالتعب طوال الوقت، بصرف النظر عن كمية أو نوعية نومهم أو تغذيتهم أو التمارين التي يمارسونها.

مع أنَّ هذا الارتباط قد أظهر تأثيرات أكثر انتشاراً وطويلة الأمد لدى مرضى السكري، فإنَّه يحدث أيضاً مع الأشخاص غير المصابين بهذا المرض والمعرَّضين للتوتر النفسي، فبالنسبة إلى جميع الناس، ترفع الاستجابة الطبيعية للتوتر ضغط الدم ومعدَّل ضربات القلب وكذلك مستويات الكورتيزول، وكلها تزيد من مستويات السكر في الدم، وهذا يعني أنَّ القلق يزيد من الإرهاق بسبب تقلبات السكر في الدم.

لذا عندما تشعر بالتوتر اعمل جولةً في الحي، بدلاً من تناول الأطعمة المريحة مثل الشوكولاتة، فالحركة وسيلة رائعة للتخلص من التوتر، وتساعد أيضاً على تنظيم نسبة السكر في الدم.

3. العقلية السلبية:

يمكن للقلق أن يجعلك متعباً أيضاً بسبب التفكير السلبي المستمر، وهو أحد الأعراض الشائعة للقلق؛ إذ يؤدي إلى اجترار الأفكار السيئة؛ (أي التركيز على الأفكار المحزنة أو المزعجة التي حدثت في الماضي) والقلق بشأن المستقبل.

يقول بعض الباحثون إنَّ امتلاك عادة طويلة الأمد من التفكير السلبي المستمر يمكن أن يضر بقدرة الدماغ على التفكير والاستدلال وتشكيل الذكريات، فعندما يستخدم الدماغ طاقة الجسم لتغذية الأفكار السلبية، تقلُّ الطاقة المتاحة للأنشطة الأخرى الأكثر إنتاجية.

يمكن للأفكار السلبية أيضاً أن تحدث اضطراباً في أنماط النوم الصحية أو تمنعها، وهذا يؤدي إلى تسارع الأفكار في عقولنا ليلاً، وتؤثر سلباً في طاقتنا في أثناء النهار؛ لذا قلِّل من حِدَّة المشكلة هذه عبر تغيير مشاعرك تجاه الأفكار المقلقة، بدلاً من التفكير المستمر في سيناريوهات بديلة، وركِّز على ما يمكنك فعله هنا والآن، فما هو النشاط الذي يمكنك ممارسته لمدة خمس دقائق (أو أكثر) ويجلب لك السعادة؟ وما الذي تشعر بالامتنان له، بصرف النظر عمَّا يدور من حولك؟

4. مشكلات الجهاز الهضمي:

قد يعاني الناس من مشكلات معوية وذهنية في آن واحد، ويشير هذا إلى وجود علاقة قوية بين الجهاز العصبي المركزي والجهاز الهضمي، والذي يُعرف باسم المحور الدماغي المعوي، فما يحدث في الجهاز الهضمي (وما نأكله) يؤثر في الدماغ، والعكس صحيح.

النبيت الجرثومي المعوي هو مجموعة معقَّدة من الكائنات الحية الدقيقة في الجهاز الهضمي، وعندما يتغيَّر توازنها، يمكن أن يصاب الجسم بحالات تؤثر في العلاقة بين الأمعاء والدماغ والغدد الصماء؛ إذ ينتج نظام الغدد الصماء الأدرينالين ويديره، كما أنَّ إنتاج بكتيريا الأمعاء لهرمونات السعادة "السيروتونين" (Serotonin)، و"الدوبامين" (Dopamine) يرتبط بهذه العلاقة أيضاً.

إذ توجد مستقبلات حمض "جاما أمينوبيوتيريك" (Gamma-aminobutyric acid) في بكتيريا الأمعاء أيضاً، فهي مرخٍّ طبيعي للدماغ يجعلنا نشعر بالراحة من خلال مساعدة الجسم على الاسترخاء بعد إطلاق ناقل عصبي ناتج عن التوتر (كالكورتيزول والأدرينالين)، فعندما يكون نشاط حمض "جاما أمينوبيوتيريك" منخفضاً، فإنَّه يؤدي إلى القلق والاكتئاب والأرق واضطرابات المزاج، فهذه ليست سوى عدد قليل من المظاهر التي توضح كيف تؤثر بكتيريا الأمعاء في السلوك، وكل هذا يساهم في الشعور بالتعب الجسدي والعقلي.

يمكنك تقليل أعراض الاكتئاب والقلق عن طريق الحفاظ على توازن النبيت الجرثومي المعوي عبر تناول الأطعمة المخمرة الغنية بـ "البروبيوتيك" (Probiotic).

5. الاكتئاب:

يترافق القلق غالباً مع الاكتئاب؛ إذ تشير الأبحاث إلى وجود علاقة معقدة بين الاكتئاب وانخفاض هرمون السيروتونين، وهو ناقل عصبي رئيس لتنظيم المزاج ومشاعر العافية والسعادة، فإنَّ القلق هو سبب مباشر أيضاً لنقص السيروتونين، والذي يساعد على النوم الصحي وتحسُّن المزاج والهضم.

يُنتَج السيروتونين في الأمعاء إنتاجاً شبه حصري، بنسبة تُقدَّر نحو 90%، لكن تُنتج كمية صغيرة أيضاً في منطقة ما تحت المهاد، وهي منطقة محورية من الدماغ لنقل إشارات توازن الطاقة؛ إذ تستقبل هذه البنية الصغيرة المخروطية الشكل وتنقل الإشارات المنقولة عبر العصب المبهم من الجهاز الهضمي.

له دور مركزي في تعديل استجابات التوتر، وتنظيم النوم، والساعة البيولوجية، كما أنَّه يستشعر ويستجيب لعدد لا يحصى من الهرمونات والمواد الغذائية المنتشرة، وهذا يؤثِّر في مزاجنا وطاقتنا تأثيراً مباشراً.

الدوبامين هو مادة كيميائية عصبية أخرى، تعزِّز الحالة المزاجية، وتُستنفَد في حالة الاكتئاب، فهو يثير شعوراً بالوعي واليقظة، وعندما يعمل الجسم عملاً طبيعياً، يُطلق بكميات أعلى في الصباح (ممَّا يشعرك بالطاقة في أثناء النهار)، وأقل في الليل (للاستعداد لنوم صحي)، فالتوتر هو أحد العوامل التي يمكن أن تستنفد الدوبامين، وهذا يؤدي إلى الاكتئاب واضطرابات النوم والتعب.

تشير الدراسات إلى أنَّ مستويات الدوبامين في الدماغ يمكن أن ترتفع عن طريق زيادة استهلاك الحمضين الأمينيين "التيروسين" (Tyrosine)، و"الفينيل ألانين" (Phenylalanine)، فلقد عُثِر على كلٍّ من هذه الأحماض الأمينية في الأطعمة الغنية بالبروتين، مثل الديك الرومي، ولحم البقر، والبيض، ومنتجات الألبان، وفول الصويا، والبازلاء، والعدس، والفول.

شاهد بالفيديو: 6 طرق تساعدك في التغلب ذاتياً على الاكتئاب

6. مشكلات التنفس:

يرتبط ضيق التنفس والقلق ارتباطاً وثيقاً، وهذه إحدى الطرائق التي يتسلَّل إليك من خلالها شعور القلق بالتعب؛ إذ يمكن أن يؤدي القلق إلى التنفس الضحل، والذي يمكن أن يسبِّب ضيقاً في التنفس، ممَّا يمكن أن يؤدي بدوره إلى تفاقم القلق، فإنَّها حلقة مفرغة تؤدي في كثير من الأحيان إلى أخذ أنفاس سريعة وضحلة من أعلى الصدر والأكتاف.

يقلِّل هذا النوع من التنفس من استهلاك الأوكسجين وسهولة استخدامه، مع أنَّ الأوكسجين يشكِّل 2% فقط من الجسم، فإنَّ أدمغتنا تستهلك 20% من الأوكسجين في الجسم، وعندما تؤثر أنماط التنفس في مستويات الأوكسجين الصحية، يمكن أن يسبِّب هذا الأمر تعباً شديداً.

لذا تخلَّص من دورة القلق والتعب عبر ممارسة تمارين التنفس المركزة، ويجب أن تمارس هذا الأمر بانتظام حتى لو لم تكن تشعر بالقلق أو التوتر؛ إذ سيساعدك ذلك على الاستعداد في حالة شعورك بالقلق الشديد بأسلوب غير متوقع.

توجد عدة أنماط مختلفة من تمارين التنفس، فتوجد طريقة سهلة يمكنك تجربتها، تسمى "التنفس الرنان" (Resonant Breathing)، فما عليك سوى التنفس ببطء من أنفك مع العد إلى رقم خمسة، ثمَّ الزفير مع العد حتى رقم خمسة، وتكرار هذا لبضع دقائق، ومن المفيد الانتباه إلى أي توتر، وإرخاء رقبتك وكتفيك وفكَّك خاصة.

إقرأ أيضاً: تمارين التنفس العميق وفوائدها لصحة الجسم

7. مشكلات النوم:

ترتبط معظم العناصر التي ناقشناها بطبيعتها بمشكلات النوم، وهذا غالباً ما يكون السبب في أنَّ القلق يمكن أن يشعرك بالتعب، فإذا لم نحصل على قسط كافٍ من النوم الجيد، فإنَّنا نزيد من مخاطر الإفراط في إنتاج الكورتيزول، وارتفاع ضغط الدم، ومستويات السكر في الدم، والاكتئاب، واضطراب المزاج، والاضطرابات العقلية، وخلل في هرمونات الشهية الذي يؤثر في صحة الجهاز الهضمي.

من الواضح أنَّ النوم هو الترياق الأول للشعور بالتعب نتيجة القلق، لكن في نفس الوقت، معظم هذه العناصر - بما في ذلك القلق نفسه - تؤدي إلى حدوث خلل في جودة النوم ممَّا يقلِّل طاقتنا، فيمكننا تحسين مستويات الطاقة لدينا من خلال معالجة كل عنصر نُوقِش في هذا المقال، إضافة إلى المبادرة في اتباع نهج لتعزيز صحة نومنا.

إحدى العادات البسيطة التي تساعد على إعادة ضبط إيقاع الساعة البيولوجية الخاصة بك من أجل أنماط نوم صحية هي الخروج في الصباح؛ إذ ينظِّم التعرض لأشعة الشمس في الساعات الأولى من النهار إنتاج "الميلاتونين" (Melatonin)، وهذا يساعدنا على الشعور بالنعاس في الليل.

إقرأ أيضاً: اضطرابات النوم: أنواعها، وأعراضها، وأسبابها، وطرق التخلص منها

في الختام:

إنَّ أوقات التوتر الشديد، مثل القيادة في ازدحام مروري، أو المواقف المحطمة للأعصاب، مثل الحديث أمام الجمهور، يمكن أن تؤدي إلى القلق بسهولة، حتى الضغوطات اليومية "العادية"، مثل الشعور بالإرهاق من مسؤوليات العمل والمنزل، يمكن أن تزيد من مشاعر القلق مع مرور الوقت.

تؤثر استجابة أجسامنا للتوتر والقلق في معظم وظائفها بطرائق معقدة، وعندما نكشف عن الرابط بين هذه العمليات، يمكننا أن نرى كيف يؤدي كل جزء منها دوراً جوهرياً في المساهمة في التعب، فمن خلال معالجة كل عنصر على حدة، يمكننا إجراء تغييرات بسيطة في نمط الحياة، والتي تعمل على التخلُّص من القلق، وتقليل الطرائق التي تجعلنا متعبين نتيجة لذلك.




مقالات مرتبطة