نصيحةٌ واحدة لتغيير مسيرتك المهنيَّة

حين بدأتُ وظيفتي الأخيرة لدى إحدى الشركات، طلبتُ من زملائي ذوي الخبرة المشورة والنصيحة وسألتُهم عن أفضل الممارسات لتنفيذها، وقد نصحني مُعظَمهم عندَها بالتقرُّب من الأشخاص والمديرين الهامين في الشركة، وهي شيفرةٌ مُتداولَة في الشركة وتعني التملُّق، ولم تكُن تلك المرة الأولى التي عملتُ فيها لحساب شركةٍ كُبرى، فقد رأيتُ كثيراً من المتملِّقين يحصلون على ترقياتٍ في الماضي؛ لذا قررتُ في لحظة ضعفٍ الإصغاء لهؤلاء المُغفَّلين.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "داريوس فوروكس" (Darius Foroux)، ويُحدِّثنا فيه عن أضرار التملُّق وأهمية العمل بجد واجتهاد للحصول على الترقيات والمكافآت المهنية.

لقد حاولتُ التقرُّب من الأشخاص الهامِّين من خلال جدولة اجتماعاتٍ غير ضرورية مع أشخاص عشوائيين دون أي هدف، والحرص على الكلام الدائم وقول أي شي خلال الاجتماعات، والتظاهر بأنَّني أعمل في حين كنتُ أشاهد فيديواتٍ على "يوتيوب" (YouTube)، والبقاء في المكتب حتَّى وقتٍ متأخر بينما لم أكُن مُنتجاً على الإطلاق.

لكنَّني شعرتُ أنَّ التملُّق ليس أمراً صائباً فلم أستطِعْ الاستمرار على هذا النحو أبداً لأنَّه ليس مشابهاً لأسلوبي وطريقتي في الحياة؛ لكنَّه مغرٍ جداً بسبب المكافآت والجوائز التي يحصل عليها المتملِّقون في المقابل، فلا أحدَ منَّا لا يشعر برغبةٍ في الحصول على ترقيات ومكافآتٍ في عمله؛ لذا فإنَّك تُخدَع وتُستدرَج لممارسة التملُّق دون أن تشعر بذلك؛ ولهذا فأنا أفهمُ السببَ الذي يدفع مَنْ يبدأ العمل في الشركات إلى ممارسة لعبة السياسة؛ إذ يظنُّ أنَّه أمرٌ عادي وطبيعي.

لكنَّ التقرُّب من الأشخاص والمديرين الهامين في مكان عملك نصيحةٌ سيئة ومُريعة، وكذلك جميعُ النصائح المشابهة لها، كالتصنُّع والادِّعاء حتى بلوغ النجاح أو تكوين العلاقات في سبيل الوصول إلى القمة، لأنَّها جميعاً مبنيةٌ على المظاهر والخداع.

إقرأ أيضاً: اعتماد منظور جديد للتطوير المهني

طريقةٌ أخرى للحصول على الجوائز والمُكافآت:

لقد كنتُ محظوظاً للغاية بلقاء شابٍّ ما زال صامداً في وجه الدَّاعين للتملُّق، والذي كان نائبَ رئيسٍ جديداً في قسمٍ آخر؛ إذ التقينا في المصعد وتحدَّثنا قليلاً لنجدَ أنَّنا منسجمَين ومتَّفقَين للغاية؛ لذا فقد قررنا تحديد وقتٍ ما كي نلتقيَ بصورة مناسبة؛ وقد ظننتُه شخصاً صادقاً وواثقاً بنفسه ولذا أخبرتُه عن النصيحة التي تلقيتُها بالتقرُّب من الأشخاص الهامين وسألتُه عن رأيه في ذلك، فكانت نصيحتُه لي بالابتعاد عن الثرثرة وإنجاز عملي فحسب وترك نتائجي وثمار أعمالي تتحدث نيابة عني.

لقد أخبرَني بأنَّه ليس مهتماً بالتلاعب ولم يمارسه في حياته ولم يتقدم أبداً لوظيفة المدير؛ بل عمل جاهداً مما جعل الآخرين يعترفون بإنجازاته ويكافئونه عليها ويحملون الفرَص الذهبية إليه، وقد كانت تلك أفضلَ نصيحة مهنيةٍ تلقيتُها في حياتي على الإطلاق، وقد كانت عظيمةً بسبب بساطتها ونجاحها في جميع المجالات العملية والصناعات.

كما يقول الكاتب والمؤلِّف البريطاني "ديفيد أوجيلفي" ( David Ogilvy): "عادةً ما تكون الأفكار الكبيرة والعظيمة بسيطةً للغاية"؛ إلَّا أنَّه يصعُب على الناس تقبُّل هذه النصيحة أيضاً، فهي غامضةٌ وغيرُ مؤكَّدةٍ لأنَّها تتمثَّل بإنجاز المرء لعمله فحسب؛ ومن ثمَّ الأمل بما هو أفضل دائماً؛ إذ تحصل على المكافآت عندما تعمل بجدٍّ واجتهاد، فالأمر أشبهُ بالناس الذين يخبرونك بأنَّ الأشياء الجيدة ستأتي حتماً في النهاية وفي وقتها المناسب.

أمَّا بالنسبة إلى مَن يستهزئ بهذا الكلام ويتذرع برغبته في الحصول على نتائج ومكافآت فورية وسريعة، فأنصحه بصدقٍ بالتروِّي وألَّا يكون كالأطفال الذين يريدون تناول حلوياتهم في الحال؛ إذ أفهم بصفتنا بشَراً هوسَنا بالنتائج السريعة ووضع المُخطَّطات؛ فنحن نرغب في فعلِ واجباتٍ مُعيَّنة ومُحدَّدة مُسبَقاً كي نحصل على نتائج معروفةٍ ومضمونة، لكنَّ الأمور ليسَت بتلك البساطة لسوء الحظ.

على سبيل المثال، انضمَّ الآلاف من الأشخاص إلى نشرتي الإخبارية خلال الأشهر القليلة الماضية، إضافة إلى أكثر من مليون شخصٍ يقرؤون مقالاتي؛ لذا فقد حصلتُ على فُرَص عديدة جديدة بسبب هذه الشعبية الكبيرة.

شاهد بالفيديو: خطوات تبديل المسار المهني

نصيحةٌ واحدة لتغيير مسيرتك المهنيَّة:

إن سألتَني عن مُخطَّطي الدقيق، فليس لديَّ أدنى فكرةٍ عن ذلك؛ إذ أؤدي واجباتي وأنجِزُ أعمالي فحسب وأبتعد عن التسويف والمماطلة قدرَ الإمكان، كما أنَّني لستُ ساحراً أيضاً؛ ومن ثَمَّ لا أستطيع خداع الناس والتحايلَ عليهم لقراءة ما أكتبُه أو العمل معي؛ إذ لن يستطيع الأشخاص الذين يواصلون إضاعة الوقت أن يتحسَّنوا ويتطوَّروا فيما يفعلونه مهما بلغَ عددُ الحيل التسويقية التي يستخدمونها أو اختبارات أ-ب التي يُجرونَها أو الاجتماعات التي يجدولونها مع أشخاصٍ هامِّين أو اللقاءات التي يحضرونها.

لذا أنصحك بجعل الأمور بسيطةً قدر الإمكان بدلاً من تجربة أشياء جديدة باستمرار أو فعل أشياء غير ضرورية، والتركيز على كفاءاتك ومؤهِّلاتك الجوهرية وتحسينها، والالتزام بأداء عملك الحقيقي وتحقيق إنجازاتك العظيمة بعيداً عن الحيل والخداع، فكما يقول المؤلِّف الأمريكي "سيث غودين" ( Seth Godin): "كُنْ استثنائياً أو استقِلْ من عملك، فالأمور العادية والمتوسطة للفاشلين".

إقرأ أيضاً: عشرون نصيحة للنجاح المهني

في الختام:

إنَّ نصيحة تأدية عملك بإتقان هي أفضلُ وأبسطُ نصيحةٍ مهنيةٍ تلقيتُها، وليس عليك حتَّى أن تكون أفضل شخصٍ في العالم؛ إنَّما عليك بدايةً أن تحسِّن نفسَك كي تصبح أفضل من الأشخاص العاديين، وهي النصيحة الوحيدة التي ستحتاجُها خلال مسيرتك المهنية، وستجد أنَّ النتائج والمكافآت آتيةٌ لا محالة، وإلَّا فعليك العودة للتملُّق؛ لكنَّني متأكدٌ تماماً أنَّ هذا لن يحثَ أبداً؛ لذا فلنعُدْ إلى العمل بجدٍّ في الوقت الحالي.




مقالات مرتبطة