5 معتقدات شائعة قد تفسد حياتك تماماً

إنَّ الأمر الخادع بشأن المعتقدات هو إيماننا المطلق بأنَّ معتقداتنا الحياتية صحيحة، وفي الواقع، نكتشف في مرحلة ما من حياتنا أنَّ كل ما كنَّا نؤمن به من جهة إدراكنا الواقع خاطئ بصورة جزئية على الأقل؛ ولكنَّنا لم نفكِّر في ذلك على الإطلاق؛ ففي نهاية المطاف، إن لم نكن نعتقد بأنَّ معتقداتنا صحيحة، لم نكن لنؤمن بها أصلاً.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "مارك مانسون" (Mark Manson)، والذي يحدِّثنا فيه عن 5 معتقدات شائعة قد تُفسِد حياتنا تماماً.

ولكنَّ معتقداتنا إزاء ادراك الواقع ليست صحيحة صحة مطلقة؛ والواقع أنَّنا نخطئ كثيراً من الناحية النفسية، وتحرِّكنا العواطف، ونعاني من التناقض الذاتي والقصور عن أداء مهامنا أحياناً؛ لذا سواء كنت تقول: "أعتقد أن معتقداتي صحيحة؛ ولهذا السبب أؤمن بها" أم تقول: "قد تكون بعض معتقداتي غير صحيحة"، يصبح السؤال التالي هو: "كيف أحدِّد معتقداتي الخاطئة؟".

الآن، كل ما تريد معرفته هي الخطوات التي يتعيَّن عليك اتِّخاذها لاستكشاف معتقداتك الخاطئة قبل أن تدمِّرك تماماً.

أولاً وقبل أي شيء، يجب أن نذكر العديد من المعتقدات الخاطئة الأكثر شيوعاً، والتي نميل إلى التمسك بها؛ إذ توجد معتقدات وافتراضات أساسية نؤمن بها دون أساس منطقي يُعتد به، والهدف من هذه المقالة هو مساعدتك على البدء في التشكيك في هذه المعتقدات والافتراضات الأساسية؛ وبعد ذلك، ستتمكَّن من التفكير في معتقداتك تفكيراً نقدياً.

1. المعتقد الأول "أنا أعرف بالضبط ما الذي أفعله":

ظاهرياً، يبدو هذا وكأنَّه معتقَد محكَم جيداً؛ إذ يعني اعتقادك بأنَّك تعرف ما تفعله، أنَّك تمتلك ثقة أكبر فيما تفعل، وإذا كنت واثقاً ممَّا تفعل، فسوف تقوم به بصورة أفضل.

ولكن هذه مجرَّد صيغة أخرى من المساعدة الذاتية التقليدية، والتي تنص على أن تثق في نفسك فحسب، قد يبدو هذا جيداً بصورة ظاهرية؛ ولكنَّه لا يعود بالنفع واقعياً؛ فلتفكِّر في كل الأشخاص الحمقى الذين عرفتهم في حياتك، ولكنَّهم يبدون مقتنعين بأنَّهم واثقون بما يفعلون.

لقد أظهرت الأبحاث أنَّك إذا كنت تمتلك قناعات راسخة للغاية بشأن ما تفعله، فسوف تسوِّغ الكثير من أفعالك، حتى ولو كانت خاطئة، وستكون أقل قبولاً للتغذية الراجعة البنَّاءة، وستتجاهل بالأحرى الكثير من الأفكار والخيارات الجيدة.

بعبارة أخرى، هناك خط رفيع بين "معرفة ما تفعله"، وبين الغرور، ويتلخَّص الترياق المضاد لهذا ببساطة في قبول حقيقة مفادها أنَّك قد تخطئ فيما تفعل، هناك مقولة قديمة تقول: "يكمُن الفرق بين الخبير والهاوي في أنَّ الخبير واعٍ بجهله بما لا يعرفه"، ومن عجيب المفارقات أنَّ قدرة الخبير على إدراك جهله بما لا يعرفه هي التي تتيح له معرفة المزيد أصلاً، وتُظهر الأبحاث أنَّ القدرة على التأقلم مع التغيير هي مؤشر أفضل بكثير للكفاءة في جميع مجالات الحياة تقريباً، ولكن من أجل التأقلم مع التغيير، يجب أن تتقبَّل أنَّك قد تكون على خطأ في المقام الأول.

يبدو التخلُّص من هذا المعتقد أمراً يسيراً، ولكنَّ الحقيقة أنَّه ليس بالأمر السهل بالنسبة لمعظمنا.

إقرأ أيضاً: 3 تحيزات معرفية تؤثر في قراراتنا اليومية

2. المعتقد الثاني "هذا ليس عدلاً":

ربما تتذكَّر عندما كنت طفلاً وترغب في القيام بشيء ما، فيرفض والداك ذلك، فتقول لهما: "هذا ليس عدلاً"، ليردوا قائلين: "الحياة ليست عادلة".

لقد حدث ذلك معي أيضاً، وكنت أستاء للغاية في حينها؛ ولكن بعد أن كبُرت، علمت أنَّ والداي كانا محقين بعض الشيء؛ فالحياة ليست عادلة. في الواقع، لا يمكنك أن تتصوَّر حتى كافَّة الجوانب التي تمنح فيها الحياة أشياء جيدة للبعض، وأشياء سيئة للبعض الآخر.

ولكن دعنا نفكِّر في الأمر من زاوية مختلفة: ماذا لو لم تكن القضية في أنَّ الحياة ليست عادلة؟ ماذا لو كانت المشكلة في تعريفنا لكلمة "عادلة"؟.

بالتأكيد، يؤمن كل إنسان مفكِّر بأنَّ الناس سواسية؛ فلا توجد حياة فرد أكثر قيمة أو أهمية من حياة أي شخص آخر، ولكن يستنبط الكثير منا افتراضاً مفاده أنَّه ينبغي أن نجرِّب جميعاً المُتَع نفسها، وأن نعاني من الآلام نفسها في هذه الحياة، وهذا ببساطة أمر غير معقول؛ فكيف لنا أن نعرف كم يعاني شخصٌ ما؟ وما إذا كانت معاناته تفوق معاناتنا أو تقل عنها؟ وكيف لنا أن نعرف أنَّ الأمور المؤلمة التي تحدث لنا الآن لن تصبح أعظم نعمة في حياتنا بعد عشر سنوات من الآن؟ وكيف نعرف أنَّما نحبه اليوم قادر على تدمير حياتنا بعد عام؟

اترك حجة "العدالة" للمحكمة؛ إذ أنَّ الفكرة الكاملة التي نكوِّنها عن "العدل" بناءً على أحداث حياتنا اليومية، مثل الحياة "غير عادلة" لأنَّ الاقتصاد انهار تماماً عندما بدأت مسيرتي المهنية، أو أنَّ الحياة "غير عادلة" لأنَّ أخي قُبِل في الجامعة التي يريدها وأنا لم أُقبَل، قد تتسبب في المزيد من المشكلات بدلاً من حلها.

في الحياة، هناك أمور بوسعنا التحكُّم فيها، وأخرى لا يمكننا ذلك؛ فاستثمر وقتك وجهدك فيما يمكنك التحكُّم فيه، ولا تولِ الكثير من الاهتمام للأمور الأخرى.

إقرأ أيضاً: 5 حقائق يومية غير عادلة عن الحياة علينا قبولها

3. المعتقد الثالث "المزيد هو الأفضل":

لقد كتبت كثيراً عن المعتقدات الخاطئة المتمثِّلة في تفضيل كسب المزيد، وشراء المزيد، وكيف تدمِّرنا هذه الثقافة البالية ببطء.

أعتقد أنَّ معظم الناس قد يفهمون في مرحلة ما أنَّ المادية والاستهلاك المفرط هما في النهاية بمنزلة مطاردات فارغة لا طائل منها، ومع ذلك، ما زلنا نقع جميعاً في فخ "المزيد هو الأفضل" بطريقة أو بأخرى.

قد يعود هذا إلى أنَّنا حتى عندما نرفض نوعاً من الاستهلاك، دائماً ما نستبدله بنوعٍ آخر؛ على سبيل المثال: رفض الكثير من جيل الألفية هدف امتلاك منزل كبير بحديقة كبيرة وسيارتين كبيرتين في مرآبٍ كبير في حيٍّ راقٍ مثلما هدفَ آباؤهم؛ ولكنَّ العديد من هؤلاء الأشخاص استبدلوا ببساطة الاستهلاك المادي بالاستهلاك التجريبي؛ فهم يريدون السفر أكثر، ورؤية المزيد الأماكن، والقيام بالمزيد من التجارب، والحصول على المزيد من المُتعة، والأصدقاء، والخيارات، والمزيد من كل شيء.

سواءٌ كنَّا نسعى إلى تحقيق الثروة المادية أم إلى تحصيل كَمٍّ هائل من الخبرات، فإنَّنا نقوم بذلك دائماً للسبب نفسه، وهو ملء الفراغ الذي نشعر به داخلنا.

ورغم ذلك، يدفعنا امتلاك المزيد من الخيارات إلى أن نصبح أكثر شقاءً بدلاً من أن نكون أكثر سعادة، ويؤدي السعي إلى عَيش المزيد من التجارب إلى جعلنا مشتتين وتائهين بدلاً من التحلِّي بالتركيز والالتزام، وكما قال "سينيكا" (Seneca): "ليس الفقير هو من يمتلك القليل، بل هو من يتوق إلى المزيد".

أرجو ألَّا تسيئ فهمي، فلا شك أنَّ التجارب الجديدة والأماكن الجديدة والأشخاص الجدُد كلها أمور رائعة تعلِّمنا الكثير في الحياة، إنَّما يتعلق الأمر بأنَّه في مرحلة معينة تؤذينا رغبتنا في الحصول على المزيد من الأشياء؛ لذا، فقد زعمت أنَّنا لكي نجد مغزىً وهدفاً في حياتنا، يتعيَّن علينا دائماً أن نفعل العكس، وهو التركيز على البساطة، إذ يجب علينا ألَّا نحتفظ بما هو غير ضروري؛ لإنهاء دورة إدمان المزيد من الاستهلاك والمزيد من التجارب، واختيار مجموعة من الأشخاص والمساعي الضرورية بالنسبةِ لنا، والالتزام بها بشغف.

4. المعتقد الرابع "إذا حصلت على كذا، فسوف أكون سعيداً":

لا شك أنَّ الأهداف أمر عظيم؛ ففي نهاية المطاف، يجب أن يمتلك كل شخص بعض الأهداف في الحياة؛ وإذا لم تحدِّد هدفاً للسعي ورائه، ستكون حياتك بلا مغزى؛ ولكن تنطوي الأهداف أيضاً على بعض المخاطر الخفية، ومن بعض هذه المخاطر أنَّنا قد ينتهي بنا الأمر إلى الارتباط بها بصورة قوية.

من المفترض أن تكون الأهداف وسيلة لتحقيق غايةٍ ما، ولكن في بعض الأحيان، عندما نلتزم بتحقيقها، فإنَّها تصبح غاية في حدِّ ذاتها؛ على سبيل المثال: فلنفترض أنَّك قرَّرت إنقاص وزنك بمقدار 15 كيلوغراماً لأنَّك تعتقد أنَّ ذلك سيجعلك سعيداً؛ ولكن بمرور الوقت، انشغلت بالهدف وتعلقت به على نحوٍ عاطفي لدرجة أنَّك أصبحت تبني احترامك لذاتك بناءً على هذا الهدف دون سواه، يمثل هذا خطرين:

  • إمَّا لن تستوفي تحقيق أهدافك؛ وبالتالي ستصبح شقيَّاً.
  • أو سيتحقَّق هدفك، ولكنَّه لن يجعلك تشعر بكل هذا الاختلاف الذي اعتقدت أنَّك ستشعر به، وستصبح بائساً.

قد نشعر بالحالة الأولى؛ لأنَّ فشلنا في تحقيق الأهداف يجعلنا أحياناً نشعر بالشقاء واليأس، وأحياناً، تدفعنا أهدافنا إلى القيام بأفعال مشينة لن نفخر بها لاحقاً، وأحياناً، نصبح مهووسين بأهدافنا ونضحي بلا داعٍ بأمور هامَّة أخرى من حياتنا.

وعلى نحوٍ مشابه، حتى عندما نحقق أهدافنا، إذا كنَّا قد استثمرنا فيها وقتاً وجهداً أكثر ممَّا ينبغي، نشعر بالفراغ بعد ذلك؛ إذ تعترينا نشوة قصيرة، ونوع من الافتتان عندما نقول: "يا إلهي! لقد فعلتها" متبوعة بالحيرة والتفكير في: "ماذا سأفعل الآن؟".

هناك مقولة مشهورة في وادي السيليكون، تقول: "الآراء القوية، غير مُحكَمة"، ولكنِّي سأقول: "الأهداف الجريئة، غير مُحكَمة"؛ إذ ليس الهدف من وضع الأهداف تحقيقها بالضرورة، ولكن تكمن قيمة الأهداف في أنَّها تمنحك التوجيه؛ فهي تمنحك تصوراً للعمل من أجله، وطرائق لتحسين نفسك؛ والمقدار الدقيق لهذا التحسين أقل أهمية في الواقع.

5. المعتقد الخامس "كل شيء لا يساعدني غير هام":

دائماً ما ألاحظ أنَّ الناس يحاولون تحسين ذواتهم لمحاولة حل مشكلة حقيقية في حياتهم؛ فيشعرون بالتقدُّم، وبأنَّهم ينجزون شيئاً ما، ويدخلون في دوامة قضاء الكثير من الوقت في تنظيم جداول أعمالهم، وتحقيق أداء أفضل في العادات اليومية، والبحث عن فرص لزيادة دخلهم، وتعزيز إنتاجياتهم، واتِّباع إرشادات التواصل؛ وكأنَّهم يبحثون عن أي شيء يمنحهم "ميزة" ما.

في الواقع، قد يعزِّز هذا النوع من الهوس بالذات الإنتاجية إلى أقصى حد، ولكنَّه يضرُّ حياتك العاطفية بالتأكيد، وما أكثر المخاطر المترتبة على أن تصبح مدمناً مهووساً بالمساعدة الذاتية! فهي قد تقودك إلى أن:

  1. تصبح أنانياً ومهووساً بذاتك إلى درجة أنَّك تجد صعوبة بالغة في التعاطف مع أي شخص لا يشارك بصورة مباشرة في أهدافك أو مساعيك.
  2. تصل إلى درجة لم تعُد تستمتع فيها بأي شيء، حتى بالإنجازات.
  3. تبدأ في الشعور بأنَّك محاصَر بأهدافك الخاصة، وتشعر كما لو أنَّ فعل أي شيء خارجها هو نوع من الإخفاق وإهدار الوقت.
  4. تصبح عائقاً لأوقات المرح التي يقضيها معك الأصدقاء أو العائلة.

قد تعتقد أحياناً أنَّه من أجل تحسين شيء ما، ينبغي عليك تكريس حياتك للقيام به؛ ولكنَّك بهذه الطريقة، تزيح الكثير من المتعة أو الألفة أو الثقة التي تصطحب هذا الهدف؛ لذا عليك أن تعلم أنَّ اللحظات الأكثر أهمية في الحياة لا تظهر في جدولك أو قائمة مهامك، وأنَّ القيمة قد تكمن في فعل شيء لا يقدِّم أي قيمة؛ ففي بعض الأحيان، تكون هناك أمور تفعلها لمجرَّد الاستمتاع، أو قضاء وقتٍ لطيف، أو حتى لمجرَّد فِعلها فحسب.

لا شك أنَّ تحسين الاهتمام والقدرة على تحسين الذات أمرٌ هام، ولكن من الهام أيضاً تنمية الاهتمام والقدرة على عدم تحسين الذات في وقتٍ مُعيَّن. ومن عجيب المفارقات أنَّ أكثر الأشياء المفيدة التي يمكنك القيام بها بين الحين والآخر ليست مفيدة في الواقع، كمجرَّد الجلوس بهدوء ولعب ألعاب الفيديو، أو الضحك مع الأصدقاء، أو قراءة رواية تستهويك.

إقرأ أيضاً: النجاح في تحقيق الأهداف: 8 طرق تسهّل عليك الطريق لتحقيق أهدافك

تعلَّم تحديث معتقداتك:

تساعدنا معتقداتنا على فهم عالمنا الفوضوي؛ كما تساعدنا على التصرف بناءً على معلومات غير مكتملة، فبدون معتقدات، سنكون أشبه بالآلات في طريقة استجابتنا للأمور، نتفاعل فقط مع أي شيء في الحياة على أساس لحظي.

إذا كانت حياتك العاطفية سيئة للغاية، فما هي معتقداتك حول العلاقات؟ وكيف دفعتك هذه المعتقدات إلى عيش حياة عاطفية سيئة؟ على سبيل المثال: إذا كنت تعتقد أنَّ الناس يرغبون فقط في الحصول على الاهتمام وتلبية رغباتهم، فهل من الغريب حقاً أن ينتهي بك الأمر مع أناس أنانيين؟

إذا كنت تنفق أكثر من اللازم، ولا تستطيع توفير المال، وتجد أنَّك متأخر دائماً في دفع الفواتير، فما هي معتقداتك بشأن المال والتي قد تؤثر في إدارة أموالك؟

يجب عليك أن تشكِّك دائماً في معتقداتك الحياتية؛ فمراقبة هذه المعتقدات والتفكير فيها مهارة هامَّة يجب علينا تنميتها وإجادتها.

ففي نهاية المطاف، ستجد في كل معتقد يتعلق بالحياة المعيشة بعض العيوب بالتأكيد؛ لأنَّه من المستحيل أن نكون على حق في كل شيء، وهناك دائماً فرصة للتحسين والتصحيح وتحديث أفكارنا؛ ونتيجة ذلك لا تتعلق بتبنِّي المعتقدات الصحيحة بقدر ما تتعلق بتنمية القدرة على تحديث معتقداتنا بمرور الوقت.

تمنحنا المعتقدات دليلاً ذهنياً حول طريقة التعامُل مع العالم؛ وإذا كنت تواجه المشكلات نفسها مراراً وتكراراً في حياتك، فقد حان الوقت لتحديث دليلك فيها.

 

المصدر




مقالات مرتبطة