ولو كنت ربة منزل

 

هل يحول بين المرأة وبين أن يكون لها دور إيجابي في مجتمعها كونها ربة منزل؟ أعتقد لا! فالبيت ليس السجن الذي تحرم فيه المرأة المسلمة حريتها، بل هو السكن الذي يحتضن الأسرة، ويخفف عنها متاعبها، وليس معنى أن المرأة هي ربة هذا السكن، أن تنقطع صلتها بما هو خارجه، لأن ما في الخارج هو وطنها، ومن فيه هم أمتها. والمسلم ذكرٌ كان أم أنثى مفروض عليه أن يبذل لوطنه وأمته: قال تعالى: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم الله، إن الله عزيز حكيم" (التوبة:17)·· كما قال تعالى: "ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً" (النساء:124)والتعاون على البر والتقوى ثابت في كتاب الله من قوله تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى" (المائدة:2)·



 

والمعروف العام مكلف به الرجال والنساء على حدٍ سواء كما يظهر من قوله تعالى: "لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاحٍ بين الناس، ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً" (النساء:114)، وإلى ذلك أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة" رواه البخاري ومسلم· قال الحافظ بن حجر في تعليقه على الحديث: "·وقوله "لا يسلمه" أي لا يتركه مع من يؤذيه ولا فيما يؤذيه بل ينهره ويدفعه عنه.

 

وقد يكون ذلك واحياً وقد يكون مندوباً بحسب اختلاف الأحوال· (فتح الباري: صفحة 1، صفحة 741)، وقال بعض العلماء المعاصرين: ويمكننا أن نضيف "لا يسلمه" أي ينقذه ولا يسلمه للهلاك. وكثير من أعمال الخير تدخل في هذا الباب مثل إنقاذ المسلم من مرض مهلك أو فقر مذل أو جهل مضل أو فراغ مفسد. إنني لا أعتقد أن هناك قلة حثت على فعل الخير وحضت أبناءها عليه. ذكوراً كانوا أم إناثاً كما فعلت ملتنا الغراء، إنها لم تعرف باباً من أبواب الخير إلا ودعت إليه، فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: "قال النبي صلى الله عليه وسلم: "على كل مسلم صدقة، قالوا أرأيت إن لم يجد؟ قال فيعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق· قالوا: فإن لم يستطع أو لم يفعل؟ قال: فيعين ذا الحاجة والملهوف. قالوا فإن لم يفعل؟ قال: فليأمر بالخير أو بالمعروف· قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: يمسك عن الشر فإن له صدقة" رواه البخاري ومسلم·

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل سلامى (عظام الأصابع في اليد والقدم) من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين الاثنين صدقة ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها أو يرفع عليها متاعه صدقة والكلمة الطيبة صدقة وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة ويميط الأذى عن الطريق صدقة (رواه البخاري ومسلم)· إن باب العمل الخيري أياً كان جد واسع في الإسلام، وهو مفتوح على مصراعيه لكل من أراد أن يبذل فيه رجلاً كان أم امرأة، ولا يقولنّ قائل: "إن ما استشهدت به من نصوص خاص بالرجال دون النساء، وإنه أتى بصيغة المذكر"، فالذي عليه الشريعة أن الرجال والنساء مخاطبون بالنص الواحد، وإن أتى بصيغة المذكر إلا أن يكون فيه تخصيص لجنس دون جنس!

 

وإذا كان النشاط الاجتماعي الخيري ميسر لكلا الجنسين كما وضح، إلا أن هناك بعض النصائح التي أحب أن أنصح بها نساء أمتنا في هذا المجال:

 

أولاها أن على المرأة أن تراعي ترتيب الأولويات، وأنه من الخطأ أن تهتم بالمفضول على حساب الأفضل، ولا بفرض الكفاية على حساب فرض العين، إن المراحل الحياتية للأنثى مختلفة عن الرجل، فالمرأة تمر بأطوار مختلفة، وكل طور له متطلباته الخاصة وأولوياته، تلك الأولويات التي ربما تتغير من طور لآخر، فأولويات الفتاة قبل الزواج، مختلفة عن تلك التي بعد الزواج، وهذه مختلفة عن تلك التي بعد الإنجاب، وهذه مختلفة عن تلك التي بعد اعتماد الأولاد على أنفسهم، فالفتاة قبل الزواج من الممكن أن يكون لديها متسع من الوقت كبير للبذل الخيري خارج بيت أبيها، ومن الطبيعي أن يقل هذا الوقت بعد الزواج، ويقل أكثر بعد الإنجاب، ثم يبدأ في الاتساع مرة أخرى بعد بداية اعتماد الأولاد على أنفسهم ثم يزيد بالتدريج وهكذا، وسعة الوقت وضيقه في البذل الخيري خارج البيت شيء وإلغاء المبدأ من أصله شيء آخر، فالأول مفهوم، أما الثاني فلا، قد تبذل المرأة المسلمة لأمتها خارج بيتها في وقت من الأوقات· ساعة زمن واحدة، لأنها مشغولة ببذل باقي يومها لأبنائها وزوجها داخل البيت، لطبيعة المرحلة التي يمر بها أفراد البيت جميعاً، كما أنها قد تبذل هي نفسها في وقت آخر تختلف فيه الظروف خمس أو ست ساعات، لأمتها خارج بيتها وهكذا·

 

أما ثانية هذه النصائح التي أسديها لنساء أمتنا فهي تفقد مواطن الاحتياج والبذل، وعدم تزاحم جمع كبير على عمل من الممكن أن تؤديه واحدة.

 

وثالثة هذه النصائح التي أقدّمها للمرأة المسلمة هي السعي إلى ممارسة النشاط الاجتماعي الذي يحقق خيراً لها وينمي شخصيتها عقلياً وروحياً واجتماعياً· أتدرون مثل ماذا؟ مثل صلاة الجمعة مثلا ودروس العلم، والندوات المفيدة، وما شابه ذلك، فالمرأة ليست أقل حاجة من الرجل للموعظة، فربما كان مع الموعظة تعريف بمشكلة اجتماعية أو غيرها تتطلب التعاون لحلها أو إثارة لقضية من قضايا السياسة التي ينبغي التنبه إليها، إنني أعتقد أنه ليس هناك قضية أو مشكلة من المشكلات يستطيع الرجل وحده حلها بدون تضافر جهود المرأة معه·

 

ما رأيكم في قضية كقضية "تربية الأولاد على الإسلام" في وقتنا الحالي، هل يستطيع الرجل منفرداً- وإن قرأ في ذلك كل الكتب- وحضر كل الجُمَع واستمع إلى كل الدروس التي تتناول الموضوع، أن يربي أولاده فعلياً على الإسلام بدون مشاركة زوجته له؟! هذا مستحيل، فكيف يكون الأمر مستحيلاً بهذا الشكل ثم هو يمنع زوجته من ارتياد أماكن العلم والإرشاد أو الاستماع إلى المتخصصين الذين يقدمون لها وله الحل؟! مثال آخر هو المقاطعة الاقتصادية التي نجاهد بها أعداءنا المعتدين علينا- فأنّى لهذا السلاح أن يكون نافذاً ومؤثراً إذا لم تشارك فيه المرأة المسلمة وتتبناه؟! والسؤال الذي أطرحه هو: من أين تعلم قيمة هذا الأمر، وفرضيته الشرعية، والبدائل التي من الممكن أن تستغني بها عن بضاعة العدو فعلياً، وغير ذلك من الأمور المرتبطة بالموضوع، إلا من خلال الوسائل التي تحتضن المرأة المسلمة وتحتويها؟!

 

رابعة هذه النصائح التي أنصح المرأة المسلمة بها هي مراعاتها آداب اللقاء بالرجل الأجنبي عنها من خلال الاحتشام في اللباس مع الحجاب الشرعي والغض من البصر واجتناب الخلوة والمزاحمة واجتناب مواطن الريبة وغير ذلك من الآداب التي حض الإسلام المرأة المسلمة عليها·

 

يا إخواني وأخواتي: إن عدد أفراد أمتنا بلغ 000,000, 1250 نسمة، نصفهم تقريباً  

000,000, 625 نسمة من النساء، فتخيلوا جميعاً لو أن نصف هذا العدد يعني 000,000, 312 امرأة بذلت كل واحدة منهن في اليوم ولو ساعة واحدة فقط من الخير لأمتها خارج بيتها، هل يستمر حال الأمة على ما هو عليه؟ أشك في ذلك كثيراً، بل أقطع بنفيه بدون أدنى شك·

 

عمرو خالد يكتب لمجلة المرأة بتاريخ 7 مايو 2005