ولو كانت شقراء!

 

حتى ولو كانت الأجنبيات صفراوات الشعر بيضاوات البشرة رشيقات ومهندمات فإن ذلك لا يعني أنهن أفضل من نسائنا أو أجمل، فالجمال الحق لا يقف عند تلك المظاهر الخارجية بل يتعداه إلى الروح التي هي أعمق من مجرد تلك المظاهر وأشد تأثيراً منها، ناهيكم أن الجمال الشكلي ذاته ليس مقروناً بألوان معينه، فليس أي أصفر أجمل من كل أسود أو خمري كما أنه ليس كل أسود أو خمري أجمل من كل أصفر أو أبيض، فالجمال الحق تدخل فيه عناصر متعددة وبنسب متعددة أيضاً·· لماذا بدأت بوجهة النظر هذه؟



 

بدأت بها لأطرح موضوع الزواج بالأجنبيات الذي شاع ويشيع بشكل ملفت للنظر والانتباه سواء بالنسبة لمسلمي المهجر، أو حتى مسلمي الداخل، لقد نصحت أحد معارفي عندما قرر الهجرة إلى الخارج بأن يتزوج قبل سفره من امرأة مسلمة، وقلت له: أنت بذلك تحفظ دينك وتصون مروءتك وتتحصن من الفتن التي تنهمر في مدن أغلب الظن أنها انقطعت صلتها بالسماء تماماً! فأجابني بفتور: ما عليّ من بأس إذا خرجت وحيداً ثم التقيت هناك بمن تصبح زوجة لي، وهناك مسلمون كثيرون تزوجوا بأجنبيات وعاشوا معهن سعداء واكتسبوا بزواجهم جنسية البلد المضيف وربحوا بذلك مزاياها الأدبية والمادية، قلت له: أعتقد أن قولك بفوز المسلم وسعادته بزواجه من أجنبية قول يحتاج إلى مراجعة وتدقيق، فرد علي: ولماذا؟ فقلت له: لأن أكثر العرب النازحين، بل أكثر المسلمين الضاربين في الأرض طلباً للرزق تملّكهم مركب النقص، فهم يرمقون هؤلاء الأجانب من أدنى إلى أعلى ويسارعون في هواهم، ويتركون لغة إلى لغة وعادات إلى عادات وسيرة إلى سيرة ويتم ذلك كله على حساب الإسلام وشعائره ووصاياه، فلا يمضي أمد بعيد حتى يدع عقيدته وتمشي في نفسه ذكرى خافته، والمسلم الذي تصبح علاقته بدين الله على هذه الصورة لا يقال عنه بأنه ربح شيئاً، بل هو في الحقيقة قد خسر كل شيء.

 

 فنحن لا نعرف سعادة إلا في كنف ديننا ودفئه، قال لي: هناك مسلمون محافظون نجوا من ذلك المصير الذي وصفته، ومبلغ علمي أن الإسلام يبيح الزواج بالكتابيات، فلِمَ التضييق ولِمَ الحذر؟ قلت: الحكم ثابت وصحيح ولا أجادل فيه وهو من دواعي الفخر في شريعتنا التي لا تجد سبيلاً للتواصل مع الآخر إلا وسلكته قاصدة توطيد العلاقات وتضييق مظاهر الفرقة والتنافر، فالمرأة الكتابية التي يتزوجها المسلم، تتمتع هي وأهلها بحمايته ورعايته وصلته هو وأهله لها ولهم!

 

قال: جميل، إذن فلم خِفت من هذا الأمر أولاً؟ قلت: بسبب الواقع الذي نعايشه ونشاهده ونسمع عن مآسيه كل يوم، قال زدني، قلت: إن الإسلام أباح الزواج بالكتابيات للمسلم الذي يعرف دينه ويعمل به، ذلك المسلم القادر على الإمساك بزمام بيته وتربية أولاده وفق تعاليم ربه، أما المسلم الذي يفتقد تلك المقدمات فلا يربطه بالإسلام إلا اسمه، والذي تضعف شخصيته أمام زوجته، ولا يعرف على أي أساس يربي ولده، فزواجه بكتابية سيكون محفوفاً بالمخاطر لأنه من الطبيعي - والحال هكذا - ألا يرتفع للإسلام صوت في البيت، وأن تكون الكلمة العليا للزوجة صاحبة الشخصية القوية، التي ستتولى بدون أي صعوبة إبعاد النشء عن الإسلام، مستعينة في ذلك بسلطان البيئة التي تسهل لها مهمتها أيما تسهيل! هذه واحدة.

 

أما الثانية فتتعلق بالمرأة نفسها، فلابد ونحن نستعين بالنصوص والأحكام أن يكون استشهادنا بها في محله، فلا نأتي بحكم خاص بفئة معينة ثم نلبسه على فئة أخرى غير تلك التي نزل فيها! فلابد مثلاً من أن نراعي أن النساء الأوروبيات أو الأمريكيات أو غيرهن من أهل الكتاب في الإجمال والعموم علاقتهن بالدين أصبحت في عصرنا الحالي واهية إلى حد كبير! فالخمر في مجتمعاتهن سيل لا يتوقف، والغريزة الجنسية مجراها في المجتمع ممتد ولا يعوقه شيء، وفي الشذوذ متسع لمن سئم الزنا منهم! وأعداد اللواتي يحافظن على شرفهن وعذريتهن منهن قليل ونادر، لقد وصل بهم الأمر حد التهكم على تلك التي لم تفض بكارتها في سن البلوغ ودعوتها لكي تعرض نفسها على طبيب نفسي يعالجها من أزمتها النفسية التي تحياها بسب عذريتها وعدم اكتراث الشبان بها، إن هذه الصورة التي عليها المرأة الأجنبية اليوم تباعد بينها وبين كلمة أهل الكتاب، كما أنها تدعو إلى التريث في الاستشهاد بالنص الذي يبيح زواج المسلم بها!

 

ولا أريد أن يفهم كلامي بأي شكل من الأشكال أنني أتجرأ على حكم ثابت بغير ما ثبت عليه، فكل ما في الأمر أنني أتناول الأمر من منظور اجتماعي، وأدعو فيه لإعادة النظر في التطبيق، إنما أنحاز إليه من رأي قد قال به جمهور من أعلام علمائنا الثقات! والآن أسلط الضوء على زاوية أخرى للموضوع، وهي متعلقة بالسبب الذي يدفع الشبان المسلمين للزواج بالأجنبيات، قال: والله إن الشبان مظلومون، إنما الإثم يقع على من صعّب زواجه سواء كانت الدولة أو الفتاة أو وليها أو غيرهم! قلت له معك حق وأوافقك مائة في المائة فيما تقول! صحيح، ماذا يفعل شاب كلما تقدم لفتاة مسلمة يتزوجها يُرفض لقلة ذات يده؟

 

إن اختبارات الموقف حصرياً بالنسبة له واحدة من ثلاث: إما أن يصبح عانساً، وإما أن يلجأ إلى الحرام، وإما أن يتزوج بأجنبية لا تطلب منه شيئاً أو على الأكثر لا تطلب منه ما لا يستطيع تقديمه! والاختيار الأول لا شك أنه صعب، والثاني حرام، إذاً فليكن الحل الثالث الذي هو أيسر وأبعد عن الحرام! ورغم ذلك فإنه اختيار لا يخلو من توجسات مزعجة جداً ذكرت منها جانباً، إنني أدعو كل الجهات المرتبطة بالموضوع بأن تبذل جهدها المطلوب منها، ولأنني ليس لي سلطان على الجهات الحكومية التي من المفروض أن تسهل حياة الرعية فإنني سأوجه نصحي لآحاد الناس العاديين، فأقول للشاب أو الرجل المسلم: إن الزواج يا أخي ليس هدفاً في ذاته بل هو وسيلة للسكنى والتواصل ومرضاة الله عن طريق الحفاظ على الدين ولابد أن تظل هذه القاعدة أو القيمة مرتفعة وواضحة ومنفردة فلا تزاحمها قيمة أخرى تتساوى معها بل تعلو عليها.

 

إن الزواج بأجنبية تنشز عليك وتتعالى وتربي أولادك على ازدراء الإسلام أو عدم الاكتراث بتعاليمه ليس بربحان، ولو كان وراء الزواج بها مال، أو قضاء شهوة، أو أي مصلحة مادية أخرى! حاول وثابر ولا تستسهل وفكر في الموضوع بروية، وتأمل الواقع وما فيه جراء هذا الزواج، أما بالنسبة للفتاة المسلمة ووليها فأقول لهما: لا تغاليا فالضرر يقع عليكما أولاً قبل غيركما، فالمغالاة ليست مكرمة، فخير النساء أقلهن مؤنة وأيسرهن مهراً، أخواتي·· لا تجعلن إخوانكم الشبان يقعون تحت وطأة الشعر الأصفر والعيون الزرقاء والبشرة البيضاء يقاسون الأمرين الدين والدنيا، فأنتن بالإسلام أجمل وأبرك.

 

عمرو خالد يكتب لمجلة المرأة اليوم بتاريخ 21 مايو 2005