نموذج التقطيع والاستهداف والتموضع: زيادة العائدات من خلال التخصّص

بدأت "صوفيا" توَّاً عملها الجديد بصفتها مديرةً للتسويق في أحد متاجر الأزياء، وقد أجرت تحليلاً دقيقاً لبيانات البيع خلال الأسابيع القليلة الأولى واكتشفت بشكلٍ سريع أنَّ ثمَّة مجموعةً محددة من الزبائن ذوي القيمة العالية بالنسبة إلى المتجر يشكِّلون فرصةً لتحقيق الربح. ولذلك طرحت مع فريقها عدداً من الأفكار وتوصلوا إلى منتجٍ جديدٍ ومثير من المُحتمل أن يحقّق نجاحاً حقيقياً للشركة من خلال بيعه إلى هذه المجموعة. فما قامت به "صوفيا" هو أنَّها حددت من بين القطاعات الموجودة في السوق قطاعاً مُربحاً يعود التعامل معه وتلبية احتياجاته بالقدر الأكبر من الربح، ولكن كيف قامت بذلك؟ وكيف يمكن لأعضاء فريقها تطوير منتجٍ مثاليٍّ لهؤلاء الأشخاص؟ وكيف يتوجب عليهم توضيح فوائده لهم؟



سنلقي نظرةً في هذه المقالة على نموذج التقطيع، والاستهداف، والتموضع، وهو أحد المناهج التي يمكنك استخدامها لتحديد القطاعات ذات القيمة الأكبر في السوق ومن ثمَّ إجراء عمليات بيع ناجحة لهذه القطاعات من خلال منتجات موجهة لهم بدقة والتسويق قبل ذلك بعناية لهذه المنتجات.

حول النموذج:

يتألف نموذج التقطيع، والاستهداف، والتموضع من ثلاث خطوات تساعدك على تحليل عرضك (منتجك) وتحليل الطريقة التي ستوضح من خلالها فوائده وقيمته لمجموعاتٍ محددة من الأشخاص، وهذه الخطوات الثلاث هي:

  • الخطوة الأولى: تقطيع السوق.
  • الخطوة الثانية: استهداف المجموعة الأفضل من زبائنك.
  • الخطوة الثالثة: اختيار موضعٍ لعرضك أي بناء صورةٍ له في أذهان الزبائن.

يُعَدُّ هذا النموذج نموذجاً مفيداً لأنَّه يساعدك على التعرف على أنواع الزبائن ذوي القيمة الأكبر ومن ثمَّ تطوير المنتجات والرسائل التسويقية التي تتناسب معهم بشكلٍ مثالي. حيث يتيح لك هذا الارتباط بهذه المجموعات من الزبائن بشكلٍ أفضل، وإضفاء الطابع الشخصي المخصص على رسائلك، وبيع كميةٍ أكبر من منتجك.

مثال:

تمتلك شركة "ماريوت إنترناشيونال" (Marriott International®) مجموعة مختلفة من سلاسل الفنادق التي تستهدف مجموعات محددة من الزبائن. فعلى سبيل المثال تركز فنادق "كورتيارد" (Courtyard) التابعة لشركة ماريوت اهتمامها على المسافرين على الطرقات والذين يريدون مكاناَ جميلاً ونظيفاً ليقيموا فيه خلال رِحَلِهِم، أمَّا فندق "ريتز-كارلتون" (Ritz-Carlton®) فيستهدف الأشخاص المستعدين لدفع مبالغ إضافية لقاء حصولهم على الرفاهية، في حين أنَّ فنادق "ماريوت إكسكيوستاي" (Marriott ExecuStay®) موجهة إلى المهنيِّين الذين يحتاجون إلى مكانٍ مريح يبقون فيه وقتاً طويلاً.

ومثلما هو متوقع فإنَّ "ماريوت إنترناشيونال" لا تبعث بالرسائل التسويقية نفسها إلى جميع زبائنها، فكل فندق مصمم ومهيأ بحيث يلبَّي رغبات مجموعة محددة من الأشخاص واحتياجاتهم.

تطبيق نموذج التقطيع، والاستهداف، والتموضع:

اتّبع الخطوات الآتية لتطبيق نموذج التقطيع، والاستهداف، والتموضع في منظمتك:

الخطوة الأولى: تقطيع السوق

لا يمكن للمنتج الذي تقدمه شركتك أو لعلامتها التجارية أن يرضيا جميع الأشخاص أو أن يكونا مفيدَيْن لهم جميعاً، ولهذا السبب فأنت تحتاج إلى تقسيم السوق، أي تقسيم زبائنك إلى مجموعاتٍ من الأشخاص تتمتع كل واحدة منهم بصفاتٍ واحتياجاتٍ مختلفة. يتيح لك هذا تصميم منهجك بحيث يلبِّي احتياجات كل مجموعة من المجموعات على نحوٍ فعال من حيث التكلفة ممَّا يمنحك ميزةً كبيرة تتفوق بها على منافسيك الذين يستخدمون نهج "مقاس واحد يناسب الجميع". ثمَّة العديد من الطرائق المختلفة لتقطيع السوق التي ترغب في استهدافها، حيث تستطيع على سبيل المثال استخدام المناهج الآتية:

  • التقطيع السكاني: وذلك بناءً على الميزات الشخصية كالسن، أو الحالة الزوجية، أو الجنس، أو العرق، أو الحياة الجنسية، أو التعليم، أو المهنة.
  • التقطيع الجغرافي: وذلك بناءً على البلد، أو المنطقة، أو الولاية، أو المدينة، أو الحي.
  • التقطيع من خلال التحليل الشخصي (Psychographic): وذلك بناءً على الشخصية، أو درجة العزوف عن المخاطرة، أو القِيَم، أو أسلوب الحياة.
  • التقسيم السلوكي: وذلك بناءً على طريقة استخدام الأشخاص للمنتج، أو مقدار ولائهم، أو الفوائد التي يبحثون عنها.

(يمكنك استخدام لتحديد العوامل التي تؤثِّر في عمليات الشراء التي يقوم بها زبائنك).

مثال:

إنَّ شركة "أدفينتشر ترافيل" (Adventure Travel Company) هي وكالة سفر تعمل عن طريق الإنترنت وتنظِّم رحلاً حول العالم. قسَّمت هذه الوكالة زبائنها إلى ثلاثة قطاعات لأنَّه من المكلف للغاية بناء حزم مختلفة من الخدمات لمجموعات إضافية غير هذه المجموعات. فالقطاع أ يضم الأزواج الشباب والزوجات الشابَّات الذين يهتمون في المقام الأول بالرحلات الرخيصة والصديقة للبيئة نحو الأماكن الغريبة. والقطاع ب يضم العائلات من الطبقة المتوسطة الذين يريدون رحلاتٍ آمنةً ومناسبةً للأسر والتي تجعل السفر مع الأولاد أمراً سهلاً ومسلِّياً. أمَّا القطاع د فيضم المتقاعدين الأثرياء الذين يبحثون عن عطلٍ ذات طابع أنيقٍ وفخم وفي أماكن مشهورة كباريس وروما.

الخطوة الثانية: استهداف المجموعة الأفضل من زبائنك

حدّد بعد ذلك القطاعات التي تريد استهدافها من خلال إيجاد الأكثر جاذبيةً بينها. ولكن ثمَّة العديد من العوامل التي يجب مراعاتها هنا، فانظر أولاً إلى حجم الربح الذي يمكن أن يقدمه كل قطاع، فأي مجموعة من الزبائن هي التي تساهم في تحقيق القدر الأكبر من العائدات؟ وحلل بعد ذلك حجم كل مجموعة من مجموعات الزبائن واحتمال نموها. فهل هي كبيرة بما يكفي لجعلها تستحق الاهتمام؟ وهل من الممكن أن يشهد نمو هذه المجموعة حالةً من الاستقرار؟ وما وضعها موازنةً ببقية القطاعات؟ (تأكَّد من أنَّك لن تقلل من عائداتك إذا ما حولت تركيز انتباهك إلى سوقٍ متخصصةٍ صغيرةٍ للغاية). وأخيراً فكر بعناية في مدى قدرة منظمتك على خدمة هذه السوق بشكلٍ جيد. هل ثمَّة على سبيل المثال أيَّة عوائق قانونية، أو تكنولوجية، أو اجتماعية يمكن أن تؤثر في خدمتك له ؟ قم بإجراء لكي تفهم الفرص والتهديدات التي من الممكن أن تؤثر في كل قطاع من القطاعات.

نصيحة:

قد يستهلك استهداف قطاعٍ ما بشكلٍ فعال الكثير من الجهد، لذلك اختر قطاعاً واحداً فقط لكي تركز انتباهك عليه بشكلٍ دائم.

مثال:

حللت شركة "أدفينتشر ترافيل" الأرباح التي يقدمها كل قطاعٍ من قطاعاتها، وعائداته، وحجمه في السوق. حيث كانت قيمة عائدات القطاع أ 8220000 دولار، وكانت عائدات القطاع ب 4360000 دولار، أما عائدات القطاع د فكانت 3430000 دولار. لذا قررت الشركة تركيز اهتمامها على القطاع أ بعد التحقق من أنَّ القطاع كبيرٌ بما يكفي (حيث تشير التقديرات إلى أنَّ قيمته تساوي 220000000 مليون دولارٍ في العام).

الخطوة الثالثة: اختيار موضعٍ لعرضك (بناء صورةٍ له في أذهان الزبائن)

يكمن هدفك في هذه الخطوة الأخيرة في أن تحدد الطريقة التي ستبني من خلالها صورة منتجك بحيث يستهدف قطاعات الزبائن ذات القيمة الأكبر. ومن ثمَّ تستطيع اختيار الذي من الممكن أن يكون الأكثر فعاليةً بالنسبة إلى كل قطاع من هذه القطاعات. فكر أولاً في السبب الذي يدفع زبائنك إلى شراء منتجاتك بدلاً من شراء منتجات منافسيك. ويمكنك القيام بذلك من خلال تحديد الخاص بك ورسم "خريطة تموضع" لكي تفهم كيف ينظر كل قطاع من القطاعات إلى منتجك، أو علامتك التجارية، أو خدمتك. وسيساعدك هذا على تحديد أفضل طريقة لبناء صورة لعرضك. وانظر بعد ذلك إلى رغبات كل قطاع من القطاعات وإلى احتياجاته، أو إلى المشكلة التي يحلها منتجك لهؤلاء الأشخاص. وضع "عرض قيمةٍ" يبيِّن بوضوح كيف أنَّ عرضك سيلبِّي هذه الحاجة بشكلٍ أفضل ممَّا يفعله أيُّ منتجٍ من منتجات منافسيك، ومن ثمَّ طور حملة تسويقية تعرض عرض القيمة هذا بطريقةٍ تحظى بتقدير جمهورك.

مثال:

لقد سوَّقت شركة "أدفنتشر ترافيل" نفسها على أنَّها "أفضل من يقدم خدمة الرحلات الصديقة للبيئة للأزواج الشبان والزوجات الشابات" (القطاع أ). فأجرت مسابقةً عبر موقِعَي "أنستغرام" (Instagram®) و"بينترست" (Pinterest®) بهدف الوصول إلى السوق التي ترجو الوصول إليها لأنَّ هذه القنوات هي القنوات التي يفضلها هؤلاء الأشخاص. وطلبوا من الزبائن إرسال صورٍ جميلة لرحلاتٍ صديقةٍ للبيئة قاموا بها في السابق والصورة الأفضل ستفوز برحلة كاملة. حظيت الحملة بانتشارٍ كبير وأرسل آلافٌ من الناس صورهم ممَّا ساعد على بناء القائمة البريدية لشركة "أدفنتشر ترافيل". ووضعت الشركة بعد ذلك رسائل إخبارية إلكترونية شهرية ملأى بملفات تتضمن وجهات لرحلات صديقة للبيئة.

النقاط الرئيسة:

يساعدك نموذج التقطيع، والاستهداف، والتموضع على بناء صورةٍ لمنتجٍ ما أو خدمةٍ ما بحيث تستهدف من خلالهما مجموعاتٍ مختلفةً من الزبائن بشكلٍ أكثر فعالية. يساعدك هذا النهج ذو العناصر الثلاثة على تركيز اهتمامك بشكل سريع على الأجزاء الأكثر جذباً للربح في عملك، ومن ثمَّ تستطيع استغلال الفرص التي تقدمها هذه الأجزاء استغلالاً كاملاً. ولكي تستخدم النموذج ابدأ بتقطيع سوقك إلى مجموعات، ومن ثم اختر من هذه المجموعات المجموعة التي ترغب في استهدافها، وأخيراً حدد الطريقة التي ترغب من خلالها ببناء صورة منتجك بالاعتماد على شخصية السوق التي تستهدفها وسلوكها.

المصدر




مقالات مرتبطة