وهم السعادة

يزعم الفلاسفة أن أوقات السعادة الحقيقية في حياة الإنسان محدودة، وربما لا تزيد نسبتها على ثلاثة إلى خمسة في المائة من إجمالى حياة الإنسان مقدرة بالأعوام. أي أنه إذا عاش الإنسان سبعين عاما مثلا، فمن المعتاد ألا يتعدى مجموع الوقت الذي يشعر فيه بالسعادة الحقيقية طوال حياته، وعلى فترات متقطعة ومتباعدة، إلى ثلاثة أعوام ونصف إن كان محظوظا ولا يشغل باله كثيرا.



ويزعم الفلاسفة أيضا أن هذه النسبة في تقدير مجموع لحظات السعادة في حياة الإنسان تنطبق على جميع البشر بكل فئاتهم، ويستوي عندها الغنى ومتواضع الحال، والقوي والضعيف، والأبيض والأسود، والعالم والجاهل.

السعادة الحقيقية في حياة الإنسان إذن ماهى إلا لحظات قليلة ومحسوبة بحساب خفي، كما أنها قد وزعت على جميع البشر بنفس المقدار تقريبا. فالسعادة ليست حكرا على أحد. لذلك يخطئ من يظن أنه أقل سعادة من أصحاب الثروات، أو أن المال أو النفوذ أو المناصب أو الانغماس في المتعة تزيد من إحساس المرء بالسعادة.

وقد لا يعرف البعض كيف يفرق بين السعادة الحقيقية وبين المتعة أو الانغماس في الملذات، فهناك فرق شاسع.

مصادر السعادة الحقيقية بسيطة جدا في واقع الأمر، وبعيدة كل البعد عن تصورات الكثيرين من البشر. وهي تكاد تنحصر في الإيمان بالله ومقدراته، وفي الثقة بالمستقبل، وفى المقدرة على الاستمتاع بالأمور البسيطة في حياتنا، وبالتالي في راحة البال وطمأنينة النفس وحب الآخرين.

من الذي لا يشعر بالسعادة حينما يجعل شيخا عجوزا يبتسم أو يضحك من داخله ؟ من هو الذي لا يشعر بالسعادة عندما يجعل امرأة عجوزا تدعو له من قلبها وبجوارح صادقة، أو يجعل طفلا صغيرا يقترب منه باسما ويمسك بيده ؟ من الذي لا يشعر بسعادة حقيقية عندما يعلم أنه أدخل السعادة والبهجة في قلوب آخرين، سواء يعرفهم أو لا يعرفهم، ويعلم أنهم يدعون له، ربما دون علمه أو دون أن يعرفوه ؟

ولكن إذا كانت لحظات السعادة الحقيقية في حياة الإنسان تتساوى في مجموعها عند البشر، فإن لحظات الإحساس بالوحشة أو التعاسة والاكتئاب أو القلق تختلف في مقدارها وحجمها من إنسان لآخر..

فالإنسان الثري يظل قلقا على ماله، ويشغل نفسه وباله في كيفية الحفاظ على ثروته وتنميتها. وقد يضطر إلى اعتزال أصدقائه ومن حوله خوفا من أنهم ربما يتقربون إليه لماله وجاهه وثروته. وفي النهاية، بدلا من أن يصبح المال في خدمة سيده، يتحول السيد عبدا لماله وثروته، يعمل لأجلها ويعيش من أجلها.

فالمال له دورة معروفة ودور مطروق، يبدأ كل دور حيث ينتهي الدور الذي سبقه. يبدأ دور المال لسد الرمق وتلبية حاجيات الإنسان وضرورياته، ثم بعد أن يتحقق ذلك يتحول الدور إلى سد الكماليات، ثم بعد ذلك إلى إعادة الاستثمار وتنمية الثروة، ثم ينتقل إلى شراء النفوذ. وبعد أن يتحقق كل ذلك تبدأ التعاسة الحقيقية حين يحصي صاحب الثروة ليس فقط ما يمتلكه وإنما أيضا «مالم يمتلكه بعد»، فهو يريد امتلاك كل شيء، فينطبق عليه القول أن لا يملأ عينهم سوى التراب، وهذه قمة التعاسة.

لذلك، يزعم الفلاسفة أن السعادة الحقه لايمكن شراؤها بالمال، ولا بالجاه والنفوذ، بل هى تنبع أساسا من مؤثرات في داخل نفسية الإنسان، وتتساوى في مقدارها لدى كل البشر. على العكس من ذلك، التعاسة والشقاء والقلق هي انعكاس لتأثيرات خارجية تصيب البشر بدرجات متفاوتة، وبخاصة من لايهتم سوى بالماديات والمكاسب.

لذا من الخطأ أن تقارن حياتك بحياة الآخرين، فليس لديك أي فكرة عن هدف رحلتهم فى هذه الحياة.

وأضيف من عندى أن الآخرين، وبعض من حولنا، هم مصدر تعاستنا وشقائنا وقلقنا، وأن البنوك والمؤسسات المالية هي من أكبر منغصات حياتنا، وسنأتي على ذلك في المقال القادم.