4 طرق لتحافظ على تفاؤلك حين تحبطك الحياة

"لقد استُنزِفتُ وتعبت جداً من كل هذا القلق والسلبية والإجهاد، وغالباً ما يُستَنْزَفُ عقلي بأفكار لا ترحم، وتتوتر كل عضلة في جسدي؛ فإنَّه شعور مؤلم، ولا أريد أن أشعر به بعد الآن، لا أريد أن أشعر أنَّني أعيش في دوَّامة من الإرهاق المستمر، ولا أريد أن أتدبَّر أيامي يوماً بيوم.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "مارك كرنوف" (MARC CHERNOFF)، ويُحدِّثنا فيه عن تجربته مع أفضل الطرائق التي يتبعها للحفاظ على تفاؤله حينما تحبطه الحياة.

تلك كانت الأسطر الافتتاحية لجلسة دردشة على تطبيق "زووم" (Zoom)، والتي أجريتها الليلة الماضية مع شخصٍ يقرأ كتاباتنا منذ مدة، انضمَّ حديثاً إلى إحدى دوراتنا التدريبية.

أنا أشارككم هذا اليوم (بإذن من المتدرب)؛ لأنَّني وبصيغة مختلفة إلى حدٍّ ما، سمعت تماماً نفس الرسالة من مئات المتدربين، وعملاء الكوتشينغ، وحاضري المؤتمرات، والقرَّاء طوال العقد الماضي.

هل يمكنك أن تتفهَّم هذا الشعور؟ أراهن أنَّك تستطيع، ففي بعض الأحيان، تجبر الحياة أفضل مَن فينا على الرضوخ، فقد بلغ منِّي اليأس مبلغاً هائلاً مرات عدة، وبالنظر إلى تلك الأوقات العصيبة حين كنت أُكافح لاستعادة عافيتي، فإنَّني أقدِّر الآن مدى قوة عقولنا؛ إذ يمكن لها أن تحبطنا أو تنهض بنا في أي لحظة، فكيفية تفكيرنا في الأشياء، تغيِّر كل شيء.

عندما أقدِّم الكوتشينغ لشخصٍ يكافح الحياة، فإنَّني أحوِّل ببراعة تركيزه من ما لا يريده إلى ما يريده فعلاً، وأذكِّره أنَّ ما يصبُّ تركيزه عليه يزداد قوة في حياته، وأنَّ أفضل وقت للتركيز على كل ما هو إيجابي وتحمُّل مسؤولية سعادته هو عندما لا يشعر بالرغبة في ذلك؛ لأنَّ ذلك هو الوقت الذي يمكن أن يَحدُث فيه الفرق الأكبر، فالأمر يتعلق بتعديل آرائك نحو الأفضل حتى تتمكَّن من الحياة بطريقة أفضل.

يجب أن تفهم أنَّك بصرف النظر عمَّا يحدث، فيمكنك اختيار سلوكك وأفعالك، والتي تقرِّر إلى حدٍّ كبير كل ما يحدث لاحقاً، فأعظم سلاح ضد الإجهاد هو قدرتنا على اختيار استجابتنا، وعلى تدريب عقولنا على تحقيق أقصى استفادة ممَّا لدينا، حتى عندما يكون ذلك أقل ممَّا كنَّا نتوقع.

لكن، كيف يمكنك بالضبط تعديل استجابتك، والحفاظ على إيجابية سلوكك وأفعالك في لحظة الانفعال؟

لنلقي نظرة على بعض الاستراتيجيات الناجحة في ذلك:

1. التنفس:

المشاعر والعواطف عابرة كالسحب في يوم عاصف، والتنفس الواعي هو ركيزتك؛ لذا انتظر لحظةً، وخذ نفساً عميقاً، وحرِّر ذهنك من اللغو الذي يدور فيه، فالقيام بذلك ينشئ مساحة لتغيير الحالة ودخول شيء جديد وإيجابي.

لا تقل أنَّك لا تملك وقتاً للراحة، فبالتأكيد لديك معارك تخوضها، ومخاوف للتغلب عليها، وأحباء يجب أن تتعامل معهم، وأهداف عليك تحقيقها، ولكنَّ استراحةً مؤقتةً من كل ذلك ضرورية، ومن الصحي تماماً أن تتوقف وتنسى العالم لتستعيد هدوءك.

إذ يجب تجديد طاقتك بانتظام؛ وهذا يعني أن تلتقط أنفاسك، وتعثر على مكانٍ منعزلٍ وهادئ، وتركِّز انتباهك على روحك، وتخصِّص وقتاً للتعافي من الفوضى في حياتك، (نناقش أنا وزوجتي "آنجل" (Angel) ذلك بمزيد من التفصيل في فصل "حب الذات" من كتاب "ألف تفصيل بسيط يقوم به الناجحون والسعداء بشكل مختلف" (1,000 Little Things Happy, Successful People Do Differently).

إقرأ أيضاً: التنفس الواعي: إضافة رائعة إلى التأمل

2. تخفيف المقاومة:

قد تتفاجأ بعدد المرات التي تقاوم فيها الحياة دون وعي، وإذا قيَّمت جسدك وحالتك الآن، فأنا أُراهن أنَّك قادر على العثور على نوع من التوتر، فبالنسبة إليَّ، غالباً ما يكون هذا التوتر في رقبتي، لكن أحياناً يكون في ظهري وكتفي.

من أين يأتي هذا التوتر الذي نشعر به؟ نحن نقاوم شيئاً ما، ربما نشعر بالضيق من شخص ما، أو محبطون من الحياة، أو غارقون في الالتزامات، أو أنَّنا نشعر بالملل وحسب، ومقاومتنا العقلية تخلق توتراً في أجسادنا وتعاسةً في حياتنا؛ لذلك غالباً ما أوصي أنا و"آنجل" (Angel) بهذه النصائح البسيطة للمتدرِّبين الذين يجدون صعوبةً في تخفيف حدة المقاومة والتوتر:

  • حدِّد موقع التوتر في جسمك الآن.
  • لاحظ ما تقاومه وما يصيبك بالتوتر، فقد يكون موقفاً أو شخصاً تتعامل معه أو تتجنبه.
  • أَرِح المنطقة المتوترة في جسدك، وغالباً ما يساعد على ذلك التنفس العميق والتمدُّد السريع.
  • واجه نفس الموقف أو الشخص، لكن بجسد وعقل مرتاحين.

كرِّر هذه الممارسة كلما دعت الحاجة، وواجه يومك بتوتر أقل وحضور أقوى، وغيِّر أسلوبك من الكفاح والمقاومة إلى السلام والقبول.

شاهد بالفديو: نصائح فعّالة لتزرع التفاؤل في حياتك

3. العثور على الجمال الكامن في الألم:

في كل موقف نتخيَّله جمالٌ كامنٌ إن كنَّا على استعداد لتقبُّله، على سبيل المثال، حتى عندما تعاملنا أنا و"آنجل" (Angel) مع وفاة أناس أعزاء، اكتشفنا فرصاً لنقدر الحياة أكثر، ونقدِّر حياة أولئك الذين فقدناهم، والوقت الثمين الذي أمضيناه معهم، كما أنَّنا نبذل قصارى جهدنا لتجسيد هذه العقلية نفسها في كل موقف صعب نواجهه في الحياة، فالمرض فرصة لنرتاح، والتأجيل غير المتوقع لأحد المشاريع التجارية، هو فرصة لقضاء مزيد من الوقت مع العائلة، وحين يصاب ابننا الصغير، "ماك" (Mac) بنوبة غضب، فنحن نرى أنَّه يعبِّر عن نفسه، ويؤكِّد تميزه بوصفه فرداً، فنحن نختار أن نجد الجمال حتى عندما يُدفَن تحت المشكلات والألم، وعليك أن تفعل الشيء ذاته.

لنتوقف لحظة، ولنُعِد النظر في فكرة العثور على الجمال في واقع فقدان أحد الأحبة؛ لأنَّ ذلك مؤلم جداً، والمبادئ العامة للتعامل مع هذا النوع المفجع من الخسارة قابلة للتطبيق عموماً على المواقف الأقل شدة أيضاً، تخيَّل أنَّ الشخص الذي أعطى معنى لحياتك لم يعد جزءاً منها بعد الآن (جسديَّاً على الأقل)، وأنت من دونه لست الشخص نفسه، عليك أن تغيِّر طبيعتك، فأنت الآن صديق عزيز يجلس وحده، أو أرملة بدلاً من زوجة، أو أب بلا ابنة، أو جار لشخص جديد، أنت تريد للحياة أن تعود كما كانت سابقاً قبل الموت، لكنَّها لن تعود أبداً.

لقد تعاملت أنا و"آنجل" (Angel) مع فقدان الأشقاء والأصدقاء المقربين نتيجة المرض؛ لذلك نعلم من تجربتنا أنَّك عندما تفقد شخصاً لا يمكنك تخيُّل العيش دونه، فإنَّ قلبك ينفطر حزناً، والسيئ في الأمر هو أنَّك لن تتخطَّى خسارتك تماماً ولن تنساها أبداً، لكن وبطريقة عكسية، يعدُّ ذلك جيداً أيضاً.

أنت تعلم أنَّ الموت نهاية، وهو جزء ضروري من الحياة، والنهايات ضرورية للجمال أيضاً، وإلَّا فمن المستحيل تقدير شخص ما أو شيء ما؛ وذلك لأنَّه لا ينتهي، فالنهايات تبرز الجمال، والموت هو الحد النهائي، فهو تذكير بأنَّك تحتاج إلى الانتباه لهذا الشخص أو الموقف الجميل، وتقدِّر هذا الشيء الجميل الذي يدعى الحياة.

كما أنَّ الموت بدايةٌ أيضاً، ففي حين أنَّك فقدت شخصاً مميَّزاً، فإنَّ هذه النهاية مثل كل خسارة، هي لحظة تجديد، وعلى الرَّغم من مأساوية الأمر، فإنَّ رحيله يجبرك على تجديد حياتك، وفي هذا التجديد فرصةٌ لتجربة الجمال بطرائق وأماكن جديدة لم تألفها، والموت هو فرصة للاحتفال بحياة الشخص، والامتنان للجمال الثمين الذي أبداه لك.

4. التخلي عن الماضي والبدء من جديد:

كل شيء في الحياة – كل موقف وكل علاقة – يجب أن يبلغ منتهاه مع الوقت، لكن يجب أن نقدِّر ونقبل نهاية فترة ما، وأن نبتعد بعقلانية عندما يصل شيء ما إلى نهايته الحتمية، سواء سمَّيت ذلك تخلياً، أم قلباً لصفحة الماضي، أم مضيَّاً إلى الأمام، فليس هامَّاً ما تسميه؛ بل ما يهم فعلاً هو أن تترك الماضي للماضي حتى تحقِّق أقصى استفادة من الحياة المتاحة حالياً لتعيشها، فهذه ليست النهاية، بل هي حياتك التي تبدأ من جديد وبطريقة جديدة، وهي مرحلة في قصتك؛ إذ يُطوَى فصلٌ لتنتقل إلى التالي؛ وذلك يحدث معنا باستمرار، وإلى حدٍّ كبير فهو يحدث الآن.

إقرأ أيضاً: كيف نتخلّص من الماضي المرير؟

في الختام:

يجب علينا أن نتقبَّل يومياً حقيقة أنَّ الأمور لن تعود أبداً كما كانت، وأنَّ هذه النهاية هي البداية حقاً، فقد يكون من الصعب قبول هذا المفهوم في بادئ الأمر، ولكنَّها الحقيقة، فالحياة في تجدُّد مستمر، وهو أمر رائع، فهو يعني أنَّ لا شيء يلاحقك فعلياً، وأنَّ الحياة تبدأ دائماً الآن وفي هذه اللحظة وليس غداً أو بعد غد أو اليوم الذي يليه، وأنَّك قادر على الحصول على البداية الجديدة التي تريدها وقتما تشاء.

لذا؛ كن متواضعاً وتقبَّل التعلم، فالعالم دائماً أكبر من نظرتك له، ولديك الآن متَّسع كبير لفكرة جديدة، وخطوة جديدة، وبداية جديدة.




مقالات مرتبطة