هل يمكن لرأس المال العامل للشركة أن يكون سالباً؟ (( فرص وتحديات ))

 يعد رأس المال العامل Working Capital من أحد المؤشرات الهامة لسيولة الشركةK وهو حاصل طرح الالتزامات المتداولة ( الدائنون بمختلف أنواعهم والمصاريف المتسحقة ... )من الموجودات المتداولة ( النقدية وما يعادلها – المخزون بأنواعه – المدينون ... )K كما تعد زيادته بشكل عام مؤشراً على قدرة الشركة بالوفاء بالتزاماتها المتداولة على المدى القصير.



 إلا أن زيادته بنفس الوقت يفوت على الشركة عوائد استثمارية كبيرة، قد تصل في بعض الشركات الكبيرة لمليارات الدولارات, وذلك بسبب تجميد الأموال في بضاعة ومدينون..., وعدم استثمارها كما يجب في أصول ثابتة أو أية أداة استثمارية تحقق للشركاء أرباحاً وفيرة.

لكن كيف يمكن إنقاصه أو جعله سالباً للاستفادة من العوائد الاستثمارية الكبيرة؟

يكمن ذلك من خلال إنقاص زمن الدورة النقديةCash Cycle  للشركة، أي الوقت الفاصل بين دفع قيمة البضاعة نقداً للموردين وقبض القيمة البيعية نقداً من الزبائن ويمكن التعبير عنها كما يلي:

الدورة النقدية = عدد الأيام التي تخزن بها المواد الأولية في المستودع + عدد الأيام المستغرقة في تصنيع المواد الأولية لمنتج تام الصنع + عدد أيام تخزين المنتج تام الصنع في المستودعات لحين ما يطلبه زبون ما + عدد الأيام التي تستغرقها تحصيل قيمة البضاعة بعد بيعها للزبون – عدد الأيام الفاصلة بين شراء المخزون من المورد ودفع قيمته.

لنبداً أولاً بعدد الأيام التي تخزن فيها المواد الأولية أو البضاعة تامة الصنع في المستودعات، حيث يمكن قياسها بالنسبة للمواد الأولية من خلال المعادلة التالية  365 / (المشتريات / متوسط قيمة مخزون المواد الأولية )، وبالنسبة للبضاعة الجاهزة من خلال المعادلة التالية 365 / (تكلفة البضاعة المباعة / متوسط قيمة البضاعة الجاهزة )، ومن الواضح أنه كلما كانت هذه الأيام أقل، كما  قصرت الدورة النقدية للشركة, وبالتالي الحاجة للاحتفاظ بأصول كبيرة عاطلة عن العمل، ويمكن تحقيق ذلك من خلال دقة التنبؤ بطلبات الزبائن المتسقبلية وإعداد نظام موازنات بشكل كفؤ وفعال، أو من خلال اعتماد نظام انتاج  Pull systemأي عدم شراء البضاعة وعدم القيام بتصنيع أية بضاعة إلا عندما يطلب الزبون ذلكJust In Time))، وبالتالي التخلص بشكل كبير  من مخزون المواد الأولية أو المواد منتهية التصنيع.

ثانياً, عدد الأيام المستغرقة في تصنيع المواد الأولية لمنتج تام الصنع، ويمكن قياسها من خلال المعادلة التالية 365 / (تكلفة البضاعة المباعة / متوسط قيمة الانتاج تحت التشغيل) وقد نجد أن هذه الرقم كبير جداً في الكثير من المؤسسات الصناعية، حيث البضاعة تحت التصنيع المتراكمة في كل قسم، وكل بضاعة تنتظر دورها في قسمها للتنتقل بعد ذلك للقسم التالي للتنظر فيه طابوراً ثانياً وهكذا...، فيما عدا إمكانية حدوث تلف أو مشكلة في قسم معين وبالتالي إعادة الانتاج من جديد.

 ويمكن انقاص عدد الأيام من خلال اتباع نظام انتاج Lean Production- كما هو الحال في بعض الشركات العالمية مثل Dell – Apple  Toyota - الذي يعتمد على تقسيم المصنع إلى خلايا انتاجية بشكل حرف U، تختص كل خلية بمنتجات متشابهة, ولا تنتج إلا بناء على طلب الزبون Pull system, وبالتالي لا يوجد فترات انتظار بين الأقسام الانتاجية – كما في نظام الانتاج التقليدي -  الذي كان من أسباب زيادة مخزون الانتاج تحت التشغيل، وهذا كله عدا ما يوفره نظام Lean Production على الشركة من مساحات في المصنع قد تصل لأكثر من 50% في بعض الشركات، بالإضافة إلى تسريع الدورة التصنيعية والاستجابة السريعة والمباشرة لطلب الزبون، والتخلص بشكل كبير من مخزون الانتاج تحت التشغيل.

كما تجدر بنا الإشارة إلى الكثير من الشركات العالمية لا تتجاوز فيها عدد الأيام التي تخزن فيها المواد الأولية في المستودع لغاية تصنيع المنتج وبيعه للزبون أكثرمن 3-5 أيام كما هو الحال في McDonald's – Apple أو أكثر من من 10 أيام كما هو الحال .Dell

ثالثاً, عدد الأيام التي تستغرقها تحصيل قيمة البضاعة بعد بيعها للزبون, ويمكن قياسها من خلال المعادلة التالية 365 / (المبيعات / متوسط الذمم التجارية )، حيث يؤدي إنقاص عدد هذه الأيام إلى تسريع الدورة النقدية وبالتالي إمكانية الاستفادة في الأموال المحصلة من الزبائن باكراً في أنشطة استثمارية مختلفة، وهنالك أكثر من 10 طرق لإنقاص عدد الأيام منها على سبيل المثال, قبض كامل أو جزء من قيمة البضاعة عند التسليم، المطالبة الدورية من خلال تدريب وإعداد فريق عمل لذلك, عرض خصومات للدفعات المبكرة بحيث يكون العائد المتوقع من تحصيل الأموال باكراً أعلى من المبلغ المخصوم.

رابعاً, عدد الأيام التي الفاصلة بين شراء المواد من الموردين والسداد النقدي لهم، ويمكن قياسها من خلال المعادلة التالية 365 / (المشتريات / متوسط الدائنون التجارييون)، حيث يؤدي زيادة عدد هذه الأيام إلى إنقاص الدورة النقدية للشركة وبالتالي الاستفادة من الأموال قبل سدادها للموردين في أمور تشغيلية أو استثمارية تعود بالنفع على المؤسسة.

و تعد المطاعم وسلسلة المتاجر من أكثر الشركات قدرة على تسريع تحصيل قيمة المبيعات من الزبائن وإبطاء عملية دفع قيمة المشتريات للموردين، مثل شركة Wall Mart  وشركة McDonald's , حيث الدفع النقدي من قبل الزبائن الذي غالباً ما يكون عبر بطاقات الائتمان والدفع بعد حوالي 30 يوماً للموردين, مما يعطي الشركة الفرصة للاستثمار الأموال بين الفترتين.

ومما مما سبق نجد كيف استطاعت بعض الشركات العالمية الكبيرة تخفيض رأسمالها العامل لمستويات قياسية، بل بعضها جعله سالباً كما هو الحال في شركة Wall Mart حيث لا تمثل أصولها المتداولة من نقدية ومخزون وذمم أكثر من 80 % من خصومها المتداولة وتتراوح دورتها النقدية بين 7 -8 أيام، وشركة Apple التي وصلت دورتها النقدية ل -68 يوماً ومتوسط -42 يوماً، وشركة Microsoft التي تترواح دورتها النقدية بين 15 يوماً و -16 يوماً.

لكن تجدر الإشارة أيضاً إلى أن إنقاص رأس المال العامل لمستويات كبيرة يحمل معه أخطار في عدم قدرة المنشأة على سداد ديونها، لذلك يُلجأ للتأكد من كفاية رأس المال العامل إلى استخدام نسب مالية أكثر عمقاً مثل نسبة التدفقات النقدية التشغيلة إلى الإلتزمات المتداولة, فإن كانت أكبر من 1، يعني ذلك على الرغم من عدم كفاية الأصول المتداولة الموجودة في الشركة لسداد الأصول غير المتداولة لكن الشركة بإمكانها عبر نشاطها التشغيلي العام القادم توليد تدفقات نقدية تشغيلية تسدد كامل خصومها المتداولة.

كما أن تخفيض مستوى السيولة النقدية قد يفوت على المنشأة فرص استثمارية مغرية, كأن تعرض إحدى الشركات الموردة خصماً كبيراً ولفترة محدودة جداً على بضاعة أو آلة ما، ثم لا تتمكن الشركة من الاستفادة من هذه الفرصة لعدم امتلاكها سيولة كافية.

نستنج مما سبق أن تخفيض رأس المال العامل للشركة عبر إنقاص عدد أيام دورتها النقدية يعبر عن كفاءتها في إدارة أصولها وخصومها المتداولة، الذي يؤهلها للتفوق على منافسيها من خلال الاستفادة القصوى من رأسمالها المستثمر، لكن يتوجب على هذه الشركات أيضاً المحافظة على مستوى معين من التدفقات النقدية التشغيلية الذي تستطيع من خلاله  تغطية كامل أو معظم خصومها المتداولة,والاحتفاظ بنفس الوقت بسيولة نقدية معتدلة على شكل نقود  وأوراق مالية وحسابات في بنوك، بحيث تستطيع تسيلها متى تريد لتسديد أية نفقات طارئة أو للاستفادة من أية فرصة استثمارية مغرية.

بقلم علاء صالحاني

Master – CMA – CIPA - ICT