4 استراتيجيات لنشر الأفكار بسرعة إن كنت انطوائياً

من المفهوم أن تظن عند الاستماع لأي من السياسيين والمديرين التنفيذيين والمعلمين في العالم، أنَّه لقيادة الناس أو جذبهم للاستماع لأفكارك الكبيرة، يجب أن تكون شخصاً اجتماعياً يقضي كل لحظة في المصافحة وتقبيل الأطفال ومقابلة الناس.



لكنَّ هذا ليس صحيحاً، فلست مضطراً إلى الذهاب في جولة حول العالم، أو محاولة إقناع كل شخص تقابله لتكون قائداً وتؤثر في حياة الناس، في الواقع، يمكنك تحقيق الأشياء العظيمة فقط من خلال التواصل مع عدد قليل من الأشخاص؛ وذلك لأنَّك عندما تتواصل مع الأشخاص المناسبين، يمكنك مشاركة فكرتك، وبيع منتجك، وتشجيع الناس على استخدام تطبيقك دون إرباك نفسك بالتعامل مع كثيرٍ من الأشخاص.

وعندما تكون لديك فكرة رائعة وتخبر عنها الأشخاص المناسبين بالطريقة الصحيحة، يمكنك تحقيق نقطة تحوُّل تنتشر منها فكرتك بسرعة دون أي مجهود آخر منك، وإذا ظننت دائماً أنَّه يتعين عليك التظاهر بأنَّك اجتماعي لجذب انتباه الناس لأفكارك، فقد يغير هذا المفهوم حياتك.

إذ يتمتع الانطوائيون بميزة طبيعية عندما يتعلق الأمر بمشاركة الأفكار القوية؛ وذلك لأنَّهم بارعون في تكوين علاقات أعمق مع عدد أقل من الأشخاص؛ لذلك فهم يحفظون طاقتهم ويركزونها على الأشخاص الذين يتفاهمون معهم.

فإذا كنت تريد أن تنمي مهارتك في إنشاء نقاط تحوُّل لأفكارك أو منتجاتك أو أي شيء آخر، فقد تجد من المفيد التعلم من الانطوائيين، وسنتحدث في هذا المقال عن تشكُّل نقاط التحوُّل، وما الذي يجب عليك أن تفعله للتأكد من أنَّ أفكارك تتمتع بأفضل فرصة للانتشار.

آلية عمل نقاط التحوُّل:

هل تذكر عندما كنت في المدرسة، في نهاية اليوم يراقب الجميع عقارب الساعة وهي تدق، بينما يحاول معلمك جذب انتباهكم، ويبدأ شخص ما بحزم حقيبته بهدوء محاولاً التزام الصمت وتجنب جذب الانتباه، لكنَّ شخصاً آخر يلاحظ ذلك ويبدأ بحزم أمتعته أيضاً، ثم يلاحظ شخص ثالث الشخصين الآخرين ويفعل نفس الشيء، ثم ينتبه شخص رابع ويبدأ بالحزم أيضاً، وهكذا حتى بعد ثوانٍ يكون الطلاب جميعهم يحزمون أمتعتهم، تدعى هذه "مشكلة الأستاذ".

وذلك الذي حدث هو نقطة تحوُّل، فإذا فكرت في السبب الذي دفع الشخص الرابع الذي نفد صبره إلى حزم أمتعته، ستلاحظ أنَّه كان تأثير الشخص الثالث، حتى ذلك الحين كان كل شخص آخر يحزم حقيبته قد تأثر بالشخص الأول.

وبعد ثلاث خطوات من مسبب التحوُّل الأول، يكون 30 شخصاً يقلدونه، ومعظمهم لا يعرفون أين بدأ التحوُّل، وكثير منهم لا يعرفون حتى لماذا يحزمون أمتعتهم، ببساطة يفعلون ما يفعله البقية.

تحدث نقاط التحوُّل عندما يبدأ الأشخاص الذين تؤثر فيهم بالتأثير في الآخرين، وبعدها لا تحتاج إلى فعل أي شيء لمشاركة فكرتك، وإذا اختفيت، سيستمر تأثيرك في الانتشار؛ وذلك لأنَّ الفكرة لم تعد تعتمد عليك، وهذا دليل النجاح بالنسبة إلى أي شخص يسعى إلى مشاركة فكرة.

ففي كتاب "نقطة التحوُّل: كيف يمكن للأشياء الصغيرة أن تحدث فرقاً كبيراً" (The Tipping Point: How Little Things Can Make a Big Difference)، يصف المؤلف "مالكولم جلادويل" (Malcolm Gladwell) وصفاً مفصلاً كيف تتشكل نقاط التحوُّل، وما يمكن للأشخاص الذين لديهم أفكار تستحق النشر فعله لجذب الانتباه.

نحن نعلم أنَّه يمكنك نشر فكرة لتتعدى نفسك ودائرتك من خلال إنشاء نقطة تحوُّل، لكن كيف لك أن تفعل ذلك بنجاح؟ وكيف يمكنك تصميم فكرتك المؤثرة وجعلها جاهزة للانتشار بسرعة؟

توجد بعض الأفكار الواعدة في علم نفس الحشود ستساعد على فهم كيفية إنشاء نقاط التحوُّل ومشاركة الأفكار، خاصة بالنسبة إلى الانطوائيين الذين لديهم قدر محدود من الطاقة الاجتماعية التي يمكنهم استثمارها.

شاهد بالفيديو: صفات الشخصية الانطوائية وكيفية التعامل معها

"علم نفس الحشود" (Crowd psychology):

لفهم كيف يتأثر الناس بالأفكار، يجب عليك أن تطلع قليلاً على علم نفس الحشود (Crowd psychology)؛ إذ نتصرف بصفتنا بشراً بطرائق مختلفة تماماً عندما نكون وحدنا، ونفكر في أنفسنا مقارنةً بما عليه الحال عندما نكون في مجموعة، أو نَعُدُّ أنفسنا جزءاً من مجتمع، وقد نظن أنَّنا نتحكم بأفعالنا، ولكنَّ الحقيقة هي أنَّه عندما نكون مع الآخرين، أو حتى عندما تكون لنا علاقة بالآخرين، فإنَّنا نتخذ القرارات اتخاذاً مختلفاً.

وقد كشفت دراسة تموِّلها "المملكة المتحدة" عن الطريقة التي نتخذ بها تلك القرارات، وكيف يمكن التلاعب بنا لاتخاذها بالطريقة التي يريدها شخص ما، فالهدف من بحثهم كان إدارة الحشود بشكل أفضل في حالات الطوارئ، لكن ما اكتشفوه مفيد بشكل لا يُصدق للانطوائيين الذين يرغبون في نشر أفكارهم إلى أقصى حد ممكن دون أن يتحوَّلوا إلى قادة يتدخلون في كل صغيرةٍ وكبيرة.

إليك 4 استراتيجيات لنشر الأفكار بسرعة إن كنت انطوائياً:

1. تقديم الفكرة على أنَّها الخيار الأسهل:

إذا كنت تريد أن يستمع الناس لأفكارك، فيجب أن يشعروا بالراحة والأمان تجاهها، ومن أهم الاكتشافات التي توصَّل إليها باحثو "المملكة المتحدة" أنَّ الناس يميلون إلى اختيار الطريق الأسهل والأكثر أماناً للوصول إلى حيث يريدون الذهاب.

وأشاروا إلى أنَّنا في طبيعتنا نفضل الطرق المختصرة التي تحوي أقل عدد من الانعطافات والأوضح؛ كي نصل إلى وجهتنا في أسرع وقت ممكن.

وهذا أمر يمكنك ملاحظته في الحدائق، فمع وجود المسارات المحددة البسيطة والمستقيمة، لكنَّها غالباً ما تكون غير فعالة؛ إذ يمكنك أن ترى الأماكن التي يتآكل العشب فيها ليشكل مساراً ترابياً؛ وذلك لأنَّ الجميع يسلك ذلك الطريق المختصر.

لكن ماذا عن الأفكار وكيف تنتشر؟ في كثير من الأحيان، في محاولة لنبدو أذكياء أو مميَّزين، نبالغ في تعقيد أفكارنا، ونضيف تفاصيل غير ضرورية دون سبب وجيه، فنجعل فهمها أصعب وأطول على الآخرين؛ لذلك يتابعها عدد أقل من الناس؛ لذا إن كنت تريد أن يستمع الناس لأفكارك، فيجب أن تكون سهلة الفهم.

2. التركيز على الفوائد الفورية قصيرة الأمد:

ليس من المستحيل إقناع الناس بالاستماع لفكرة معقدة، لكنَّ الأمر يتطلب كثيراً من الجهد، وتوجد نتيجة أخرى من أبحاث التحكم بالحشود وهي أنَّه عند الضرورة، يمكنك إقناع الناس لاختيار الطريق الأصعب، ولكنَّك ستحتاج إلى بذل كثيرٍ من الجهد؛ على سبيل المثال، ستختار المجموعات مساراً أطول وأقل اختصاراً إذا كان مُضاءً جيداً وجذاباً ومميزاً ونظيفاً.

لأنَّ الناس يخشون أن يسيروا على مسارات لا يمكنهم فيها رؤية النهاية بوضوح؛ وذلك لأنَّهم يخشون أن يسلكوا طريقاً خاطئاً، ويرشدهم في ذلك الميل البشري للخوف مما قد نخسره أكثر من تقدير ما قد نكسبه.

ويعني هذا بالنسبة إلى إنشاء نقطة تحوُّل ومشاركة فكرة أنَّه يمكنك التغلب على الاعتراضات على فكرتك من خلال تحسينها لتصبح جاذبة، ويتطلب ذلك جهداً أكثر، لكن إذا كنت ملتزماً، يمكنك قضاء مزيدٍ من الوقت في توعية الناس بفكرتك؛ وذلك لترشدهم إلى "المسار المنير" الذي يفضلونه بطبيعتهم.

على سبيل المثال، قد تلاحظ أنَّ بعض الناس يقفون وهم يعملون على مكاتبهم مع أنَّ الجلوس أسهل، والسبب على الأغلب لأنَّ أحدهم حدَّثهم عن التأثير السلبي للجلوس لكامل يوم العمل في الجسد، ثم أرشدهم إلى بعض الأشياء الذكية التي يمكنهم فعلها لتجنب ذلك، وسيكون ذلك الشخص قد شرح حله البديل ووضحه ليبدو جذاباً وليقدم لهم كل ما يحتاجون إليه لتطبيقه.

لإقناع الناس بالاستماع لفكرة معقدة، ستحتاج إلى فعل أكثر من مجرد إخبارهم كم ستكون الأمور أفضل في النهاية؛ إذ يجب أن تبين لهم كيف سيحسن اتباع هذا المسار الوضع الآن، تماماً كما سيفضل شخص يمشي إلى المتجر الرصيف النظيف في شارع مُضاء جيداً على الزقاق المختصر الضيق والمظلم.

شاهد بالفيديو: كيف تنجح في القيادة إن كنت انطوائياً؟

3. البحث عن المجموعات الصغيرة للتأثير فيها أولاً:

كما هو الحال، إذا كنت تريد توفير كثيرٍ من المال، فستكون حريصاً عند إنفاق المبالغ الصغيرة، وإذا قمت بذلك، فسيكون لديك دائماً كثير من المال، وينطبق هذا تماماً على كيفية التأثير في مجتمع كبير أيضاً.

وإذا سألت معظم الناس، فلن تجد أي شخص يحب أن يكون وحده بين عدد كبير من الناس، فمعظم الناس سواء كانوا انطوائيين أم اجتماعيين يفضلون أن يكونوا محاطين بأشخاص يعرفونهم.

وهذا ما وجدته دراسة الحشد؛ إذ إنَّ معظم الحشود ليست مجرد مجموعة كبيرة من الأفراد؛ بل هم في الواقع مجموعة من المجموعات الصغيرة العديدة، مثل الأصدقاء والعائلات والمنظمات وأشخاص آخرين مجتمعين بحكم وجودهم في المكان نفسه؛ أي إذا كنت ترغب في التأثير في مجموعة كبيرة من الأشخاص ومشاركة فكرتك، يجب عليك التأثير في المجموعات الأصغر داخل الحشد.

هذه أخبار رائعة للانطوائيين؛ وذلك لأنَّهم يشعرون براحة أكبر في تكوين علاقات مع مجموعة أصغر، كما أنَّ من الأسهل أيضاً جذب انتباه عدد صغير من الناس، وحيث تتجه المجموعات الصغيرة يتبعها الحشد، ولإنشاء نقطة تحوُّل، يجب أن يكون هدفك هو التأثير في عدد كافٍ من المجموعات الصغيرة للتأثير في رأي الحشد.

على سبيل المثال، توجد مواقع تستهدف نوعية محددة من القراء، مثل المخصصة لمساعدة الانطوائيين على أن يصبحوا قادة أفضل، لكن توجد أنواع مختلفة من الانطوائيين وأنواع مختلفة من القادة، ولا يمكن التحدث إلى كل الانطوائيين في كل مقال، لكن بالمجمل توجد المئات من المقالات في أرشيف الموقع، ويقدِّم مقالات مختلفة تروق لقراء مختلفين، وفي حين قد يجذب كل مقال واحد عدداً قليلاً فقط من الأشخاص، ولكنَّ مقالاته معاً تشكل مجتمعاً يضم ملايين القراء.

ولاستثمار ميزاتك الانطوائية ومشاركة فكرتك، ركز على المجموعات الصغيرة، وبعد أن تصل إلى عدد كافٍ منهم، سيلاحظ المجتمع بأكمله، وعندها تصل إلى نقطة التحوُّل.

إقرأ أيضاً: قائمة نصائح شاملة من "برايان تريسي" في مجال الحديث أمام الجمهور

4. القيادة من المركز:

عندما تفكر في القيادة، ربما تفكر في القائد الشجاع الذي يقف أمام حشد كبير ويُلقي كلمة ملهمة، وعندما تفكر في هيكلية منظمة ما، فمن المحتمل أن تتخيل هرماً تترأسه نقطة.

هذا هو النموذج الافتراضي للقيادة في معظم أنحاء العالم ومن الصعب تخيله بطريقة أخرى، لكن توجد طريقة أخرى وأفضل، وهي نموذج القيادة المركزي، وهو ليس أفضل فقط للانطوائيين الذين يشعرون بعدم الارتياح عندما يضعون أنفسهم في الصدارة؛ بل هو أيضاً طريقة أسرع لمشاركة الفكرة وإحداث التغيير.

لذا، فكِّر في طريقة عمل النحل أو مستعمرات النمل، والملكة هي مركز العمليات ومحاطة بالمستعمرة بأكملها، لكنَّها ما تزال مرتبطة ارتباطاً وثيقاً ببعض النحل؛ فعندما تتحرك، سيلاحظ ذلك النحل من حولها وينشر الرسالة إلى البقية.

ووفقاً لبحث علم نفس الحشود من المملكة المتحدة، فهذه هي الطريقة التي يشارك بها القادة الجيدون أفكارهم أيضاً؛ إذ وجدوا أنَّ الجمهور يستطيع أن يقرر قراراً جماعياً كيفية التصرف بناءً على تصرفات عدد قليل من الأشخاص في الحشد، وأنَّ الرسالة تنتشر بسرعة أكبر عندما يكون مصدرها المركز.

وعندما تحاول التأثير هرمياً، ستتمكن من التحكم بالرسالة تحكماً أفضل، لكنَّك تفعل ذلك على حساب السرعة، والسرعة عنصر أساسي في الوصول إلى نقطة التحوُّل، فكلما زادت سرعة مشاركة الفكرة، زادت سرعة انتشارها وحدوث التغيير.

إقرأ أيضاً: فن القيادة ومهارات القائد الناجح

الخلاصة:

الفكرة القائلة إنَّك يجب أن تكون اجتماعياً لمشاركة فكرة؛ ليست صحيحة، ووفق ما نعرفه عن علم نفس الحشود وآلية عمل نقاط التحوُّل، فالانطوائيون قادرون بطبيعتهم على أن يصبحوا قادة ويشاركوا أفكارهم مع جماهير كبيرة.

وإذا كانت فكرتك جيدة، فلا داعي لإخبار الجميع عنها لتصل إلى نقطة التحوُّل، يكفي أن تشاركها مع عدد قليل من الأشخاص المناسبين مشاركة صحيحة، فستصل إليها وتنتشر دون جهد كبير منك، وهذه بعض الأشياء التي يجب عليك فعلها عندما تريد مشاركة فكرة هامة:

  1. تبسيط فكرتك قدر الإمكان؛ فعندما تكون الفكرة بسيطة، يشعر الناس بأنَّها آمنة، لتطبيقها ومشاركتها.
  2. لفت انتباه الناس إلى فائدتها الفورية: يمكنك إقناع الناس بقبول فكرة معقدة من خلال توضيح كيف تحسِّن حياتهم الآن.
  3. التركيز على المجموعات الصغيرة: تتأثر المجتمعات الكبيرة بالمجموعات الأصغر التي تتكون منها؛ لذا أقنع القليل منهم وستحقق التقدم بسرعة.
  4. ممارسة القيادة من المركز: تنتقل المعلومات انتقالاً سريعاً عندما يكون مصدرها المركز بدلاً من القمة.

الدرس الحقيقي في نهاية كل هذا هو: لإحداث تأثير كبير، انسَ ما اعتدت على رؤيته؛ إذ يسلط الإعلام الضوء على نموذج القيادة الهرمي؛ وذلك لأنَّه مثير ولأنَّ ثقافتنا تهيمن عليها الشخصية الاجتماعية، ولكنَّ البحث يشير إلى وجود طريقة أخرى لتحقيق نفس النتيجة والوصول إلى نقطة تحوُّل بفكرة هامة بسرعة، وكونك انطوائياً سيساعدك على تحقيق ما تريد بطريقة مستدامة، وهذا سبب كافٍ لتجاهل الاتجاه السائد.

شاهد بالفيديو: 4 طرق للأشخاص الانطوائيين لنشر الأفكار بسرعة

المصدر




مقالات مرتبطة