4 خطوات للاعتذار من الآخرين عند ارتكاب الأخطاء

على الرغم من جهودنا ونوايانا الحسنة، فإنَّ ارتكاب الأخطاء يُعدُّ حقيقةً من حقائق الحياة؛ ذلك لأنَّ البشر خطاؤون بطبيعتهم؛ وسنفسد أمراً ما حتماً في مرحلة من مراحل حياتنا؛ وهنا تكمن أهمية تعلُّم كيفية الاعتذار.



لا تؤثِّر الكثير من الأخطاء التي نرتكبها فيمن هم حولنا، ولكن ماذا عن الأوقات التي تؤذي فيها شخصاً آخر، سواء عن قصد، أم غير قصد؟ هل نتجاهل الخطأ، ونأمل أن يزول من تلقاء نفسه؟ أم هل نواجهه مهما كان الأمر أليماً، ونعتذر؟ فالطريقة التي نتعامل بها مع أخطائنا تحدد طبيعة شخصياتنا، ونظرة الآخرين إلينا.

إنَّ أحد أصعب الأمور التي يواجهها الناس هي كيفية الاعتذار بصدق؛ إذ إنَّ الاعتراف بأخطائنا يتطلب الكثير من الشعور بالضعف، ومع ذلك، ومثل أي شيء آخر في الحياة، حينما تتجاهل أمراً مؤلماً بدلاً من مواجهته، فإنَّ هذا الألم سيكبر، وسيظهر في أجزاء أخرى من حياتك.

إذاً، كيف تعتذر بشكل فعال؟ لا توجد طريقة "صائبة" واحدة للقيام بذلك، ولكن ثمة الكثير من الطرائق غير الفعالة للاعتذار أيضاً؛ لذا، سنتناول هذا الأمر من منظور يتمحور حول شعور الندم الذي تتسم به طبيعتنا البشرية، ورغبتنا في التكفير عن أخطائنا التي سببت الأذى لغيرنا، حيث من السهل أن تعتذر، ولكن من الهام أن تتطابق نيتك مع كلماتك.

إنَّ الاعتذار بكل صدق حينما ترتكب خطأ؛ والتعبير عن أسفك النابع من أعماق قلبك يُعدُّ أمراً أكثر صعوبة، وهو ما سنتناوله في مقالتنا اليوم؛ لذا سنقدِّم إليك أسلوب اعتذار تتوافق فيه كلماتك مع صدق نيَّتك ومشاعرك؛ والذي يتضمن أربع خطوات كفيلة بأن تساعدك في أن تطلب السماح من أولئك الذين أخطأت في حقهم، وتُعيد المياه إلى مجاريها.

لا يتميز هذا الأسلوب بالتركيز على التحكم في تحقيق نتيجة معينة (أي إصلاح علاقة متهدِّمة) فحسب، بل على التصالح مع نفسك لتتمكن من معالجة الموقف، إنَّ الأمر بسيط للغاية؛ فكل ما عليك فعله هو اتباع الخطوات الأربع الآتية:

  • الاعتذار.
  • طلب السماح.
  • التعبير عن امتنانك.
  • التعبير عن حبك.

كل ما نحتاجه للاعتذار موجود في هذه الخطوات الأربع، والتي سنناقشها بالتفصيل من خلال تقسيمها إلى ثلاث مراحل محددة: قبل، وفي أثناء، وبعد الاعتذار.

شاهد بالفيديو: 9 قواعد للإتيكيت يجب على الأهل تعليمها لأولادهم

ما قبل الاعتذار:

1. الاعتذار:

ما الذي تعتذر بشأنه؟ قبل أن تبدأ في التحدث، والانصياع وراء عواطفك النقية، من الهام أن تحدد الأمر الذي تعتذر عنه من خلال اتباع النصائح الأربع الآتية:

1. 1. ابدأ تدوين الحقائق:

عندما تبدأ بتدوين الحقائق، تجنَّب إطلاق أي أحكام على ما حدث، أو وضع أي افتراضات حول الشخص الذي تأثَّر بأخطائك؛ بل التزم بتدوين الحقائق الصريحة فحسب، واكتب كل ما حدث على الصفحة، دون ترك أي تفاصيل صغيرة، على سبيل المثال، لنفترض أنَّ شخصاً جاء يحدِّثك عن مشكلة يعاني منها، فكانت تغذيتك الراجعة صريحةً بشكل مبالغ فيه، أو أنَّك لم تمنحه انتباهك الكامل بسبب انشغالك بالرد على بريد إلكتروني، فاغرورقت عيناه بالدموع، ثم انصرف.

1. 2. دوِّن دورك الذي لعبته في ارتكاب هذا الخطأ:

التزم بتحمل مسؤولية الخطأ الذي ارتكبته فقط، وتجنب الكتابة عن أي شخص آخر، حتى لو كان سبباً في ارتكابك الخطأ، ثم ركِّز ببساطة على الأمر الذي فعلته، والذي تعلَمُ أنَّه ساهم في حدوث الموقف.

دعنا نرَ كيف يمكنك إصلاح الخطأ الذي اقترفته في المثال السابق عندما بالغت في مصارحة الشخص؛ حيث يمكنك أن تقول أنَّك أخطأت حينما قدَّمت له تغذيةً راجعةً لم يكن مهتماً بسماعها، ظناً منك أنَّ سماع ذلك سيصب في مصلحته، وأما في الحالة الثانية عندما لم تمنحه اهتمامك الكامل، فيمكنك أن تقول أنَّك لم تصغِ إليه حينما كان يعاني من محنة، وأنَّك أخطأت عندما قررت الاستمرار في العمل بينما كان يتحدث، بدلاً من الاستئذان للحظة لإنهاء ما كان يشغلك أولاً، أو وضعِ هاتفك جانباً حتى تتمكن من الإنصات إليه.

1. 3. اسأل نفسك عن الشعور الذي أحسست به حينما صارحت نفسك بالحقيقة:

جرِّب تطبيق عملية تُدعى "اتصال الصوت بالجسد"، والتي تبدأ بترسيخ أحاسيسك الجسدية؛ حيث ستساعدك هذه العملية في الحديث بصراحة، وقول الحقيقة بموضوعية، حتى لو كانت تغمرك مشاعر قوية في الوقت الحالي، ويمكنك تطبيقها من خلال الخطوات التالية:

  • تحديد الأحاسيس الجسدية التي تشعر بها: والآن بعد أن استرجعت تجربة ارتكاب الخطأ من خلال تدوينه، عليك أن تنسجم مع جسدك، وتسأل نفسك السؤال التالي: "ما هو أقوى إحساس يغمر جسدي الآن؟". احرص على أن يكون ذلك قائماً على التواصل مع جسدك فحسب؛ فعندما تُهيِّئ نفسك للاعتذار، فإنَّ تحديد أحاسيسك يساعدك على ترسيخ ما تشعر به كي تتمكن من تحقيق ذلك بنجاح.
  • تحديد السبب الذي يدفعك إلى الشعور بهذه الأحاسيس: الآن بعد أن حددت أحاسيسك الأساسية، اسأل نفسك السؤال التالي: "ما هو الأمر الذي أعتقدُ أنَّه دفعني إلى الشعور بهذا الإحساس؟"، لعلَّ الإجابة ستكون جملةً بسيطةً للغاية قد كتبتَها بالفعل؛ فهي جوهر المسألة، ويمكنك أن تدوِّن جملةً مثل: "لقد تحدَّثتُ بشكل غير لائق مع صديقي"، أو "لقد تجاهلتُ صديقي عندما كان يعاني من محنة".
  • تحديد عواطفك: الآن وبعد أن عرفت لماذا تنتابك تلك الأحاسيس الجسدية، عليك تحديد عواطفك، من خلال السؤال التالي: "ما هي العواطف التي تنتابني بشأن كل ما يحدث؟"، حيث إنَّ بعض العواطف الأساسية التي يمكن أن تشعر بها هي: الخوف، والغضب، والحزن، والاشمئزاز، والفرح، والإثارة. يمكنك أن تدوِّن على سبيل المثال: "أنا أشعر بالحزن لأنَّني تخطيتُ حدودي مع صديقي"، أو "يتملكني الحزن والإحباط، لأنَّني جرحتُ مشاعر صديقي".
  • تحديد النتيجة المثالية التي ترغب بتحقيقها: ترتبط عواطفك برغبتك في تحقيق نتيجة مستقبلية؛ لذا اسأل نفسك: "هل لدي أي رغبات تتعلق بكل ما لاحظته؟". تشمل أمثلة الرغبات الجوهرية: الأمان، والراحة، والترابط النابع من الحب، والفضول النابع من الرغبة في التنمية؛ على سبيل المثال، يمكنك أن تدوِّن: "أرغب بالاعتذار كي نتقرَّب من بعضنا مجدداً، ونحسِّن علاقتنا".

1. 4. تأكَّد من أنَّك ترغب بإصلاح الأمور بالفعل:

إن لم تكن تشعر بالأمان مع ذلك الشخص، فلا يوجد سبب للاعتذار، وإعادة التواصل، أما إذا كنت تشعر بالأمان والراحة معه، وترغب في التواصل معه مجدداً، فيمكنك الانتقال إلى الخطوة التالية من أسلوب الاعتذار الذي نتبعه.

إقرأ أيضاً: كيف تكون لبقاً، الاستجابة بدبلوماسيّة وكياسة

في أثناء الاعتذار:

2. طلب السماح:

لن تخبر صديقك بأي من المراحل التي مررت بها في الأعلى، بل ستعترف بالألم الذي سببته له، والدور الذي لعبته في إحداث المشكلة، وبرغبتك في إصلاح العلاقة بينكما؛ كما أنَّه من الهام أن تحرص على التكلم عن حقيقة ما حدث، ودورك الذي سبب المشكلة فحسب دون أن تتحدث عن دور صديقك؛ لأنَّ ذلك مهمَّته هو، ويمكنك استخدام النص التالي من خلال ملئه بالملاحظات التي خرجت بها في المراحل السابقة:

  • "أعتقد أنَّ <كذا وكذا> قد حدث بيننا".
  • "وأعتقد أنَّني أخطأتُ حينما <قمت بكذا وكذا>".
  • "لقد جعلني ذلك أشعر بالـ <تحدَّث عن عواطفك>".
  • "وللمضي قدماً، أرغب بـ <تحدَّث عن رغبتك>".

دعنا نطبِّق هذا الأمر على مثالنا الأول حينما بالغتَ في مصارحة صديقك؛ حيث يمكنك أن تقول له: "لقد أخطأتُ حينما قدَّمتُ لك تغذيةً راجعةً لم تكن مهتماً بسماعها، ظناً مني أنَّ سماع ذلك سيصب في مصلحتك؛ ولقد شعرتُ بالحزن لأنَّني تخطيتُ حدودي معك، وللمضي قدماً، أرغب بتقديم اعتذاري والتقرب منك مجدداً، وأؤكد أنَّني سأطلب إذنك في المستقبل قبل تقديم أي تغذية راجعة".

ولنطبِّقه الآن على المثال الثاني حينما لم تمنح الشخص انتباهك الكامل؛ إذ يمكنك أن تقول: "لم أُصغِ إليك حينما كنت تعاني من محنة، وأعتقد أنَّني أخطأتُ عندما قررتُ الاستمرار في العمل بينما كنتَ تتحدث بدلاً من الاستئذان للحظة لإنهاء ما كان يشغلني أولاً، أو وضعِ هاتفي جانباً حتى أتمكن من الإنصات إليك. لقد حزنتُ لأنَّني جرحتُ مشاعرك؛ وللمضي قدماً، أرغب بتقديم اعتذاري، والتقرب منك مجدداً، وأؤكد أنَّني سأكون أكثر انتباهاً في المستقبل، أو سأخبرك أنَّني بحاجةٍ إلى بعض الوقت لإنهاء ما يشغلني، كي أعيرك كامل انتباهي".

وبمجرد إخباره بذلك، توقَّف عن التكلم عن نفسك؛ فهذا كل ما عليك قوله كي تبدأ بالتحدث، ثم أصغِ إليه، وأظهِر له فضولك؛ اطرح عليه أسئلةً مفتوحة الطرف حول تجربته، مثل: "كيف شعرت حيال الأمر؟"، وحينما تتكلم، أخبره أنَّك تُصغي إلى ما يقوله، واعترف بتأثير كلامه فيه.

3. التعبير عن امتنانك:

بعد أن عبَّرت عمَّا يجول في نفسك، افسح المجال لترى التأثير الذي تركته على ذلك الشخص، وتفهَّمْ موقفه حينما يُظهِر رد فعل قد لا يتوافق مع ما توقعته، أو تأمَّلته؛ إذ يتمحور الاعتذار حول التركيز على تجربة الشخص الآخر، وليس تسليط الضوء على نفسك، والآن بعد أن سألته عن تجربته، فمن المحتمل أن يقول أموراً لا ترغب بسماعها؛ مما يدفعك إلى الدفاع عن نفسك، أو حتى الشعور بالغضب، كما يمكن أن يؤدي موقف مثير للتوتر كهذا إلى تحفيز "استجابة الكر أو الفر" في جسدك؛ حيث قد تبدأ في التعرق، وتضيق حدقتا عينيك، وتدمَعُ، أو تعاني من حالة الرؤية النفقية.

تُعدُّ كل هذه الأمور طبيعية؛ وكي تتجنب حدوث ذلك، عبِّر عن فضولك بالتجربة التي مرَّ بها، ولا تصغِ إليه لمجرد أن تكون "على حق"، بل لتتواصلا وتتفاهما، ثم اشكره على كل ما قاله، وعلى وجوده في حياتك، وحتى لو قال أمراً لم يعجبك، اشكره بكل الأحوال لإخبارك بحقيقة تجربته، لا يُعدُّ القيام بذلك أمراً سهلاً، ولكنَّه خطوة ضرورية.

إقرأ أيضاً: كيف تطرح الأسئلة بشكل جيّد وتدهش الآخرين!

المضي قدماً بعد الاعتذار:

4. التعبير عن حبك:

لنفترض أنَّك في موقف يمكنك فيه إصلاح علاقتك مع الشخص الآخر؛ فإنَّ هذه الخطوة ستثير فضولك؛ فكيف يمكنك إصلاح العلاقة، وإعادة التواصل معه؟ وكيف ستختلف الأمور أثناء المضي قدماً؟، فكِّر في أمر يمكنك القيام به لتتواصلا مجدداً، وتعبِّرا عن حبكما وتقديركما واحترامكما لبعضكما بعضاً، وضَعْ خطةً لتتمكنا من المضي قدماً، بعدها دوِّن قائمةً بالأمور التي تشعرك بالامتنان تجاه هذا الشخص بعد الوصول إلى الخطوة الثالثة؛ إذ نادراً ما نتوقف لنتكلم عن مقدار التقدير الذي نكنُّه لبعضنا بعضاً، فالشعور الرائع الذي يغمرنا حينما نعبِّر عن تقديرنا وامتناننا للآخرين يُضاهي الشعور الذي يغمرنا حينما نتلقى ذلك التقدير من الآخرين.

لا تُعدُّ الخطوة الأخيرة هامةً من أجل الشخص الآخر الذي تأثر بأخطائك فحسب؛ بل يفيدك أنت أيضاً، لتتأكد من أنَّك تتعافى، وأنَّك قادر على تجاوز الخطأ الذي ارتكبته، حيث من السهل أن نجلد ذاتنا، ونستمر في الشعور بالذنب، أو حتى بالخجل بشأن ما فعلناه، رغم أنَّنا نشعر بندم عميق، وسبق وحاولنا إصلاح الأمور.

استمر في تكرار قول الخطوات الأربع في سرِّك بعد لقائكما، فلعلَّك تعتذر لذاتك أيضاً عن إيذاء نفسك دون قصد.

الخلاصة:

حينما نصارح شخصاً ما باعتذارنا، يجب علينا أن نبوح له بكل ما يجول في نفوسنا دون أن نتوقع أي شيء من الشخص الآخر، أو نحاول تشجيعه على التصرف بطريقة معينة، ورغم أنَّنا لا نستطيع التأثير، أو التحكم بنتيجة اعتذارنا، وبغض النظر عن مدى شعورنا بالأسف، فإنَّ اتباع هذه الخطوات يمكن أن يرشدنا إلى معالجة الموقف بكل صدق، والتعافي في نهاية الأمر.

إذا واجهتك مشكلة في إيجاد الطريقة "الصحيحة" لإعادة التواصل، والاعتذار لشخص ما في حياتك، نتمنى أن تسترشد بهذه الخطوات، لاتخاذ الخطوة الأولى لإصلاح الأمور.

 

المصدر




مقالات مرتبطة