مواكبة التطور في قوانين المحاسبة و الضرائب

قابلته مصادفة عند أحد العملاء وأنا أقوم بتجهيز برنامج الحسابات لديهم ، أشيب الشعر هو..و قد تخطى أعوامه الستين بلا أدنى شك.. يحكم ربطة عنقه حتى آخرها ، و يضع في جيب قميصه في ترتيب شديد مجموعة من الأقلام مختلفة الألوان ..  



نظر لي متفحصاً وأنا أتنقل بين شاشات البرنامج محاولاً إنجاز العمل في أسرع وقت ولمحت نظرته المحدقة من خلف نظارته السميكة يرمق أصابعي وهى تنقر أزرار لوحة المفاتيح ، وكأنه أحد كهنة العصور الوسطى و قد راح يفكر في إصدار القرار بإحراقي حياً متهماً بممارسة أمور السحر.. " لا قناعة لدى بهذا الشىء ".. قالها وكأنه يضرب كرة التنس تجاهى منتظراً منى الرد..

نظرت إليه وحاولت رسم ابتسامة على وجهي:
   هل تعنى الحاسب أم البرامج المحاسبية؟
بدا على وجهة الارتياح عندما قادنى إلى حيث كان يبغى تماماً فابتسم فى دهاء وهو يقول:
-          كلاهما .. أنا أعمل فى مجال مراجعة الحسابات منذ عام 1970 ولم ألجأ أبداًً لتلك الأشياء
-          أعتقد أن الحاسب لم يكن قد تطور بالشكل الكافي لمثل هذه الاستخدامات عام 1970.
-          ربما .. ولكنني قابلت العديد من مصممي البرامج في الشركات التي أقوم بمراجعتها على مدى أعوام طويلة ، و لم يستطع أحداً إقناعي بأهمية تلك البرامج .. أنا حتى لا أستعمل الآلة الحاسبة في عمليات الجمع والطرح.
لم يكن يهمنى كثيراً محاولة إقناعه ، ولكن بدا لى أنه من السماجة أن أوقف الحوار عند هذا الحد وأعود لاستئناف عملى دون رد..
-          يمكنني أن أخبرك جزءاً من أهمية تلك البرامج ، وربما حاز الأمر اهتمامك.
نظر لي وكأنه يقول (هات ما عندك) فعدت أكمل كلامي:
- في البداية يوفر لك النظام الآلي أسلوباً سهلاً للإدخال بدلاً من التعامل مع تلك الدفاتر الضخمة والمتعددة ، كما يوفر لك نوعاً من الأمان الكافي بإمكانية إنشاء نسخ احتياطية من قاعدة البيانات وحفظها على وسائط متعددة بحيث تضمن عدم تعرضها للتلف مثلما يحدث للدفاتر الورقية في بعض الأحيان ، بعد ذلك يوفر النظام على المستخدم التفكير في العديد من القيود المحاسبية ، حيث يقوم النظام بإنشائها آلياُ مع المستندات وبذلك يوفر الوقت والجهد واحتمالات إدخال القيود أو المبالغ بشكل خاطئ.
أومأً برأسه ومط شفتيه في عدم اقتناع أو محاولاً التظاهر بذلك فخطر لي أن أخبره شيئاً قد يثير إعجابه في النظام:
-          يمكنني مثلاً أن أخبرك بأحد الأشياء التي أراها من مزايا تلك النظم ، ألا وهو مساعدة المستخدمين على مواكبة التطور في المعايير المحاسبية ، فمثلاً عندما تم إصدار القوائم المالية الاسترشادية مع المعايير المحاسبية التي أصدرتها وزارة الاقتصاد ، وتم إلزام الشركات المساهمة بإصدار قائمة المركز المالي وقائمة الدخل بالشكل الذي نصت عليه توحيداً لشكل القائمة ، كنت أجد كثيراً من المحاسبين لا يستطيع حتى فهم تلك المسميات الجديدة التي تم إضافتها مثل رأس المال العامل وإجمالي الاستثمار ، فما بالك بعملية إعدادها ..
 
قال في تعجب شديد ولهجة لم أستطع تمييز معناها في تلك اللحظة:
-          هل تتمكن تلك البرامج من إصدار قوائم مالية بذلك الشكل؟
-          بالتأكيد يمكنك استخراج القوائم المالية بالشكل المنصوص عليه والذي يناسب طبيعة النشاط الذي تعمل فيه الشركة أيضاً.
قلتها معتقداً أنه لابد سينبهر ولكن ما حدث كان تماماً على عكس ما توقعت إذ دفن وجهة في الأوراق التي أمامه في غيظ وهو يقول في لهجة حادة:
-          أنا لا أؤمن بتلك القوائم الجديدة على أي حال .. منذ عام 1970 ونحن نعد القوائم بشكلها المعتاد وهو ما علمنا إياه جهابذة المحاسبة فما الذي يجعلنا نلجأ إلى تلك الأشكال التي لا معنى لها ..
هنا فقط كنت قد فهمت وقررت الابتسام مجاملاً والعودة إلى الانهماك في عملي .. هذا الرجل لا يحاور من أجل المعرفة ولكنه فقط واحداً أخر من الذين لا يفكرون في التطوير وينظرون إلى كل ما قد يدفعهم لتغيير جزء من أفكارهم العتيقة بنظرة عداء وهم يصيحون "إليكم عنا باختراعاتكم ، دعونا ننهى حياتنا كما هي في سلام".
يمكنني بعد كل تلك الرواية أن أتحدث في موضوع تطوير برامج المحاسبة مع التطوير في الفكر المحاسبي و قوانين المحاسبة والضرائب ..
إذ ربما كان هذا الأمر هو أحد المعايير الهامة التي تفيد المحاسبين في معرفة جودة أحد النظم ، فالبرامج المحاسبية عادة ما تكون قد صممت منذ فترات طويلة مضت ولابد أنها قد صممت في ضوء مجموعة من القوانين التي ربما بقيت كما هي أو تغيرت كلياً أو جزئياً..
وتمتاز البرامج الجيدة بإمكانية موائمة تلك التغييرات دون مشاكل لدى المستخدمين وخاصة المستخدمين القدامى الذين لديهم قواعد بيانات وربما تمت عليها آلاف الإدخالات بشكل معين ولا يمكن بأي حال من الأحوال تغييرها أو إعادة إدخالها مرة أخرى .
لذلك يجب على المحاسب قبل التعاقد على النظام الجديد لشركته أن يقوم بفحص كامل لاحتياجاته المحاسبية والضريبية والتأكد من توافرها في البرنامج أولاً ثم يقوم بسؤال استشاري النظام عن كيفية عمل تلك الأجزاء والحصول على إجابات كافية حول مرونتها وإمكانية تعديلها مع أي تطوير في القوانين المحاسبية والضريبية .
فمثلاً تقوم بعض البرامج بحساب ضريبة الدخل على المرتبات بشكل آلي كما كانت تنص عليه قوانين الضرائب السابقة وعندما تم تغيير قانون الضرائب في العام الحالي واجهت تلك البرامج مشكله كبيرة في التعديل في صلب البرنامج نفسه ، أما البرامج التي يمتاز تصميمها بالمرونة فهي تفضل إبقاء هذه الأجزاء بعيدة عن تصميم النظام نفسه وإنما يتم تصميمها بملحقات عبارة عن برامج صغيرة تقوم بعمليات بالغة التعقيد ويمكن تعديلها في أي وقت لتناسب التغير في أساليب العمل داخل الشركات وأي تعديل في قوانين حسابها دون الدخول في تعديلات داخل البرنامج نفسه.
كما أنه من المهم لدى الشركات معرفة مدى التطور الذي لحق بالبرنامج خلال الفترات السابقة لمعرفة خطط الشركة المنتجة في التطوير ، حيث أن المعيار حالياُ في المفاضلة بين البرامج لا يتوقف فقط على جودة المنتج وملاءمته للإحتياجات الحالية ولكن على اهتمام منتجي تلك البرامج بتطويرها وتعديلها وإضفاء التحسينات عليها ، ومدى ملاءمتها للنمو والتطور في النشاط والتعديلات المستمرة في القوانين.
خلاصة القول هو أن التطوير المستمر قد أصبح أهم المواصفات التي يجب توافرها في برامج إدارة الأعمال فالذي لا يعد نفسه إعداداً كافياً لمقابلة تلك التغييرات التي تحدث بشكل دائم ومستمر في سبيل التحسين يصبح مثل سيارة عتيقة وسط سباق تتنافس فيه أحدث السيارات ، بل أن التشبيه ربما يظلم السيارة العتيقة التي قد نجد لها استخداماً أخر بصفتها أثراً ما ، أما عالم الأعمال فليس لديه متاحف للآثار وخاصة إذا كانت تلك الأمور ترتبط بالنجاح والارتقاء والاستمرار في دنيا الأعمال.
وليد نبيه


المصدر: شركة أجيال لنظم المعلومات