هل تؤثر مشاهدة التلفاز على اكتساب اللغة عند الأطفال

كانت الأسرة فيما مضى ساحة التدريب الوحيدة لتنمية لغة الأطفال. فعندما يتكلم الآباء مع أطفالهم, ويناقشونهم, ويقرؤوا لهم القصص, وعندما يلعب الطفل مع أقرانه ويحاورهم ويستمع إليهم, فإن لغته تنمو تلقائياً بشكل جيد. وبعد استحواذ التلفاز على كم كبير من وقت الأسرة ووقت الطفل, تناقص بشكلٍ ملموس هذا التفاعل. وقلت الخبرات الواقعية التي كان يعيشها الطفل ضمن تجارب يومه المشغول كاملاً بالنشاطات الأسرية أو الخارجية, سواء مع أسرته أو أقربائه أو أقرانه.



فهل مشاهدة برنامج ما ( ولنفرض أنه افتح يا سمسم باعتباره من أفضل البرامج التعليمية للأطفال على الشاشة) يحقق نفس المكاسب المعرفية التي تتيحها الخبرات الواقعية سواء كانت لغوية أو مهارية؟

من أجل بيان تأثير المشاهدة التلفزيونية على اكتساب اللغة عند الأطفال, لنلقِ نظرة على تركيب الدماغ وظيفياً:

ينقسم الدماغ تشريحياً ووظيفياً إلى نصفين: أيمن وأيسر. الشق الأيسر هو مقر العمليات المنطقية واللفظية. والشق الأيمن هو مقر الأنشطة المكانية والوجدانية أي غير اللفظية. والجدول التالي يبين وظائف كل من شقي الدماغ:

 

النصف الأيسر

 

النصف الأيمن

 

التفصيل

 

الشمولية-الكلية

 

التفكير الواعي

 

التفكير اللاواعي

 

المنطق

 

الحدس

 

الإدراك الخارجي

 

الإدراك الداخلي

 

المناهج والقوانين

 

الإبداع

 

اللغة المكتوبة

 

الفراسة – لغة الجسد

 

المهارات الحسابية

 

الأشكال ثلاثية الإبعاد

 

التعقل والإدراك

 

التخيل

 

المهارات العلمية

 

الفن والموسيقى

 

العدوانية

 

تقبل المؤثرات الخارجية-السلبية

 

التتابعية

 

القيام بالكثير من الأشياء في نفس الوقت

 

الذكاء اللفظي

 

الذكاء العملي-الإجرائي

 

فكري-ذهني

 

حسي

 

التحليل

 

التركيب

 

 

عند ولادة الطفل لا تتمايز وظائف كل من شقي الدماغ. ومن الواضح أن الوليد لا يمتلك أي قدرات لفظية, وما يسيطر على دماغه هو القدرات غير اللفظية. ويتشرب الخبرة بشكل غير لفظي حتى يجيء وقت اكتساب اللغة. وبحلول السنة الثانية يبدأ الطفل في اكتساب اللغة ويبدأ نصفي الكرة في التمايز, ويشرع التفكير اللفظي في أداء دور متزايد الأهمية في تطور الأطفال المعرفي.

فهل يساهم التلفاز في تطور الأداء اللفظي للأطفال أم العكس؟؟

هناك دلائل توحي بأن تجارب السنوات المبكرة (حيث يكبر الجسم وينمو بسرعة ) ذات تأثير أكبر في نمو الدماغ من تلك التي تحدث في السنوات اللاحقة.

و هناك تجارب كثيرة تظهر أهمية الإثارة البيئية المبكرة على قطيطات صغيرة كموضوعات تجريبية :فقد تمت خياطة عيون القطيطات المولودة حديثاً لمنعها من الرؤية و بقيت القطيطات في ظلام ثلاثة أشهر وحين فتحت عيون القطيطات لم تبصر وبقيت عمياء. ففي غياب الإثارة البصرية خلال الأشهر الأولى من الحياة,أثبت الجهاز البصري للقطيطات أنه تعرض لتلفٍ دائم.

أما حين أغلقت عيون قطط أكبر كانت قد اكتسبت قوة الإبصار الطبيعية لفترة زمنية مماثلة لم ينجم عن ذلك أي ضرر بصري.

وبهذا نتأكد أن الخبرات التي يعيشها الطفل في سنواته الأولى تُحدث الأثر الأكبر والأقوى في تشكيل دماغه ونموّه.

ولنرَ إذاً ما هي الخبرات التي يتعرض لها الطفل في سنيّه الأولى في هذه الأيام .

مما لاشك فيه أن المشاهدة التلفزيونية تحتل وقتاً لا بأس به عند أطفال ما قبل المدرسة خصوصاً , فما هي الخبرات التي يكتسبها الطفل من هذه المشاهدة.

إن التجربة التلفزيونية هي في الأساس تجربة بصرية غير لفظية, أي أنها تؤثر في نصف الكرة الأيمن أكثر مما تؤثر في نصف الكرة الأيسر المنطقي اللفظي. ولو أردنا أن نتأكد من هذه الصفة للنظر إلى الصغير أو الكبير الذي يتابع مادةً ما على الشاشة, ويندمج فيها حتى تنتابه حالة أشبه بالغشية والتي لا يسمع معها ولا يرى إلا ما يعرض على الشاشة, فلا يردُّ نداءً ولا يتواصل مع من حوله. فهذه الحالة (الغشية) أقرب إلى التأمل وهي من حالات الشق الأيمن, وحتماً هي تجربة غير لفظية.

كما أن استخدام التلفاز كوسيلة تهدئة وعلاج مخفف للاستثارة المتزايدة عند الأطفال, وكمسكن للأطفال المُزعجين يؤكد الجوهر غير اللفظي للتجربة التلفزيونية. ولا يخفى علينا أيضاً أن رجل الأعمال الذي يعود إلى بيته منهكاً يشغّل التلفاز بقصد الاسترخاء  والراحة من حرارة التفكير المنطقي.

وقد أجريت دراسة هدفها استجلاء العلاقة بين المشاهدة ولغة الكلام لدى أطفال ما قبل المدرسة, وكشفت عن علاقة عكسية بين مدة المشاهدة والأداء في اختبارات النمو اللغوي.

فهناك فرق حاسم بين تجربة لغوية تُعرض على التلفاز لا تتطلب مشاركة متبادلة كما في كل برامج التلفاز,  فالمشاهد هو مستمع فقط, وأخرى تستوجب انخراط الأطفال فيها بنشاط كما يحدث في التعامل مع شخص آخر, حيث يُضطر الأطفال إلى استخدام اللغة والتعبير عما يجول في خواطرهم. ولهذا فإن تأثير مشاهدة التلفاز في سني العمر الأولى (أطفال ما قبل المدرسة) أقوى بكثير من تأثيرها في المراحل اللاحقة. وهذا ما تناولناه في تجربة القطط المذكورة أعلاه.

يقوم التلفاز وعبر برامجه –حتى التعليمية الموجهة منها- بتعزيز الأداء العقلي غير اللفظي عند الأطفال الصغار الذين يمرون بسنوات تكوينهم وتعلمهم اللغوي. حيث يستقر لديهم نمط تفكير يؤكد المعرفة غير اللفظية. وهي معرفة سهلة المنال, ترتكز على الصورة, وترسل معلومات جاهزة إلى الدماغ, غير متيحة للمشاهد الصغير فرصة التفكير فيها أو بذل أدنى جهد في اكتسابها.

ولا يخفى حاجة الأطفال الصغار إلى النشاط العقلي في تلك المرحلة. فهم أجهزة تعلُّمية, وعقول ممتصة نهمة للخبرة. ولا يصح أن نسكن هذا النهم بالتخدير, بل ينبغي أن نتيح لهم من النشاطات ما يحملهم على التفكير المنطقي والتفاعل اللغوي مع الأهل والأقارب والجيران والأصدقاء, والذي يمكنهم من اكتساب أدوات اللغة.

 بقلم: ضحى فتاحي

المرجع:

وين, ماري: الأطفال والإدمان التلفزيوني. ترجمة عبد الفتاح صبحي. سلسلة عالم المعرفة. العدد 247

المصدر: زاد ترين