وصفة سحرية لحماية أبنائنا!!

كنا في مجلس رجالي، وكان الحديث عن كيفية حماية أبنائنا مستقبلاً من الانحراف والسلوك السيء، وبدأ كل واحد منا يبث همومه ويبين مخاوفه من المستقبل القادم والتحديات الاجتماعية المستقبلية والتي فُقدت فيها الثقة والأمان، سواء كانت متمثلة في وسائل الإعلام والاتصال، أم المؤسسات التربوية  ثم دار الحديث حول أزمة ضياع الوقت عند الأبناء، وأن أبناءنا من الولادة وحتى سن الزواج يكونون قد شاهدوا عشرة آلاف ساعة من التلفزيون، وهي كفيلة بأن تجعله قاضياً أو طبيباً أو عالماً، ولكنها كغثاء السيل. ثم دار الحديث حول معاناة أخرى وأخرى، وكل هذه المخاوف تدور حول كيفية المحافظة على أبنائنا وجعلهم صالحين غير متأثرين بالفساد من حولهم.



لا شك في أن الإجابة على مثل هذا السؤال ومواجهة هذا التحدي تحتاج إلى مشاريع ضخمة، ولعل منها "مجلة " ولكني أردت أن ألفت النظر بالإضافة إلى توفير الوالدين منا الأمن للابن وتعريفه بصحبة صالحة والتميز في تربيته والتي تعتبر عوامل مساعدة للحفاظ على الأبناء، وأما العامل الرئيسي والذي أراه يتقدم كل هذه الوسائل، فهو ما أخبرنا به الصحابي الجليل "عبدالله بن مسعود" ]، عندما كان يصلي من الليل، وابنه الصغير نائم، فينظر إليه قائلاً: من أجلك يا بني! ويتلو وهو يبكي قوله تعالى "وكان أبوهما صالحاً".

نعم إن هذه وصفة سحرية لصلاح أبنائنا، فإذا كان الوالد قدوة وصالحاً وعلاقته بالله قوية، حفظ الله له أبناءه، بل وأبناء أبنائه من الفتن والانحراف وإن تفنن أهل الفساد بإغواء وإغراء أبنائنا، فهذه وصفة سحرية ومعادلة ربانية، كما أنه في قصة سورة الكهف حفظ الله الكنز للوالدين بصلاح جدهما السابع، كما جاء في بعض التفاسير، ويحضرني في سياق هذا الحديث أني كنت مرة مع صديق عزيز عليّ ذو منصب رفيع بالكويت، ويعمل في عدة لجان حكومية، ومع ذلك فإنه يقتطع من وقته يومياً ساعات للعمل الخيري، فقلت له يوماً: لماذا لا تركز نشاطك في عملك الحكومي وأنت ذو منصب رفيع، فنظر إليّ وقال: أريد أن أبوح لك بسرٍ في نفسي: إن لدي أكثر من ستة أولاد وأكثرهم ذكور، وأخاف عليهم من الانحراف، وأنا مقصر في تربيتهم، ولكني رأيت من نعم الله عليّ أني كلما أعطيت ربي من وقتي أكثر، كلما صلح أبنائي، وقد تعرفت على أبنائه بعد ذلك وصدق "ابن مسعود" عندما قال: من أجلك يا بني...

ما لفت نظري في هذا الموقف، الأسلوب التربوي الجميل الذي تعامل به هذا الأب مع بناته وفق منهج الحبيب محمد «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، وما ينزع من شيء إلا شانه»، وكان بإمكانه أن يستخدم سلطة الأبوة ويقطع عنهم الاشتراك في الإنترنت ولكنه استبعد أسلوب العنف وفضّل الأسلوب الآخر والذي يعالج المشكلة جذرياً.

 

وأذكر بهذه المناسبة أباً آخر رافق ابنه عند سفره للخارج حتى يتابع تحصيله العلمي ومكث معه أسبوعين لينتهي من المعاملات الخاصة بالجامعة وتوفير المسكن وكان برنامج هذا الأب في أول أسبوع أن يعرف ابنه على المراكز الإسلامية في تلك المنطقة وأن يتعرف على الدعاة والشباب الصالح هناك، وأما الأسبوع الثاني فقد خصصه لتعريف ابنه بأماكن الفساد والمراقص ودور الدعارة وشوارع العاهرات، وكان يتجوّل مع ابنه ويذكر له المعلومات الكاملة عن الجانب السيء في تلك الحضارة ثم يختم وداعه له بكلمات يوصيه بها بأن يصرف وقت فراغه في طاعة الله تعالى ويتجنب أماكن الفساد.


يقول هذا الابن بعد تخرجه من الجامعة ونيله الماجستير والدكتوراة بأنني لم أدخل الأماكن السيئة في تلك الديار بسبب تلك الجولة التي أشبعني فيها أبي بكافة المعلومات.


إن هــــذه الحكمة هـــي التي نريدها في تربية أبنائنا في هذا الزمــان الصعــب، ولا نستعجـــل قطـــف الثمرة قبل أوانها، بـــل نتريــث فــي صياغـــة شخصية أبنائنا ونكون رفقاء بهم، فإن الرفـــق يؤثــر فـــي الشخصية أكثـر مـن العنـــف، ولهذا قال أحـــد الصالحين: «ألا ترى أن الماء على لينــه يقطــع الحجـــر علـــى شدته»، بـــل إن الرفق كـــان أساســـاً في تعيــين الــولاة في عهــد عمـــر بن الخطاب ]، وكــان فقـــده سبباً فـــي عــزل الـــولاة.


فقد دخل عامل لعمر بن الخطاب فوجده مستلقياً على ظهره وصبيانه يلعبون على بطنه، فأنكر ذلك عليه، فقال له عمر: كيف أنت مع أهلك؟

قال: إذا دخلت سكت الناطق.

فقال له: اعتزل، فإذا كنت لا ترفق بأهلك وولدك فكيف ترفق بأمة محمد؟  

فلو كان عمر في زماننا فهل يا ترى سيبقى أصحاب المناصب في مناصبهم بعدما يتعرف على واقعهم التربوي مع أبنائهم؟ ونقول ختاماً: «تعالوا نتغازل مع بعض».

 

بقلم: د. جاسم المطوع

 

 

موقع الأسرة السعيدة