هل دخل المرأة العاملة أساسي للإنفاق أم..؟

هل دخل المرأة العاملة أساسي للإنفاق أم أنه دخل هامشي؟ اتضح من النتائج الخاصة بدخل المرأة الأهمية القصوى لدخلها فيما يتعلق بالإنفاق؛ إذ يعتبر مصدرا أساسيا لرفاهية الأسرة اقتصاديا، وليس الأمر كذلك فحسب بل اتضح أيضا أن الأزواج يثمنون مشاركة الزوجة في الإنفاق على الأسرة كما أدلت بذلك الزوجات.



أوضحت النتائج أن أكثر من 86% من الأزواج يثمنون مشاركة الزوجة سواء عبروا عن ذلك "دائما" أو "أحيانا" أو "نادرا" بينما اتضح أن نحو 13% لا يثمنون ذلك، الأمر الذي قد يعود إلى ضآلة إسهام الزوجة في الإنفاق أو لأسباب أخرى.

والجدول الآتي يوضح موقف الأزواج بحسب ما أدلت به زوجاتهم. اليكم الجدول: موقف الزوج من إنفاق الزوجة التكرار النسبة يثمن مشاركتها في الإنفاق (دائما) 50 30.5 يثمن مشاركتها في الإنفاق (أحيانا) 38 23.2 يثمن مشاركتها في الإنفاق (نادرا) 54 32.9 لا يثمن مشاركتها (مطلقا) 22 13.4 المجموع 164 100 ولتحديد درجة المشاركة في عملية الإنفاق أشار ما نسبته 31% من الزوجات إلى أنهن يسهمن بكامل دخلهن في عملية الإنفاق، وأشار نحو 44% إلى أنهن يسهمن بجزء كبير من الدخل، أي ما يتجاوز النصف.

وأشار ما نسبته 16% فقط إلى أن إسهامهن محدود، أي الربع أو أقل من ذلك، كما يتضح في جدول اللاحق: اليكم الجدول: ما تخصصه الزوجات العاملات من دخلهن للإنفاق على الأسرة كمية المبلغ المخصص للإنفاق على الأسرة التكرار النسبة ربع الدخل أو أقل من ذلك 27 16.6 ربع إلى أقل من النصف 12 7.3 نصف إلى أقل من ثلاثة أرباع 34 20.7 أكثر من ثلاثة أرباع 39 23.7 كامل الدخل 52 31.7 المجموع 164 100

تشير الجداول السابقة إلى مسألتين غاية الأهمية:

إحداهما: أن المرأة تعتقد أن الإنفاق عملية مشتركة، وأنه ليس من الضروة بمكان التسليم بأن الإنفاق هو مسؤولية الرجل كما هي الحال عليه في السابق،

والأخرى: أن المرأة لا تضع حدا فاصلا بين دورها ودور الرجل على الأقل في علية الإنفاق، وهو موقف يشير إلى تحول في الأدوار لصالح المرأة، وينم في الوقت نفسه عن شعور المرأة بتنامي دورها الاقتصادي كمعيل يقف إلى جانب الرجل في تحمل مسؤولية الإنفاق.

يتضح مما سبق عرضه أن الإنفاق على الأسرة عملية مشتركة ربما تتضمن عنص التفاوض بين الزوجين وأن كلا منهما يسهم بجزء مهم من دخله دون انتقاص لدور الرجل باعتباره معيلا، ففي دراسة مشابهة أشارت النتائج إلى أن ما نسبته 98% من العاملات في قطاع التعليم يشاركن بفاعلية في اتخاذ القرارات الأسرية مع الزوج بسبب مشاركتهن في عملية الإنفاق وأنهن لا يتركن الزوج يستأثر برأيه .

وفي السياق نفسه أشارت إحدى الدراسات إلى أن 40% من النساء العاملات اللاتي أجرت مقابلات معهن كن يسهمن بكامل الدخل في الإنفاق على الأسرة، في حين أشار 49% إلى أنهن يسهمن بجزء غير معلوم من الدخل.

وحقيقة الأمر أن تلك النسب ليست ببعيدة عما توصلت إليه هذه الدراسة. صحيح أن هناك أنماط تفكير تقليدية تقلل من شأن إسهام المرأة ودورها الاقتصادي، غير أن الحقائق تؤكد وجود تحول اجتماعي تجاه النظر إلى دخل المرأة، ومن ثم مشاركتها في الإنفاق بخاصة في المناطق الحضرية حيث الأوضاع الاقتصادية ومتطلبات الحياة تفرض نفسها وتسهم في تغيير كثير من أنماط التفكير التقليدية.

لا يغيب عن البال أهمية اتشار التعليم وتزايد الوعي بقضايا المرأة في العقود الأخيرة؛ إذ إن أغلب الأفكار النمطية حول المرأة التي قد نجدها عند الرجال تخف حدتها مع ارتفاع مستوياتهم التعليمية.

وفيما يتعلق بالنظرة المتدنية إلى دخل المرأة من قبل بعض الرجال فإنه يمكن النظر إلى ذلك من زاويتين: زاوية ثقافية- اجتماعية وزاوية دينية.

ففيما يتعلق بالجانب الثقافي- الاجتماعي فإنه تمت الإشارة إلى فكرة المجتمع البطركي (الأبوي)، ومركزية دور الرجل الذي يؤدي عدة أدوار، منها دور المعيل وما يترتب على ذلك من سلطة أبوية تنسحب على جميع أعضاء الأسرة بما فيها المرأة، لكنه لا يغيب عن البال أن دور الرجل- المعيل ليس متجذرا في الثقافة العربية على الإطلاق؛ فالمرأة كانت حتى عهود قريبة تمارس أدوارا إنتاجية غاية في الأهمية في المجتمع الريفي أو البدوي وحتى في التجمعات الحضرية، إلا أن تلك الوظائف الإنتاجية لم تكن بأي حال من الأحوال لتنفصل عن الاقتصاد المنزلي أو المنزل باعتباره وحدة اقتصادية.

أما م له علاقه بالجانب الديني أو النظر إلى دخل المرأة من زاوية دينية فإنه يتعلق بمسالة القوامة التي ترد في الآية الكريمة: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) (النساء/ آية 34).

إن هذه الآية تحديدا تثير جدلا لدى بعض المفسرين؛ لأنها ربطت القوامة بقضية الإنفاق مما قد يشير ضمنا إلى سقوط القوامة عند عجز الرجل عن الإنفاق على الزوجة، إن البعض قد يرى في خروج المرأة للعمل وقيامها بدور المعيل تهديدا لمبدأ القوامة وتهديدا للبنية البطركية التي تتأسس عليها الأسرة العربية، وهو ما قد يدفع بالرجال إلى التهوين من أهمية دور المرأة الاقتصادي، بخاصة إذا كانت تضطلع بدور الإنفاق بشكل يفوق ما يفعله. نتائج هذه الدراسة أشارت إلى مفارقة؛ إذ إن أغلب الأزواج- كما أفادت الزوجات- يعتمدون بشكل أو آخر على دخل الزوجة، وهو أمر مفهوم في ظل أوضاع اقتصادية ضاغطة نتيجة للنزعة الاستهلاكية المتصاعدة، مما يجعل دخل رب الأسرة غير كاف في أغلب الأحوال.

لكن إلى أي حد يهدد ذلك مبدأ القوامة فإن الأمر يحتاج إلى دراسة موسعة. ومن خلال النتائج التي تم التواصل إليها فأنه ليس من الضرورة بمكان التشبث بفكرة المجتمع البطركي أو التسليم بهيمنة الرجل على المرأة؛ إذ إن البطركية قد تأخذ عدة أشكال تخف حدتها وتزداد طبقا للوضع الاجتماعي والخليفة الثقافية للأفراد.

بقى التنوية بأن النتائج أشارت إلى أن القرار الاقتصادي غالبا ما يخضع للمناقشة بين أطراف الأسرة بخاصة عندما تكون الزوجة عاملة وتنفق، حيث أفاد نسبته 63% من المبحوثات أن اتخاذ القرارات الاقتصادية التي تمس جميع أفراد الأسرة يتم التشاور حولها، وأن الزوج لا ينفرد بالقرارا إلا في أضيق الحدود كشراء سلعة لم يتم التخطيط مسبقا لشرائها وفي دراسة مماثلة أكدت إحدى الباحثات أن هناك اتجاها نحو السيطرة لدى الزوجات العاملات عندما يتعلق الأمر بالقرار الأسري.

وفيما له علاقة بالدخل تحديدا، أشار كاتب هذه السطور في دراسة سابقة إلى أن دخل الزوجة العاملة قد يخلق تعقيدات للزوج عندما يقرر الاقتران بامرأة أخرى، وذلك إذا ما كانت الزوجة الأولى موظفة أو ذات مستوى تعليمي متدن الأمر الذي يعني أن عمل المرأة ومشاركتها في الإنفاق لا يدعم قدرتها على اتخاذ القرارات داخل الأسرة فحسب ولكنه أيضا يعزز من مكانتها الاجتماعية ونفوذها على الزوج مما يجعل قدرة الأخير على الاقتران بزوجة أخرى مسألة غاية في الصعوبة.

نخلص مما سبق إلى أن دخل المرأة ليس دخلا هامشيا وأنه متغير أساسي في عملية الإنفاق، ويؤدي دورا جوهريا في تشكيل نمط العلاقة الزوجية، وأنه لا يمكن النظر إليه على أنه ذو طبيعة مؤقتة أو عديم الفائدة، وليس صحيحا أنه دخل مبهم أو أن طريقة إنفاقه غير واضحة.

 

موقع الأسرة السعيدة