نشأة البرمجة اللغوية العصبية في الولايات المتحدة الأمريكية

 

البرمجة اللغوية العصبية في الولايات المتحدة الأمريكية

كارول هاريس

منذ بداية السبعينات من القرن العشرين، تواجدت البرمجة اللغوية العصبية كعلم محدد قائم بذاته في الولايات المتحدة،وقد كان هناك كثير من المؤثرات التي أحاطت بتطورها يعود تاريخها الى عدة عقود(و منها ما يتصل بالأبحاث التي أجريت من قبل القوات الجوية الأمريكية والمخابرات المركزية حول اللغة، ووضع النماذج، و دراسة حركة العين و دلالاتها...)، بل ان هناك بعض الأفكار تعود أصولها الى قرون عديدة مضت.



و في أواخر الخمسينات، اجتمع بعض العلماء و الباحثين في مدينة "بالوالتو" بولاية "كاليفورنيا"،كونوا ما أطلق عليه بعد ذلك "مشروع أبحاث التواصل"، و قاموا تحت قيادة "جريجوري باتيسون" بدراسة وسائل التواصل، و العلاج النفسي، و العلاج السريع، و سلوك الحيوانات. بعد ذلك تم انشاء جماعة أخرى داخل "معهد الأبحاث العقلية"، والتي كان من أشهر أعضائها "بول فاتزلافيك" و الراحل "ديفيد ويكلاند"، و قد أطلق على هذه المجموعة اسم "جماعة بالوالتو".درست هذه الجماعة المناهج و التقنيات التي كان الممارسون آنذاك يستخدمونها، و منهم "بيرلز" و "ساتير"و "اريكسون"و "هكسلي"، و بحثوا خلال هذه الدراسة كل أعمال و أقوال هؤلاء العلماء مما أحدث أثرا على الآخرين، بعبارة أخرى درسوا عملياتهم و محتواها من حيث وسائل التواصل و الأنشطة الأخرى.و قد قادت هذه الدراسة الى بحوث أخرى في جامعة "ستانفورد" و كان لها تأثيرات كبيرة على كل الرواد الأوائل في هذا المجال.


و قد كان مركز نشاط البرمجة اللغوية العصبية في بادئ الأمر هو مقر الجامعة بـ "سانتاكروز" في ولاية "كاليفورنيا"، حيث كان لرئيس الجامعة رؤيا تتعلق بايجاد بيئة علمية تجتمع فيها كل المنهجيات، و الأفكار العلمية ، و النماذج على نحو مبتكر. و كان ذلك دافعا لانشاء المعهد الشهير "ايسالين" حيث كانت منطقة "كاليفورنيا" هي المرتع للأفكار و التطورات في هذا المجال.


و في هذا الجو العلمي الفريد، اهتمت مجموعة من العلماء بالأفكار الخاصة بتحسين الشخصية ، و الابداع،و التواصل.و كان حب الاستطلاع العلمي و المعرفي هو الدافع المحرك لأنشطة هذه المجموعة. و قد تم نشر أعمال عن تاريخ هذه الفترة في عدة كتب منها: "الأيام العصيبة": البرمجة اللغوية العصبية 1972 -1981 لـ "تيرانس ل.ماكليندون"، الذي أضاف الى الموضوع لمحة شخصية رائعة عن تلك الفترة.


توسعت مجموعة "سانتا كروز" بانضمام المؤسسين المشهورين"ريتشارد باندلر"و "جون جريندر"، حيث عملا على جوانب التطوير و التنمية.
عالج "باندلر" شريحة عريضة من الموضوعات من الفيزياء الى الرياضيات و علم النفس و الفلسفة، كما أنه كان موسيقيا بارعا. و قد كان له دور كبير في احداث تغيرات جذرية في الميادين التي كان يرتادها بعد أن تحرر من قيود المناهج الجامعية آنذاك.
و قد كان من أحد اهتماماته الخاصة علم نفس الكل "الجشتالت"، حيث بدأ في عقد ندوات حول كيفية استخدامه في العلاج النفسي.


ارتبط "باندلر" بـ "جون جريندر" الذي كان في ذلك الوقت أستاذا مساعدا في علم اللغويات في جامعة "سانتا كروز". حصل "جريندر" على درجة الدكتوراه من جامعة "سان فرانسيسكو"، و كانت أبحاثه في اللغة تتضمن نظريات "ناعوم كومسكي" اللغوي الأمريكي.
عمل "جريندر" مترجما في الجيش الأمريكي و شارك في عمليات سرية. و قد كانت له خبرة في التعامل مع اللغة من خلال صياغة و اعداد "النماذج اللغوية"، و قد تعلم عدة لغات باتباعه لهذه العملية.

و نظرا لأن "باندلر" كان يتمتع بمهارات عالية في استيعاب الأنماط السلوكية للآخرين (حيث كان يطلق عليه قديما لقب "الاسفنجة" لقدرته على أن يصبح شخصا آخر)؛ و لأن "جريندر" كانت له خبرة واسعة في اعداد النماذج (و كان يطلق عليه لقب "الحرباء" لقدرته على تغيير لونه بدون أن يتغير هو شخصيا)، فقد بدآ معا في تحليل أداء العديد من الشخصيات، كان من بينهم بعض أبرز المعالجين مثل "فريتز بيرلز" و "فرجينيا ساتير" و "ميلتون اريكسون". وقد تم الاستعانة بتسجيلات فيديو لـ "بيرلز" الذي كان قد توفي قبل اجراء الدراسة. و قد قيل أن "باندلر" من فرط تركيزه على شخصية "بيرلز" من خلال مشاهدته لشرائط الفيديو لمدة طويلة، تقمص شخصيته من حيث الشكل ، و الصوت، و اللكنة الألمانية، و الشراهة في التدخين.

عمل آخرون مع "باندلر" و "جريندر" ليضعوا أساس البرمجة اللغوية العصبية، بحيث كان يتم مراجعة و صقل كل تقنية جديدة على أسس متطورة. كما توسعوا في تجربة تقنيات التنويم المغناطيسي ، و اللغة، و حالات الغشية العميقة، و الهذيان الايجابي و السلبي ، و فقدان الذاكرة ، و التشتت الزمني. و قد أوضح "تيرانس ماكليندون" في كتابه " الأيام العصيبة" الترابط ما بين البرمجة اللغوية العصبية و التنويم المغناطيسي: "يمكن القول بان تقنيات البرمجة اللغوية العصبية تمثل نموذج العقل الواعي لكيفية عمل العقل اللاواعي تحت تأثير التنويم المغناطيسي",.

قد يكون من الصعب ارجاع الفضل الى شخص بعينه في اكتشاف تقنية معينة من تقنيات البرمجة اللغوية العصبية ، حيث أن جهود جماعة "سانتا كروز" بأسرها كانت عادة ما تتكامل كي تتيح الفرصة لهذه التقنيات للظهور.و مع استمرار العمل، ظهرت العناصر المختلفة للبرمجة اللغوية العصبية تدريجيا و مازالت الجهود متواصلة لاضافة كل جديد.


كما تشكلت اتحادات و روابط شخصية في "كاليفورنيا" فيما بين المهتمين بالمجال في تلك الفترة؛ ففي عام 1977 ، تزوج "باندلر" من "ليزلي كاميرون" و أصبح اسمها "ليزلي كاميرون باندلر"، و لم يدم الزواج سوى عام. بعد ذلك تزوج "جريندر" من "جوديت ديلوزيه" و كون معها مركز "جريندر – ديلوزيه و شركاهما"، و ذلك بعد أن فارق "باندلر" في الثمانينات. و قد فشل زواجه هو الآخر بعد فترة و هو الآن عضو في جماعة "كارمن بوستيك سانت كلير".
عندما كان "باندلر" و "جريندر" يعملان معا، أنشآا "جمعية البرمجة اللغوية العصبية". كما أنشآا دار للنشر باسم "ميتا ببليكشن"، و التي أصدرت عددا من أهم الكتب التي صدرت في هذا الميدان.

في عام 1977، تم انشاء معهد " التدريب و الأبحاث" (دوتار) في "سانتا كروز" من قبل "باندلر" و "جريندر" و معهما "جوديت ديلوزيه" و "ليزلي كاميرون"، و "ماري بيث أندرسون"، و "روبرت ديلتز" و "ديفيد جوردون". كان هذا أول معهد للتدريب على البرمجة اللغوية العصبية. وقد كانت "كاميرون" المدير العام للمعهد، كما كان "ديفيد جوردون" مدير التدريب، بينما "روبرت ديلتز" مدير البحث.

في نهاية عام 1976 ، بدأ بعض من تدربوا على يد "باندلر" و "جريندر" في انشاء ورش عمل خاصة بهم،و من هؤلاء "بايرون لويس" و"روبرت ديلتز"، و "تيرانس ماكليندون" و "ستيف ستيفنر".
كما بدأت "ليزلي كاميرون باندلر" بالاشتراك مع "جوديت ديلوزيه" في انشاء ورش عمل. و مع التوسع في هذا المجال ، تغيرت بعض صور هذه الاتحادات المشتركة، فأنهى "باندلر" و "جريندر" عملهما في بداية الثمانينيات. و حينئذ بدأت اهتماماتهما تتحول، كما اعتنقا أفكارا مختلفة فيما يتعلق بمستقبل البرمجة اللغوية العصبية، و لكن ظلا يمثلان قوة دافعة في هذا الميدان، كما استمرا في التدريب و الكتابة حتى اليوم.

منذ البدايات الأولى للبرمجة اللغوية العصبية و الاهتمام منصب في الأساس على التطبيقات العملية أكثر من الجوانب النظرية. و كانت أكثر التساؤلات المثارة هي"كيف يمكن استخدام هذه التقنية؟" و "كيف يمكن تعليم هذه التقنية؟"
ان تراث مجموعة "سانتا كروز" يكمن- جزئيا – في اتجاهاتهم التي اتبعوها من حيث حب الاستطلاع و المعرفة و توظيف كل المعلومات بشكل يؤدي الى المنفعة. و مع استمرار البرمجة اللغوية العصبية في التطور، مازالت التساؤلات التي تثار حول امكانيات التطبيق و تحويل ما هو نظري الى تطبيقات عملية هي أكثر ما يشغل العاملين في هذا المجال.

 

 

 

البرمجة اللغوية العصبية الآن أكثر سهولة
الكاتب : كارول هاريس
NLP made easy -Carol Harris
الفصل الثاني :تاريخ البرمجة اللغوية العصبية.
البرمجة اللغوية العصبية في الولايات المتحدة الأمريكية.ص 35 -39
مكتبة جرير - اعادة الطبعة الثالتة 2003