3 خطوات لتغيير عقليتك وطريقة تفكيرك

أودُّ منك أن تسأل نفسَك عن آخر مرةٍ شعرتَ فيها بالملل، وأراهنُك أنَّها منذ وقتٍ قريب، وسأخبركَ عن سبب كون ذلك علامةً أو إشارةً لامتلاكك عقلية سيئة بعد بضعة سطور؛ ففي الماضي، كنتُ أنظرُ دائماً إلى الآخرين باحثاً عن إجابات، كما اعتاد الأساتذة في المدرسة على إخبارنا بما يجب أن نفعلَه يومياً حين كنَّا صغاراً، وهو النظام المُتَّبَع في المدرسة الابتدائية والمدرسة الثانوية والكُلية والجامعة؛ فيوجد دائماً شخصٌ واحدٌ يُملي على مجموعة أفرادٍ ما ينبغي لهم فعلُه.



تُدرِّبُنا الأنظمة المدرسية على أن نكون أشخاصاً سلبيين ومُنقادين، وبعد أن نُنهي الدراسة فيها وننطلق إلى العالم الخارجي، لا يتغير شيءٌ فعلاً؛ فحين حظيتُ بوظيفتي الأولى، استمعتُ إلى مديري في العمل عمَّا ينبغي فعلُه؛ وحين بدأتُ عملي التجاري الأول بالمشاركة مع والدي، كنتُ دائماً أبحثُ عن الإجابات لديه.

ربَّما تعتقد الآن أنَّها قضيةُ تجارب وخبرات؛ فهذه الفكرة الأكثر وضوحاً التي قد ترادونا ظانِّين بأنَّنا نتلقى الأوامر فقط حين نكون صغاراً، ونبدأ بإصدارها عندما نكبر في السن، وتُعَدُّ هذه تقريباً أسوأ عقلية يمكن لأيِّ شخصٍ امتلاكُها لأنَّها سلبية وغير فعالة على الإطلاق؛ فبدلاً من ذلك، من المفيد للغاية تبنِّي عقلية نشِطة وفعالة والتدرُّب على امتلاكها لتطوير المهنة التي نعمل بها.

لمعرفة الفرق بين العقلية النشِطة والعقلية السلبية، وكيفية بناء عقلية نشِطة لأنفسنا، سأشارككم عمليةً مُكوَّنةً من ثلاث خطوات، والتي استخدمتُها لتغيير عقليَّتي وطريقة تفكيري بالكامل، وآمل أن تستخدموها أيضاً:

الخطوة الأولى هي الإقرار بأنَّ العقلية السلبية سيئةٌ:

حين أتحدثُ عن الملل، فإنَّني لا أشيرُ إليه بالمعنى الإيجابي؛ فأحياناً تخطرُ لنا أفضلُ الأفكار وأهمُّها حين نكون مرتاحين تماماً دون أن ننشغل بأيِّ شيءٍ على الإطلاق، وهذا هو المللُ الجيد؛ أمَّا من أجل مقالنا هذا، فأنا أتحدث عن شعورِنا بالملل بطريقة سلبية وضارَّة إلى درجة أنَّنا لا نملك أدنى فكرة عمَّا نفعلُه في حياتنا، وإن عرفتَ ذلك الشعور ستدرك أنَّه شعورٌ بالضياع وانعدام الهدف في الحياة.

تجدر الإشارة إلى أنَّنا جميعاً لا نعرف ما نفعله إلى حدٍّ ما؛ لكنَّ الفرق هو أنَّك حين تشعرُ بالملل الدائم من حياتك، فأنتَ لا تحاول حتَّى أن تكتشف ما الذي تفعله، وهؤلاء الذين لا يُحاولون هم أشخاصٌ فاشلون؛ لأنَّ الحياة مشوِّقةٌ ومُذهِلة، لكن يجبُ عليك أن تحاول تجربتَها واكتشاف روعتها.

من المؤسف ألَّا تكون قادراً على استجماع قواك، فلا يمكنك أن تعيشَ حياتك بوصفك عابر سبيل لا يكترثُ لأيٍّ شيءٍ فيها؛ ومن ثَمَّ سيتحتَّم عليك في مرحلةٍ ما أن تتولَّى زمام الأمور وتتحكم بعجلة حياتك لتقرِّر وجهتَك التالية، وهذا هو الفرق بين الأشخاص الذين يمتلكون عقلية نشِطة وإيجابية، ويتحكَّمون بقدرهم والأشخاص ذوي العقلية السلبية الذين يسمحون للآخرين بقيادتهم والتحكُّم بمصيرهم.

شاهد بالفديو: كيف تتخلص من الأفكار السلبية إلى الأبد؟

الخطوة الثانية هي الالتزام بالتعلُّم:

لقد عبَّر الفيلسوف الرُّواقيُّ "لوكيوس سينيكا" (Lucius Seneca) عن هذه الخطوة بأفضل طريقة ممكنة في كتابه المُسمَّى "عن قِصَر الحياة" (On The Shortness Of Life) قائلاً: "إن بذلتَ جُهداً وسخَّرتَ نفسَك للدراسة، فإنَّك ستتجنَّبُ كلَّ الملل الموجود في الحياة، ولن تتوقَ لرؤية الليل؛ لأنَّك ستسأم من ضوء النهار، ولن تمثِّلَ عبئاً على نفسِك كما أنَّ الآخرين لن يرَوك شخصاً معدوم الفائدة، وسينجذب معظم الأشخاص ليُصبحوا أصدقاءَك، كما أنَّك ستجدُ أفضل الناس يحتشدون حولَك لمرافقتك".

لهذا السبب أؤمن بأنَّ العقلية النشِطة ليس لها علاقة بالخبرة والتجارب إطلاقاً؛ إذ أعرف معظم المتدرِّبين الجُدُد الذين يتمتعون بفضول أكبر ويطرحون أسئلةً أكثر من معظم كبار المديرين؛ لكنَّ امتلاكَ عقليةٍ نشِطة لا يتعلق أبداً بعمر الإنسان أو خبراته في الحياة؛ فعلى سبيل المثال مستشار التأمين الذي أعملُ معه، والذي قد بلغَ الستين من عمره، وما زال يتمتَّع بفضول المتدرِّبين الجُدُد، ويتحمَّس عن أيِّ أمرٍ تحدِّثُه فيه.

منذ بضعة أيام، زرتُ شركةَ طباعةٍ مع أخي، والتي تولَّى مالكُها رئاسةَ الشركة بعد والده منذ سنواتٍ مضَت، وهو من أبناء الجيل الثالث في الشركة التي تمتلكها عائلته، وقد أخذَنا بجولةٍ كاملة في شركته لنرى الآلات الطابعة القديمة التي كانوا يستخدمونها وغيرها؛ وقد كنتُ وأخي مهتمَّين بالفعل؛ فالآلة الطابعة التي طوَّرَها المخترِع الألماني "يوهانس جوتنبرج" (Johannes Gutenberg) هي أعظمُ اختراعٍ في تاريخ التطوُّر البشري؛ فلولا الكتُب التي طبعَتها تلك الآلات، لم نكُن لنصل إلى ما نحنُ عليه اليوم من تطوُّرٍ وتقدم، وهو ما أجده أمراً مُذهِلاً.

لقد قالَ لنا مالكُ الشركة: "لم أقابِلْ أبداً أيَّ شخصٍ سألَني في الواقع عن كيفية طباعة كتبنا ومجلَّاتنا ومنشوراتنا وما إلى ذلك"؛ إذ لا يلتزم معظم الأشخاص بالتعلُّم؛ لذا نجدُ معظمهم يشعرون بالملل دائماً، وينبغي ألا يكون هذا مفاجئاً بالنسبة إليك في هذا الوقت.

إقرأ أيضاً: أهمية الفضول والجرأة في حياتنا

الخطوة الثالثة هي زيادة القيمة:

إن طبَّقتَ الخطوة الثانية التي تحدَّثنا عنها، ستصبح إضافةُ القيمة أمراً سهلاً بالنسبة إليك؛ فحين تكون فضولياً وتطرح أسئلة كثيرة، ستتعلَّم، وحينَها ستكتسبُ مزيداً من المعارف والأفكار؛ إذ يقول المنطق إنَّك تستطيع تحسين حياتك ووظيفتك وأعمالك التجارية وغيرَها باستخدام الأفكار التي لديك؛ لكنَّ هذا لا يعني أنَّك يجب أن تشارك أفكارك ونصائحك بطريقة فجة مع الجميع.

إذ لا يعني مُجرَّدُ امتلاكك لفكرةٍ جيدة أو نصيحةٍ حكيمة أنَّك يجب أن تخبر الآخرين بها؛ لأنَّ الناس يشعرون بالإهانة بسرعة، وقد تنجرح مشاعرهم ويغضبون بسبب عدِّهم لتلك النصيحة على أنَّها انتقادٌ مُوجَّه لهم.

يكتبُ المؤلِّف "ديل كارنيجي" (Dale Carnegie) عن هذا الموضوع بطريقةٍ شاملةٍ ووافية في كتابه المُسمَّى "كيف تكسب الأصدقاء وتؤثِّر في الناس؟" (How To Win Friends And Influence People)؛ إذ ينبغي لك أن تتحلى بالذكاء والدقة حين تحاول تحسين شيءٍ ما أو رفعَ قيمته، ويُشير "كارنيجي" للنقاط الآتية في كتابه:

  1. عدم انتقاد الآخرين أو إطلاق الأحكام عليهم، وكذلك الابتعاد عن الشكوى والتذمُّر.
  2. إظهار الامتنان والتقدير الصادق والحقيقي للآخرين.
  3. إثارة أو إيقاظ التَّوق والرغبات الحماسية لدى الآخرين؛ فمن الأفضل تركُهم يُدرِكون أمراً ما بأنفسهم بدلاً من محاولة إجبارهم على فهمه أو فعله.
إقرأ أيضاً: 10 نصائح لزيادة تأثيرك في الآخرين

تتعلق العقلية النشِطة أو الإيجابية بالتصرُّفات والأفعال:

يُرسل إليَّ الأشخاصُ أحياناً رسائل بريد إلكتروني يقولون فيها بأنَّني أحتاج إلى تغيير شيءٍ ما بخصوص مُدوَّنتي؛ فعلى سبيل المثال اشتكى أحدُهم من طول المقالات التي أكتبُها، ومن الواضح أنَّه لم يقرأ أيَّاً من كتب أو أعمال "كارنيجي" أبداً.

حين يتعلق الأمر بتبنِّي أو اعتماد عقليةٍ نشِطةٍ إيجابية، لن يساعدك امتلاكُك لمزيدٍ من المعارف والعلوم في ذلك؛ بل إنَّ ما سيُساعدك هو تصرُّفاتك وأفعالُك فقط؛ ويعتقد الأشخاصُ ذوو العقلية السلبية بأنَّ ذلك منطقٌ بديهيٌّ وفطري، ويُسارعون إلى الظنِّ بمعرفتهم للأشياء فعلاً، لكنْ كما نعلمُ جميعاً؛ فالعقلية الإيجابية لا تتعلق بمعارفك وعلومك؛ إنَّما تتعلق بتصرُّفاتك وأعمالك.

في الختام:

الأمرُ الأكثر أهميةً هو أن نلتزم بالتعلُّم، فإن حافظتَ على حزمك وحاولت مساعدة الناس الذين يريدون حقاً أن تساعدهم في سياق حياتك وأعمالك، لن تشعرَ بالملل إطلاقاً، إضافة إلى أنَّك ستستمرُّ بالتقدُّم والتطوُّر؛ وتجدر الإشارةُ هُنا إلى أنَّ التقدُّم الذي تحرزه في حياتك هو العلامة الأكيدةُ على تمتُّعك بعقلية إيجابية مهما كانت بسيطة.




مقالات مرتبطة