7 خطوات للانضباط الذاتي تساعدك على تحسين حياتك (الجزء الثاني)

لقد ناقشنا في الجزء الأول من المقال ماهية وأهمية الانضباط الذاتي، والآن في الجزء الثاني والأخير منه سنناقش 7 خطوات من شأنها مساعدتك على إتقان ضبط النفس.



خطوات لتطوير الانضباط الذاتي:

عندما تصمِّم على تحسين قدرتك على ضبط نفسك، فإنَّك تفتح أمامك العديد من الأبواب التي تفضي لفرص جديد، لكنَّ الأمر يتطلَّب أكثر من قوة الإرادة، إذ تحتاج إلى تطوير مهاراتك؛ وذلك بالتعلُّم والتدرُّب على ممارسة ضبط النفس حتى يصبح الانضباط الذاتي عادةً لديك.

اتَّبع هذه الخطوات السبع لتحقيق النجاح:

أولاً: تحديد ما تريد

لديك الكثير من الأفكار التي تدور في رأسك، والخطوة الأولى لتحسين قدرتك على ضبط ذاتك هي تنظيم أفكارك ومعرفة ما تريد، وكما يقول الكاتب الأميركي نابليون هيل (Napoleon Hill) في حديثه عن الانضباط الذاتي: "يبدأ الانضباط الذاتي بالسيطرة على أفكارك، فما لم تتحكَّم بما تفكِّر، لن تستطيع التحكُّم بما تفعل؛ ببساطة، يمكِّنك الانضباط الذاتي من التفكير أولاً ثم التصرُّف بعد ذلك".

لذا حدِّد بالضبط ما الذي تريده في كل جزء من حياتك، فهل تحتاج أن تكون ملمَّاً أكثر بتطورات مجال عملك حتى تتمكن من الترقي لمنصب أعلى؟ هل ترغب في اتباع عادات صحية كممارسة الرياضة والالتزام بنظام غذائي صحي حتى تشعر بتحسن، وتزيد من ثقتك بنفسك، وتهيئ نفسك لاغتنام المزيد من الفرص؟ هل تود تعلُّم لغة أو مهارة جديدة لتحسِّن حياتك على الصعيد المهني أو الشخصي؟

استثمر وعيك الذاتي وفكر فيما تريد تحقيقه وما تريد أن تصبح، واجعل من نفسك شخصيةً منظمة واعية بدلاً من شخصية مرتبكة وحائرة.

ما هي القرارات التي تحتاج إلى اتخاذها اليوم لتبدأ تقدُّمك نحو القمة في مجالك؟ أيَّاً كانت، اتخذ قراراً الآن ثم ابدأ بتنفيذه، ويمكن لهذا الفعل وحده أن يغير مسار حياتك كاملاً، وعليك إدراك أنَّ أيَّ غاية جديدة تسعى خلفها، تتطلب جهداً واستعداداً لتحمُّل تأخُّر نتائجها، لكنَّ تحمُّل العناء المؤقت يستحق دائماً مكافأة المكاسب طويلة الأمد.

ثانياً: معرفة المغريات وتفاديها

تشتت الانتباه هو عدو النجاح والانضباط، وتحوِّل قدرتك على مقاومة الإغراء العادات السيئة إلى عادات نافعة، والفعل الأكثر حكمةً لمقاومة المغريات هو ببساطة الحدُّ منها قدر الإمكان.

إن أصبحت متابعة وسائل التواصل الاجتماعي مضيعة للوقت، فقم بتقليل الوقت الذي تصرفه عليها عن طريق تقييد استخدام البيانات على هاتفك الذكي، أو إيقاف الإشعارات، أو تحديد أوقات محددة يمكنك فيها التحقق من حساباتك، أو حذف التطبيقات التي لا تساهم في الوصول إلى أهدافك أو سلامتك وعافيتك.

إن كنت مشتتاً بسبب سهولة الوصول إلى الترفيه، فتخلَّص من بعض الأشياء كالتلفزيون أو منصات الفيديو أو اشتراك خدمات البث من حولك، وافعل الشيء نفسه مع الأطعمة المُغرية، والأشخاص الذين لديهم تأثير سلبي، وأي شيء آخر يعوق تقدُّمك؛ إذ يلعب محيطك دوراً هاماً في تهيئتك للنجاح، وعليك أن تكون صادقاً مع نفسك فيما يتعلق بماهية هذه المغريات، فهذا هو مفتاح النجاح.

كلَّما قلَّت المغريات زادت فرصك في تحقيق أهدافك، وقد يبدو إنكار رغباتك صعباً في البداية، ولكنَّ ضبط رغبات المرء، يسمح له بالتغير وإظهار أفضل ما لديه؛ لذا قم بإجراء تدقيق زمني لتعلم ما هي المغريات التي تهدر وقتك، وسجِّل كلَّ ما تفعله طوال اليوم خلال الأيام القليلة القادمة؛ إذ سيسمح لك ذلك بتحليل طريقتك في قضاء وقتك ليتسنى لك استثماره بالشكل الأمثل، وسوف تتحرر حين تسيطر على المغريات من حولك.

كما يقول كوتش المهارات العقلية هارفي دورفمان (Harvey Dorfman): "الانضباط الذاتي هو شكل من أشكال التحرر؛ التحرر من الكسل والخمول، والتحرر من توقعات ومطالب الآخرين، والتحرر من الضعف والخوف والشك".

شاهد بالفيديو: 9 التزامات للانضباط الذاتي

ثالثاً: البحث عن شريك مساءلة

في بعض الأحيان يكون من الصعب البقاء منضبطاً عندما تعزل عملك عن الجميع، فيمكن أن يساعد وجود شخص ما تشاركه أهدافك ويذكِّرك بمسؤولياتك على إبقائك على المسار الصحيح وتحفيزك على البقاء منضبطاً، كما يمكنه مساعدتك على التغلُّب على صعوبة إجراء التغييرات التي تحتاجها لكبح جماح رغباتك الآنية واتِّخاذ قرارات أفضل.

إنَّ تحديد هدفك يزيد فرصتك في تحقيقه بنسبة 10%، لكنَّ التعهُّد لشخص آخر أنَّك ستحققه يزيد من معدل نجاحك بنسبة 65%، وتحديد موعد لتقديم تقرير لهذا الشخص يرفعه إلى 95%، وشريك المساءلة هو الشخص الذي تبرم معه اتفاقاً لمساعدة بعضكما بعضاً على البقاء على المسار الصحيح نحو تحقيق أهدافكما.

ستساعدك معرفة أنَّك بحاجة إلى إعلام شخص آخر بأفعالك على البقاء متحمساً في سعيك إلى تحسين مستوى انضباطك الذاتي، وستحاسبه على أهدافه أنت أيضاً، وإنَّ شريك المساءلة المثالي هو الشخص الذي يعمل على تحقيق أهداف مماثلة لأهدافك، على سبيل المثال، إذا كان هدفك هو بدء مشروعك التجاري الخاص، فاختر شريكاً يشاركك نفس الهدف الريادي، وبهذه الطريقة، يمكنكما التعلم معاً، وإيجاد الحلول بكفاءة، وتبادُل الأفكار المفيدة عن التدريب الذي يتلقاه كلٌّ منكما.

يجب عليك أيضاً اختيار شخص لا يمانع الخضوع للمساءلة، شخص يهتم بتطوير انضباطه الذاتي مثلك، فشريك المساءلة المناسب جدير بالثقة ويحافظ على سرية مناقشاتك، إنَّه شخص طيب ومشجِّع، ومع ذلك يطرح عليك أيضاً أسئلة صعبة ويقدِّم نقداً بنَّاءً لمساعدتك على البقاء على المسار الصحيح.

شارك أهدافك مع شريك المساءلة الخاص بك، وكن صادقاً بشأن تقدُّمك، وتواصل معه بانتظام، وحدد مواعيد تحققٍ يومية وأسبوعية وشهرية، واجعل هذه الجلسات قصيرة وموضوعية، وتواصل بطريقة يرتاح إليها كلاكما، مثل البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية أو المكالمات الهاتفية أو الاجتماعات الشخصية أو مزيج من عدة طرائق تواصل.

إنَّ الدعم والتشجيع الذي تتبادله مع شريكك في المساءلة، يمكن أن يُحدِث فرقاً كبيراً في قدرتك على التغلب على العقبات التي كنت تواجهها، ويدفعك نحو تحويل آمالك وأحلامك إلى واقع.

رابعاً: تدوين أهدافك

دوِّن أفكارك دوماً، فالهدف الذي لا تدوِّنه ليس هدفاً على الإطلاق، إنَّه مجرد أُمنية لا تحمل نية حقيقية لتحقيقه؛ لذا دوِّن أهدافك بوضوح وتفصيل، فالأهداف الأكثر نجاحاً هي أهداف ذكيَّة أي محدَّدة وقابلة للقياس وقابلة للتحقيق وواقعية ومحددة زمنياً.

حدد أهدافك طويلة الأمد، وبعد ذلك حدد أهدافاً صغيرة وانتقل تدريجياً نحو أهداف أكبر، فمن السهل تصوُّر الخطوات الصغيرة وتحقيقها، فهي تساعدك على التغلب على تحدياتك بطريقة أكثر فاعلية من التركيز على الأهداف الكبرى التي تستغرق وقتاً طويلاً للوصول إليها، وإنَّ الوصول إلى أهدافك الصغيرة يحفزك على الاستمرار في التقدُّم.

إذا كان هدفك هو تناول طعام صحي، على سبيل المثال، ابدأ بإضافة طعام صحي جديد إلى نظامك الغذائي كل أسبوع، وليس عليك التخلُّص من جميع الأطعمة غير الصحية في وقت واحد؛ إذ سيساعدك التغيير البطيء على البقاء مُحفَّزاً.

يتطلَّب الأمر قدراً هائلاً من قوة الإرادة لإجراء تغيير شامل وفوري، وإنَّ تحقيق المكاسب بالتدريج يدرِّب عقلك على ممارسة ضبط النفس أكثر فأكثر حتَّى يصبح عادة لديك ولا ترغب بعدها في العودة إلى عاداتك القديمة.

إليك بعض الأمثلة على أهداف ذكية (SMART goals) اتَّخِذها بوصفها مصدر إلهام لتدوين أهدافك الخاصة:

  1. سأزيد المبيعات للعملاء الدائمين بنسبة 5% في غضون ثلاثة أشهر؛ وذلك من خلال جمع المعلومات عن عمليات شرائهم وتطبيق الاستراتيجيات التي تجعلهم يشعرون بالتقدير.
  2. سأقلِّل عدد المرات التي أتذمَّر فيها إلى مرة واحدة كل يومين بحلول 31 أيار/مايو في محاولة لتحسين صحتي العقلية بالتفكير لمدة 10 ثوان في كلامي قبل مشاركته.
  3. سأستمر في إنقاص وزني بإضافة التمرينات الرياضية إلى روتين الصباح الخاص بي؛ وذلك بالمشي لمدة 30 دقيقة قبل تناول وجبة الإفطار للأسابيع الثلاثة المقبلة.
  4. سأتعلَّم عزف المقطوعات الرئيسة على الغيتار بحلول عيد ميلادي وذلك من خلال مشاهدة مقاطع الفيديو التعليمية والتدرُّب لمدة 15 دقيقة يومياً.
  5. سأحسِّن أدائي الجامعي في تقييمات الفصل بنسبة 10% بحلول امتحان منتصف الفصل الدراسي؛ وذلك من خلال تسجيل المحاضرات والاستماع إليها في أثناء تنقلاتي وتدوين الملاحظات من كل محاضرة في غضون يومين من سماعها.

شاهد بالفيديو: طرق تنمية الانضباط الذاتي

خامساً: وضع قوائم مهام

حافظ على اتباعك المسار الصحيح يومياً بإعداد قائمة بما يخطر لك من مهام يتعين عليك القيام بها لتحقيق هدفك، ويعدُّ فعل ذلك أحد أهم الأشياء التي يمكنك القيام بها لمساعدتك على أن تكون منتجاً وتشعر بالسعادة، فتعمل قوائم المهام بوصفها تذكيراً مرئياً بأنَّك على الطريق نحو التميُّز، ويوفر شطب كلِّ مهمة عند إكمالها حافزاً مباشراً لمواصلة المضي قدماً.

عندما تفكر في مهام ونشاطات جديدة، دوِّنها في قائمتك حتى تكتمل القائمة، وأعد النظر في أهدافك بانتظام للتأكد من أنَّك على المسار الصحيح، وإن كنت بحاجة إلى تغيير كلمة أو جملة في هدفك لجعله أكثر دقة أو ملاءمة أو واقعية، فقم بذلك دون المساس بتقدُّمك، فالمفتاح هو تحديد ومتابعة الأهداف التي من شأنها أن تجعلك أقرب إلى الحياة التي تريدها.

في نهاية كلِّ يوم، أعدَّ قائمتك لليوم التالي؛ فعادات صغيرة مثل هذه ستُبقي عقلك مركزاً على اتخاذ الإجراءات الصحيحة التي تُعلِّمك ضبط النفس؛ لذا تأكد من تحديد مواعيد نهائية لكلٍّ من أهدافك البعيدة وقصيرة الأمد؛ إذ يساعدك ذلك على العمل الجاد وتحقيق النتائج في الوقت المناسب.

سادساً: تنظيم قوائمك

نظِّم قوائمك على شكل خطة، وحدِّد ما عليك القيام به أولاً وما عليك القيام به ثانياً، وحدِّد ما هو أكثر أهمية وما هو أقل أهمية، ثم دوِّن خطتك بنفس الطريقة التي ستضع بها مخططاً لبناء منزل أحلامك.

قسِّم المهام في قائمتك إلى مجموعات من المهام ذات الصلة؛ سيساعدك هذا على توفير الوقت والجهد إن أنجزت مهاماً متشابهة في نفس الفترة الزمنية، وسيكون عقلك متناغماً وستصبح مساحة العمل الخاصة منظمة بكلِّ ما تحتاجه.

تجنَّب تنفيذ عدة مهام في وقتٍ واحد، فعلى الرغم من أنَّك قد تبدو منشغلاً بإنجاز المزيد، إلا أنَّ تعدد المهام يُلهيك عن التركيز على أيٍّ من المهام؛ لذا اعمل على مهمَّة واحدة في كلِّ مرة ثم انتقل إلى المهمة التالية، وسيصبح التحدي الذي تواجهه لضبط نفسك أسهل حين تمارس عادات مفيدة مثل هذه.

سابعاً: وضع خطَّة عمل

افعل كلَّ يوم شيئاً يقرِّبك من هدفك الأهم في الوقت الحالي، فالتحلِّي بالانضباط في إدارة وقتك يومياً على مدار العام يدفعك إلى الأمام، وستندهش حُكماً من قدر ما تنجزه عند اتباع هذا الأسلوب كل يوم.

تأمَّل كلمات الدكتور مارتن لوثر كينغ الابن (Dr. Martin Luther King, Jr) الملهمة عن البدء بالعمل: "إن كنت لا تستطيع الطيران، فاركض، وإن كنت لا تستطيع الركض، فامشِ، وإن كنت لا تستطيع المشي، فازحف؛ استمر في التقدُّم بأية وسيلة".

إقرأ أيضاً: مفهوم تطوير الذات وأهم الأسرار لتطوير ذاتك وتنميتها

العمل أمر حتمي للتقدُّم، وتُظهِر الأبحاث أنَّ الذين يضعون خطة بنية التنفيذ هم أكثر نجاحاً في إنشاء عادات جديدة ويصبحون أكثر ضبطاً لأنفسهم، ونيَّة التنفيذ هي استراتيجية تؤدي إلى ضبط النفس لاتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت الحالي؛ أي إنَّك تخطط مسبقاً لما ستفعله عندما تواجه إغراء أو إلهاء، ولاستخدام هذه الاستراتيجية، أكمل هذه الجملة بكلمات تنطبق على ما تحاول التغلب عليه: "عندما يحدث كذا، سأفعل كذا".

يجبرك استخدام هذه الخطة على تعزيز انضباطك الذاتي وقوتك الذهنية، ولمساعدتك على الالتزام بخطة العمل الخاصة بك، تذكَّر أو دوِّن ما قاله الكوتش الأمريكي فينس لومباردي (Vince Lombardi) : "القوة الذهنية لها أوجه كثيرة ويصعب تفسيرها، تنطوي على التضحية وإنكار الذات، والأهم من ذلك، أنَّها تقترن بإرادة منضبطة تماماً وترفض الاستسلام".

إقرأ أيضاً: أهمية الانضباط الذاتي في تحقيق الأهداف

في الختام:

ابدأ طريقك نحو تحسين ذاتك من خلال ممارسة الانضباط الذاتي بدءاً من اليوم، وسوف تدفعك القوة الكامنة في ضبط النفس نحو حياة أفضل.




مقالات مرتبطة