مناسك الحج بالترتيب

يحجّ المسلمون إلى بيت الله الحرام في أول ذي الحجة من كل عام، وإن أحسن ما يؤدي به المسلم مناسك الحج أن يقوم بها كما قام بها النبي صلى الله عليه وسلم ويحذوه حذوه في ذلك فينال محبة الله ومغفرته قال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) (آل عمران: 31).

من خلال المقال التالي سنتعرّف على مناسك الحج التي يجب على المسلم أن يؤديها بالترتيب.



مناسك الحج وأنواعها:

في البداية لا بد على الحاج أن يحدد نوع النُّسك الذي سيكون عليه حجُه، وقد تعددت آراء الأئمة حول الأفضلية بين أنواع الحج، ومنهم من جمع على أنّه يجوز الإحرام بأيّ شكل من أشكال النُّسُك الثّلاثة.

فلإحرام الحج ثلاثة أنواع وهي:

  • الإفراد: ويسمى المحرم به مفردًا وهو أن يحرم بالحج مفرداً عن العمرة في أشهر الحج، فإذا وصل مكة طاف طواف القدوم، ثم سعى سعي الحج وإن شاء أخّر سعي الحج فيسعى بعد طواف الإفاضة، ولا يحلق ولا يقصر ولا يحل من إحرامه، بل يبقى على إحرامه حتى يحل منه بعد رمي جمرة العقبة يوم العيد، وأمّا التلفظ في هذا النسك عند الإحرام أن يقول" لبيك حجاً"، فوجب أن تحضر النية.
  • القران: ويسمى المحرم به قارناً وهو أن يحرم بالحج والعمرة معاً، أو يحرم بالحج قبل الشروع في طواف العمرة، والتلفظ في هذا النسك"لبيك عمرة وحجاً" في حضور نية النسك.
  • التمتع: ويسمى المحرم به متمتعًا وهو أن يحرم بالمعمرة في أشهر الحج وهي شوال، وذو القعدة، والعشر الأولى من ذي الحجة، فإذا وصل إلى مكة، طاف وسعى سعي العمرة ثم حلق أو قصر فإذا كان اليوم الثامن (التروية) من ذي الحجة أحرم بالحج وحده، وأتى بجميع أفعاله، وصفة التلفظ في هذا النسك عند الإحرام أن يقول: "لبيك عمرة" مع النية لهذا النسك، ثم يقول في اليوم الثامن ذي الحجة "لبيك حجاً".

وعمل القارن مثل عمل المفرد تماماً، إلا أن القارن عليه هدي كالمتمتع، والمفرد لا هدي عليه، واختلف العلماء في الأفضل من الأنساك الثلاثة، وسبب اختلافهم في ذلك يرجع إلى اختلافهم في نسك الحج الذي أحرم به النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه قد روي أنه كان مفرداً، وروي أنه كان متمتعاً، وروي أنه كان قارناً.

وكل نسك من هذه الأنساك له فائدته الخاصة، وبينها فقط فروق في النية والألفاظ والأفعال، لكن أفضلها: التمتع، ثم الإفراد، ثم القران.

إقرأ أيضاً: أحاديث نبوية شريفة عن فريضة الحج

شعائر الحج بالترتيب:

1- تبدأ مناسك الحج بخروج المسلم من البيت بنيّة الحج، حيث قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف (إنما الأعمال بالنيات، وإنّما لكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرتُه إلى دنيا يصيُبها، أو إلى امرأةٍ ينكحها، فهجرتُه إلى ما هاجر إليه).

2- يبدأ الحج بالإحرام عند حدود الميقات، ويكون بارتداء لباس بسيط يتكون من رداءين غير مخيطين للرجل، وعلى المرأة أن ترتدي ما تشاء ولكن دون زينة أو تبرج.

وللمواقيت نوعان: مواقيت زمنيّة ومكانيّة، والميقات الزماني هو وقت الحج، والميقات المكاني فهو ذات عرق للعراقيين، والجحفة لأهل الشام، وذو الحليفة لأهل المدينة، وقرن لأهل نجد، ويلملم لأهل اليمن.

جاء في حديثٍ قدسي لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيثُ قال: ((وقَّتَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأهلِ المدينةِ ذا الحُلَيفةِ، ولأهلِ الشامِ الجُحْفَةَ، ولأهلِ نجْدٍ قرنَ المنازلِ، ولأهلِ اليمنِ يَلَمْلَمَ. قال: فهُنَّ لهنَّ، ولمن أتى عليهن من غير أهلهنَّ ممن أراد الحجَّ والعمرةَ، فمن كان دونهنَّ فمن أَهلِه، وكذا فكذلك، حتى أهلُ مكةَ يُهلِّون منها)).

وعندما ينوي الإنسان الحج عليه أن يبادر بالتلبية عن طريق ترك المعاصي، حيث قال الله تعالى في كتابة الكريم ((فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التقوى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَاب)).

3- دخول الحجاج للحرم والبدء بالطواف حول الكعبة سبعة أشواط، حيثُ يبدأ كل شوط بالحجر الأسود ويكون على يسار الحاج، ويجب على الحاج أن يستلم الحجر الأسود بكل شوط بالتقبيل، أو أن يُشير إليهِ من مكانهِ إذا لم يتمكن من الوصول، كما وينبغي على الطائف أن يتحاشى إيذاء من هم بجواره من الحجاج، وأن يبتعد عن المُزاحمة أو الدفع باليد.

4- بعد الطوف يتجه الحاج للسعي بين الصفا والمروة سبع مرات، والصفا والمروة هما جبلان بمكة تأسيّاً بسعي السيدة هاجر زوجة ابراهيم عليهِ السلام وأم أسماعيل عليهِ السلام بينهما بحثاُ عن الماء.

(فإذا كان الحاج متمتعًا قصر شعره وتحلل من إحرامه، وانتظر قدوم يوم التروية، أما القارن والمفرد فهما على إحرامهما إن قدما مكة قبل يوم التروية، ويطوف القارن والمفرد طواف القدوم تحية للبيت الحرام ولهما أن يسعيا بين الصفا والمرة وهذا السعي من أركان الحج، ولهما أن يؤخرا السعي إلى طواف الإفاضة ويظلا على إحرامهما).

5- بعدها يتم التوجه إلى مِنى وهو المكان الذي تُرمى بهِ الجمرات بعد طواف القدوم في الثامن من ذي الحجة وهو اليوم المسمَى بيوم التَروية، يبيتون فيها ويصلُّون فيها الظُّهر والعصر والمغرب والعشاء وفجر اليوم الذي يليه وهو اليوم التَّاسع من ذي الحجَّة أي يوم عرفة.

إقرأ أيضاً: إرشادات ونصائح صحية للحجاج أصحاب الأمراض المزمنة

6- الوقوف بعرفة: وهو أهم أركان الحج وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة). وقته الأفضل من بعد الزوال حتى بعد غروب الشمس، والجائز من طلوع شمس يوم التاسع حتى طلوع فجر يوم العاشر.
ولو أدركت لحظة في هذا الوقت بعرفة فحجك صحيح، ولكن إن كانت هذه اللحظة قبل غروب الشمس فقط فعليك دم، وإن كانت بعد الغروب فلا شيء عليك، إلا أنه فاتك المبيت بمزدلفة فعليك دم لأجل مزدلفة لا لأجل عرفة.

لذلك انطلق إلى عرفة وذلك في التاسع من ذي الحجة، واجمع صلاتي الظهر والعصر وواظب على الذِّكر والدُّعاء حتى غروب الشَّمس. والسنّة أن تستقبل القبلة عند الدعاء لا استقبال الجبل ويستحب هذا الدعاء "لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير".

إقرأ أيضاً: يوم عرفة... فضائله وأحكامه

7- النزول من عرفة إلى المُزدلفة، إذا غربت الشمس، اذهب إلى مزدلفة ويكون ذلك في ليلة العاشر من ذي الحجة، فإذا وصلتها صل المغرب والعشاء (جمعاً وقصراً بأذان واحد وإقامتين) قبل أن تحط رحلك، وقبل جمع الحصى.

ويتم المبيت في مزدلفة وبعدها صلّ الفجر في أول وقته وأكثر من الدعاء والذكر حتى إسفار الفجر (المبيت واجب حتى طلوع الفجر والأفضل حتى الإسفار)، وإن كنت ضعيفاً لا تستطيع مزاحمة الناس عند الرمي، فلا بأس أن تسير إلى منى آخر الليل، لترمي الجمرة قبل زحمة الناس.

8- فإذا قرب طلوع الشمس توجه من مزدلفة إلى مِنى في العاشر من ذي الحجة فإذا وصلت إليها فعليك القيام بما يلي:

أ. رمي جمرة العقبة، وهي أقرب الجمرات إلى مكة بسبع حصيات متعاقبات واحدة بعد الأخرى، والتكبير مع كل حصاة.

ب. ذبح الهدي، والأكل منه، والتوزيع منه على الفقراء، والهدي واجب على المتمتع والقارن، ومستحب للمفرد.

ج. حلق الرأس أو التقصير، والحلق أفضل، والمرأة تقصر منه بقدر أنملة.

  • إذا رميت الجمرات وحلقت، فقد حللت التحلل الأول ويسمى (التحلل الأصغر) تتحلل من إحرامك، ويجوز لك فعل

جميع المحظورات إلا النساء من جماع أو ما دونه كالتقبيل ونحوه.

  • لو فعلت اثنين من أربعة: الرمي أو الحلق أو الطواف أو السعي. أما النحر فلا يدخل هنا لأنه لا يجب على جميع الحجاج.

وإذا فعلت هذه الأربعة كاملة مع النحر إذا كان واجباً عليك فقد تحللت (التحلل الثاني أو التحلل الأكبر)، جاز لك جميع المحظورات حتى النساء.

9- طواف الإفاضة ويسمى (طواف الزيارة): في العاشر من ذي الحجة بعد الحلق انزل إلى مكة وطف طواف الإفاضة وإن حللت قبل ذلك، فطف بثيابك.

ويسعى الحاج المتمتع بين الصفا والمروة، أما سعيه الأول فهو معدود من مناسك العمرة التي قدمها على الحج، أما المفرد والقارن فيسعيان إن لم يسعيا من قبل مع طواف القدوم بين الصفا والمروة عند أول وصولهما لمكة، حيث يكتفي في الإفراد والقِران سعي واحد.

وبعدها يحقُّ لهم التَّحلُّل الثَّاني من الإحرام، وبه يحلُ لهم كلُ ما كان محظوراً عليهم حتى مباشرة النِّساء.

10- ثُمّ بعد ذلك تتم عودة الحاج من يومه (وهو اليوم العاشر) إلى مِنى والمبيت فيها ليلة الحادي عشر والثاني عشر من ذي

الحجة، والمقصود بالمبيت أن يدركك الليل ولو لحظة منه وأنت ب مِنى.

11- أيام التشريق وتبدأ من اليوم الحادي عشر من ذي الحجة الى اليوم الثالث عشر. وتكون أعمال أيام التشريق:

أ- رمي الجمرات أيام التشريق: (صفة الرمي): من بعد الزوال تبدأ بالصغرى وهي أبعدهن عن مكة ثم الوسطى ثم جمرة العقبة كل واحدة بسبع حصيات متعاقبات تكبر مع كل حصاة، وتقف بعد الأولى والوسطى تدعو الله مستقبلاً القبلة وتطيل الدعاء وترفع يديك، ولا تقف بعد الكبرى (العقبة)

ب- إذا أتممت الرمي في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة فإن شئت أن تتعجل فاخرج من منى قبل غروب الشمس. أما إذا غربت الشمس، فيلزمك المبيت ليلة الثالث عشر من ذي الحجة ورمي الجمرات الثلاث بعد زوال الشمس.

12- عند عودة الحجَّاج إلى مكة إن أرادوا الرجوع إلى بلادهم فيطوفون بالكعبة المشرَّفة سبعة أشواط في طواف، يسمَى طواف الوداع ويرتوون من ماء زمزم. إيذاناً بانتهاء أدائهم لمناسك الحجِّ وتوديعاً لبيت الله الحرام.

 

وأخيراً نتمنى بهذا الشرح المبسط لشعائر الحج وأنواعها أن يكون فيها الإفادة والثواب، حيث يجب على كل حاج أن يقوم بها بالترتيب وذلك لكي ينال أجر هذه الفريضة المباركة وعسى أن يكون حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً.




مقالات مرتبطة