ناس وناس

 

صحيح إن الناس مختلفة، وإن اختلافهم كاختلاف أصابع اليد لا يشبه إصبع فيها الآخر، وإن مظاهر هذا الاختلاف كثيرة جداً، وفي كل المناحي سواء الشكل أو الحجم أو الوزن، أو التركيبة النفسية أو التركيبة العقلية، والخبرة الحياتية أو القناعات الفكرية أو غير ذلك مما يطول ذكره. وصحيح كذلك أن الناس رغم اختلافاتهم هذه – يلتقون على أصول محددة، أو مباديء معينة، يتصرفون ويصوغون حياتهم بناء عليها، إنه بناء على هذه المبادئ المعتنقة والممارسات المطبقة عليها يختلف مجتمع عن آخر. فالحياة الزوجية مثلاً في المجتمعات الغربية تقوم على أسس خاصة، تختلف عن تلك التي تقوم عليها الحياة الزوجية في مجتمعاتنا الإسلامية.



 

من هذه الأسس – أساس أن الأخذ مكافئ للعطاء سواء بسواء وهذا الأساس الاعتقادي من وجهة نظر أهله هو العدل الذي ينبغي أن يكون بين طرفي العلاقة؛ ولا أريد أن يفهم من كلامي أن هذه المعادلة هي المعادلة التي يمارسها تطبيقاً كل زوج في المجتمعات الغربية، فالتفاوت بالسلب والإيجاب موجود في هذه المجتمعات كما أنه موجود في كل المجتمعات الإنسانية الأخرى بما فيها نحن، فهناك من يستطيع أن يقيم نفسه تماماً على المبدأ الذي اعتقده، وهناك من  يحيد عن المبدأ الذي اعتنقه هبوطاً عنه أو حتى صعوداً عليه، ولكن الذي أريد تثبيته أن المبدأ نفسه على هذا النحو – وحسب علمي – هو المبدأ الأعلى الذي يحكم العلاقة بين طرفيها في هذه المجتمعات! قد يبادرني إنسان – ذهنياً – ويقول لي؛ ومال هذا المبدأ؟ إنه مبدأ عظيم!

 

يا ليتنا نأخذ نحن به حتى ننصف به الطرف المظلوم بدلاً من أن نتهكم على من أرساه واعتقده وطبقه! ويعلم الله أنني لا أتهكم لا على أحد ولا حتى على مبدأ أرى أنه من صميم العدل الإنساني قبل أن يكون من صميم العدل في الإسلام، ولكنني وللحق أريد أن أزيد عليه وأقول إن الإسلام أضاف إلى هذه المعادلة مبدأ أحسن وأرقى وأحكم للحياة الزوجية، وهو مبدأ -  معلش – لله! إن هذا المبدأ مفاده أن يعمل كل طرف ما أمره الله به تجاه الطرف الآخر، بغض النظر عن رد فعل الطرف الآخر، وهو إذ يفعل ذلك يرجو الثواب من الله أولاً، قبل أن يرجو حسن المكافأة أو المعاملة بالمثل من الآخر، فالله تعالى هو المبتغى الأول!

 

إن هذا المبدأ من شأنه أن يعلو بالحياة الزوجية إلى أعلى عليين، وأن يجعلها أهنأ حياة وأسعدها، وأعمقها استقراراً، وأكثرها سكينة وحباً ومودة واتزاناً. أقول لكم كيف؟! ماذا يتوقع أحدنا من رجل تجاه امرأته التي أساءت في حقه بأي شكل من أشكال الإساءة – عدا الخيانة الزوجية – وتمادت في هذه الإساءة؟ إن المتوقع – وكما هو مشاهد – ولمن غاب عنه المبدأ الذي نحن بصدده – أن يحاول أن ينتقم منها بأي شكل من الأشكال التي تشفي غليله، حتى وإن كان في ذلك بخسها حقها في الإنفاق عليها أو منعها منه بالكلية، حتى تأتيه صاغرة ذليلة مقره بخطئها أمامه.

 

إن هذا الرجل لا يشعر بذنب مما يقوم به، وإذا رُجع فيما يفعل سيقول هي التي أساءت في حقي أولاً وليس لها أن تشكو الآن من إساءتي في حقها! وقد يرى البعض ممن غاب عنهم – أيضاً – المبدأ أنه مصيب فيما ذهب إليه  وأن المرأة وحدها هي المخطئة لأنها هي التي بدأت بالإساءة! والذي أحب أن أقوله إن المرأة – بالطبع أخطأت، وكذلك الرجل، فخطأ المرأة يكمن في إساءتها الأولية والواضحة ، أما خطأ الرجل فيكمن في خلطه فيما يحق له وفيما لا يجوز له أن يفعله مطلقاً وهو وجوب الإنفاق على امرأته وعلى عيالها! إن الله أمر الرجل بالإنفاق على زوجه ولم يجعل قطع الإنفاق الواجب عليها شكلاً من أشكال التأديب الذي يحق للرجل أن يلجأ إليه إن استغلال حاجة المرأة في الإنفاق وإعناتها في ذلك لإذلالها – حتى وإن أساءت – شيء يرفضه الإسلام، وما كان أن يحدث لو أن مبدأ – لله – موجود وحاكم في العلاقة بين الطرفين.

 

إن لجوء الرجل لمثل هذا السلوك  سيؤثر في نفسية المرأة تأثيراً بالغاً، ستظل تتذكره ولن ينمحي منها بسهولة، خصوصاً إذا كان الرجل يلجأ إليه كثيراً. ولا أريد أن يُفهم من كلامي هذا أن يقف الرجل مكتوف اليدين ولا يصحح ما يراه اعوجاجاً، بل لابد أن يفعل ولكن بغير حود عن المبدأ. مبدأ -  لن أرد عليكي بالمثل – لله! إن هذا المبدأ لابد أن يعمل به الطرفان، وكما أنني دعوت الرجل في المثال السابق إليه، فإنني أدعو المرأة في هذا المثال أيضاً إليه!

 

لنفرض أن زوجك لا يعرف أسلوباً لطيفاً في الكلام، وأنه يفتقد لمثل هذا الرقي في التعامل وأنه يلقم من حوله بحجر فهل معني ذلك أن ترميه بكل حجر حجراً، وأن تقذفيه بكل قذيفة قذيفة، حتى إذا ثار وهاج وماج قلت: أنت الذي بدأت! أنت الذي قلت وأنت الذي أساءت! وإنه عليك كما انزعجت من ردي، أن تراعي إحساسي، وأن تنتقي كلامك معي؟! من المفروض أن نتعامل مع الناس كلها بالحسنى امتثالاً لأمر الله تعالى "وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن، إن الشيطان ينزغ بينهم، إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبيناً." الإسراء 53. وفي حق الخواص يكون هذا الفرض أوجب، وليس معنى أن طرفاً أساء فيما وجهه إلينا أن نرد له الإساءة بنفس الأسلوب ونحن إذ نفعل ذلك -  نفعله لله أولاً، لأنه هو الذي أمرنا بذلك، قبل أن نفعله لطرف آخر يستحق أو لا يستحق....

 

لا أريد أن يفهم من كلامي  أنني أدعو المرأة إلى ارتضاء المهانة وعدم مطالبتها زوجها بحسن عشرتها ومراعاة إنسانيتها. غاية ما أرجوه أن نثبت فعل ما أمرنا الله به – بغض النظر عن رد فعل الطرف الآخر، ابتغاء لمرضاة الله أولاً وأخيراً، وصدقوني بهذا الأسلوب ستكون حياتنا الزوجية أسعد وأهنأ وأكثر استقراراً ومودة ورحمة، وهذا هو المطلوب قال تعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون". الروم21. وقديماً قالوا ما كان لله دام واتصل وما كان لغيره انقطع وانفصل. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

عمرو خالد يكتب لمجلة المرأة اليوم بتاريخ 19 نوفمبر 2005