هرم العلامة التجارية: بناء الوفاء لدى الزبون

عندما تتسوّق في مخزن الخضروات المحلي قد يكون ثمَّة بعض العلامات التجارية التي لا تشعر بأنَّ أي شيءٍ يربطك بها، وقد تشعر من جهةٍ أخرى بشغفٍ حقيقي تجاه علاماتٍ تجاريةٍ أخرى. فقد لا تشرب على سبيل المثال إلَّا صنفاً محدداً من القهوة، أو لا تطهو إلَّا باستخدام صنفٍ معيَّنٍ من زيت الزيتون، أو لا تستخدم إلا نوعاً معيَّناً من الهواتف الخليوية. والسبب في ذلك ربما يكون أنَّ هذه المنتجات تساعد على تحديد "من تكون أنت" من دون أن تكون أنت واعياً لذلك.



إذا كنت تعمل في مجال التسويق فستعرف مدى أهمية أن تثير علامتك التجارية عواطف الزبائن. فعندما يشعر شخصٌ ما برابطٍ عاطفيٍّ إيجابيٍّ قوي يربطه بمنتجٍ ما فإنَّ هذه العاطفة هي التي تشكل عنده الولاء للعلامة التجارية، وهذا ما يثير إلهامه ويدفعه إلى تكرار عملية الشراء.

يمكنك تشبيه الطريقة التي ينتقل خلالها الزبائن من مجرد معرفة علامتك التجارية إلى كونهم أوفياء لها بالرحلة. ولكن كيف تعرف إلى أين وصل زبائنك في هذه الرحلة، وكيف تشجعهم خلالها؟ وهل يتخلى زبائنك عن علامتك التجارية بعد أن يكونوا قد تعرفوا عليها حالما يطرح منافسوك منتجاتٍ مشابهةً للبيع؟

تُعَدُّ أداة "هرم العلامة التجارية" أداةً مفيدة يمكن أن تساعدك على تحديد المكان الذي وصل إليه زبائنك في رحلتهم نحو الوفاء للعلامة التجارية. وسنستكشف في هذه المقالة كيف يمكنك استخدام هذه الأداة لزيادة وفاء الأشخاص لعلامتك التجارية، أو منتجك، أو منظمتك.

ملاحظة:

وفقاً لخبير التسويق "سيث جودين" (Seth Godin) تكون العلامة التجارية هي "مجموعة من التوقعات، والذكريات، والقصص، والعلاقات التي تكون مجتمعةً سبباً في قرار الزبون شراء منتجٍ ما أو خدمةٍ ما وعدم شرائه لمنتجٍ آخر أو خدمةٍ أخرى". فالعلامات التجارية يمكن أن تكون سبباً في بروز المنتجات، والخدمات، وحتى المنظمات بأكملها.

لمحة:

ثمَّة عدة نُسَخٍ مختلفة لهرم العلامة التجارية، ولكنَّ معظمها مبنيٌّ على النموذج الأصلي الذي وضعته شركة "ميلورد براون" (Millward Brown) في منتصف تسعينيات القرن الماضي وهي شركة عالمية للأبحاث والاستشارات التسويقية. فقد قضت الشركة 30 عاماً وهي تتعقب الدراسات المرتبطة بصحة العلامة التجارية والتي أُجريت في الآلاف من المنظمات، ومن ثم استخدمت هذا البحث لوضع نموذجها الأصلي. حيث يبيِّن النموذج كما هو واضح في الصورة1 المراحل الخمس الأساسية التي يمر بها المستهلك في طريقه نحو الوفاء للعلامة التجارية انطلاقاً من المعرفة العامة وانتهاءً بالوفاء التام.

الصورة1: هرم العلامة التجارية

إمكانية الحصول على عائدات

الوفاء

الارتباط

الفائدة

الأداء

الملاءمة

 

الظهور

من الواضح أنَّ هدف هذه الأداة هو جلب أكبر عدد ممكن من الزبائن إلى المستويات العليا من الهرم. فكلما ارتقى الأشخاص نحو أعلى الهرم ازدادت الأموال التي من المحتمل أن ينفقوها على علامتك التجارية (وهذا ما يفسِّر كون الهرم مقلوباً). فلنلقِ نظرةً على كل مستوى من المستويات بشكلٍ مفصل:

المستوى الأول: الظهور

كل ما يقوم به الزبائن في هذا المستوى هو أنَّهم يتعرفون على علامتك التجارية، وقد يجرِّبون منتجك أو خدمتك. ولكنَّ ارتباطهم العاطفي بهذا المنتج أو تلك الخدمة يكاد يكون ضعيفاً أو معدوماً.

المستوى الثاني: الملاءمة

يبدأ الزبائن في هذه المرحلة بالتفكير فيما إذا كانت العلامة التجارية تلائم رغباتهم واحتياجاتهم. وهنا يبدؤون بموازنة تكلفة منتجاتك بالقيمة التي تقدمها، وطرح أسئلةٍ من قبيل:

  • "هل تلبي هذه العلامة التجارية احتياجاتي؟"
  • "هل هي ضمن إطار السعر المناسب بالنسبة إلي؟"
  • "هل تستحق هذا السعر؟"

المستوى الثالث: الأداء

وهنا يبدأ الزبائن بموازنة العلامة التجارية بالعلامات التجارية الأخرى لمعرفة إذا ما كانت تفي بإمكاناتها، وربط العلامة التجارية أيضاً بهويةٍ محددة، والنظر إليها بعين التقدير، والتعامل وإياها. والآن أصبحت العلامة التجارية على قائمة العلامات التجارية المفضلة التي تنحصر اختيارات الزبائن ضمنها.

المستوى الرابع: الفائدة

يقرر الزبائن في هذا المستوى أنَّ ثمَّة فائدة مميزة يقدمها لهم استخدام العلامة التجارية موازنةً باستخدام العلامات التجارية الأخرى، ويبدؤون أيضاً بربط العلامة التجارية بعواطفهم وبشعورهم بذواتهم.

المستوى الخامس: الارتباط

يتكون هنا في هذه المرحلة رابطٌ يربط الزبائن بالعلامة التجارية. فقد رأوا أنَّ التكلفة، والفائدة، والأداء قد وصلت جميعاً إلى المستويات التي تحقق لهم السرور، وقد تشكَّل لديهم رابطٌ عاطفيٌّ قوي بالعلامة التجارية حيث أصبحت جزءً أساسياً من صورة الذات لديهم وهي تساعدهم على التعبير عمَّا يكونون، وهذا بدوره يساعد على استبعادهم للعلامات التجارية الأخرى لصالح هذه العلامة التجارية. وفي هذه المرحلة أيضاً يصبح الزبائن من أشد المؤيدين للعلامة التجارية وهذا ما يساعد على زيادة الوعي للعلامة التجارية ضمن أوساطهم العائلية، والمجتمعية، والمهنية.

ملاحظة:

من الأفضل عادةً الافتراض أنَّ الزبائن ينتقلون من مرحلةٍ إلى أخرى بشكلٍ متسلسل بدءاً بمرحلة الظهور وحتى مرحلة الارتباط.

تطبيق أداة هرم العلامة التجارية:

تستطيع استخدام هرم العلامة التجارية عند تطوير الاستراتيجية التسويقية لعلامتك التجارية، أو منتجك، أو خدمتك. فعندما تفهم الخطوات الخمس التي يمر بها الأشخاص في طريقهم نحو الشعور بالوفاء لعلامتك التجارية تستطيع تركيز جهودك التسويقية على قيادة الزبائن المستهدفين خلال هذه المراحل.

ولكن تذكر أنَّه ثمَّة بعض نقاط التقاطع بين جميع المستويات وقد يكون من الصعب أو من غير العملي التركيز على مرحلة واحدة فقط. إليك بعض الاستراتيجيات والأدوات التي يمكنك استخدامها عند تطبيق هرم العلامة التجارية على حالتك:

الظهور والملاءمة (المستويان الأول والثاني):

يمكنك هنا استخدام "" لوضع الأسس لاستراتيجيتك التسويقية والتعريف بعلامتك التجارية. بالإضافة إلى أنَّه سيكون لديك على الأرجح مجموعات مختلفة من الزبائن الذين لديهم رغبات واحتياجات مختلفة والذين تختلف مستويات الأرباح التي من المحتمل أن يقدموها لذا من المفيد أن تستخدم هنا أيضاً تقسيم السوق بحيث تستطيع تركيز استراتيجيتك التسويقية على تقديم العروض التي تستهدف المجموعة البارزة من الأشخاص الذين يُرجَّح أن يتفاعلوا مع علامتك التجارية.

كما سيكون لدى الزبائن الرغبة في أن يعرفوا أيضاً كيف تلبي علامتك التجارية رغباتهم واحتياجاتهم. حيث يُعَدُّ السعر مهماً هنا فإذا كان السعر مرتفعاً جداً فإنَّ الزبائن لن يشتروا منتجك وإذا كان منخفضاً جداً فقد يفترضون أن الجودة تتوافق والسعر المنخفض للمنتج. وقد يكون من المفيد أيضاً استخدام أداة "التحليل المشترك" (Conjoint Analysis) لتقويم خيارات المشترين فهذا يمكن أن يساعدك على تحديد ما يريده زبائنك حقاً من منتجك أو خدمتك، وهذه المعلومات بدورها تساعدك على ضبط تصميم منتجك وضبط عملية تسويقه للتعامل مع هذه القضايا (كما يمكن لـ "تحليل نموذج كانو" (Kano Model Analysis) أن يكون مفيداً هنا أيضاً).

تذكر أنَّ الارتباط العاطفي بمنتجك لا يزال ضئيلاً في هذه المرحلة فالزبائن يوازنون بين السعر والقيمة. وتأكَّد أيضاً من أنَّ استراتيجيتك التسويقية تعالج هذه الاهتمامات الأساسية.

نصيحة:

سيكون ثمَّة في كل وقت مجموعات مختلفة من الزبائن في مختلف مستويات الهرم، لذلك فإنَّ "منحنى انتشار المنتج" يساعدك على التفكير في الكيفية التي تستطيع من خلالها استهداف مجموعات مختلفة من الزبائن في مراحل مختلفة من دورة حياة المنتَج.

الأداء (المستوى الثالث):

لكي تصل إلى هذه المرحلة تحتاج إلى أن تثبت أنَّ علامتك التجارية أفضل من العلامات التجارية لمنافسيك، لذا تأكَّد من أنَّ موادك التسويقية تقدم للزبائن المعلومات التي يحتاجون إليها للموازنة بين منتجك والمنتجات المنافِسة. وبالاعتماد على جمهورك أثبت لزبائنك كيف أنَّ علامتك التجارية هي الأفضل أو كيف أنَّ منتجك هو الأفضل من خلال توضيح فوائدها لا من خلال توضيح ميزاتها. وإذا كنت لمَّا تقم بذلك بعد فأجرِ والذي يساعدك على تحديد الفوائد ذات القيمة والتي تتفرَّد بها علامتك التجارية.

الفائدة والارتباط (المستويان الرابع والخامس):

لكي تصل إلى المرحلة الأخيرة تحتاج إلى توضيح المزيد من الفوائد التي يمكن إدراكها لعلامتك التجارية. ولكنَّ المؤثِّرات "الأنعم" قد يكون لها مكانٌ هنا أيضاً، فقد يبدأ الزبائن بربط علامتك التجارية بعواطف من قبيل الفرح، أو التسلية، أو استحسان الأقران. حيث تحتاج في استراتيجيتك التسويقية إلى التعامل مع هذه العواطف وتعزيزها. عندما يكون لدى زبائنك رابطٌ عاطفيٌّ متين يربطهم بعلامتك التجارية فهم سيدافعون على الأرجح عن الفوائد التي تقدمها العلامة التجارية أمام الآخرين في محيطهم الاجتماعي، والعائلي، والمهني.

وهنا يكون قد تشكَّل لدى منظمتك على الأرجح ثقافة تحيط بها. لذا قدم هدايا ومحفِّزات تشجيعية لأبرز المدافعين عنك، واستقبل أحداثاً تحظى باهتمام القاعدة الأساسية لزبائنك، وقم بكل ما تستطيع القيام به للوصول إلى زبائنك على المستوى الشخصي.

النقاط الأساسية:

يوضح هرم العلامة التجارية المراحل الأساسية التي يمر بها الزبائن في طريقهم إلى بناء الوفاء للعلامة التجارية، أو المنتَج، أو المنظمة. هذه المراحل هي:

  1. الظهور.
  2. الملاءمة.
  3. الأداء.
  4. الفائدة.
  5. الارتباط.

تستطيع استخدام هرم العلامة التجارية بوصفه جزءاً من عملية تطوير خطة تسويقية فعالة. فالهدف هو الوصول بأكبر عدد ممكن من الزبائن إلى أعلى مستوى في الهرم.

المصدر




مقالات مرتبطة