5 أسرار لكتابة خطاب يبقى محفوراً في الذاكرة

تلقَّيت مؤخَّراً رسالةً من رئيس قسم الموارد البشرية في إحدى شركات تصنيع الحواسيب العالمية التي أقدم فيها الدعم لعددٍ من المديرين طلب مني فيها كتابة خطابٍ لمسؤول تحسين محركات البحث، وكان يرغب في أن يعرف إذا ما كان لدي أيَّة قصص للارتقاء بالخطاب إلى مكانة عالية تجعله يتسم بالحماسة ويبقى محفوراً في الذاكرة – على الرغم من أنَّ الظرف لم يكن مواتياً بالنسبة إلى الشركة من حيث إنَّ مسؤول تحسين محركات البحث كان مُضجِراً بعض الشيء.



كانت المعنويات في الشركة منخفضةً بسبب سلسلة من التسريحات التي أُجريَت مؤخراً، وتدني الحركة في السوق، ونقص السيولة المالية. وكان الغرض من الخطاب هو حشد الجهود، فسألني ما إذا كان لدي قصّة مثيرة يمكن أن ترتقي بالخطاب نحو القمة؟

للأسف كنت مضطرَّاً إلى أن أقول لا، إذ ليس ثمَّة ما يمكننا أن نقول عنه قصة واحدة مناسبة لجميع الأحداث ويمكنها أن تحوِّل الخطاب إلى خطبةٍ تثير اهتمام الجمهور، وكان يجب عليَّ أن أخبره بأنَّ كتابة خطابٍ جميل ليس حيلةً سحرية تحتاج إلى انتقاء قصصٍ تثير عواطف الفريق. بيد أنَّه ثمَّة توجيهات فعالة للغاية يمكن أن تلبي احتياجات أي شخص يمارس كتابة الخطابات سواء كان يكتب خطاب "حالة الاتحاد"، أم كان ينوي الحديث في ندوةٍ يحتاج فيها إلى استعراض البيانات، أم ليرثي أحد زملائه الذين يحظون بالاحترام:

1- السعي إلى إبداء الصدق:

تُعَدّ الخطابات اختباراً لقياس مدى الضعف، إذ إنَّك تكون وحدك على المنصة لذلك لن يكون في إمكانك أن تُسْهِبَ في الحديث عن أمور غير موجودة على أرض الواقع وتأمل ألَّا يلاحظ أحدٌ ذلك. فأنت في حاجةٍ إلى أن تكون صادقاً، ومقتنعاً بما تقول، وصريحاً.

لقد وصف أحد الذين كانوا من المشرفين عليَّ هذا النوع من المصداقية بشكلٍ موجزٍ للغاية حيث كتب قائلاً: "تحدث من صميم قلبك". وبالنسبة إلى شركة الحواسيب التي يملكها العميل الذي أعمل معه يمكنك أن تراهن بكل ما تملك على أنَّ أكثر من شخصٍ من الجمهور سيشككون في خطاب مسؤول تحسين محركات البحث بالنظر إلى التسريحات وأوجه المعاناة الأخرى التي تشهدها الشركة. وإذا تبيَّن أنَّ الخطاب مفرطٌ في التفاؤل ويتستَّر على مشاكل الشركة فسيُعَدُّ مفتقراً إلى المصداقية والواقعية والحماسة. بيد أنَّ هذا لا يعني أن يكون الخطاب مظلماً ومتشائماً تماماً، إذ إنَّنا نتطلَّع إلى أن يسير بنا قادتنا إلى مستقبلٍ أكثر إشراقاً، وإذا ما كان ثمَّة أملٌ في التغيير فعبِّر عن ذلك وركز اهتمامك عليه.

 

اقرا أيضاً: الصدق و آثاره على الفرد والمجتمع

 

2- وضع مسودة الخاتمة أولاً:

فكّر في الخاتمة منذ البداية، ما النتائج التي تريد الحصول عليها من خلال خطابك؟ وما الغاية التي يمكنك أن تأمل بلوغها بشكلٍ واقعي؟ وهل ثمَّة حاجة إلى تقديم دعوة إلى اتخاذ أي إجراءات؟

على عكس المقال لا يُعَدّ الخطاب المكان المناسب لخوض رحلة طويلة وشاقة لاكتشاف الذات، فحدد توجُّهك، وليكن ثمَّة غاية مما تكتبه، واطرح على نفسك السؤال الآتي: فيمَ أريد أن يفكر الناس، أو أن يشعروا، أو أن يفعلوا بعد أن أنتهي من الخطاب؟ يمكنك بعد ذلك أن تعود وتفكر في الطريقة الأفضل لترتيب أفكارك.

3- الاستفاضة في إجراء عمليات البحث:

يجعلك إجراء عمليات البحث أكثر ثقةً بنفسك حينما تجلس لكتابة الخطاب، ويوفر لك مزيداً من الزوايا التي يمكنك أن تنظر إلى الموضوع من خلالها، ويُعزّز الإبداع لديك. ويجعل إجراء عمليات البحث الورقة البيضاء أقل إثارةً للخوف بكثير ويمنحك المزيد من الحقائق التي يمكنك أن توظيفها في نقاشك، وقد تتعلم أمراً ما في أثناء ذلك. فأجرِ عمليات بحثٍ مستفيضة ولن تندم على ذلك أبداً.

4- استخدام القصص:

لم يكن العميل مخطئاً تماماً حينما طلب مني أن أزوده بقصصٍ تدعم الخطاب، إذ إنَّ القصة يمكن أن تكون أداة تواصلٍ فعالةً للغاية، وهي في النهاية عادة موجودة منذ الأزل تعود في جذورها إلى العصر الحجري. في حين أنَّ رواية القصص أمرٌ طبيعيٌّ يقوم به أي شخصٍ مثلما يتنفس، فإنَّ اختيار البُنْية المناسبة هو ما يمكن أن يجعل الجمهور يحمل هواتفه ليتفقدها وإمَّا منغمساً في القصة وعيونه مثبتةٌ عليك.

يمكنك أن تتّبع في قصتك نهج الخطوات الخمس: العرض، وصعود القصة، وذروة القصة، وهبوط القصة، وأخيراً النتيجة. ولكنَّ هذا النوع من القصص ليس للهواة ويحتاج إعداده وروايته إلى وقتٍ طويل، فإذا كان ينقصك الوقت أو تنقصك الخبرة للقيام بذلك أمكنك عوضاً عن ذلك اختيار ما يُطلِق عليه كاتب السيناريو المشهور "آرون سوركين" (Aaron Sorkin) المكوِّنَيْن الأساسيَّيْن لنجاح أيَّة قصة: النية والعائق. إذ ثمَّة شخصٌ ما يحتاج إلى شيءٍ ما وثمَّة شيءٌ ما يعيق بلوغه ذاك الشيء، فنحن جميعاً مرتبطون فطرياً بهذا الشكل من أشكال رواية القصص. ومهما كان الشكل الذي اخترته لقصتك فتأكَّد من أن يخدم غايتك ويوصل الفكرة التي كنت تنوي طرحها.

يكمن سحر القصص في أنَّها تحكي عن الناس وتضفي وجهاً إنسانيَّاً على القضايا المجردة، حيث تمتلك هذه الميزة قيمةً خاصة عند استعراض البيانات حتى إن لم تستخدم قصة مكتملة الأركان. واجعل بياناتك دائماً مرتبطةً بالناس، فكيف تؤثِّر الأرقام في الزبائن، والأشخاص الأساسيين، وأصحاب المصلحة، والموظفين وعائلاتهم؟ وكيف تؤثر في العالم كله؟ فإذا أجبت عن هذه الأسئلة فستحصل على فرصةٍ لملامسة أهم ما لدى الجمهور وهو أحاسيسهم.

 

اقرأ أيضاً: قصص نجاح بعض من أشهر المشاهير في العالم

 

5- مقابلة الشخص الذي ينوي إلقاء الخطاب:

تُعَدّ الكتابة لصالح أشخاصٍ آخرين بشكلٍ خاص، مثلما طلب مني مسؤول قسم الموارد البشرية أن أفعل، واحداً من أصعب أشكال الخطابات، فهي لا تحتاج إلى البلاغة فقط بل إلى البلاغة المتماشية مع أسلوب الشخص الآخر. لقد نصحْتُ المدير بأن يقوم بالجلوس مع مسؤول الموارد البشرية ويسبر أفكاره ويقوِّم أهدافه التي يريد بلوغها في الشركة. فإن لم يفعل ذلك فسيفتقر خطاب مسؤول الموارد البشرية "المضجر قليلاً" إلى المصداقية الشخصية، إذ يُعَدُّ الخطاب الصادق حتى وإن كان مملاً أفضل من الكلام الإنشائي المُحمِّس والأجوف.

 

اقرأ أيضاً: أهم مهارات مدير الموارد البشريّة

 

من ضمن الأسئلة التي ينبغي لك طرحها عند مقابلة الشخص الذي ينوي إجراء الخطاب: ما الكلمات التي تفضل استخدامها؟ كيف تتفاعل مع الحاضرين؟ وكيف يقدم حججه، هل يقدمها على شكل خطوط عريضة، أو على شكل أفكار مجردة ومعقدة؟ وهل هم واقعيون وصريحون، أو أنَّهم يحومون حول الفكرة قبل أن يصرِّحوا بها؟ فالبعض يفضل الجمل الطويلة والبعض الآخر يفضل العبارات المُقتضبة.

تقول كاتبة الخطابات السابقة في البيت الأبيض "سارة هورويتز" (Sarah Hurwitz) التي كتبت أكثر الخطابات تأثيراً لأشخاصٍ مثل "هيلاري كلينتون"، و"ميشيل أوباما"، و"باراك أوباما" إِنَّه ينبغي لك أن تكتب باستخدام النبرة الطبيعية للشخص. لقد كان من ضمن الروائع التي كتبتْها الخطاب الشهير الذي ألقته "ميشيل أوباما" وقالت فيه: "أستيقظ كل صباحٍ في منزلٍ بناه العبيد"، وقد أضحت هذه العبارة من الكتابات التي يمجدها الناس، وتثير الحماسة لديهم، وستبقى محفورةً في ذاكرتهم.

 

المصدر




مقالات مرتبطة