هل تزيد إضافة طبقة من النايلون فوق الأقنعة القماشية من فعاليتها؟

خلال الحرب العالمية الثانية، اختفت جوارب النايلون من أرفف المتاجر، حيث حُوِّلت المواد الصناعية القيمة لصنع لوازم حاسمةٍ في زمن الحرب مثل: المظلَّات، والسترات الواقية، وخزَّانات وقود الطائرات. أمَّا الآن، تشير الأبحاث الجديدة إلى أنَّ النايلون يمكن أن يلعب مرةً أخرى دوراً حاسماً في معركةٍ وطنية؛ وهذه المرة عن طريق وضعه فوق أقنعة القماش المصنوعة منزلياً ليجعلها أكثر فعاليةً وأفضل حمايةً بشكلٍ ملحوظ.



وجد الباحثون في جامعة نورث إيسترن "Northeastern University" أنَّ إضافة طبقةٍ خارجيةٍ مصنوعةٍ من النايلون إلى قناع وجهٍ منزلي الصنع يمكن أن يعزِّز من قدرته على تصفية الجسيمات الصغيرة في الهواء، من خلال إحكام المنافذ بشكلٍ أكبر بين القناع ووجه الشخص الذي يرتديه.

في بعض الحالات، ساعدت طبقة النايلون الإضافية هذه أقنعة القماش المصنوعة منزلياً على مطابقة الأقنعة الطبية أو التفوُّق عليها في فلترة الهواء.

تقول لوريتا فرنانديز "Loretta Fernandez"، الأستاذة المساعدة في الهندسة المدنية والبيئية في جامعة نورث إيسترن، وإحدى العلماء الذين أجروا البحث: "لقد تحسَّن أداء جميع الأقنعة بوضع طبقة النايلون فوق القناع الأساسي الذي كنَّا نستخدمه، والذي كان قناعاً جراحياً من النوع (3M)".

فحتَّى القناع الجراحي (3M) كان أداؤه أفضل مع طبقة النايلون في دراستهم؛ حيث أظهر الاختبار أنَّ القناع الجراحي أصبح يحجب 90٪ من الجسيمات الصغيرة، بعد أن كان يحجب 75٪ منها فقط، وذلك بإضافة طبقةٍ من النايلون فوقه. وبمقارنته مع بقية الأقنعة الطبية، فإنَّ قناع التنفس الطبي (N95)، والمصمَّم لإنشاء حاجزٍ محكمٍ حول الوجه، يحجب 95٪ على الأقل من الجسيمات الصغيرة عند ارتدائه بشكلٍ صحيح.

تشرح لوريتا: "إنَّ إضافة طبقةٍ تحافظ على القناع ملتصقاً بشكلٍ محكمٍ بالوجه سيحسِّن وظيفة أيٍّ من هذه الأقنعة؛ لأنَّ مدى حمايتنا لا يتعلَّق فقط بالمواد التي نستخدمها للقيام بالتصفية، ولكن أيضاً بمدى إحكام القناع على الوجه، حتَّى نحاول تجنُّب الهواء الملوِّث المحيط بمنطقة التنفس الخاصَّة بنا، كما أنَّ استخدام طبقةٍ من النايلون يساعد في إنشاء غطاءٍ أكثر إحكاماً حول الوجه لتقليل كمية الهواء المتسربة عبر الحواف السائبة؛ على غرار السدادة الموجودة في القناع الطبي (N95).

وتأتي النتائج الإيجابية لاستخدام هذه التقنية في وقتٍ توصي فيه "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية" (CDC) منها بأن يرتدي الناس أغطية الوجه القماشية في الأماكن العامة، للمساعدة في الحدِّ من انتقال فيروس كورونا؛ ولكن دون تقديم الكثير من الإرشادات حول أفضل الممارسات لصنع مثل هذه الأغطية.

لم يُراجَع البحث بعد من قبل العلماء، ولكنَّه نُشِر يوم الأربعاء على الموقع العلمي "medRxiv" -موقعٌ ينشر مسودات الأبحاث والأبحاث قبل طباعتها- وعلى موقع الجامعة، من أجل مشاركة المعلومات بسرعةٍ في خضم الجائحة.

يقول "بن كاولينج" (Ben Cowling)، أستاذ علم الأوبئة والأمراض المعدية في جامعة هونغ كونغ، والذي درس فعالية أقنعة الوجه: "أعتقد أنَّها دراسةٌ هامَّةٌ جداً؛ ونحن بحاجةٍ إلى معلوماتٍ لمعرفة أيِّ نوعٍ من الأقنعة محلية الصنع والأقنعة النسيجية هو الأفضل، وكيف يمكننا تحسين أو ترقية الأقنعة الأساسية لجعلها أفضل".

تهدف إرشادات "مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها" (CDC) حول أغطية الوجه القماشية إلى استخدام أقنعة الوجه لحماية الأشخاص الآخرين من الشخص الذي يرتديها، حيث تشير الأدلة إلى أنَّ المصابين يمكنهم نشر الفيروس قبل ظهور أعراض العدوى عليهم. ومع ذلك، أظهر البحث الجديد أنَّه مع طبقة النايلون المضافة، قد توفِّر الأقنعة محلية الصنع أيضاً الكثير من الفوائد لمن يرتديها.

ويضيف كاولينج: "أقنعة القماش توفِّر -على الأرجح- بعض الحماية، ربَّما لا تكون جيدةً مثل الأقنعة الجراحية التي تُصنَع من الأقمشة غير المنسوجة والمصنوعة من البلاستيك؛ ولكن إذا تمكَّنا من تطوير أقنعة القماش باستخدام لفائف النايلون حولها من الخارج، أو بعض المكونات الخاصَّة الأخرى، فربَّما يمكننا الحصول على قناعٍ من القماش يكون بالجودة نفسها، أو حتَّى أفضل من القناع الجراحي".

إقرأ أيضاً: انفوغرافيك: 10 خطوات للوقاية من فيروس كورونا

تقول "رينا ماكلينتير" (Raina MacIntyre)، باحثة الأمن الحيوي في جامعة نيو ساوث ويلز (University of New South Wales) في أستراليا، ومؤلِّفة إحدى الدراسات القليلة التي قارنت فعالية أغطية الوجه القماشية بالأقنعة الجراحية: "إنَّها ميِّزة تصميمٍ جيدةٍ توصَّلوا إليها في الوقت الذي لاحظنا فيه أنَّ النقص الحالي في أقنعة الدرجة الطبية يُحفِّز موجةً جديدةً من البحث في إنشاء أقنعةٍ يدوية الصنع أكثر فعالية، وهناك بعض الحلول الجيدة حقاً وبعض الأفكار الواعدة وهذا واحدٌ منها".

كجزءٍ من البحث، طلبت لوريتا وزملاؤها أقنعةً محليَّة الصنع من متطوعين كانوا يتبرَّعون بها للمستشفيات في منطقة بوسطن؛ لاختبار قدرات التصفية للأقنعة المختلفة، واستخدموا أداةً تسمَّى: "بورتاكاونت" (PortaCount)، والتي تُستخدَم عادةً لاختبار قدرات التصفية للأقنعة الطبية مثل (N95)؛ لقياس القدرة على حجب الجسيمات التي تتراوح من 20 نانومتراً إلى 1000 نانومتر، حيث يبلغ قطر فيروس كورونا حوالي 60 إلى 140 نانومتر.

قام الجهاز بقياس عدد الجسيمات خارج وداخل كلِّ قناعٍ مباشرةً بينما كان يرتديه شخصٌ ما. كما اختُبِر قناعٌ جراحيٌّ كمقياسٍ أساسي؛ حيث حجب القناع الجراحي 75٪ من الجسيمات في المتوسط، وهو ما يتماشى مع الاختبارات الأخرى التي اقترحت أن الأقنعة الجراحية تُصفِّي ما بين 60٪ و80٪ من الجسيمات الصغيرة في المختبر.

ثمَّ أضاف الباحثون إلى الأقنعة طبقةً من النايلون، بحجمٍ من 8 إلى 10 بوصات من الأعلى إلى الأسفل؛ عن طريق اقتطاع حلقاتٍ من ساقٍ واحدةٍ لزوج جوارب نايلون نسائية طويلة.

تقول فرنانديز: "قد أوصي ربَّما باستخدام زوجٍ من الجوارب النسائية الطويلة لصنع طبقة نايلون تُوضَع فوق قناع الوجه لجعل التنفس أسهل؛ حيث يمكن ارتداء طبقة النايلون فوق القناع بإدخال حلقة الجورب من أعلى الرأس، ثمَّ سحبها لأسفل فوق قناع القماش مثل رجال العصابات، ممَّا يجعل المسافة حول الوجه ضيقة". وتوضِّح لوريتا أنَّ النايلون يصفِّي الجزيئات التي قد تدور حول الحواف الفضفاضة للقناع ويجري استنشاقها.

عند ارتدائها بمفردها اختلفت قدرات الأقنعة محلية الصنع على التصفية، حيث حجب بعضها أقلَّ من 30٪ من الجسيمات، ووجدت الدراسة أنَّ إضافة طبقةٍ من النايلون باستخدام الجوارب الطويلة عزَّز أداء جميع الأقنعة في أيِّ مكانٍ من 15٪ إلى 50٪. تعتقد لوريتا، والتي تخطط لتضمين الجوارب في الاختبارات المستقبلية، أنَّ جوارب النايلون يجب أن تُستخدم أيضاً، طالما أنَّها تتلائم مع الأقنعة بشكلٍ مريح.

وتضيف: "إنَّ فكرة تجربة الجوارب جاءت من زميلٍ في جامعة نورث إيسترن، كان قد درس سابقاً كيفية عمل أقنعةٍ فعَّاٍلة محلية الصنع في أوائل الثمانينيات، عقب حادث التسرب النووي في جزيرة ثري مايل (Three Mile Island) عام 1979 في بنسلفانيا. وما وجدوه في الثمانينيات هو أنَّه إذا وضعت فقط جزءاً من الجوارب الطويلة المصنوعة من النايلون على وجهك وارتديت أيَّ شيءٍ تحته، فسيؤدِّي ذلك عملاً جيداً جداً في الحفاظ على الجزيئات الصغيرة بعيدةً عن وجهك".

أقنعة القماش المصنوعة محلياً التي كانت أفضل أداء في الاختبار مع طبقة النايلون، مصنوعةٌ كلُّها من قطنٍ منسوجٍ بإحكام، من ذلك النوع المستخدم في خياطة اللحف، وكلُّها تحتوي على مادةٍ نفاذةٍ من نوعٍ ما، إمَّا عن طريق نسجها بالقطن العضوي وهو ما يُعرف "بالربط"، أو باستخدام النسيج الشاشي خفيف الوزن المستخدم في تقوية الأقمشة، مثل ياقات القمصان.

تشير "رينا ماكلينتير" إلى أنَّه يجب إجراء مزيدٍ من الأبحاث، حول عدد عمليات الغسيل التي يمكن أن تتحملَّها جوارب النايلون الدقيقة قبل أن تفقد فعاليتها. ولكن من حيث المبدأ تقول: من المنطقي أن يبدأ الأشخاص الذين يرتدون أقنعةً محلية الصنع باستخدام جوارب النايلون الطويلة كطبقةٍ إضافيةٍ الآن.

ويوافق كولينج على أنَّه من الهامِّ ارتداء الجميع أقنعة الوجه، ويضيف: "مع تزايد البحث عن الأقنعة محلية الصنع، نودُّ أن نرى توصياتٍ من مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، أو أيَّ مكانٍ آخر في العالم، ومن سلطات الصحة العامَّة الأخرى حول أفضل السبل للقيام بذلك".

ومع ذلك، يشدِّد كولينج على أنَّ الأقنعة وحدها لن تكون كافيةً لكبح انتشار الفيروس التاجي (كوفيد-19) في حين يبدأ العالم بالتفكير في كيفية الخروج من الحظر وإنهاء عمليات الإغلاق. ولكن مقارنةً مع استراتيجياتٍ أخرى مثل: الفحص المعزَّز، وتتبع الاتصال للحالات المؤكَّدة، وتدابير التباعد الاجتماعي المستمرة؛ يمكن للأقنعة أن تساعد في إبقاء انتشار الفيروس عند مستوى منخفض.

إقرأ أيضاً: في ظل تفشي جائحة الكورونا: تتهافت الشركات لتلبية طلبيات الأقنعة الطبية

كيف أصنع قناعاً منزلي الصنع؟

في حين أنَّ الحصول على زوجٍ من جوارب النايلون سهلٌ للغاية في الوقت الحالي، تبقى الأسئلة الشائعة تدور حول أفضل مادةٍ لصنع قناعٍ في المنزل.

فيما يلي بعض النصائح من باحثي صناعة الأقنعة:

1. استخدم قماشاً قطنياً سميكاً:

"بشكلٍ عام، تميل أقنعة القطن السميكة عالية الجودة إلى القيام بعملٍ أفضل في تصفية الجسيمات الصغيرة"، يقول الدكتور سكوت سيغال (Dr. Scott Segal)، أستاذ ورئيس قسم التخدير في كلية ويك فوريست للطب (Wake Forest School of Medicine)، والذي كان يختبر أقنعة القماش المختلفة طوال مسيرته العلمية. القاعدة الأولى: "ارفع القماش إلى ضوءٍ ساطع، فإذا كان يمكنك رؤية الضوء الذي يحدُّ الألياف في القماش، فإنَّ هذا القماش لا يقدِّم تصفيةً جيدة؛ وإذا لم تستطع، فمن المحتمل أن يكون القماش أفضل".

2. ضع طبقة قماشٍ إضافية:

يقول يانغ وانغ "Yang Wang"، أستاذٌ مساعدٌ في الهندسة البيئية في جامعة ميزوري للعلوم والتكنولوجيا (Missouri University)، والذي يدرس كيفية انتقال الجزيئات الدقيقة عبر الهواء، ويختبر مدى اختلاف الأقنعة القماشية: "يبدو أنَّ أقنعة القماش المصنوعة من طبقاتٍ متعددةٍ تقوم بعملٍ أفضل من تلك المصنوعة من طبقةٍ واحدة، كما تصلح الأدوات المنزلية كموادٍ لصنع القناع؛ حيث أنَّ القناع أحادي الطبقة المصنوع من قماشِ وسادةٍ ذات 400 خيط يتمتَّع بكفاءة تصفيةٍ تصل إلى حوالي 10٪، ولكن إذا دعمته بما يصل إلى أربع طبقاتٍ إضافيةً من القماش، فقد ارتفعت الكفاءة إلى حوالي 20٪". يقول وانغ: "إنَّه ليس مثالياً، ولكن باستخدام مزيدٍ من الطبقات يمكنك زيادة كفاءة التصفية؛ لكن فقط تأكَّد من عدم إكثار عدد الطبقات، وذلك كي تقدر على التنفس من خلالها".

 

المصدر




مقالات مرتبطة