3 أسباب تؤكد أن الصحة العقلية أمر بالغ الأهمية

تأخذ العناية بالصحة العقلية بيدك لتحمُّل وتجاوز كلِّ ما يصيبك في الحياة، حيث نمرُّ حميعنا -بلا استثناءٍ- بأيامٍ عصيبة، لكن لا يعني هذا أنَّ الحياة برمَّتها مكلَّلة بالسواد. وكلُّ ما يهمُّ هو كيف تتعامل مع تلك المراحل وتواجهها، وتحافظ جنباً إلى جنبٍ على سلامتك العقلية.



إنَّ الصحة العقلية هامَّةٌ في كلِّ جوانب حياتك، حيث أنَّها مسؤولةٌ عن رفاهك العام، كما وتؤثِّر أيَّما تأثيرٍ على حياتك بشكلٍ أو بآخر.

لمَ تُعدُّ الصحة العقلية في غاية الأهمية؟

تشير الدراسات إلى أنَّ واحداً من بين كلِّ 5 بالغين -أي ما يقارب 43.8 مليون شخص- يعاني من اضطرابٍ عقلي، وتمثِّل هذه النسبة 18.5% من تعداد السكَّان الكلي، ما يؤكِّد أنَّ المشاكل العقلية تؤثِّر في كلِّ السكان، وفي كلِّ منحىً من نواحي حياتهم كذلك.

أفاد موقع (Healthy People)، أنَّ "السبب الرئيس وراء العجز والإعاقة المنتشرة في الولايات المتحدة الأمريكية هو الاضطرابات النفسية والعصبية"، والذي إن لم يُعالَج على الفور، فسيغدو انتشاره أوسع، وقد يعيقك عن الذهاب إلى عملك، وتتراجع قدراتك وهمَّتك.

لسوء الحظ، عندما تُهمَل الصحة العقلية، ترتفع معدَّلات الانتحار، فهي في غاية الأهمية؛ لما لها من تأثيرٍ في كلِّ شيءٍ في حياتك، مثل: قابلية التأقلم لديك، وقدرتك على حلِّ المشاكل والعقبات التي تواجهها، وأن تبقى سعيداً وفاعلاً وماهراً في الوقت ذاته.

الصحة النفسية والعقلية موضوعٌ لطالما عارضه المجتمع، وإن عانى شخصٌ ما من اضطرابٍ أو مشكلةٍ عقلية، فلا يطلب مساعدة؛ خشية الانتقاد والوصم الاجتماعي.

لكن في الحقيقة، إنَّ المعاناة من اضطرابٍ نفسيٍّ أمرٌ لا يستدعي الاستحياء، حيث أنَّ ما يدور في تلافيف عقلك من أفكارٍ ليس ذنبك، لكن خطأك الوحيد أنَّك تتصرَّف وكأنَّ لك حيلةً في ذلك، متجاهلاً أهمية وخطورة ما تفعل.

يُسِيء الأشخاص الذين لا يعانون من الأمراض العقلية فهم تلك الأمراض وتقبُّلها في كثيرٍ من الأحيان. لذا، يقع على عاتقك الدفاع عن ذاتك واحتياجاتك وشرح وتوضيح حالتك.

من المفروض أن يكون لديك نهجٌ أو خطةٌ تتَّبعها عند مواجهتك لأيِّ حدثٍ يطرأ على حياتك، فأحياناً قد تفقد السيطرة، وأحياناً أخرى تستعيدها بالكامل؛ أو قد تعاني من فقدان مشاعرك، أو الإفراط بها، وعدم قدرتك على التأقلم؛ ولا مناص لك من ذلك.

عندما تهمل أمراً ما، قد يصعب عليك معالجته؛ لكن لا يعني هذا أن تفقد أملك، فكلُّ شيءٍ ممكن. وبينما تأخذ هذا الكلام في عين الاعتبار، يغدو أمامك فرصةٌ جديدةٌ للمواجهة.

إقرأ أيضاً: 5 أسباب تستدعي زيارة الطبيب النفسي

إليك ثلاثة أسبابٍ تجعل الصحة العقلية في بالغ الأهمية:

1. تؤثِّر الصحة العقلية في سلامة الجسد:

في حال أُصِيب أحدٌ ما بمرض السرطان، فلن تلومه على ذلك. إذاً، لمَ يُوصَم أو يُلَامُ من لديه أمراضٌ عقليةٌ ونفسية؟

إنَّ المرض العصبي فيه من الخطورة ما يُعادِل المرض الجسدي؛ لأنَّه قد يودِي بحياة الإنسان كذلك. على سبيل المثال: قد يقود الاكتئاب إلى التفكير بالانتحار؛ وإن لم يُعالَج، تتحوَّل تلك الأفكار إلى محاولاتٍ وتنفيذ، فنحن نعدُّ أناساً غير سويِّين ومضطربين إذا لم نلقِ بالاً إلَّا إلى الجانب الجسدي وسلامته.

إنَّ العقل والجسد مرتبطان، ولا يمكن الفصل فيما بينهما، فقد تؤدِّي الكثير من الأمراض النفسية إلى الشعور بالإجهاد، ويؤثِّر هذا بدوره سلباً في جهازك المناعي، فتهطل عليكَ الأمراض التي يمسي التصدي لها صعباً.

يُلحِقُ كلٌّ من الإجهاد والقلق الأذى بصحتك الجسدية، ووفقاً لما نصَّ عليه موقع "ويبمد" (WebMD): "يحفِّز القلق الجسم على إفراز هرمون الإجهاد الذي يزيد معدَّل ضربات القلب والتنفس ويرفع سكر الدم، كما ويجعل الدم يتدفَّق بغزارةٍ إلى الذراعين والساقين؛ ومع مرور الوقت، ينعكس ذلك على صحة القلب والأوعية الدموية والعضلات وغيرهم".

في الوقت الذي يتسلَّل فيه التعب إلى جسدك، ستبدأ بالتداعي. لذا، فالتعامل مع الإجهاد والإرهاق أمرٌ هامٌّ، حيث يؤدِّي إهمال مشاكل الصحة العقلية إلى الانهيار.

يلجأ معظم الناس إلى العقاقير والكحول كآليةٍ للتصدِّي للأمراض والقضاء عليها، وهذا أكثر ما يُلحِق الأذية بصحتهم وكيانهم، فعندما لا يُدرِكون ماهية ما يفعلونه، ويهمُّون بأخذ التدابير الخاطئة؛ تصبح تصرُّفاتهم مجرد حلقةٍ ودائرةٍ مدمِرة، فيؤثِّر ذلك في سلامتهم وتتفاقم حالتهم.

قد ينعكس وهن الإنسان على صحته الكلية وقدرته على رعاية نفسه، وتكون النتائج مُهلِكة.

فقط عندما يسوء حالك إلى هذا الحد، تدرك أهمية الصحة العقلية. لذا، عليك ألَّا تتجاهلها كيلا تتسبَّب بالهلاك لنفسك ولصحتك.

2. يساعدك الخروج من دائرة الوصم والخجل فيما يتعلَّق بالصحة العقلية، في الحصول على حياةٍ أفضل:

إنَّه لمن الضروري التكلُّم عن الصحة النفسية والعقلية، حتَّى يأخذ الآخرون هذا الأمر في عين الاعتبار ويتقدَّمون فيه.

تناول مركز الصحة النفسية فكرة أنَّه عندما تشعر بالخجل لإدراكك أنَّك محطَّمٌ نفسياً، أو أنَّك لست طبيعياً؛ فأنت تُقلِّل من قدر نفسك، ومن قدرتك على التغلُّب على مرضك.

الجزء الذي لا يتجزأ من العلاج هو استغلال تلك المشاعر لصالحك، فلا تستدعي عيوبك أن تكون قليل القيمة؛ وعندما تؤمن بهذه الحقيقة، تستطيع أن تلعب دوراً في التأثير في الآخرين ومساعدتهم في ذلك، حتَّى ينمو بداخلهم قبول النفس.

يُخلِّف الوصم شعوراً بالاستحياء، ويؤدِّي الأخِير إلى تصرُّفاتٍ مدمِرة، وتودي تلك التصرُّفات بدورها إلى الهلاك، ويأخذ بالانتشار عندما لا نذكر أمر الصحة العقلية وننوِّه إلى أهميتها.

يكون المصابون باضطرابٍ نفسيٍّ أو عقليٍّ في أمسِّ الحاجة إلى تلقِّي العلاج، لكن من دون أن تُشعِرهم بذلك، أو تجعلهم محط الأنظار، أو تخلق بداخلهم القلق وعدم الارتياح؛ ممَّا يعيد الكرَّة بالنسبة إلى الوصم الاجتماعي والخجل. وبالعكس، إن مددت يد العون لهم من غير أن تثير اللغط، فستدفعهم بذلك خطواتٍ إلى الأمام.

يوجد تمرينٌ يسمَّى: "اجهَر بمشكلتك، ثمَّ روِّضها"، وهو تمرينٌ خاصٌّ بالعواطف يساعدك في التخلُّص من المشاعر السلبية بمجرَّد الإفصاح عنها؛ فمن دون أن تتكلَّم عن عواطفك، تُحكِم قبضتها عليك، وتتحكَّم بك وبحياتك.

إن تكلَّمت مع من حولك، تُمسِي مشاكلك أصغر بكثيرٍ من ذي قبل، ولا تطال حياتك أو تؤثِّر فيها، فأنت تستطيع أن تحرِّر نفسك بتَصالحك مع ذاتك، وعدم الشعور بالحياء من اضطرابٍ عقليٍّ أو نفسيٍّ تشكو منه.

عندما تكون حقيقياً وصادقاً مع ذاتك، تفرض قوَّتك وتحكمَّك بحياتك؛ وعندما تنكر أهمية الصحة العقلية، تنكر بذلك ذاتك ووجودك، فتصبح غير قادرٍ على حلِّ مشكلاتك اليومية وإيجاد الحلول لها.

بعدما تفعل ذلك، تُمكِّن نفسك وتعزِّز قوَّتها وقوَّة من حولك، كما وتعتاد الإنصات إلى دوافعك والإشارات المنبِّهة، حتَّى لا تتداخل الأمور وتتعقد؛ كما وتظهر تعاطفك مع كلِّ من يمرُّ بتجربتك نفسها؛ فلذلك دورٌ أساسيٌّ في بناء عالمٍ متعاضد.

عندما تساعد نفسك، تُسدي خدمة للآخرين وتساعدهم. بإمكاننا أن نُبقي أعيننا على هذا العالم لجعله مكاناً أكثر حباً ولطفاً، وأن ندرك كم من المشاكل يغدو حلُّها هيناً بإفصاحنا عن مشاكلنا ومشاركة قصصنا، وبذلك نكون قد دفعنا بالوصم بعيداً.

إقرأ أيضاً: زيارة الطبيب النفسي: جنونٌ أم توازن؟

3. تؤثِّر الصحة العقلية في كلِّ شيء:

ترشدك صحتك العقلية إلى كيفية التعامل مع مجرى الحياة، ويُورِث إهمال العلاج اليأس والحزن وقلَّة القيمة والشعور بالذنب والقلق والذعر والخوف والشتات وفقدان السيطرة.

قد تتضرَّر علاقاتك مع محيطك، ويتراجع أداؤك في مختلف المجالات، سواءً في المدرسة أم في العمل، وتصبح منعزلاً ووحيداً.

لربَّما تفقد شغفك لكثيرٍ من القضايا في حياتك، وتتهاوى قدرتك على إنجاز مهامك على أكمل وجهٍ وإدارة وقتك، ويُضحِي التركيز أمراً عسيراً عليك، ويتطلَّب التنظيم وإعادة الهيكلة، ناهيك عن أنَّه سوف يقلُّ حبك للطعام، وتعترضك الكثير من التقلُّبات وتَصَارُعِ الأفكار في عقلك.

قد تنقلب حياتك رأساً على عقبٍ إن كنت تعاني من اضطرابٍ نفسيٍّ وعقلي، وتلقى شرخاً بينك وبين الواقع، حتَّى تكاد الأصوات من حولك غير مسموعةٍ بالنسبة إليك.

أضِف إلى ذلك أنَّك قد تؤذي نفسك إن اتجهت إلى تعاطي الكحول والعقاقير، ويؤول بك المآل إلى التفكير بالانتحار. إن واجهت أيَّاً من الحالات السابقة، فقد آن أوان التماس العون.

إنَّ الصحة العقلية والنفسية لها بالغ الأهمية، وينبغي أن تعتني بها وتكون ملماً بها، وفي حال أنَّك لم تلتزم بكلِّ ما ذُكِر سابقاً، وإن لم تتصرَّف بشكلٍ سليم؛ فلا يمكنك أن تكون إنساناً فاعلاً.

لكن إذا كان الوضع خلاف ذلك، ووضعك الصحي النفسي جيداً؛ فسيكون بانتظارك العديد ممَّا يُبهِجك:

  • سوف تتعلَّم كيف تتعامل مع أمور الحياة مرةً أخرى.
  • ستصبح صحتك قوية.
  • لن تتأثر علاقاتك بالآخرين سلباً.
  • ستجد هدفاً يدفعك للعيش بسعادةٍ دائمة.
  • تغدو أكثر انخراطاً بمجتمعك.
  • تصبح أكثر نشاطاً وإنتاجيةً في مدرستك أو عملك.
  • وأخيراً، سوف تصبح ما تأمل أن تكون.

كلَّما كان شعورك بحالٍ أفضل، أصبحت فاعلاً أكثر، حيث تؤثِّر الصحة العقلية في كلِّ شيءٍ أيَّما تأثير؛ مثل: طبيعتك، وكيفية تفاعلك مع العالم من حولك ومع ذاتك. لذا، ينبغي أن تقدِّر قيمة صحتك وعافيتك كتقديرك لأيِّ نعمةٍ في حياتك، وأن تعرف أنَّك ذو قيمةٍ وتستحق والآخرين العطف.

يجعلك هذا كلُّه تضع معايير عالية، وتتقبَّل نفسك ومزاجك في كلِّ وقت، كما ويعينك على فعل شيءٍ ما حيال هذا الأمر إن أصابك. ليس عليك الانتظار ريثما تشعر بالتحسُّن، فيمكنك أن تكون بحالٍ جيدٍ بدءاً من اليوم؛ وذلك عبر معرفة صراعاتك الحقيقية والنظر إلى نفسك باهتمامٍ وعطف.

لا تلقِ بالاً إلى كلِّ مشكلةٍ تحدث معك، وحاول جاهداً إيجاد حلٍّ لها، واطلب المساعدة إن تعذَّر عليك ذلك، لتتمكَّن من ضبط حياتك وإحكام السيطرة عليها.

الخلاصة:

من حقنا جميعاً أن يرقد عقلنا في سلام، فالصحة العقلية في غاية الأهمية.

فقط عند معرفتك قيمة نفسك، يمكنك غزو العالم، فمن يأسر حريَّتك ويمنعك من ذلك هو أفكارك فحسب، وذلك عندما تعتقد أنَّك لست جديراً بالاهتمام ومُحبَطاً، ولست طبيعياً.

تكمن الحقيقة في أنَّ العقل قد يخدعك، ويُرجِعك خطواتٍ إلى الوراء، ومع هذا كلِّه، فهو منبع ومصدر كلِّ ما هو جيدٌ وإيجابي.

لا يعني أن تعاني من اضطرابٍ عقلي أنَّك غير هامٍّ وفعَّال، وعندما تعتني بصحتك العقلية، تصبح دفة حياتك بيدك، وهذا لا يحتِّم أن تتحسَّن أمورك بين ليلةٍ وضحاها، إذ بتعلُّمك واكتسابك المعرفة في كيفية تقدير نفسك شيئاً فشيئاً؛ تصل إلى هدفك المنشود، وتتطوَّر مع مرور الزمن. لا تقلُّ الصحة النفسية والعقلية أهميةً عن الجسدية منها؛ لذا عليك أن تساهم في دحض الوصم الاجتماعي، لما لها من أثرٍ في كل منحىً من نواحي حياتك، وعندما تتذكَّر هذا الكلام، يصبح بمقدورك قلب جميع الموازين وتغيير الحال وأنماط التفكير السائدة؛ فلم يفتك الأوان بعد.

 

المصدر




مقالات مرتبطة