6 أسباب تُفسِّر فشل الاستراتيجيات التي تتبعها المنظمات

تواجه كلُّ المنظمات تقريباً تحدياتٍ استراتيجيَّة ضخمة تترافق -في أغلب الأحيان- مع حاجة المنظمة إلى تغيير غاياتها وهويَّتها واستراتيجياتها ونماذج عملها وبُناها، ويكون الإخفاق مصير معظم جهود التغيير هذه؛ وغالباً ما يكون سببه ليس وجود عيبٍ في الاستراتيجية في معظم الحالات، بل عدم تمكُّن المنظمة من تنفيذها.



تُمثِّل جائحة كوفد-19 بلا شكٍّ أكبر تحدٍّ واجه جميع أنواع المؤسَّسات منذ أكثر من قرن، حيث اضطُرَّ القادة في ظلِّ الوضع "الطبيعي" الجديد الذي نعيشه إلى إعادة التفكير في الاستراتيجيات التي يتَّبعونها، والقيم التي يؤمنون بها؛ ممَّا فرض على المنظَّمات تغيير أنظمة التنظيم والإدارة والقيادة تغييراً جذريَّاً يؤدِّي إلى التمكُّن من تنفيذ التوجيهات الجديدة تنفيذاً فعَّالاً وسريعاً؛ لأنَّ السرعة في هذه الأزمة تُعَدُّ أمراً ضروريَّاً.

توصَّل الخبراء -بحكم خبرتهم في العمل ودراسة التحوُّلات التي تشهدها المؤسَّسات- إلى 6 من أشهر أسباب الإخفاق المترابطة التي أطلقتُ عليها اسم "العقبات الخفية".

لا يعرف القادة غالباً العقبات الخفية التي تقف في طريق عملية التحوُّل التي تشهدها مؤسَّساتهم، أو لا يريدون أن يعرفوها في بعض الأحيان؛ ولا يتحدَّث الموظفون عن هذه العقبات خوفاً من انحراف أعمالهم عن مساراتها، أو من الطرد من العمل، ما يجعل معرفة الفِرَق العُليا بهذه العقبات وتغييرها أمراً مستحيلاً.

حتَّى يتمكَّن القادة من التصدِّي للتأثير السلبي لهذه الجائحة في أعمالهم، يجب عليهم مواجهة الواقع الذي تشهده البيئة التنافسية والعقبات الخفية التي تصيب منظماتهم بالعجز؛ لذا دعنا نلقي معاً نظرةً على هذه العقبات الست:

1. العقبة الخفية الأولى، عدم وضوح القيم وتضارب المصالح:

المشكلة غالباً ليست في هذه الاستراتيجية أو تلك، بل في العملية التي تشكَّلَت من خلالها الاستراتجية، أو في غياب أيِّ عمليةٍ كهذه.

يُعِدُّ الاستراتيجيةَ في مثل هذه الحالات القائد والمدير التنفيذي المسؤول عن وضع الاستراتيجيات أو مدير التسويق -غالباً-، لتُطرَح بعد ذلك للمناقشة مع باقي أعضاء الفريق؛ لكن إذا لم يشارك الفريق كلُّه، فلن يكون الوضوح والالتزام ممكنَين.

إذا لاحظتَ أيَّاً من هذه الإشارات، فيعني هذا أنَّ هذه العقبة تواجه المنظمة:

  • غياب التوجُّه الواضح والصريح -الاستراتيجية والقيم- الذي يحدِّد سلوك المنظمة.
  • تضارب الأولويات والتنافس على الموارد، وسوء تنفيذ الاستراتيجية؛ لأنَّ كلَّ وظيفةٍ وعملٍ يدعم أولوياته الخاصَّة.
  • إحساس الموظفين بالتعب بسبب تصنيف كلِّ شيءٍ ضمن قائمة الأولويات.

2. العقبة الخفية الثانية، افتقار الفريق الذي يضمُّ كبار الموظفين إلى الفعالية:

يذكر الموظفون الذين يشغلون المراتب الأدنى في جميع الدراسات التي أُجريَت -تقريباً- افتقارَ الفرق التي تضمُّ كبار الموظفين إلى الفعالية، والذي يُعزى في معظم الأحيان إلى عدم حديث كبار الموظفين مع الموظفين العاديين عن الاستراتيجية والقيَم؛ وقد كانت عواقب ذلك -على مستوى المنظمات- ضعف الثقة، وضعف الالتزام بالقرارات الاستراتيجية المُتَّخذة، واختلاف طرائق فهم الاستراتيجية، وتعارضها في بعض الأحيان.

لم يَجِد القادة وفرقهم التي تَضُمُّ كبار الموظفين في جميع هذه الحالات، حلَّاً للمشكلة الأساسية، والتي تتمثَّل بجمع كلِّ أعضاء فريق كبار الموظفين للحديث حديثاً صريحاً وبنَّاءً عن الأمور المناسبة.

إذا لاحظتَ أيَّاً من هذه الإشارات، فيعني هذا أنَّ هذه العقبة تواجه المنظمة:

  • قضاء معظم الأوقات في أثناء الاجتماعات في تبادل المعلومات، والحديث عن آخر المستجدات المُتعلِّقة بتفاصيل العمليات قصيرة المدى -وهي ظاهرةٌ تُعرَف أحياناً باسم "الموت بسبب بوير بوينت"- عوضاً عن قضائها في مواجهة المشاكل الاستراتيجية والتنظيمية الصعبة، وحلِّها.
  • قِلَّة الصراعات البنَّاءة، واتِّخاذ القرارات خارج غرفة الاجتماع فعليَّاً.
  • عدم حديث أعضاء فريق كبار الموظفين مع الموظفين العاديين عن الاستراتيجية والأولويات.

3. العقبة الخفية الثالثة، اتِّباع أساليب قيادةٍ غير فعَّالة:

حينما يتعلَّق الأمر بقيادة الأفراد، فثمَّة أسلوبان غير فاعلين: نهج القيادة من أعلى الهرم إلى أسفله الذي لا يشارك فيه الموظفون مشاركةً كافية، وأسلوب عدم التدخُّل القائم على تجنُّب المواجهة.

لقد تبيَّن أنَّه من الممكن عَزوَ كِلا الأسلوبين إمَّا إلى نُفور القائد شخصيَّاً من المواجهة، أو إلى غياب عمليةٍ محددةٍ وواضحةٍ لإجراء نقاشاتٍ بنَّاءةٍ وتحويلها إلى قرارات فاعلة؛ ونتيجةً لذلك، لا يعرف القائد رأي أعضاء فريق كبار الموظفين، أو آراء الموظفين الذين يشغلون المناصب الأدنى في الأقسام التي لا يسير عملها بنجاح، ولا يدركُ أسباب ذلك.

إذا لاحظتَ أيَّاً من هذه الإشارات، فيعني هذا أنَّ هذه العقبة تواجه المنظمة:

  • ضياع القائد في تفاصيل العمليات، وقيامه بأمورٍ يقوم بها الموظفون الأقلُّ مرتبةً منه في المنظمة.
  • غياب القائد عن الأنظار، وقضاؤُه وقتاً قليلاً نسبيَّاً في الحديث عن الاستراتيجية العامة أو التوجُّه العام، أو في إرغام الموظفين على إجراء حواراتٍ بنَّاءةٍ حتَّى يُحَلَّ الاختلاف في وجهات النظر.
  • عدم مواجهة القائد المشكلات أو الموظفين مواجهةً مباشرةً لحلِّ النزاعات المُتفاقمة.
إقرأ أيضاً: تفويض الصلاحيات: الدليل الكامل للقادة الفاعلين

4. العقبة الخفية الرابعة، سوء التنسيق:

يُعَدُّ التنسيق بين مجموعات الموظفين المعزولة -الوظائف، ووحدات العمل، والمناطق الجغرافية العاملة على مستوى المنظمة، والتي تُعَدُّ هامَّةً لتنفيذ الاستراتيجية تنفيذاً فعَّالاً- تحديَّاً دائماً.

لا تستطيع الفرَق التي تفتقر إلى الفعالية، والتي تَضُمُّ كبار الموظفين الذين يدافع كلٌّ منهم عن مكاسبه؛ الاتفاقَ على طريقةٍ لإعادة تنظيم الثقافة وتحديد شكلها الجديد من أجل تجاوز العقبات التي تواجه عمليات التنسيق والتعاون؛ وفي حال نشوب الخلافات، فيعني هذا أنَّ الفرق لم تُبنَى بطريقةٍ تصبح معها الأنشطة التي تضفي قيمةً على العمل جزءاً من الفريق، أو أنَّها تشكَّلَت بطريقةٍ تشوبها العيوب؛ حيث يمنع غياب الحوارات الصريحة والجماعية العامة المنظمةَ من اكتشاف تلك العيوب وإصلاحها.

إذا لاحظتَ أيَّاً من هذه الإشارات، فيعني هذا أنَّ هذه العقبة تواجه المنظمة:

  • صعوبة تنفيذ المبادرات التي تستهدف عدة وظائف، أو أعمال، أو مناطق جغرافية؛ على الرغم من العلاقات الجيدة التي تجمع الأفراد غالباً.
  • النظر إلى بناء فرقٍ عابرةٍ للحدود بصفتها مسألةً تأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد تحقيق كلِّ وحدةٍ (وظيفة، أو عمل، أو منطقة) أهدافها.
  • عدم وضوح أدوار الوظائف أو وحدات العمل أو المناطق، ومسؤولياتها وحقوقها في اتخاذ القرارات.

5. العقبة الخفية الخامسة، عدم تطوير القادة تطويراً كافياً:

أظهرت الأبحاث أنَّ القادة لا يُطوَّرون عادةً عن طريق التدريب، بل من خلال تنفيذ مهمَّاتٍ تفرض عليهم تحدياتٍ جديدة.

يفرض هذا على المديرين التضحيةَ من أجل المصلحة العامة، من خلال التخلِّي عن القادة أصحاب الإمكانات الكبيرة لصالح أجزاء أخرى من المنظمة، من أجل تطوير أولئك القادة.

حينما لا يحدث هذا بشكلٍ طبيعيٍ وبصورةٍ منتظمة، فإنَّه يُعزَى إلى عقباتٍ خفيةٍ ناقشناها سابقاً، مثل: افتقار الفريق الذي يَضُمُّ كبار الموظفين إلى الفعالية، وتشكُّل مجموعاتٍ منعزلةٍ داخل المنظمة لا تمتلك الأفكار أو القدرة اللازمة لتحديد القيم والسلوكات التي يُتوقَّع من القادة أن يتحلَّوا بها، أو الافتقار إلى القدرة على بناء نظامٍ لإدارة المواهب يمكِّن المنظمة من إسناد المهام اللازمة لتطوير قدرة القادة العامة على إدارة مختلف أقسام المنظَّمة.

إذا لاحظتَ أيَّاً من هذه الإشارات، فيعني هذا أنَّ هذه العقبة تواجه المنظمة:

  • الرجوع دائماً إلى الأشخاص نفسهم عند الحاجة إلى تنفيذ عملٍ هام.
  • قِلَّة فرص التطوير التي تُمنَح إلى القادة والمديرين.
  • عدم إجراء أعضاء الفريق الذي يضمُّ كبار الموظفين مقابلاتٍ دوريةً مع القادة الموهوبين، وعدم توفير مساراتٍ مهنيةٍ تمكِّنهم من تطوير قدرات القيادة العامة التي يتمتعون بها.
إقرأ أيضاً: لمَ يجب على القادة أن يُعطوا أكثر مِمَّا يأخذوا

6. العقبة الخفية السادسة، ضعف التواصل العمودي (التواصل بين الرؤساء والمرؤوسين):

يعني ضعف التواصل العمودي أنَّ المعلومات الضرورية حول التوجُّه الاستراتيجي للمنظمة وقيمها لا تنتقل من فريق كبار الموظفين إلى الموظفين الذين يشغلون المستويات الأدنى، وأنَّ المعلومات الضرورية حول العقبات التي تواجه ذاك التوجُّه وتلك القيم لا تنتقل من الموظفين الذين يشغلون المستويات الأدنى إلى فريق كبار الموظفين؛ وعوضاً عن إجراء حواراتٍ مُثمِرة، يسود إحساسٌ متزايدٌ بالارتباك بين الموظفين.

إذا لاحظتَ أيَّاً من هذه الإشارات، فيعني هذا أنَّ هذه العقبة تواجه المنظمة:

  • قلَّة قنوات التواصل بين المرؤوسين والرؤساء، والتي يستطيع من خلالها المديرون والموظَّفون التواصل بشكلٍ صريحٍ وعَلَني مع أعضاء الإدارة العُليا في بيئةٍ قليلة الأخطار.
  • مناقشة المشاكل العصيبة بطريقةٍ تتعارض وثقافة المنظمة.
  • ألَّا يطلب القادة الذين يشغلون المناصب العُليا من الموظفين الذين يشغلون المناصب الأدنى الحديثَ عن المشاكل التي تُعيق كفاءة المنظمة، أو عن طرائق حلِّ هذه المشاكل إلَّا نادراً (إن هُم طلبوا منهم ذلك أساساً).

يجعل العجز عن مواجهة العقبات الخمس الخفية الأولى -وعن تشجيع الحديث عنها بصراحة بين القادة والمرؤوسين- من المستحيل تحويل العقبات الخفية إلى نقاط قوةٍ تحتاج إليها المنظمة للنجاة من أيّ أزمةٍ كانت.

 

المصدر




مقالات مرتبطة